الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

هوس «خلع» الحجاب فى «مصر»

هوس «خلع» الحجاب فى «مصر»
هوس «خلع» الحجاب فى «مصر»




تحقيق - هايدى حمدى
بوصول جماعة الإخوان الإرهابية إلى سدة الحكم، انتابت الفتيات حالة من الرعب والذعر، حول قيام أعضائها بفرض الحجاب عليهن، الأمر الذى صاحبه ارتداء الكثيرات خلال عهدهم، حيث أصبح الدافع الخوف، وعليه تفشت ظاهرة «خلع» الحجاب مؤخرا عقب الإطاحة بالجماعة، الذى وصفه الكثير بأنه تخلص من سجنهم الذى أرادوا فرضه.
أراد المعزول، محمد مرسي، إزالة تلك الرهبة من نفوس الشعب ليضمن انتخابهم له، وأنه الأصلح لهم فى الحكم، فأعلن أنه لن يفرض زيا معينا على المرأة المصرية، لكن هذا الأمر لم يستمر طويلا، حيث انتقد القيادى الإخواني، صبحى صالح، زواج الإخوانى من غير الأخوات معتبرًا أن ذلك يدخل من قبيل استبدال ما هو أدنى بما هو خير، على الرغم من أنه خطب لابنه فتاة غير محجبة.

للأسف وبعد زوال غمة العهد البائد «الإخوان المتأسلمين» كانت التوابع وخيمة على المجتمع المصري، فكان الشعب يظن أنه لن يتخلص من هذا الكابوس وسيعيد التاريخ نفسه فى سطو الإخوان على مقاليد الحكم وتحويل الشارع المصرى إلى ساحة قتال كما حدث خلال التسعينيات، ووصلت حالة الرهبة لدى بعض الفتيات إلى ارتداء الحجاب رغمًا عنهن، خوفًا من فرض الإخوان ذلك بالقوة والإجبار.
مؤخرا انتشرت موضة خلع الحجاب عقب عزل مرسى وحاشيته من حكم الكنانة، فكانت حجة أغلب الفتيات هى أن الإخوان كانوا السبب فى ارتدائنا إياه، وبعد زوال السبب فلا داعى للإبقاء على شىء غير صادر عن إرادتنا أو قناعاتنا.
الإخوان بعبع
وبالتواصل مع فتيات أقدمن على مثل هذه الخطوة، تقول لينا علي: «والدى ووالدتى أجبرونى ألبسه طبعا بعد الإخوان ما مسكوا البلد، من كتر اللى كانوا بيسمعوه عن تشددهم فى موضوع الحجاب دا، فقلت بدل ما تحصل مشاكل ألبسه أحسن، لكن بعد ما عهدهم خلص ما استحملتش أخلينى بيه فقررت أخلعه، طبعا أهلى عشان كانوا متعودين عليا بيه فواجهت مشاكل معاهم فى الأول بس خلاص اتعودوا».
واستكملت منى الأمين: «الإخوان كانوا بعبع، كنا خايفين ليفرضوا كل حاجة بالقوة زى الحجاب، خاصة إن أهلى كانوا بيسمعوا عن حكايات الإخوان واللى كانوا بيعملوه قبل كدا، لكن أخيرًا بعد ما اتخلصنا من كابوسهم خلعته وارتحت».
على النقيض، أكدت مجموعة أخرى من الفتيات أن حكم الإخوان من عدمه ليس سببًا فى هذه الظاهرة، منهم، منال محمد، التى ترى أن الحجاب فرض على كل مسلمة وهناك كثير من النصوص القرآنية، ومن سنة النبى الكريم - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على وجوب حجاب المرأة فقد قال تعالى: «ياأيها النبى قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما»، ومن هنا فإنه لا مجال لمن يزايد فى هذا الأمر الربانى الذى لا يحتمل أدنى شك.
تشتت واضطراب
وأخريات أصيبت عقولهن بالتشتت والاضطراب فبدأن بالادعاء أن الحجاب ليس فريضة وإنما عادة مكتسبة وليس لها أصول فى الدين، فتقول دنيا محمدي: «تقاليد المجتمع بتفرض عليك لبس الحجاب حتى لو أنت «بايظ» من جوه، لكن مش حكاية فرض أو لا».
وعلى صعيد المشاهير، تعتبر الإعلامية نوران سلام، هى أبرز الشخصيات فى خلع الحجاب، فقد اعتدنا على رؤيتها به منذ عملها فى قناة «البى بى سي» ثم استمرت به خلال عملها بقناة «الجزيرة»، واستكملت مسيرتها بالحجاب حين انتقلت للعمل فى قناة «الحياة»، لكنها فاجأتنا بعدها بالظهور دون الحجاب، ما أدى إلى انقسام الأقاويل بين أنها حرية شخصية، وبين من يرى أن لكل قناة سياستها الخاصة التى تفرضها على العاملين بها.
