الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بين المنتجع الساحر والمعتقل الكئيب

بين المنتجع الساحر والمعتقل الكئيب
بين المنتجع الساحر والمعتقل الكئيب




كتب: عاطف بشاى
كلاهما شرف بالانتماء إلى المؤسسة العسكرية العتيدة.. وكلاهما أدى دورا وطنيا قبل أن يصبح فوق قمة السلطة الرئاسية المصرية.
الأول هو اللواء «محمد نجيب» - الذى خاض المعركة الانتخابية لنادى الضباط والتى فاز برئاسة مجلس إدارته ضد مرشح الملك - وقد قاتل ببسالة أثناء حرب فلسطين 1948وجرح مرتين.. وتميز بصفات شخصية رشحته لقيادة الحركة المباركة - قبل أن تسمى ثورة 23 يوليو 1952 فهو طيب القلب.. سليم النية.. يتمتع بصفاء الطوية والصدق والثقة البالغة فى قدراته على مزيد من التواضع بلا تكلف.. وعزوف طبيعى عن استخدام أساليب المكر والدهاء.. هذه الصفات التى أكسبت شخصية الرجل ببساطة طبيعية وجاذبية لا تقاوم كانت هى سر قوته كما كانت سر ضعفه.
فقد كان «عبد الناصر» يتوق إلى قائد من هذا الطراز المرن فى معاملاته والناجح فى اجتذاب الناس ليضمن سرعة استجابة الشعب والجيش للحركة مع التأكد فى الوقت نفسه أنه سوف يسهل عليه توجيهه والسيطرة عليه فى المستقبل.. وقد تمتع نجيب فى بداية الثورة بتركيز واهتمام وسائل الإعلام فى مصر وخارجها من المناقب الجليلة.. وهالات البطولة ، وصفات العظمة ما لم تشهده مصر من قبل إلى الحد الذى حوله شخصية أسطورية لا تتمالك الجماهير نفسها كلما رأته من التصفيق الشديد والهتاف المدوى والتكالب الجنونى على سيارته.
ومازلت أذكر أنى ملأت الدنيا صراخا وبكاء وأنا طفل.. رغبة فى أن يشترى لى والدى «كابا» أبيض اللون مطبوعا عليه صورة «محمد نجيب» كان منتشرا انتشارا كبيرا وقتها.
كما كانت خطب وأحاديث أعضاء مجلس القيادة من الضباط الأحرار لا تنقطع تمجيدا لعظمته والإشادة بمهارة القيادة إلى الحد الذى جعل أنور السادات يضع اسمه على رأس أعظم عشرة رجال فى العالم فى استفتاء أجرته مجلة المصور العدد 491 - 8/5/1953».
أما «حسنى مبارك» فقد كان قبل اعتلائه السلطة هو نائب رئيس الجمهورية الذى سبق له الاشتراك فى حرب أكتوبر المجيدة بصفته قائد القوات الجوية التى قادها فيما يسمى «بالضربة الجوية» والتى تمت بنجاح كبير مهد لمعركة العبور العظيمة.
وكلاهما «نجيب» و«مبارك» تمت تنحيته عن منصبه.. الأول فى مطلع 1954 والذى اشتعل فيه الصراع بين نجيب ومجلس قيادة الثورة.. وعلى رأسه جمال عبد الناصر ، وبلغ ذروته فى أزمة مارس.. وحددت إقامته فى استراحة بضاحية المرج متهالكة ومهجورة كانت تخص زينب الوكيل زوجة الزعيم مصطفى النحاس باشا أى أنه تم إقصاؤه من قبل زملاء السلاح.. وليس بموجب إرادة شعبية.
أما مبارك فقد أجبرته ثورة شعبية عظيمة بكثافة فى مشاعر الكراهية الطاغية لحاكم اصطبغ عهده باستشراء فساد لم يسبق له مثيل منذ حكم المماليك..
وخرج مهانا مجبرا من قصر العروبة هو وأسرته إلى مكان إقامة جبرية هانئة سعيدة تبعث على البهجة والحبور.. منتجع مخملى رائع هو «الجولى فيل» فى قصر منيف بهيج حينما تسقط عليه اشعة الشمس الربيع يبدو ذا (جنابذ) - تعنى قباب من اللؤلؤ.. وجدران من زبرجد وأعمدة من مرمر ويقبع فى كبرياء وصلف فوق ربوة فى جزيرة بحرية ساحرة بمدينة شرم الشيخ.
أما «محمد نجيب فكان قبل أن يدخل معتقل المرج الكئيب.. رصيده فى البنك الأهلى المصرى 624 جنيها
وكان كل دخله من مرتبه كرئيس للجمهورية مرتب فى حدود 6 آلاف جنيه. تنازل عن نصفه فى خطاب رسمى لوزير المالية.. كما سبق أن تنازل عن رتبة الفريق ومرتبها التى صدر بها أمر ملكى بعد الثورة مباشرة يوم 24 يوليو 1952 وبالتالى فقد انخفض معاشه الذى تقرر بعد خروجه من الحكم فأصبح 183 جنيها و866 مليما.. وكان هذا المعاش هو كل دخله تقريبا.. ولم يكن يكفيه ذلك أنه بجانب مصاريف بيته الشهرية كان ينفق مبلغا من المال آخر على تعليم أولاده فى الخارج.
أما مبارك فقريبا بعد البراءة النهائية سوف يعود إلى منتجعه السعيد.. يسترخى على شاطئ بحر شفيف هو شريط من حرير أزرق.. يحدق هائما فى أفق لا نهائى.. عن يمينه طائرة خاصة رابضة فى تأهب وتململ.. وعن يساره يخت أنيق يرسو على رمال ناعمة متلألئة.. وتعبث تحت قدميه فى مائها أسماك رقيقة ملونة.. وفوقه طيور بحر من نورس وبلابل وعصافير ترفرف مغردة مبتعدة مذعورة مندهشة متسائلة : ألا تكفيه ملياراته المنهوبة.. ومليارات الهانم والأنجال والأقارب والأحباب والأصدقاء.. ومغارة الذهب والياقوت والمرجان والزمرد التى ذهبت إلى خزائنهم فى كل أرجاء الدنيا ولن تعود بينما هو يمسك بأهداب زمن زائل يتسرب كالماء بين يديه.. وفى اغفاءاته تتداخل فى اختلاط محموم صرخات غرقى العبارة.. واسغاثات المتفحمين فى قطار الصعيد.. وعويل البائسين الذين يفترشون الارض ويلتحفون بالسماء بعد انهيار هضبة المقطم فوق رءوسهم.
وباطل الأباطيل الكل باطل وقبض الريح.