الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الحضارة الإثيوبية تحاكى التاريخ المصرى القديم

الحضارة الإثيوبية تحاكى التاريخ المصرى القديم
الحضارة الإثيوبية تحاكى التاريخ المصرى القديم




أديس أبابا ـ أحمد إمبابى
أبحرنا  فى تاريخ الدولة الإثيوبية، الملقبة بأرض الحبشة، باعتبارها أحد أبرز المناطق فى إفريقيا المميزة بتاريخها وتراثها القديم.
وتحاول الدولة الإثيوبية أن تؤصل لتاريخها وتراثها على مر حكامها والفترات التى شهدتها تلك الدولة، بما فى ذلك تاريخها ما قبل الميلاد وبقايا الكائنات التى كانت تقطن بتلك المنطقة فى وسط القارة الإفريقية.

تحتفظ دولة إثيوبيا بتاريخ وتراث يؤرخ لفترة قديمة من تاريخ الإنسانية، وحاولت الدولة الإثيوبية أن تحتفظ ببعض من مشاهد هذا التاريخ ووثائقه بإقامة متحف قومى تشرف عليه الحكومة ليروى تاريخ الدولة الإثيوبية، لكن اللافت أن جزءًا كبيرًا من تاريخ إثيوبيا القديم والحديث به روابط كبيرة بتاريخ مصر والدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط.
من هذا المنطلق حصلت «روزاليوسف» على زيارة متحف إثيوبيا القومى فى رحلة للإبحار فى تاريخ تلك الدولة الإفريقية وأبرز ما كان يربطها بالدولة المصرية على مر عصورها.
أقدم كائنات الأرض
المتحف الذى يقع فى وسط حديقة قريبة من مقر الحكم بالعاصمة أديس أبابا، وضع فى مدخلة مدفع استخدمته القوات الإثيوبية فى حربها ضد الاحتلال الإنجليزي.
المتحف مكون من أربعة طوابق، فى الطابق الأرضى خصص لتراث الإنسان القديم، حيث يحتفظ المتحف بباقايا هياكل الحيوانات القديمة، حيث تم العثور على هياكل فى منطقة مليئة بالحفريات باديس أبابا وسمى بوادى الحفريات القديمة.
ويضم القسم هياكل لحيوانات عمرها 2 مليو ن عام، ومنها هيكل أقدم كائنات الأرض مثل فرس النهر، والزرافة، وهيكل لرأس فيل ضخم تزن فقط 300 كيلو، وهيكل أقدم إنسان من ٤ ملايين سنة، علاوة على هيكل لإنسان من ٥ ملايين سنة وسموه الأب الكبير.
وأيضا يضم المتحف هيكلاً لسيدة تسمى «لوزى» عمرها 2.3 مليون سنة، بجانب أدوات كان يستخدمها الإنسان القديم من سكاكين للمعيشة.
مراحل الحكم الإثيوبى
وفى الطابق الثانى خصص ليروى تفاصيل مراحل الحكم الإثيوبى فى التاريخ الحديث والإمبراطورية الإثيوبية، حيث ضم لبس الإمبراطور وقادة إثيوبيا العسكريين وقت الحرب على الاستعمار الإيطالى، بجانب لبس قساوسة الكنيسة الإثيوبية.
وفى هذا الجزء يروى قصة رجل الدين الإثيوبى يوحانس الذى خاض أكثر من معركة حربية مع الخديو إسماعيل فى السودان وفاز عليه مرتين وقت أن كانت مصر والسودان دولة واحدة، ووقت قيام الثورة المهدية فى السودان تم قتله هناك.
كما يروى هذا القسم تاريخ الإمبراطورية الإثيوبية بداية من الملك منيلك فى أواخر القرن التاسع عشر والإمبراطورة زادوتو وصولا للإمبراطور هيلى سيلاسى، وكرسى الإمبراطور الذى يحتفظ به المتحف.
ومن المميز فى هذا الجزء النحت الإثيوبى القديم على الحجر على غرار التاريخ الفرعونى والهيلوغريفى المصرى بما يعكس تشابه الحضارتين المصرية والإثيوبية.
