الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«الجبنة الصيامى» و«تماثيل القديسين الصينية» تحارب الكتاب المقدس

«الجبنة الصيامى» و«تماثيل القديسين الصينية» تحارب الكتاب المقدس
«الجبنة الصيامى» و«تماثيل القديسين الصينية» تحارب الكتاب المقدس




تحقيق – روبير الفارس

تعكس حالة الإقبال الكبير على القراءة كما كشفتها الدورة الأخيرة لمعرض القاهرة الدولى للكتاب حالة يقظة واهتمام وتفاؤل بمستقبل افضل، الأمر الذى جعلنا نبحث فى هذا الإطار عن مستقبل الكتاب المسيحى ومشاكله ومدى الإقبال عليه، حيث كشفت دراسة حديثة عن أن عام 2014 شهد فقط إصدار 550 كتابًا مسيحيًا طبقا لأرقام الإيداع بدار الكتب.


من هنا نجد سؤالاً يطرح نفسه: هل هذا العدد يتكافأ مع ملايين الأقباط؟ أم يدل على ابتعادهم على القارئ فى ظل تحويل المكتبات إلى بازارات لبيع المنتجات الصينية من تماثيل وصور للمسيح والقديسين، حيث الأكثر رواجا ومكاسب.
فى البداية يقول إميل الراوي، مدير دار أوفير للكتاب المسيحى، إن الاحتياج الاساسى للكتاب المقدس يكمن فى الاهتمام بالموضوع أى المضمون الجيد، والكاتب، والطباعة بشكل لائق وجذاب، والنشر والتوزيع، فإذا تضمنت جودة هذه العناصر مؤكد سوف تجد قارئًا يسعى لاصداراتك، منوها إلى أن ذلك لن يأتى إلا بالاهتمام بتقديم كتب تخدم النفس والتنمية البشرية فى إطار روحى مثل «الإيمان القويم ـ معرفة الله والنفس ـ بالكاد نجوت» وغيرها، وكلها كتب تهتم بمشاكل الإنسان المعاصر فى بواقعية.
وتضيف مارى رمسيس، اخصائية فى التربية ومؤلفة سلسلة التوعية الجنسية للاطفال، أن الكتاب المسيحى مثله مثل أى كتاب فى السوق المصرية، وحاله كحال أى منتج ثقافى لا يلاقى رواجا لأننا شعب دخله بسيط بل ضعيف، يحتار الآباء هل أطعم جوف أطفالى أم أطعم مخ وعقل أطفالى، وفى الغالب يختار الأب إطعام الجوف لا العقل.
ولفتت رمسيس إلى أنه إذا زادت الدخول سينعكس ايجابيا على انتاج ورواج الكتب والسلع الثقافية، ولا انكر أيضا أن هناك مشاكل فى الطباعة وتكلفتها العالية وزيادة أسعار الورق، مشيرة إلى أنها حاولت فى تجربتها أن تقدم أفكارًا لموضوعات حيوية، خاصة أن المكتبة المسيحية بل المصرية فى حالة عطش شديد يصل إلى حد الجفاف، منوها إلى أن سلسلة الكتب الخاصة بها تشمل التوعية فى الثقافة الجنسية لحماية الأطفال من مخاطر الاعتداء الجسدى والإيذاء الجنسى بشكل مبسط ومكثف لتقليل سعر التكلفة.
مجدى نعيم، المسئول عن دار الثقافة الإنجيلية بالمعرض، قال: إن المشكلة الأساسية هى عدم كتابة موضوعات تهم شريحة الشباب واهتماماتهم وتقديم الإيمان والعقيدة فى شكل القصص الروائية الايمانية فهذا المجال ضعيف الانتاج،  فيلجأ القارئ المسيحى إلى كتب لبنان رغم ارتفاع سعرها بصورة مبالغ فيها، مشيرا إلى أن كتب دار الثقافة تمتاز بترجمة الكتب المسيحية الحديثة وبإخراجها فى جودة عالية، فضلا على أنها تقدم ما يناسب العصر.
