الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

وكانوا أقرب إلى التقوى؟!

وكانوا أقرب إلى التقوى؟!
وكانوا أقرب إلى التقوى؟!




كتب: وليد طوغان

شّرع الله الدين لصلاح المجتمعات، رغم اختلاف أهواء الأفراد أو الجماعات، لذلك.. عرف جمهور أهل الفقه الإسلام بـ: عادات تصح بها الدنيا (المقصود هنا هو المعاملات)، وعبادات يصح بها الدين.
 لكن الإمام «ابن تيمية» (اول مراجع الجماعات السلفية والجهادية فى فهم الاسلام) قدم عادات العبادة على عادات المعاملة، بينما خالفه الإمام «الشافعي» والإمام «أبوحنيفة»، فغير أن الإمامين أكثر ميلًا للتيسير من «ابن تيمية»، فإن لهما آراء اخرى فى مفهوم الدين لها وجاهتها.
 فـ«الشافعى» مثلًا، يرى أن الهدف من التشريع الدينى هو إصلاح المجتمع، وتنظيم العلاقات، ومنع التشاحن أو الافتئات على الحقوق بين أفراده، وعلى هذا، فإن المعاملات وفق هذا المنطق يجب أن تكون مقدمة، أو أولى من العبادات التى هى علاقة وصلة بين العبد وربه.
 لا يعنى هذا تقليل «الشافعي» من قيمة العبادات، إنما تأكيد من الإمام أن القاعدة الفقهية بأن حقوق الله محل عفوه سبحانه، بينما حقوق العباد هى محل القصاص.
 المعنى، أنه ترك العبد صلاة، ثم استغفر، فإن الله يغفر، بينما لو اعتدى عبد على آخر، واستغفر، فلن يغفر الله إلا بعفو صاحب الحق، فإذا لم يعفُ العبد.. وجب القصاص، فالقصاص من المعتدى على حقوق العباد فى الفقه، يمنع الفوضى، ويغلق الباب على الاعتماد على عفو الله، فتضيع الحقوق، وتُنتهك الحرمات، وتفور المجتمعات بالفوضى والدماء.. والبلطجة.
 ولصلاح المجتمع، ودرء الحدود بالشبهات، ومنعًا للفوضى والأخذ بالشبهة، ظهرت قاعدة الاستصحاب كقاعدة أصيلة فى الفقه الإسلامى.
والاستصحاب هو استمرار الشىء على أصله، حتى تغير الأصل بدليل جديد يحوله إلى ضده أو مخالف له.
 وفق الاستصحاب، لا تثبت جريمة على متهم إلا بإقراره أو بالدليل، على أساس أنه ولد بريئًا بيقين، بينما اتهامه شك، وفقهًا.. لا يلغى الدليل اليقينى إلا دليل يقينى آخر.. فلا يجوز عقاب متهم بشك، لأن الأساس فيه البراءة «استصحابًا لأصله».
 اللجوء للاستصحاب فى الأزمات مهم، إذ إن تلك القاعدة تغلق الباب على الظنون بما يؤلب المجتمعات بعضها على بعض فى أمر مشكوك فيه، فتتنازع الطوائف، وتتمسك الجماعات كل بآرائها وظنونها.. والنتيجة كوارث اجتماعية.. وطائفية أيضًا.
ثم ان المهم ان ننظر الى آراء الإمام «الشافعي» فى الدين على انها «اجتهاد»، كذلك آراء الإمام «ابن تيمية»..  الاثنان مجتهدان.. ومختلفان، لكنهما لم يخرجا لا على صحيح الدين، ولا عن روح الإسلام.. كل فى عصره، لكن السؤال: ما الذى يجعلنا نرجح رأى أحدهما على الآخر فى واقعة ما، إذا التبست الآراء، وغمت الأحكام؟
الإجابة: المصلحة، فقد اجتمع أهل الفقه على أنه حيثما توجد المصلحة، فعندها شرع الله، والمصلحة غالبًا ما تتلاقى عند الفقه الأيسر، الذى يرفض التشدد، ويأخذ فى الاعتبار ظروف العصر وملاءمة الأحكام الفقهية لتراكيب المجتمعات الحديثة.
 لكن التيارات السلفية والجهادية لا يأخذون بالأيسر فى الدين، وتأويل نصوصه، واستخراج احكامه.. وهى الأزمة التى ظهرت ملامحها، وأدت إلى صراع رهيب بين طوائف دينية سلفية وبين مجتمعات لم تعد تتحمل التشدد منذ الثمانينيات من القرن الماضى.
