الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«القاهرة» تسعى لترجمة التوافق.. وتوقيع وثيقة تحفظ حقوقها القانونية

«القاهرة» تسعى لترجمة التوافق.. وتوقيع وثيقة تحفظ حقوقها القانونية
«القاهرة» تسعى لترجمة التوافق.. وتوقيع وثيقة تحفظ حقوقها القانونية




أديس أبابا - أحمد إمبابى
«مصر لم تعد مصر، وإثيوبيا لم تعد إثيوبيا، وإفريقيا لم تعد إفريقيا» بهذه الكلمات الثلاث لخص السفير المصرى لدى إثيوبيا، ومندوب مصر الدائم لدى الاتحاد الإفريقي، السفير محمد فتحى إدريس، النظرة المصرية الجديدة لأزمة سد النهضة والاستراتجية الجديدة التى يجب أن تتبع مع الأشقاء الأفارقة بما يضمن معاملتهم بتقدير وتبادل مشاعر الاحترام والشراكة

هذه الكلمات عبر عنها إدريس فى معرض حديثه عن المسار الذى تتبعه الدولة المصرية فى التعامل مع قضية حوض النيل وسد النهضة الإثيوبي، ذلك أن الأزمة تفرض على مصر السير فى مسار الحوار والتعاون بشعار «الشراكة»، علاوة على أن المواطن الإفريقى لم يعد كما كان فى السابق وبات أكثر وعيا وإدراكا للمعادلة الدولية.
أزمة سد النهضة الإثيوبى ومخاوف تأثر حصة مصر المائية أحد أبرز تحديات الأمن القومى والمائى المصري، ونظرا لأهمية تلك القضية الحيوية «روزاليوسف» تقصت كواليس التحركات المصرية والإثيوبية وأطراف التفاوض من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
يدرك الرئيس عبدالفتاح السيسى حجم تحدى سد النهضة، ودائما ما تحدث فى تصريحاته وخطاباته عن مخاطر تلك القضية والمسار الذى تسير فيه مصر.
السيسى زار إثيوبيا للمرة الأولى للمشاركة فى القمة الإفريقية الرابعة والعشرين، ويستعد لزيارة ثانية خلال أشهر قليلة على المستوى الثنائى لتعميق وتطوير مستوى العلاقات بشكل يفتح صفحة جديدة فى مسار التفاوض وحماية حقوق ومصالح البلدين.
ولم تكن قضية سد النهضة ببعيدة فى لقائه الثالث مع رئيس الوزراء الإثيوبى ديسالين بأديس أبابا، حيث أكدا التزامهما بمسار التفاوض الذى تم الاتفاق عليه فى شهر يونيو الماضى بتشكيل لجنة ثلاثية مع السودان وبحث مخاطر السد والتأكيد على حماية حقوق الدول الثلاث من مياه نهر النيل.
مخاطر السد على مصر
وقبل الحديث سيناريوهات الحل المصرى لأزمة سد النهضة والتى بدت واضحة فى تحركات ولقاءات المسئولين المصريين باديس أبابا على هامش القمة الإفريقية الأخيرة بداية من الرئيس السيسى ولقائه رئيس الوزراء الإثيوبى ولقاءات وزيرى خارجية البلدين ووزيرى الري، هناك مجموعة من الحقائق الخاصة بقضية السد لا يجب أن تحيد عن أى مصري.
الحقيقة الأولى: أن الدولة المصرية باتت تعترف رسميا بمخاطر السد على حصتها المائية المقدرة بـ55 مليار متر مكعب سنويا من إجمالى 84 مليار متر مكعب هى اجمالى مياه نهر النيل.
وأكدت مصر هذا الاعتراف بدراسة رسمية قدمتها للجانب الإثيوبى خلال زيارة الرئيس السيسى الأولى، تم اعدادها من خبراء وزارة الري، وتحمل نتائج علمية بأن سد النهضة بحجمها المعلن من الجانب اﻹثيوبى 74 مليار متر مكعب سيؤثر سلبيا على الموارد المائية المصرية.
وقدمت مصر تلك الدراسة حتى يتأكدوا أن القلق المصرى مبرر وقائم على أسس علمية، وفقا لتأكيدات وزير الرى الدكتور حسام المغازي.
الحقيقة الثانية: أن بناء سد النهضة بات واقعا لا مفر منه، والجانب الإثيوبى والرأى العام الإثيوبى يتعامل مع القضية باعتبارها واقعا لا رجعة فيه، وفى نفس الوقت يؤكد الجانب الإثيوبى كثيرا على لسان رئيس الوزراء ديسالين إنه «ﻻيمكن أن تنقص نقطة مياه من حصة مصر المائية».