انحسار  الثقافة
يقول عادل جرجس كاتب وباحث، إن مشكلة الكتاب المسيحى هى جزء من إشكالية كبيرة وهى انحسار الثقافة المسيحية والقبطية بوجه عام، فهناك ظروف تاريخية كثيرة أدت إلى التضييق على تلك الثقافة ولا نغالى إن قلنا إن ذلك كان هدفاً من أهداف ثورة 52 أو إنه نتيجة لتلك الثورة اذا ما أحسنا الظن وتم تصنيف كل المطبوعات القبطية والمسيحية على أنها مطبوعات طائفية عزفت دور النشر عن التعامل معها ولم يتبق من منافذ النشر أمام الكتاب الأقباط غير الكنيسة التى هوت بالسقف الثقافى للمطبوعات المسيحية واختزلته فى الثقافة الدينية التى احتكرها أساقفة وقساوسة الكنيسة وأصبح دخول كاتب علمانى فى منظومة الكنيسة الثقافية أمرا بالغ الصعوبة.
وتابع: اختفى الإبداع القبطى وندرت الأبحاث القبطية ولم يعد هناك منفذ للكاتب القبطى المستقل إلا الصحافة والتى تعاملت مع الكتاب الأقباط على أنهم نوع من البهارات الصحفية الذى تضيفه إلى تشكيلة كتابها حتى تظهر بكل ألوان الطيف، لكن فى الفترة الأخيرة كانت هناك انفراجة ضيقة يمكن أن ينفذ منها الكتاب الأقباط وأصبحت هناك بعض دور النشر المسيحية وغير المسيحية تتعامل معهم.
ويشدد جرجس على ضرورة التفرقة بين دور النشر المسيحية والتى تعتمد على الكنيسة كسوق لترويج كتبها ومن أجل ذلك تتعامل مع كتاب ترضى عنهم الكنيسة بل أحيانا كثيرة لا تقوم تلك الدور بنشر الكتاب إلا بعد موافقة أحد كبار الأساقفة عليه وغالبا ما يكتب هذا الأسقف تقديم للكتاب أو ينوه على غلاف الكتاب إلى أنه راجعه، وغالبا ما يكتب اسم الاسقف أكبر من اسم المؤلف، ولا يجد الكاتب مناصا من الرضوخ إلى ذلك، فالمثقف القبطى فقير لا تعيره الدولة أى اهتمام وتستخدمه الكنيسة وتلقيه فى سلة المهملات متى أرادت.
وأشار إلى أن دور النشر غير المسيحية تتهافت على الروايات فقط فالراوية هى السلعة الرائجة فى سوق الكتب، فضلا عن أن كتاب الرواية الأقباط نادرون والموهوبون منهم القلة، وتعزف دور النشر هذه عن نشر الأبحاث والدراسات المسيحية لأنها خارج ثقافة المجتمع، فالمتلقى المسيحى تعود على الثقافة التى تصدرها له الكنيسة وهى المصدر الآمن للكتب.
ولفت إلى أن الكنيسة تحرص على تكريس هذا التوجه داخل الوجدان القبطى فهو يساعد الكنيسة على استمرار حالة التغييب الدينى التى تصدرها الى مؤمنيها وتخشى من أن يتسرب الوعى للشعب القبطى من خلال بعض الكتب.
ونوه الكاتب إلى أن هناك العديد من الحلول ولكن كلها تعتمد على حركة الكتاب والمثقفين الأقباط فهم المعنيون بالقضية فى المقام الأول، فعليهم التوحد فى كيان ثقافى يكون أول اهتماماته نشر الثقافة القبطية وتلميع الموهوبين من الكتاب، فلماذا مثلا لا يتفق هؤلاء على إصدار كتاب شهرى بعنوان «الكتاب القبطي» تتاح فيه فرصة الكتابة لكل الموهوبين.