ملكة سبأ
وفى الطابق الثالث يروى المتحف تاريخ الأديان فى إثيوبيا بداية من ملكة سبأ بلقيس، حيث يعتقد الإثيوبيون أن أصلها من الحبشة ويطلقون عليها «باكيدا»، وصورة لها  لما ذهبت للسلام على سيدنا سليمان، بجانب صورة السيدة مريم وقصة سيدنا عيسى.
هذا فضلا عن لوحات تراثية تروى التاريخ الإفريقى بجميع الدول الإفريقية، وتراث معركة الإثيوبيين ضد الاحتلال الإيطالى فى عهد الإمبراطور تواضروس.
وفى الطابق الأخير خصص لتاريخ إثيوبيا الحديث ورحلة الإنسان الإثيوبى نحو البناء والزراعة.
مجزرة الإرهاب الأحمر
حاول المجتمع الإثيوبى أن يؤرخ لنضال شعبه فى مواجهة ما أسموه مجزرة الإرهاب الأحمر فى عهد الحكم الشيوعى بإثيوبيا بعد الإمبراطور سيلاسى، وقامت مؤسسة وأتحاد ضحايا العنف الأحمر وهو أحد المنظمات الأهلية بانشاء متحف لضحايا الحقبة الشيوعية أطلقوا عليه «متحف الإرهاب الأحمر».
وفى وسط العاصمة الإثيوبية أديس أبابا وتحديدا بجوار ميدان ماسكال الأكبر فى المدينة يقع مقر متحف الإرهاب الأحمر، حيث تفتح أبوابه مجانا للزائرين من الإثيوبين أو الأجانب للاطلاع على معاناة الشعب الإثيوبى فى عهد الحكم الشيوعي.
ربما لا يلتفت المارة كثيرا للمتحف الذى يقع وسط مبان سكنية، ولكن بمجرد الدخول من بابه الرئيسى ويستقبلك القائمون عليه يأخذك سريعا إلى الماضى، حيث الوثائق وتراث احتفظ به الإثيوبيون للأجيال المقبلة يروون من خلالها رحلة أجدادهم نحو الاستقلال والتحرر من الحكم الإمبراطورى والشيوعي.
تجولت «روزاليوسف» داخل المتحف، بصحبة مابيرى، مرشد المتحف، الذى اعتقل ٨ سنوات فى عهد الحكم الشيوعى لإنه لاينتمى إليهم، وتنقلت عبر أركانه المختلفة التى يروى كل جزء منه فصلاً من فصول تاريخ إثيوبيا الحديث، ولتوضيح الصورة نروى بعضًا من مشاهد ذلك المتحف العتيق.
مجاعات سيلاسى
البداية مع الإمبراطور هايلى سلاسى وملابسه الفخمة ومعطفه والخطابات الموقعة بخط يده للتنازل عن الحكم فى عام 1972 عندما تعرض الشعب الإثيوبى إلى مجاعة شديدة اضطرت الآلاف للخروج فى الشوارع ضد الإمبراطور، وهو ما دفعه للتنازل عن الحكم لابنه.
وفى أركان المتحف زينت صور تروى تفاصيل المجاعة التى تعرض لها الشعب الإثيوبى فى عهد سيلاسى وكان أحد أبرز تلك الصور صورة الشعب وهو يلتف حول سيارة الإمبراطور ليطلبون منه المساعده.
مظاهرة المسلمين
وفى أحد أركان مجموعة من الصور تروى مظاهرات المسلمين فى إبريل 1974 للمطالبة بالمساواة مع المسيحيين بشعارات «الدين لله والوطن للجميع»، وكان المشهد البارز فى تلك المظاهرات هو وقوف المسيحيين لتأمين مظاهرات المسلمين.
أيضا صور تروى مظاهرات لسائقى التاكسى والأجرة فى فترة السبعينيات احتجاجا على ارتفاع اسعار البترول، علاوة على أن مقتنيات المتحف تروى أكثر من حادث لتصفية المعارضين للإمبراطورية الإثيوبية، بداية بمحاولة الانقلاب الفاشلة من وزير الدفاع الإثيوبى على الإمبراطور سيلاسى عام 1960، والذى تم إعدامه بعدها عام 1961، وفى الإطار صورة لرئيس الاتحاد التجارى الإثيوبى إبيرا جومو الذى تم اغتياله بسبب مطالبته بالديمقراطية.
