الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أولياء الرحمن فى رمضان (الحلقة الرابعة )




 
 
تلاوة القرآن باستمرار فريضة وختامه سنة
 
 
لا نهدف من موضوعنا «لماذا نقرأ القرآن» إلا تحويل الطاقة المهدرة فى تلاوته بلا وعى ولا تدبر إلى طاقة متحركة فى نفوسنا وطريقة لحياتنا، فذلكم هو الإيمان الحق لمسلم بحق.
 
 
ولقد علمنا من حلقة الأمس كم حث القرآن على فريضة التلاوة وكم حثت السنة النبوية المطهرة عليها، وأن التلاوة تعنى الاستمرار فى رمضان وغير رمضان،   فذلكم من سمات الإخلاص لله وللقرآن، وعلامة على حسن إيمان المرء وإن الذين يترصدون ختام القرآن فى رمضان بينما يتركونه فى غيره إنما قدموا السنة على الفرض، فتلاوته باستمرار وبتدبر فريضة، بينما ختامه سنة، لذلك ننشر هذه السلسلة لبداية عهد جديد فى التعامل مع كتاب الله، عسى أن يرضى عنا الرب تبارك وتعالي. ولا بدّ للمسلم لكى يرتفع إلى مستوى القرآن أن يحاول أن يتعرّف على أثر القرآن على نفس رسول الله حين تنزّل عليه وحين كان يتلوه، ويحاول أن يرتقى بذاته للوصول إلى هذا السمو النبوي، وهو الأمر الذى عبّر عنه الشافعى رضى الله عنه وهو يعرّف السنّة فقال ( السنّة هى فهم النبى للقرآن) بما يعنى ارتباطه صلّى الله عليه وسلّم بالقرآن فى ظاهر سلوكه وداخل طيات نفسه وأفكاره ارتباطا تاما يفوق مرحلة التلازم.وهو المعنى الذى قال فيه الله {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ }فاطر29، بما يعنى أن تلاوتهم جعلت من حياتهم صلاة قائمة مستمرة.
 
أمّا الذين يقرأون القرآن على أنّه تراتيل دينية للثواب فهؤلاء مساكين وفقراء فكريا، وسبب فقرهم هو ما ورثوه من مفاهيم عن آبائهم الأقدمين عن قراءة القرآن،ولست أعنى بكلمة آبائهم الأقدمين جيل الصّحابة بل أعنى عموم الأجيال منذ أكثر من ألف سنة أو يزيد، وعلى الخصوص الأجيال التى واكبت سقوط الأندلس وما بعدها، وحيث فقد القارئون للقرآن حاسة التّدبر فيه وعلى ذلك فقدوا أهدافه السّامية فانقلبت تلك الهامشيّة عليهم فى صورة حياتهم وطريقة معايشهم فى بلدانهم حتّى صاروا كما ترى.بل أنهم لا يدركون أنهم ومع مرور مئات السنين عليهم وهم على هذه الحال بأنهم يشكّلون قوة طاردة مركزية للبعد عن دين الله بل وعن موائد تلاوة القرآن بما يقدّمونه من نموذج لا يتفق مع السوية الفكرية التى فطر الله الناس عليها، فهم لا يكادون يرون وافدا جديدا على مائدتهم حتّى يمطروه بأحكام التلاوة وحرمة الخروج عنها حتى لا يلبث أن ينفضّ عنهم.
 
 
*التفاعل العملى مع ما يتلى من كتاب الله
 
 إن عددا لا يحصى من المتدينين ـ الذين يفترض فيهم حمل مصباح النّور للأمة ـ على نهج من التّباعد وعدم التّجاوب مع كتاب الله عمليا وفكريا، فتراهم وقد انفصلوا عن الرؤية القرآنية المتجاوبة مع ناموس الله فى خلق النفس والكون، وأصبحوا يصدّون عن سبيل الله بما يقدمونه من نموذج المتدين المتخلّف، لأنهم ابتعدوا عن فطرة الدين ومصادره العقلية والدينية فعلى سبيل المثال تجدهم لا يتناوبون ولا يتجاوبون مع قول المولى عزّ وجل {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِى الْآفَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }فصلت53 ـ فهل كلّف أحدهم خاطره عمليا فى رؤية وبحث خلق الله وآيات الله التى أمره الله بالبحث والنظر فيها؟ـ هل حينما يقول المولى عزّ وجل (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) هل بحث القارئ المتدين أو نظر إلى حكمة الله فى خلق الإبل، ونفّذ مراد الله حتى ينقل هذه الحكمة عبر قنوات المعرفة لأهله من المسلمين أو إلى إخوانه من البشر حتّى يقدّم الصورة المثلى التى ينبغى أن تكون للمسلم، والقالب الذى يجب أن يقدّم به الدين للآخرين أيّا كانت ملّتهم؟ ولا يكفيه أنه ينظر الآن للسيارة كيف صنعت؟،إذ المبتغى النظر فى عجائب قدرة الله فيما أمرنا أن ننظر فيه تحديدا، ثمّ يأتى بعد ذلك دور النّظر فى الآيات الأخرى كمرحلة تالية.
 