الشعب لا يقرأ
يؤكد جرجس بشرى، إعلامى، أن هناك عدة مشكلات تواجة أى كاتب بشكل عام والكتاب المسيحيين بشكل خاص، ولا يمكن استثناؤهم من هذه المشكلة، وأهمها أن الشعب المصرى غالبيته لا يقرأ، فضلا عن أنه لا تزال هناك، وإذا تحدثنا عن مشاكل الكتاب المسيحى، فإنها تتمثل فى عدم اهتمام المصريين بالقراءة، علاوة على أن الكاتب المسيحى أو الكاتب فى الأمور الدينية المسيحية يقع بين مطرقة التوزيع وسندان النشر، حيث يواجه الكاتب مشكلة كبيرة فى ايجاد دار لنشر الكتاب وتوزيعه، ومن الممكن أن تحتكر دار النشر  الكتاب وتلقى بالفتات للمؤلف الذى بذل مجهودا كبيرا حتى خرج كتابه إلى النور، حيث يكون نصيبه نسبة ضئيلة جدا من الربح، كما أن عملية التوزيع قد تستغرق فترة طويلة جدا نتيجة لعدم قدرة دار النشر والمؤلف على تسويق الكتاب.
وأوضح بشرى أنه توجد مشكلة خطيرة تهدد الكتاب المسيحى أو من يكتبون فى الشأن المسيحى وهى جودة وفكرة المنتج وما يحويه من اسلوب وابتكار فى العرض دون اخلال بالثوابت المسيحية واقتحام للمشكلات التى تعانى منها الكنيسة والمسيحيين بشكل مبتكر وخلاق يعرض مشكلات ويقدم حلولا لها، موضحا أن عدم وجود مؤسسة لدعم الكتاب المسيحى بدءا من طباعته مرورا بمراجعته ثم توزيعه أدى إلى خلق مشكلة فى هذا الأمر.
واستنكر تراجع نشر الكتب المسيحية الذى قتل الابداع واصاب بعض الكتاب المبدعين والمبتكرين بالإحباط لعدم قدرتهم المادية على تكلفة  الطباعة التى أصبحت باهظة فى الوقت الذى ترتفع فيه أسعار الكتب، وعدم اقبال الناس عليها بسبب عدم القدرة على الدفع، ما يجعلهم يتلقفون معلوماتهم من الإنترنت الذى أصبح منافسا شرسا.
ولفت إلى أن من أبرز الحلول التى تجب مراعاتها لحل الأزمة وهى وجود مؤسسة كنسية داعمة للكتاب والمفكرين والمؤلفين وكل من يكتبون فى الشأن المسيحى، إلى جانب أن تكون فكرة الكتاب أو الموضوع الذى يطرحه الكاتب جريئًا ومبتكرًا وجديداً فيما يتعلق بمشكلات الأسرة المسيحية وخلافه، ويجب على الحكومة المصرية والقنوات المسيحية أن تشجع الناس على القراءة وشراء الكتاب لأن الكتاب سيظل هو المرجع الأول للوثائق والمعلومات على الاطلاق.
وطالب بشرى بضرورة تخفيف بعض دور النشر والتوزيع قبضتها وسطوتها الحديدية على الكاتب، كما يجب أيضا تفعيل حقوق الملكية الفكرية قانونيا، فضلا على اهتمام الكاتب نفسه بتسويق منتجه «الكتاب» بطرق مبتكرة من خلال الدعاية له على  شبكات التواصل الاجتماعى ومحاولة ايجاد منافذ تسويقية أوسع وعمل ندوات تتعلق بمادة الكتاب وبثها إعلاميا.
أهداف  تجارية
قال القس فادى فوزى، إن أزمة الكتاب المسيحى تأتى فى الدرجة الأولى فى مضمونه، ومازالت الكتابات السهلة التى تفتقر إلى العمق والدراسة بغرض أهداف تجارية هى السائدة، مشيرا إلى أن هناك بالطبع دور نشر تهتم بالمضمون لكنها تواجه مشكلة فى نوعية الفئة المستهدفة، حيث تواجه مشكلة فى التوزيع وارتفاع أسعارها بالنسبة للقارئ غير المتخصص.