ناهيك عن أبى بيجينيا الذى ألف كتبًا كثيرة ضد سيلاسى وتم قتله، بالإضافة إلى منشورات كانت توزع داخل الجامعات ضد الإمبراطور، وصولا بلحظة الإنقلاب على سيلاسى واثناء الذهاب لقصره  وصورته وهو أسير ومعتقل.
الغريب هنا هو أن مابيرى مرشد المتحف أبدى حسرته على خروج الشعب الإثيوبى على الامبراطور سيلاسى، بعدما شاهدوه من مجازر ومجاعات أبشع فى الحكم الشيوعى، قائلا: إن الاقتصاد فى عهده كان قوى والعملة المحلية كانت لها قيمة.
مجازر الحكم الشيوعى
يؤرخ المتحف لمرحلة جديدة من تاريخ إثيوبيا بعد انقلاب المجلس الماركسى الشيوعى بقيادى مانجستوى إنقلابا على سلاسى عام 1974، لتبدأ إثيوبيا فصلا من الحرب الأهلية استمرت لعقود وراح ضحيتها مئات الآلاف من الإثيوبيين.
أولى مجازر الحكم الشيوعى قيامهم بإعدام كل وزراء عهد سيلاسى فى وقت واحد وهو ما ترويه صور ووثائق المتحف، وبعدما كان الشعب الاثيوبى يؤيد الانقلاب على سيلاسى سرعان ما اعترض عليه بسبب مجازره ولجوئه للقتل، حسبما يروى مابيرى مرشد المتحف.
ويروى المتحف بوثائقه استمرار الوضع السىء للإثيوبيين فى عهد الحكم الشيوعى والمجاعات، حيث كان الشيوعيون يستخدمون الأموال لشراء السلاح من روسيا، وفى مشهد آخر لمانجستو وهو يرفع زجاجة دم لإعلان الحرب الحمراء.
ويقول مابيرى إن ضحايا الشعب الاثيوبى فى عهد الشيعويين وصلت الى 755 ألفًا من المسلمين والمسيحيين، وكانوا يركزون فى جرائمهم على المتعلمين من الأطباء والمهندسين والمعلمين.
وفى أحد أركان المتحف صور لوثائق يتهم فيها مانجستو بعض الدول العربية بتحريض طلاب الجامعات ضده، قاصدا مصر والسعودية، وصورًا لمنشورات طلبة الجامعات وطريقة طبعها وآلة الطباعة المستخدمه لذلك.
مقابر جماعية
المشهد الأكثر تأثيرا هو صورة المقابر الجماعية التى استخدمها الشيوعيون ضد الإثيوبيين، حيث خصص المتحف جزءا لذلك به نموذج لتلك المقابر وجماجم وبقايا الذين تم قتلهم إلى الأن.
ويروى مرشد المتحف أن اصدقاء مانجستو لا يزالون إلى الآن داخل السجون رغم كل هذه الجرائم لأن القانون الإثيوبى ليس به حكم الإعدام ولكن أقصى عقوبة هى السجن مدى الحياة.
وفى المتحف تم وضع الوثائق التى استخدمتها المحكمة فى إدانة عهد الشيوعيين والحكم عليهم، لكن اللافت هنا أن مابيرى مرشد المتحف أصيب بصدمة عندما علم رئيس زيمبابوى تم انتخابه رئيسا للاتحاد الإفريقى فى دورته الحالية، ذلك أن موجابى هو من يستضيف مانجستو فى زيمبابوى ويحميه ويرفض تسليمه لإثيوبيا لمحاكمته.
قصر الحكم فى إثيوبيا
فى ضاحية مميزة بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا يقع قصر الحكم بإثيوبيا المسمى بقصر ميليس زيناوى الذى كان يقطنه رئيس الوزراء السابق، ميليس زيناوى، الذى يقطنه حاليا رئيس الوزراء الإثيوبى الحالى، ديسالين.
بجوار هذا القصر يقع مقر الحكومة الإثيوبية، لكن اللافت أن قصر زيناوى يحظى بتأمين كبير من الجيس والشرطة هناك، فضلا عن أنه يتميز بالفخامة.