وقررت الراقصة سما المصرى، ارتداء الحجاب، مرجعة السبب إلى ما تعرضت له من هجوم وتهديدات لها وإلى أسرتها بسبب قناة فلول، سواء من الإخوان أو السلفيين أو غيرهم، على حد قولها.
ليس فرض
وعلى صعيد آخر، فهناك شخصيات ادعت أن الحجاب ليس فرضًا عقب خروج الإخوان من السلطة، ما قد يكون عاملا مساعدًا فى التأثر على المحجبات، حيث شجع الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة، على عدم ارتدائه وأن الإفتاء بأن الحجاب فريضة هو مجرد اجتهاد من العلماء بدليل أن هناك شيوخًا فى الأزهر يرون أن خلعه ليس حرامًا.
وتابع: عُرف عن الشعب المصرى أنه متدين بطبعه، لكن الحركات العلمانية التى دعت إلى تحرير المرأة منذ عهد قاسم أمين، وهدى شعراوي، والتى دعت إلى تحرير المرأة من الحجاب، عادت من جديد بعد عهد الإخوان تحت مسمى «حزب مصر العلمانية»، والتى أكد مؤسسها على أن ثقافة الحجاب دخيلة على شعب مصر وأن الحجاب لم يذكر فى القرآن على أنه غطاء الرأس وإنما هى اجتهادات وتفسيرات من بعض تجار الدين الممولين من الخليج، وأن حجاب المرأة عقلها، وهو الأمر الذى يعد تخريب لعقول الفتيات وعمل «غسيل مخ» لقناعاتهم والثوابت الدينية.. فيما أفادت دراسة اجتماعية أجراها أحد مراكز الأبحاث فى مصر أن الفتاة لجأت لارتداء الحجاب نتيجة للظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة أثناء حكم الإخوان حيث إن الملابس العصرية تحتاج إلى أموال كثيرة.
واشنطن تعترف
وعلى سبيل الدهشة، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بعمل فعاليات اليوم العالمى لارتداء الحجاب، كجزء من الاحتفال السنوى الأول المعروف باسم «اليوم العالمى للحجاب» والذى جرى تنظيمه فى الأول من فبراير، ولشدة الجدل القائم حول السماح للمسلمات بارتداء الحجاب فى الأماكن العامة، والمصالح الحكومية والمدنية، أقدمت مجموعة من الفتيات غير المسلمات على الدخول فى تجربة هى الأولى من نوعها، بارتدائهن الحجاب لاستكشاف تلك المشاعر والأحاسيس المصاحبة لتغطية الرأس كما يشعر بها المسلمات، والتى انتهت إلى أنها تجربة مفيدة لتعليم الناس ألا يتسرعوا بالحكم على أى إنسان اعتمادًا على ما يرتديه.
من جانبها قالت الدكتورة منال ذكريا، أستاذ علم النفس الاجتماعى بكلية الآداب جامعة القاهرة: «لا نستطيع القول بأن هناك موجة أو ظاهرة لخلع الحجاب، لكنها حالات فردية، وذلك يعود لعديد من الأسباب منها المشكلات المرتبطة بالخطاب الدينى الذى يُشّكل الأذهان، فالدين كان مكونًا رئيسيًا فى شخصيتنا وكنا متأثرين برجال الدين، لكن تلك الصورة اهتزت ولم نجد بعض هؤلاء الرجال على قدر من الإيمان الذى كنا نأمله، بالتالى حدث شرخ فى المنظومة الدينية التى توجهنا».
سنوات عصيبة
وأضافت ذكريا أن البلاد قد مرت بأربع سنوات عصيبة شكّل فيهم الدين محورًا أساسيًا فى ضغطنا النفسي، والذى أمال البعض إلى الإلحاد، فالمقدس هبط إلى مستوى التداول بين العامة وأصبح من المدلسات، بالتالى بدأنا نعيد النظر فى سلوكياتنا والتشدد الذى أصبح مرتبطًا بالدين، فالتطرف يؤدى إلى التطرف والتشدد يؤدى إلى التشدد، ما يؤدى إلى نفور الناس من الدين، ومن أمثلة ذلك الأحكام القاسية التى قامت بها داعش وترويجها، ترتب عليه سماع مقولة «أنا مش عايزة الإسلام».
وأشارت إلى أن الإخوان تسببوا فى أذيتنا النفسية أكثر من المادية، وتعتبر السنة التى حكم فيها الإخوان من أكثر السنوات التى انتشرت فيها ظاهرة الإلحاد، وذلك حسب دراسات وإحصائيات، إذًا وجود الإخوان وسلوكياتهم المتناقضة كان سببًا فى ذلك.