الحقيقة الثالثة: أن مسار التفاوض الذى تسير فيه مصر يستغرق وقتا طويلا، ما بين اجتماعات اللجان الاستشارية ولجان اختيار المكاتب الاستشارية لتقييم السد وطريقة التواصل مع أطراف التفاوض الثلاثة مصر والسودان وإثيوبيا، وهذه إحدى العقبات التى تواجه المفاوض المصري.
سيناريوهات التحرك المصرى
اتخذت الدولة المصرية مجموعة من التحركات المختلفة خلال الستة أشهر الماضية من شأنها تحرك مسار التفاوض والحوار مع الجانب الإثيوبى فى قضية سد النهضة بعد أن تجمدت تلك المفاوضات وكتب لها الفشل فى السنوات الثلاث السابقة.
وتعتمد الدولة المصرية فى تحركاتها الجديدة على مسارات عدة لتحقيق هدف واحد وهو حماية حصتها التاريخية من نهر النيل والسعى لاعتراف دول حوض النيل بحقوقها الموثقة قانونا فى معاهدات واتفاقيات دول حوض النيل.
وبدأت الدولة فى سبيل ذلك بمجموعة من الخطوات المحفزة للأطراف الأخرى بداية باشرف الرئيس بنفسه على ملف سد النهضة، وتأكيد المسئولين المصريين على أن مصر تؤيد مشروع السد كمصدر للتنمية بإثيوبيا ولكنها فى نفس الوقت تعتبر نهر النيل مصدر للحياة لايجب أن تتأثر حصتها منه.
ولمزيد من التوضيح هناك مسارات عدة تتحرك فيها الدولة المصرية هي:
المسار القانوني: وفيه حققت مصر نقلة حقيقية فى مسار التفاوض خلال زيارة السيسى الاخيرة لإثيوبيا عندما وافق رئيس الوزراء الإثيوبى على مقترح الرئيس بانشاء لجنة مشتركة لصياغة وثيقة مبادئ حول سد النهضة تضمن حقوق البلدين فى نهر النيل.
فإن الوثيقة تمثل تعهد جديد يوقع عليه الطرفين لحماية حقوق ومصالح كل دولة المائية، وهى خطوة تسعى لها مصر لتوقيع وثيقة مكتوبة مع الجانب الإثيوبى لحماية حصة مصر القانونية والتاريخية بجانب الوثائق التاريخية الأخري.
وهذا التوجه أكده الرئيس عندما قال لرئيس الوزراء الإثيوبى أهمية اتخاذ إجراءات ملموسة تحول التوافقات السياسية إلى مرجعية قانونية تحفظ حقوق البلدين وتهدف إلى تأمين مصالحهما وتعزيز التعاون المشترك فيما بينهما.
وأكده أيضا السفير علاء يوسف، المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، فى لقائه بالوفد الإعلامى بأديس أبابا عند الحديث عن امكانية توقيع اتفاقية مكتوبة مع إثيوبيا، حيث قال إننا نبحث مع الجانب الإثيوبى هذا الأمر فى إطار العلاقات الدولية بما يضمن تحويل الإعلانات والمبادرات المشتركة من قبل لواقع ملموس.
كما أكد وزير الخارجية المصري، سامح شكري، أن مقترح توقيع وثيقة ملزمة للطرفين بعدم الإضرار بمصالح أى دولة لازال ساريا ونعمل على الانتهاء منه.
المسار السياسي: من خلال توثيق مصر لعلاقاتها الإفريقية وزيادة التأثير المصرى فى إفريقيا وخاصة دول حوض النيل، وهو ما بدى من حرص الرئيس السيسى على المشاركة فى اجتماعات القمة الإفريقية دورتين متتاليتين خلال ستة أشهر وزيارته لإثيوبيا.
كما أن السيسى يسعى لبناء شعبية له فى الشارع الإثيوبى بالتأكيد على احترامه وتقديره لحقوق الشعب الإثيوبى فى التنمية، وتلبية الدعوة التى وجهها له رئيس الوزراء الإثيوبى بالقاء كلمة أمام البرلمان الإثيوبى يخاطب بها الشعب الإثيوبى والتى من المتوقع أن تكون فى الزيارة الثانية للسيسى لاديس أبابا بعد عدة أشهر.
المسار الخارجي: وهو ما تسير فيه مؤسسة الخارجية المصرية مع الأطراف الدولية المؤثرة فى القضية، خاصة لدى دول حوض النيل، حيث تنوعت الاتصالات المصرية الخارجية مع حلفائها بالخارج، خاصة الدول والمنظمات التى تقدم تمويلا لسد النهضة مثل ايطاليا وبعض الدول الأوروبية.