 
 إن مشكلة المشاكل توقف العقل المسلم عن النمو فى التجاوب مع الكون منذ عدّة قرون حتى تم حصر الدين فى ترنيمات وصلوات منعزلة عن مراد الله من وجودنا وسط الكون الذى أمرنا بتدبّر آياته فيه، فالتّدبر لا ينحصر أيضا فى آيات الله المقروءة بل يجب أن يشمل آيات الله المنظورة،ويشمل آيات الله فى النفس والآفاق ثمّ يتم التفاعل بين ما تمّ تدبّره من قراءة فى كتاب الله لينسجم ذلك ويطبّق فى حركة حياة المسلم فلا تكاد ترى المسلم إلاّ منظومة خلقها القرآن على الوجه الذى أراده الله وبالصورة المضيئة التى كان عليها النبى الخاتم،وبهذا أمرنا القرآن لكننا فى ذهول عن هذا الأمر.
 
 
إنّ التدبّر ليس حالة مخاض عقلى أو قولى من شخص لا يدرك حقيقة التعقل أو أسبقيات الفكر القويم ،لكنّ التدبر يكون مستندا إلى قواعد علمية وفكرية،وقد يكون من حالة الحركة فى الحياة ({سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِى الْآفَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }فصلت53 ،فبذلك يكون التّدبر حال السكون وحال الحركة فى الحياة.ويمكن أن يكون التّدبر من أمىّ لكنه يحسن الإيمان فيتدبر آيات الله فى الكون فيدفعه ذلك إلى استدامة ذكر الله ليل نهار.
 
 
لابد من تحويل النص القرآنى إلى طاقة متحركة فى نفوسنا وطريقة حياتنا ونظم بلداننا سواء أكانت نظما سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.....الخ حتى يشاهدها الناس جميعا فيمكنهم مشاهدة الصورة المثلى للإسلام. وهذا يبدأ من تدبّر أهل القرآن للقرآن، وأقصد بكلمة أهل القرآن أى الذين يقرأون القرآن، وهى تسميه مجازية فى هذا العصر لأنك تكاد لا ترى أحدا ممن نسميهم أهل القرآن يمكن أن ينطبق عليه هذه الصّفة، ناهيك أنه حينما نذكر كلمة أهل القرآن نجد العامة والدهماء حتى الذين لا يقرأون القرآن يتصوّرون أنهم من أهله،وهذا من فساد الفكر الموروث عن صورة مباشرة المسلم لإسلامه وطريقة انتمائه وتعامله مع كتاب الله......(راجع ـ كيف نتعامل مع القرآن لفضيلة الشيخ محمد الغزالي).
 
إن انفصال المفكّرين عن الحقيقة القرآنية فى بلوغ أهداف العمل والحياة البشرية على الأرض وحصر اهتمامهم فى استنباط الأحكام التشريعية جعل القرآن مادة روحية وتشريعية ومادة لحصد ما ظنوا أنه ثواب مضمون فقط، لكن الحياة العملية الحياتية( كالاعتبار مثلا) كقوله تعالى (فاعتبروا يا أولى الأبصار) فنحن نقرؤها دون أن نستمد منها عطاء العمل فى حياتنا اليومية، فحقيقة أهل الإسلام أنهم يعانون أزمة فكر ولا يعانون أزمة منهج، ولقد استطاع الاستبداد السياسى منذ أزمنة بعيدة أن يجمّد حركة الفكر الدينى بمفهومه الشّامل لينزوى الفكر داخل دور العبادة وشعائر العبادة فقط،ثم امتد على استحياء ليشمل بعض المعاملات الشرعية مثل الزواج والطلاق وما شابه ذلك.
 
 
لابد أن يعرف المسلم أنّ صلاحية القرآن لكل عصر لا تعنى اكتشافات ومخترعات يقوم بها أهل الملل الأخرى ثم يخرج علينا مسلم بعدها بسنوات ليقول لقد وجدنا هذا فى كتاب الله ويسمّيه الإعجاز العلمى فى القرآن.
 