وقالت الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إنه منذ عشر سنوات تقريبًا كنا نرى فى الجامعات أشخاصًا يقفون على أبوابها لحث الفتيات على ارتداء الحجاب، وكان مشهدًا متكررًا فى المدارس والجوامع، فذلك كان يتم بشكل ممنهج، والآن ترى فى القرى والنجوع فتيات لا تتعدى أعمارهن العشر سنوات يرتدين الحجاب، فموضوع الحجاب أخذ تساؤلات وردود كثيرة فى مراحل مختلفة، واستشرى منذ الثمانينيات.. وأضافت «خضر» أن الحجاب يفرض على كثير من الفتيات سواء بالجذب أو الدعوة الحسنة أو باسم الدين، وأمام هذا الضغط تلجأ الفتيات إلى ارتدائه، أيضًا إن كانت الأم غير محجبة تضطر إلى ارتدائه «الأمهات اللى مش محجبات بتقول مينفعش بنتى تكون محجبة وأنا لا، بالإضافة إلى أن هناك عوامل تدفعهن لذلك خاصة أن بعضهن يعملن حتى وقت متأخر فتضطر إلى ارتدائه تجنبًا لنظرات المجتمع حولها باعتقاد منها أن حجابها يحميها، وهذه المفردات لم تتزايد سوى فى الآونة الأخيرة التى انتشرت فيها الدعوة تحت مسمى الإسلام والزى الإسلامى الشرعى وخلافه».
حالة من الرعب
وتابعت: إن الشارع المصرى فى وقت الإخوان ساده حالة من الرعب، فأدى إلى ميل كثير من الشباب لهم والتفكير فى «أنا معاكم عشان محدش يقتلني، والأحسن أبعد عن الشر وأغنيله»، فبدأ الشباب فى إطلاق لحاهم وبدأت الفتيات فى ارتداء الحجاب، مؤكدة أن الإخوان كانوا قد نجحوا فى اختراق الفئات العمرية الصغيرة، الأمر الذى فشلنا فى الإقدام عليه.
وقال سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية، إن الإخوان أثرّوا بشكل سلبى على عمق التدين عند الشباب، وأنهم بتشويههم لصورة الإسلام وحثهم على تطبيق الشريعة بالإكراه وبالقوة دفعوا الشباب إلى الانصراف عن الدين.
وأوضح الشيخ محمود عبد الخالق، الأستاذ بجامعة الأزهر والداعية بالأوقاف، أن الحجاب أُمرنا به، وأفضل حجاب للمرأة هو بيتها، ومن يدعو لفكرة خلع الحجاب يريد إعادة فكرة أن المرأة تباع وتشترى بمفاتنها، لكن الإسلام انتشل المرأة من براثن الجهل وأمّن لها حقوقها والحرية فى الدخول والخروج والجهاد مع الجيش بشرط أن تستر جسمها، فالحجاب فرض عملًا بقوله تعالى: «يا أيها النبى قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما».
عادات وتقاليد
وأضاف أن الدعوة لخلع الحجاب مرفوضة إسلاميًا واجتماعيًا، فنحن فى مجتمع شرقى ولنا عاداتنا وتقاليدنا، فالمرأة شىء ثمين وغالٍ فهى الأم والأخت والزوجة، وحجابها هو غلافها الثمين الذى يحافظ عليها، فالتزامها بتعاليم الإسلام يجعلها تعيش حياة كريمة.
وأشار إلى أن الأزهر والأوقاف والإفتاء يعملون معًا على تطوير الخطاب الديني، وذلك من خلال البحث عن القضايا المصرية كالحجاب والعمل على بث الأفكار السليمة فى خطبة الجمعة أو لقاءات الشباب فى أماكن تجمعاتهم، فنثبت لهم بالأدلة من القرآن والسنة قضاياهم الجدلية حتى لا ندع وازع الشك فى أذهانهم، وذلك بالحسنى والإقناع.. وأكد أن الحجاب لم يرتبط بعهد الإخوان، فالشباب يمرون بين الحين والآخر ببعض الأفكار يمكن أن يطلق عليها موجة أو موضة، فتفاجأ تارة بأن فتيات الجامعة ارتدين الحجاب كنوع من الموضة، وتارة يخلعنه.. وهكذا تنضم ظاهرة خلع الحجاب إلى التساؤلات التى نطرحها على أنفسنا فى كل يوم، الأمر الذى أدى إلى تشتت البعض فى أمره، لكن لا يسعنا إلا أن نوجه هذه المقولة إلى الفتيات «امرأة بلا حجاب.. مدينة بلا أسوار».