الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حركة المحافظين.. حديث المركز والأطراف

حركة المحافظين.. حديث المركز والأطراف
حركة المحافظين.. حديث المركز والأطراف




 

كتب: د.حسام عطا

عن المركز والأطراف، عن العاصمة المركزية والأقاليم حديث قديم جديد يحضر للمشهد بمناسبة حركة المحافظين الجديدة، حيث لم تعد الأقاليم هى تلك المناطق البعيدة خارج العاصمة، أما أثرياء القاهرة الجدد، والذين كونوا حساسية مشتركة تحكمها مصالح مشتركة هجروا قلب العاصمة القديم والأحياء السكنية الشهيرة، وصنعوا تجمعاتهم على أطراف القاهرة، من التجمع الأول للخامس، للمنتجعات المغلقة التى لا يزيد سكانها فى بعض الأحيان عن ثلاثين عائلة، اما العاصمة القديمة فقد مسها قدر واضح من التريف، حيث كانت مقصد الهاربين من شظف العيش فى الأرياف، ومن التضييق عن الحريات الشخصية وبهجة الحياة اليومية فى الأطراف، أو الذين جذبتهم المهن النادرة المتوافرة بالعاصمة فقط مثل المجالات الاحترافية للفنون وغيرها من المهن النادرة المشابهة، لكن الجدير بالملاحظة هو التغير الملحوظ فى أخلاق العاصمة وفى حريتها وطموحها، وطريقتها فى أرتداء الملابس والتمتع بأوقات الفراغ، أما الأطراف التى كانت تسمى بالأقاليم البعيدة، فالملاحظ أنها تحاول استعادة حرياتها القديمة، بل وتعرف كيف تدير اقتصادا خاصا، جزء كبير منه بالتحديد فى القرى والمدن الصغيرة خارج نطاق المعاملات المالية الحديثة، لكنه ساهم فى حماية الاقتصاد المنظور ودوائر السوق العامة فى مصر من الانهيار، مازالت مدارسها هى الأكثر انضباطا، مازالت جامعاتها الأكثر انتظاما فى العمل، مازالت شوارعها الأكثر امنا، مازالت اخلاقها العامة قادرة على حماية الفقراء والمهمشين، مازالت التشاركية الأسرية والتضامن الجيلى مسألة قابلة للإنجاز، أخذت من العاصمة التكدس المرورى والشوارع الجميلة فى المساء، والتى تتحول لجراجات متحركة فى ساعات الصباح وأوقات الذروة، فنادق فاخرة كبرى، أسواق حديثة، توكيلات لشركات عابرة للقارات، اتصال منتظم كثيف بسلوك الشبكة الدولية للمعلومات مثل أجهزة الكمبيوتر المحمولة التى  تصاحب أجيال الشباب فى حركتهم اليومية، الانتشار الواضح لمقاهى الإنترنت، ظهور واضح لحرية الحركة للمرأة، وإن كان محسوبا للجمع بين مساحة واضحة من الحرية ومساحة متوازنة مع التقاليد، وتلك المدن تتميز بطبيعتها بتراث أكثر انضباطا فى المصالح الحكومية، وفى تأثير كبار العائلات وقدرتهم على ضبط الانفلات والفوضوية فى السلوك، بل المساهمة النسبية فى استقرار الأمن، على سبيل المثال يمكن أن تلحظ ذلك بوضوح فى دمنهور والمنيا والمنصورة وسوهاج وقنا، وأسيوط التى أكتب منها الآن تلك السطور، هى مدينة يمكن بقدر من الخيال والإرادة السياسية أن تتحول لمدينة كبرى ذات ثقل إقليمى فى مجالات عدة، ويمكن بجهد تنظيمى أن تنافس فى أناقتها مدن الجنوب الأوروبى المستقرة، أما ريفها فلا يزال منفصلا فى معظم إيقاعه عن إيقاع المدينة، وهو الذى يحتاج لتغيير جذرى فى طبيعة صياغته للشوارع، وأسلوب المعيشة وطريقة تنظيم الزراعة التى كادت أن تصبح نشاطا هامشيا، مثله فى ذلك مثل أطراف العاصمة القاهرة التى تعيش زمنا مختلفا عن زمن العاصمة، جدير بالذكر أن كتابة تلك السطور تذكرنى بمشروع إعادة رسم خريطة مصر، والذى يتم التمهيد له الآن بالاهتمام بشبكة واسعة من الطرق، وهو الذى يستهدف تغيير الخريطة السكانية، وهو مسألة ممكنة بالتأمل الدقيق لإمكانات خارج العاصمة الكبيرة، أحاول فى تلك الأيام التى أقضيها هنا فى مسقط رأسى أسيوط ان أعيد تعزيز الإنتماء للمكان، وهو بالتأكيد ما يجعلنى أفكر فى إمكانية أن تنطلق تلك الأقاليم التى لم تعد بعيدة الى طموح أكبر يمهد للمشروع الأهم الذى تنتظره مصر بعد عبور الاستحقاق الأخير لخارطة الطريق ألا وهو الانتخابات البرلمانية، واستعادة الاستقرار الاجتماعى، إنه مشروع خريطة مصر الجديدة التى تصبح فيها أقاليمها مجموعة من العواصم الكبرى والمراكز المتعددة، فى ظل غياب ضرورى لفكرة العاصمة المركز، وهو الغياب الذى نتمناه على ألا يتناقض مع حيوية الدولة المركزية ذات الطبيعة التاريخية فى مصر.