وحول ما إذا كانت دولة مثل الصين تشارك فى بناء السد قال وزير الخارجية المصرى سامح شكرى إن الصين لا تمول السد وهم أكدوا هذا الأمر ذلك أن إثيوبيا تعتمد فى تمويل السد على طرح سندات.
مسار التفاوض: باستكمال المفاوضات الفنية التى تقوم بها اللجنة الثلاثية المشتركة بين مصر والسودان وإثيوبيا، ولكن مصر تسعى لتعجيل مسار التفاوض وعدم اضاعة الوقت من خلال اجرءات عديدة أعلن عنه وزير الرى الدكتور حسام المغازي، منها أن يكون هناك اتصال مباشر بين جميع اﻷطراف «مصر السودان إثيوبيا» بدﻻ من الخطابات والمراسلات التى تستغرق وقتا طويلا ودورة معقدة.
هذا بجانب الاتفاق على استبعاد أى شركة أومكتب استشارى يطالب بإجراء دراسة خلال أكثرمن 12 شهرا، على أن يكون الحد الأدنى للعمل بالدراسة 5 أشهر.
نظرة الإثيوبيين للسد
ينظر الشارع الإثيوبى إلى مشروع سد النهضة باعتباره مشروع قومى سيحقق لهم نقلة تنموية كبيرة، وينتظر الشعب الإثيوبى إجراءات الانتهاء من بناء السد لجنى ثماره الداخلية.
واستطاعت الحكومة الإثيوبية أن تروج جيدا لمشروع السد باعتباره أمل الأجيال المقبلة، ولذا يدافع كل مواطن إثيوبى عن مشروع السد ويعتبره جزءا من مستقبل دولتهم.
ويقول «مابيري» وهو مواطن إثيوبى: نحن نحتاج للكهرباء طول الوقت وفى أمس الحاجة إليها لأنها غير متوفرة لذا نبنى السد من اجل التنمية وانتاج الكهرباء.
ويضيف «قناعة بأن السد لن يؤثر على حصة مصر المائية أو أى دولة أخرى لأننا نبنيه من اجل انتاج الكهرباء»، وأى طريقة للحل لابد أن تكون بالحوار طول الوقت بحيث نضمن تطورنا واستمرار مشاريع التنمية دون التأثيرعلى أى دولة، لان العنف والصدام ليس جيدا بأى شكل للأطراف.
واذا كانت تلك نظرة المواطن العادى فى الشارع فان للحكومة لها حساباتها الخاصة بمشروع السد.
وواجهت الحكومة الإثيوبية أزمة فى تمويل بناء السد، ولذا قامت بطرح سندات للمواطنين للمشاركة فى التمويل وايضا لبعض الجهات الدولية لاستكمال بنائه.
اللافت أيضا أن الحكومة الإثيوبية تضع سياجا أمنيا كبيرا حول مشروع السد وتمنع أى مواطن أو صحفى أو إعلامى محلى أو من الخارج الذهاب لحين استكمال بنائه والانتهاء منه.
«الشراكة» شعار العلاقات مع إفريقيا
مثلت مشاركة الرئيس السيسى فى القمة الإفريقية للمرة الثانية على التوالى خلال ستة أشهر رسالة هامة عن تغيير استراتجية مصر فى التعامل مع الدول الإفريقية من خلال المشاركة بأعلى مستوى تمثيل فى الفعاليات الإفريقية.
وأكد هذا التوجه المتحدث باسم رئاسة الجمهورية فى تصريحات له على هامش القمة بأن مصر تنظر للاشقاء الافارقة كشركاء لنا ونتعاون معا من أجل تحقيق التنمية المشتركة، مشيرا إلى أن الدولة المصرية حريصة على التواصل مع الشعوب الإفريقية.
وأضاف أن نتائج هذا التوجه ظهرت فى القمة الإفريقية الماضية عندما استعادت مصر مقعدها فى الاتحاد الإفريقي، وفى القمة الحالية باعتماد لجنة الترشيحات الإفريقية لترشيح مصر فى عضوية مجلس الأمن غير الدائمة 2016-2017.
وفى نفس الاطار قال السفير المصرى لدى إثيوبيا إن الاستراتجية المصرية تجاه إفريقيا بحيث تعتمد على نظرة مستقبلية أكثر من الحديث بلغة الماضي، ذلك أن إفريقيا لم تعد إفريقيا فى الماضى فى إشارة إلى أنها أصبحت أكثر نضجا وكذلك إثيوبيا ومصر.
