الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

السلفية وحدتهم الدعوة وفرقتهم السياسة إلى 11 حزبا




 
تمثل السلفية أحد الألغاز الدينية والسياسية الكبرى فى مصر منذ ظهورها فى عام 1979 وحتى الآن، وكانت دعوتها إلى وحدة التيارات الدينية أبرز سماتها وتدريجيا انتشرت السلفية من معقلها الرئيسى بالإسكندرية إلى مختلف محافظات الصعيد والوجه البحري، وفى بداية ظهورها انتقدت السلفية الإخوان المسلمين لعملها بالسياسة وأطلقت عليها الفرقة الضالة، وعنما اشتعلت ثورة 25 يناير أيدتها الدعوة السلفية وأصبحت بعدها 11 حزبا سياسيا أبرزها «النور» و«الفضيلة»، وبعد أن نادت السلفية بوحدة التيارات الدينية ضيعتها السياسة لأنقسامها إلى 11 حزبا سياسيا، ويتوقع الخبراء استمرار المزيد من الانقسام فى التيار السلفى الفترة المقبلة.
بعد ظهور التيارات الدينية والجماعات الإسلامية بكثرة فى مصر فى بداية السبعينيات وتحديدا فى الفترة ما بين عام 1972 وعام 1979 وانتشارها بشكل مكثف فى جميع المحافظات كان محمد إسماعيل المقدم أحد أبناء هذه التيارات فاندمج فترة فى التكفير والهجرة ثم انشق عنه وسافر للخارج وبالتحديد إلى دول الخليج ثم عاد للإسكندرية بعد أن وجد الساحة فى مصر قد فرقتها التيارات الدينية ففى فترة الثمانينيات والتسعينيات كانت مصر مليئة بالتيارات الدينية المختلفة منها التكفير والهجرة والإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية والتبليغ والدعوة والجهاد الإسلامى والتوقف والتبين والشوقيون والناجون من النار وغيرهم من التيارات الإسلامية التى ظهرت على السطح فما كان من محمد إسماعيل المقدم إلا أن حاول دمج كل هذه التيارات فى تيار واحد هو الدعوة السلفية التى بدأت فى الإسكندرية تنادى بوضع كل التيارات الدينية فى تيار واحد حتى توحد صف المسلمين.
 
 
وانتشرت بعد ذلك فى محافظات الوجه البحرى فانطلقت من مسجد القائد إبرهيم الذى تردد عليه شيوخ السلفية منهم الشيخ محمد إسماعيل المقدم والدكتور ياسر برهامى والشيخ أحمد فريد والشيخ سعيد عبدالعظيم وغيرهم من شيوخ السلفية الذين بدأوا بعد ذلك فى التسعينيات نقل نشاطهم خارج الإسكندرية وبالتحديد فى محافظات الوجه البحرى والقاهرة حتى انتشرت الدعوة السلفية فى المنصورة على يد الشيخ محمد حسان وفى كفر الشيخ على يد الشيخ أبوإسحاق الحوينى ثم بعد ذلك إلى البحيرة والسويس أما القاهرة فقد بدأ التيار السلفى فى نشر دعوته فى البداية من داخل مسجد صغير فى منطقة الطالبية فى الهرم يسمى مسجد النصر على يد الشيخ محمد حسين يعقوب ثم مسجد الرحمن فى شارع الهرم الرئيسى.
 
وبعد ذلك انتشرت فى منطقة الجيزة إلى أن وجد التيار السلفى ضالته فى نشر فكره من خلال الشيخ فوزى السعيد إمام وخطيب مسجد التوحيد بشارع رمسيس والذى ذاع صيته وانتشر بشكل كبير ودارت معارك طاحنة فى فترة التسعينيات بين التيار السلفى وباقى التيارات من أجل الاتفاق على توحيد كل جهود التيارات الدينية فى تيار واحد حتى مع بداية عام 2000 وإعلام الجماعة الإسلامية عن المراجعات الفقهية التى من خلالها تخلت الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد عن تغيير المنكر باليد فلاقت ترحيبًا كبيرًا من الدعوة السلفية وبدأ التيار السلفى تشغيل شيوخ الجماعة الإسلامية والجهاد بعد ذلك فى مساجدها ثم اختفت التبليغ والدعوة نهائيا ولم يبق لها وجود إلا فى قرية صغيرة بمركز الحوامدية فى محافظة الجيزة تسمى قرية طموه وبعد ذلك انتشرت السلفية فى بعض محافظات الصعيد مثل محافظة بنى سويف على يد الدكتور سعيد حسين ثم المنيا وغيرها من المحافظات وظل التيار السلفى طوال هذه السنوات يدعو إلى الوحدة بين التيارات الدينية خاصة أن أغلب مناهجهم واحدة والاختلافات فى التطبيقات العملية لفكر تغيير المنكر باليد وطريقة الجهاد وغيرها من الأفكار التى يمكن الاتفاق حولها وكان موقف التيار السلفى من جماعة الإخوان المسلمين طوال تلك الفترة بأن الإخوان فرقة ضالة ومضلة لأنها تتعامل فى السياسة وتدخل انتخابات مجلس الشعب ولا يمكن التعامل معها تحت أى ظرف من الظروف وكان العامل المهم لدى الدعوة السلفية هو عدم التحدث فى السياسة لأنها تضر وحدتهم ولا يجوز التعامل معها وعلى كل من يريد أن ينضم إلى التيار السلفى عليه أن يتخلى عن دوره السياسى.
 