 والتيارات السلفية متكلسة فى الفكر الدينى ، وفى التطبيق . فمعظم السلفيين لا يجتهدون، أو قل إنهم لا يجتهدون إلا فى حدود اجتهادات المسلمين الأوائل، مع أنه يجوز لهم الاجتهاد وفقًا لظروف العصر، وتغير الأحوال، والثقافات،  أكثرهم يأخذ بفقه «ابن تيمية»، بينما للإمامين «الشافعى» و«أبو حنيفة» آراء فى المسائل نفسها أيسر ، وأكثر ملاءمة للدين والدنيا من دون الخروج على شرع الله.
 ويرى «السلفيون» أنهم يعملون شرع الله، وهم الذين ينزلون حكم الله، وهم وحدهم الذين يقيمون حدود الله.. مع أن هذا ليس صحيحا.
 يُروى أن رسول الله (ص) سأل أحد ولاته وهو فى الطريق لإمارته: بمَ تحكم؟ فأجاب: بكتاب الله، فقال (ص): وإن لم تجد؟ قال بسنة رسول الله، فقال (ص): وإن لم تجد؟ فأجاب الوالي: أعمل بحكم الله، فقال النبي: لا، بل اعمل حكمك أنت واجتهد، فإنك لا تدرى ما حكم الله فيهم.
لا أحد يعرف للآن كيف يريد شباب السلفية إنزال حكم الله.. فى أرض الله، رغم تغير الظروف، وشيوع الثقافات، ورغم الأدلة الفقهية التى ضبطت كثيرًا من القواعد، فلا التفتوا إليها ولا اجتهدوا معها؟
 هم مؤمنون لا جدال، لكن الذى لا جدال فيه أن أغلبهم.. ليسوا مفكرين ولا مجتهدين. مصطلح «السلفية» نفسه تقليد، وهو أيضًا ليس وصفًا دينيًا، فالدين تقدمي، بينما التيار السلفى دعوة واضحة للرجوع إلى الخلف تمسكًا بالسلوك القويم لـ«السلف الصالح».
الاستئناس بمسالك الأوائل مفيد.. لكن الذى غير المفيد، اعتبار سلوك هؤلاء الأوائل أكثر من اجتهادات بشر، ومن غير المعقول الإصرار على رفع هذه الاجتهادات إلى مراتب النصوص المقدسة أحيانًا.
 دعوة السلفيين لتقليد الجيل الاول من المسلمين الاوائل هى انسحاب من مجتمعات تخطت فكر السلف بمئات السنين، والإصرار على التمسك بتفسيرات «أبى بكر وعمر» (رض) للقرأن مثلا، بعد اكثر من 1400 عام على وفاتهما، ليست فى صالح «أبو بكر وعمر» (رض) . فأبو بكر وعمر ليسا معصومين من الخطأ، وعقول القرن العشرين، اكثر تقدما وتحضرا، وقدرة على الفهم المتناسب مع العصر، مقارنة بما فهمه أبو بكر وعمر فى عصرهما.
فالذى أتى به الاسلام ، من عند الله، أما الذى أتى به أشخاص مهما كانوا لتفسير مقاصد الدين، فهو من أمور الدنيا، وفى أمور الدنيا.. يجوز الاختلاف، ويجوز تغير الأحكام مع تغير الزمان.
لذلك، ليس كل ما اجتهد فيه السلف يمكن سحبه على الدين، باعتبار أنه هو ما أراده الله لعباده، فحدث أن اختلف «عمر بن الخطاب» مع «أبى بكر» فى تفاسير كثير من آيات الأحكام، ورغم أن «أبا بكر» و«عمر».. «سلف»، فإن عمر (رض) رد اجتهاد «أبى بكر» فى الخروج لحروب الردة ورفضها فى البداية، وشهر عنه قوله: لو لم تكن فتنة لمنعت أبا بكر.
 و«عثمان بن عفان» (رض) «سلف» هو الآخر، لكن هذا لم يمنع السيدة «عائشة» من الخلاف معه للحد الذى أسهبت فيه كتب التاريخ .
خلاف السيدة عائشة وعثمان بن عفان .. وصل بهما الى الحرب . فدعت السيدة عائشة الى قتل عثمان !!
القتل على «التأويل» استمر.. وتشعب.. ووجد من يدافع عنه، الى ان حرقت داعش الطيار الاردنى .. امتثالا لسنة ابى بكر.. وخالد بن الوليد فى الحرب.
صحيح تقول روايات ان أبا بكر وابن الوليد لم يجدا فى حرق الاعداء مشكلة، لكن روايات اخرى ان عمر بن الخطاب وابن عباس.. حرما حرق العدو.. لا حيا ولا ميتا.
فأى الآراء اقرب الى التقوى ؟!