 
إنّ صلاحية القرآن لكل العصور مسألة فكرية بحتة وليست مسألة تطبيقية فقط، إنّ الأصل الأصيل الذى انبثقت منه الشريعة الإسلامية هى أنها منهج فكرى ودينى وحياة اجتماعية، لكن قصور همّة أهل القرآن عن تنفيذ وإدراك الحقيقة القرآنية جعلت من صلاحية القرآن لكل زمان نظرية أكاديمية لا روح فيها ولا تعبّر عن أى واقع فى ديار الإسلام كما ترى، بل منهم من أطلقوا على أنفسهم لقب فقهاء فى الوقت الذى يناهضون فيه الحقيقة القرآنية باعتماد أحاديث تتصادم مع كلمات القرآن وآياته ومراميه ؛ بل لقد أصدروا فقها يختزلون به كثير من آيات كتاب الله تحت مسمّى الناسخ والمنسوخ فى القرآن.
 
 
إن الذين يقرأون القرآن بلا تدبّر ولم يدركوا المرمى والهدف الحقيقى من التلاوة، ولا يفقهون ولا يتجاوبون مع آيات الله المقروءة ولا آياته المنظورة ...لن يدركوا أبدا الهداية الكامنة فى كتاب الله لمن تدبّره فأحسن تدبّره.
 
 
 وإليك الدليل من كتاب الله حيث يقول تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِى أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِى بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ) (البقرة:26)
 
فعلى كلّ منا أن يسأل نفسه ما هو مراد الله من ضرب المثل بالبعوضة؟ فإن أدرك فإنه من أهل الإيمان وأهل التدبّر وإن لم يدرك فلينظر وليراجع نفسه، وسؤال آخر كم مرة قرأت هذه الآية ؟ فماذا أفدت منها؟ أم أنك تقطع الآية تلو الآية تنهب الآيات والسور باللسان دون العقل.
 
 
و المسلم له آية من قوله تعالى ( وقل ربى زدنى علماً ) وهل يكون طلب الزيادة فى العلم أول ما يكون إلا فى كتاب الله؟!
 
وكيف لا يستحيى المسلم وهو يتدبّر كل ما يقرؤه وما يعرض عليه من شئون دنياه ولا يتدبّر كتاب الله رغم أنه يقطع الوقت الطيب الكثير فى قراءته .
 
إن المثالين الذين اتخذناهما عن ذكر البعوضة والإبل فى كتاب الله وعدم تنفيذ أهل القرآن لما أمر به القرآن من ضرورة النظر إلى (كيف خلقت الإبل)،وموقف المتدين من أهل الإسلام من هذه الامثلة وغيرها لا نذمّ به قارئ القرآن على إطلاق أمر الذّم ومعناه،بل على العكس فتقديره عندنا كبير ولا شك أنه على خير وعلى أعتاب روضات الهداية،لكن المستهدف الارتفاع به إلى المستوى الذى أعدّه الله لقارئى القرآن بتدبّر، وحتى لا تتآكل الأهداف فى الأمة الإسلامية ويضيع أصل الحق بينما نحن نعظّم ظلاله، فالقراءة ظلّ القرآن وعماده التدبّر والقراءة وسيلة لكن التطبيق الواعى المنبثق عن تدبر هو الهدف.
 
لكن المؤسف أن ترى كثيرا ممن يقرأون القرآن يومياً لا تتحرك فيهم جفون التدبّر وتراهم رغم مرور سنوات وسنوات عليهم فى هذه الحال الطيبة إلا إنهم مازالوا يقفون فى مكانهم، لم تظهر لهم زهرة ولا تتنسّم لهم عبيرا ولم يترسّم القرآن ببهائه عليهم وعلى من حولهم،وما ذلك إلا لعدم تطبيقهم للنص القرآنى الذى يداومون على قراءته، بل إنى داخلت من هذه الشاكلة كثيرا من الناس فوجدت الشقاق بكل صنوفه يملأ العلاقات بينهم بل ويملأ عليهم بيوتهم مع زوجاتهم وأبنائهم.
 
إن القرآن فيه هدى ولكن هدى لمن يقوم بتفعيل النّص القرآنى فى واقع الحياة، وتدبّر رحمك الله قوله تعالى (إِنَّ هَذَا الْقرءان يَهْدِى لِلَّتِى هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) (الاسراء:9) .
 
 
وقوله تعالى (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة:2) .
 
فمعنى ذلك أن القرآن يهدى العبد المستقيم سلوكيا، والعبد ذو النفس اللّوامة،والعبد الذى يسارع ليخلط عملا صالحا لتسبق حسناته سيئاته بل والعبد الذى انتوى الاستقامة (لمن شاء منكم أن يستقيم) ...وغيرهم من أصحاب الانشغال بالذكر، أولئك جميعا يهديهم القرآن لما هو أقوم، ومعنى ذلك أن القرآن فيه هدى لمن تحرّى رضى ربه واتقى الله فى حياته وعمل الصّالحات وهو يتدارس القرآن، لا يتدارسه مدارسة ترتيل أو مدارسة معان مدرسيّة (وإن كان ذلك مطلوبا) لكنّه يصير عيبا فيه إذا ما استمر لسنوات وسنوات على هذه الوتيرة المدرسية.
 