26 وفدًا مصريًا زار إثيوبيا فى شهر
فيما يعكس المسار الجديد للعلاقات المصرية الإثيوبية كشف السفير المصرى لدى إثيوبيا السفير محمد إدريس إنه خلال شهر واحد زار 26 وفدا مصريا مختلفا إثيوبيا.
وقال إن هذا يعكس مجالات التعاون المشتركة بين الجانبين ويعكس حرص مصر لتوثيق العلاقات مع الدول الإفريقية، مشيرا إلى أن استعادة مصر لمكانتها الإفريقية لاتقتصر على جانب واحد وإنما يجب أن تتم وفق استراتجية تشارك فيه العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية والشعبية والاجتماعية والدينية والإعلامية.
المفاجأة التى لمسناها من بعض المواطنين فى إثيوبيا، هى استمرار تداعيات المؤتمر الشهير الذى عقده الرئيس المعزول، محمد مرسي، وقت توليه الرئاسة فى قصر الاتحادية مع القوى السياسية وتم اذاعته على الهواء ووجهت فيه انتقادات حادة للجانب الإثيوبي.
ولازال الشارع الإثيوبى يرفض فكرة الصدام التى تحدث عنها مؤتمر مرسي، حيث استغلت إثيوبيا ذلك المؤتمر بشكل جيد داخليا لتأليب الشارع الإثيوبى ضد مصر، حيث وظل التليفزيون الحكومى يكرر إذاعته لأكثر من اسبوعين كى يقنع شعبه أن مصر دولة عدوانية تريد قتلهم وتدمير بلادهم ما يسهل له لاحقا الاسراع فى بناء سد النهضة.
وقال السفير المصرى بإثيوبيا إن ذلك المؤتمر كانت له أثر كبيرا على العلاقات المشتركة، حيث كانت فى أسوأ حالتها وانعدمت علاقات الصداقة مع المسئولين الإثيوبيين بل تأثر به المصريين هناك حيث لم يعد يهتم بهم أحد.
وكشف إدريس أن عدد المصريين فى إثيوبيا يصل إلى نحو ٢٥٠ مصريا ٦٨ منهم يعملون فى شركة المقاولون العرب، والباقى أطباء وعاملون فى الاتحاد الإفريقى وبعض رجال الأعمال.
أطماع أوربية فى القارة الإفريقية
تحرص عدد من الدول الأوروبية على زيادة تواجدها فى القارة الإفريقية وتعميق علاقاتها مع دول إفريقية وخاصة الغنية بالموارد.
«روزاليوسف» لاحظت على هامش اجتماعات القمة الإفريقية الرابعة والعشرين بأديس أبابا تواجد أوربى كبير وممثلين عن دول أوربية كثيرة أثار جدلا واسعا بين الوفود الإفريقية.
وتسبب التواجد الأوربى فى أزمة قبل موعد انعقاد القمة الإفريقية عند دعوة مفوضية الاتحاد الإفريقى لاجتماع الدول للتواصل مع ليبيا ودعت فيه أطراف أوربية كثيرة لأول مرة منها إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وتركيا، وهو ما اعترضت عليه مصر وقررت الانسحاب من الاجتماع باعتبار ان ذلك شأن إفريقى وهناك تجمع آخر قائم باسم دول جوار ليبيا.
كما شارك فى اجتماعات القمة الإفريقة الرابعة والعشرين ملك إسبانيا الملك فيلب كضيف شرف القمة وأيضا رئيس وزراء السويد ومفوضة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى.
أزمة تركيا
ونظرا للتواجد القوى لدول أسيوية فى القارة الإفريقية مثل الصين والهند، فان هناك بعض الدول الأوروبية تسعى لمنافسة تلك الدول فى القارة السمراء مثل تركيا التى نظمت فى نوفمبر الماضى ما يسمى بالقمة الإفريقية التركية وتسعى لتوثيق علاقاتها مع دول حوض النيل وخاصة إثيوبيا.
التواجد التركى أثار غضب بعض القادة الأفارقة والذى عبر عنه رئيس زيمبابوي، روبرت موجابى رئيس دورة الاتحاد الإفريقى الحالية، عند مناقشة نتائج القمة الإفريقية التركية التى عقدت بغينيا الاستوائية نوفمبر الماضي.
وقال موجابى فى جلسة مغلقة للقمة، حضرتها «روزاليوسف»، إنه لايجب أن تقيم إفريقيا مشروعات مع بلد صغير مثل تركيا، فنحن يمكن أن نقبل ببلد كبير مثلا الصين أو أوربا لأن الأمر يتعلق بإفريقيا لكن لا نقبل بدولة صغيرة، داعيا إلى إلغاء هذا التعاون، مضيفا: «نحن نود أن تربطنا صداقات بالدول لكن لايجب أن يكون على حسابنا».