بينما يرى رامى سمير، مخرج، أنه بالنسبة لتوزيع ما يسمى الكتاب المسيحى فأعتقد أنه لا توجد مشكلة فى التوزيع ولكن المشكلة فى فقر المحتوى والمضمون، لأن المضمون هو الذى يساعد فى الانتشار، والدليل على ذلك هو بعض الكتب التى وزعت بأعداد كبيرة للكاتب الأمريكى المعروف فليب يانسى. والذى اشتهر بكتابات ذات مضمون قوى فى موضوعات ذات جدال من خلال طرحه لاسئله مثل «كتاب اين الله عندما أتألم ـ الله الذى لم أكن أعرف»، فهذه الكتب وغيرها لاقت استحسانًا لدى القارئ الذى يبحث عن نفسه من خلال الكتاب،  فإذا استطاع الكاتب أن يعبر عن مضمون قوى يريده الناس بالتأكيد سوف يحقق المبيعات.
وأشار إلى أن هناك كتابًا سطحيين لا يقدمون شيئًا ولكن يطبع لهم العديد من الكتب التى تؤدى إلى احباط القارئ، ومن هنا يمكن ان نجد الحل وهو البحث عن كتاب ذات عمق فكرى وعقلى يواكب متطلبات القارئ، وهذا يجعلنى اتساءل: أين هى الرواية ذات الطابع المسيحى ولا أقصد سير القديسين.
سوء  التوزيع
يقول سامح سليمان، كاتب: الكتاب الدينى المسيحى مؤدلج بحسب توجهات موظفى المؤسسات الدينية وبحسب الفكر الدينى الشعبى السائد فى المجتمع، معتقدا أن المشكلة تكمن فى سوء التوزيع، حيث إن دائرة الكتاب المسمى بالكتاب المسيحى تنحصر فى الكنائس والمترددين عليها، وذلك بسبب عدم تنوع الموضوعات المطروحة، مشيرا إلى أن الحل يكمن فى تثقيف حقيقى يكون أكثر عمقًا وتنوعًا وثراء من حيث الموضوع وطريقة المعالجة، وخلق مثقفين جدد فى مختلف النواحى الفكرية والأدبية والعلمية، كما كان سائداً فى الخمسينيات والستينيات من أمثال لويس عوض، وسلامة موسى، وغالى شكرى.
الإقبال  كبير
يضيف مدحت بشاى، كاتب، إن الحقيقة وبمناسبة افتتاح الدورة الجديدة لمعرض الكتاب، فإنه يتلاحظ أن الإقبال على الكتاب الدينى والبحث عن المكتبات الدينية والتزاحم على أبوابها يشكل ظاهرة فى السنين الأخيرة التى سادت فيها بين الناس حالة التدين، فقد علمته الكنيسة أن لا سبيل ولا مرجعية لها أولوية بقدر سلسلة مؤلفات قداسة البابا شنودة الثالث، وفى مقدمتها سلاسل «كلمة منفعة ـ عظات الكاهن ـ داود لمعى»، ثم والأكثر رواجاً تلك الكتب التى تتناول سير القديسين وأحاديث المعجزات، وقد يكون الإقبال سببه ترويج أهل الوعظ والخدمة الروحية لمثل تلك النوعية لأنها تمثل لهم مرجعية سهلة لاستخدامها كمواد جاذبة للشباب.
الجبنة  الصيامى
يقول باهر عادل، كاتب: إن الكتاب القبطى فى أزمة حقيقية وهى: ندرة اللاهوتيين والباحثين الجيدين،  الاهتمام بكتب الاباء وترجمتها تُعتبر جهودًا فردية وليس جهدًا مؤسسيًا برعاية البابا ـ هكذا يجب أن يكون -، بالإضافة إلى أن محافظات الصعيد خصوصاً  محرومة من وجود مكتبات لبيع الكتب، وتم تحويل أغلب مكتبات «البيع والاستعارة» داخل الكنائس إلى منافذ بيع للحوم، وبيع الجبنة الصيامى! ثم أضف إلى كل ذلك أسعار الكتب المرتفعة.