كما أن دراسة السنّة النبوية والسيرة النبوية أمر لابد منه لمن أراد أن يسلك الطريق الصحيح،لكن شريطة أن يعلم السالك فى سنّة رسول الله أنه دخل إلى صيدلية فيها من السموم وفيها من الدواء،وعليه أن يقوم بالفرز الصحيح وليكن رائده البسيط فى الفرز تناغم الحديث مع كتاب الله فإن لم يستطع فعليه بسؤال أهل الإخلاص من العلماء.
 
وإن من التهميش فى علوم القرآن أن تقرأه ولا يجاوز حنجرتك، ولقد ذمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الصنف من الناس الذين يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم .
 
 
والمسلم الحق يجب أن يكون محبّا للدين وعلوم الدين {........... وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ }7 الحجرات ـ وليس كما نرى من غالبية المسلمين الذين يتخلّفون عن الفرائض قدر استطاعتهم ويتنسّمون نسيم الحرية والمتعة وهم خارج الإطار الدينى ما أمكنهم إلى ذلك السبيل، أظنهم فى النهاية طعام إبليس، بل قد يخرجهم إبليس من الملّة قبل بلوغ الروح الحلقوم وما ذلك إلا لقلة العلّم وبالتالى قلة الإيمان وتدبّر قوله تعالى:- (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِى الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) (إبراهيم:27)، ويقول تعالى (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ*وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) (المؤمنون:97&98)
 
 
فالقول الثابت يكون مرافقا» للإيمان أمّا الإضلال فيكون مصير المهتزّين المصرّين على معاصيهم فهؤلاء لن تتركهم الشياطين حتى فى حال احتضارهم تمهيداً للوفاة الحتمية حتى تجعل من وفاتهم نجاحا لمنهاج الشياطين فى إضلال ابن آدم إلى آخر رمق من حياة فيه.
 
كما وأن تنقية الحياة من الشرك أمر يتطلّب العلم،ذلك أن المسلم قد يصاحب إسلامه شرك بالله كما يفعل أغلب الناس حيث يقول تعالى (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (يوسف:106) – لكن أهل العلم والهداية تجدهم وقد دخلوا الحصن الحصين لذلك لا عجب أن تجدهم وقد انطبق على سلوكهم الحديث القدسى القائل ( لا إله إلا الله حصنى ومن دخل حصنى أمن عذابى ) ولكن ترى تصورًا لبعض الدهماء فى شأن تطبيق هذا الحديث فتراه يقطع الساعات الطوال يقول لا إله إلا الله فهو بذلك قد تصوّر نفسه فى حصن الله وأنه أمن من عذاب الله،وما ذلك إلا لفرط السذاجة مع التعلق بالمظهر دون الجوهر ،فلا فقه ولا فكر ولا اهتمام .
 
 
لقد كان من الممكن أن تكون هذه المقالة عن (لماذا نقرأ القرآن) مذمومة فى عصور خلت،لكن فى عصر لغة الحاسب الآلى مع تنامى أعداد المتعلمين فى الأمّة فلابد للأهداف أن ترتقى برقى الأمة التى محا الله أمّيتها بالقرآن.
 
فهل وقف المسلم على أهمية العلم وأنه عليه أن يبتعد عن دائرة العلم المتوارث وعن التّقليد الأعمى فى دين الله؟ وأن عليه واجبا تجاه نفسه يتحرّى بها الحقيقة العلمية والحقيقة الفقهية والحقيقة الإيمانية والحقيقة القرآنية لأنه سيقف وحده أمام الله ولن تكون هناك أعذار أو علل؛ وسوف تعلّق ذنوبه فى رقبته قبل أن تعلّق فى رقبة العالم أو الفقيه، وإنّ المسلم إن فعل ذلك فسوف يحرّك الرّكود الفكرى للأمّة فى تدبّر وتنفيذ كتاب الله عسى أن تخرج أجيال تتدبّر القرآن وتقوم على تنفيذه بدلا من أجيال المطالعة المدرسية من الذين يتعاملون مع الله بالقطعة والحساب؛ فهم يحسبون على الله كلّ حرف بعشر حسنات وكأنهم ضامنين على الله قبول الثواب،ولا يهمّهم بعد ذلك حال أهل الإسلام وما ذلكم إلاّ نتيجة عدم تدبّر كثير من أهل الصّفوة لكتاب الله.