 
وقد ظل التيار السلفى فى مصر ما يقرب من 33 عاما يدعو إلى التوحد ونبذ الخلاف بين التيارات الدينية واستطاعت أن تجد لها طريقا لدخول محافظات صعيد مصر خاصة محافظات أسيوط وسوهاج وقنا وبدأ شيوخ السلفية وعلى رأسهم الشيخ محمد حسان والشيخ أبوإسحاق الحوينى والشيخ محمد حسين يعقوب والدكتور سيد حسين والشيخ أحمد فريد وغيرهم من الشيوخ يجوبون البلاد شرقها وغربها خاصة أن هذا التيار كان لا يجد معارضة من مباحث أمن الدولة لأنه تيار لا يتكلم فى السياسة بل ويعتبرها رجسًا من عمل الشيطان حتى فوجئ هذا التيار بزلزال هز كيانه من الداخل ولم يكن يتوقع بقيام ثورة 25 يناير والتى وقف فى البداية بعيدا عنها عندما وجد أن النظام السابق بدأ يتهاوى نزل عدد منهم إلى ميدان التحرير مرحبا بقيام الثورة وبعد نجاح ثورة 25 يناير حاول التيار السلفى أن يكون له تواجد فى الساحة من خلال تكوين حزب سياسى يعمل تحت مظلة التيار السلفى إلا أن الرياح لم تأت بما تشتهى السفن فالتيار الذى ظل أكثر من 30 عامًا يدعو إلى توحيد التيارات الدينية فى تيار واحد فرقته السياسة الآن وبدا واضحًا الانقسام الكبير داخل هذا التيار ففى البداية انقسم التيار السلفى على نفسه فالبعض رحب بدخولهم عالم السياسة والبعض هاجمهم بضراوة معتبرًا الدخول فى عالم السياسة خروجًا من الدعوة السلفية وعلى رأس هؤلاء الشيخ سعيد رسلان أحد أهم شيوخ السلفية بمحافظة المنوفية وهو له باع طويل مع هذا التيار فى الدعوة وحدث له انشقاق بين شيوخ وشباب السلفية البعض يرى أن الدخول فى السياسة من خلال حزب سياسى سوف يضيف للجماعة ويجعل لها وجودًا قويًا داخل المجتمع المصرى ويمكن تغيير النظام بالكامل من خلال فرض تواجدهم فى الساحة السياسية والبعض الآخر هاجم هذه الفكرة وأكد أن الدعوة للتيار السلفى لا تحتاج إلى السياسة لكن مجلس الدعوة السلفية سبب الأنقسام بين عدد من الشيوخ أمثال الشيخ محمد إسماعيل المقدم والدكتور ياسر برهامى بضرورة تكوين حزب سياسى واستقروا على تكوين حزب سياسى باسم حزب النور ذى المرجعية السلفية يلتف حوله كل التيار السلفى فى مصر من الإسكندرية وحتى أسوان وتم انشاء الحزب برئاسة الدكتور عماد عبدالغفور ولم يكن التيار السلفى يتوقع أن يحدث انقسام بعد ذلك ويتم تكوين حزب سلفى آخر تحت اسم حزب الفضيلة حتى وجد التيار السلفى فى القاهرة يعلن عن قيام حزب الاصالة برئاسة اللواء عادل عفيفى شقيق الداعية السلفى الشيخ محمد عبدالمقصود عفيفى أبرز مشايخ الحركة السلفية فى مصر ورغم تضامنه مع حزب النور السلفى فى انتخابات مجلس الشعب والشورى واندماجه فى قائمة واحدة تحت قائمة حزب النور إلا أن الحزب عارض كثيرًا بعض مواقف حزب النور.
 
 
ولكن نجاح حزب النور السلفى بعد دخوله مجلس الشعب وحصوله على نسبة تعدت الـ25٪ من مقاعد البرلمان ونجاحه فى أن يكون المنافس الأوحد لحزب الحرية والعدالة الذراع اليمنى لجماعة الإخوان المسلمين إلا أن ذلك النجاح لم يشفع للتيار السلفى فى التوحد وحدثت الانقسامات التى جعلت التيار السلفى الآن فى حالة شتات حتى وصلت الأحزاب ذات المراجعية السلفية لأكثر من 11 حزبًا سياسيًا فبعد النور والفضيلة وحزب الاصالة بدأت تيارات أخرى سلفية فى تكوين أحزاب سياسية وقد شملت القائمة حزب البناء والتنمية وهى مفاجأة من العيار الثقيل لأن هذا الحزب مقره الإسكندرية ورئيسه الداعية الإسلامى باسم خفاجى أحد الأسماء التى طرحها التيار السلفى لترشيحها لانتخابات رئاسة الجمهورية.
 
 
وقد اتخذ هذا الحزب شعارًا له «مصر وبس» وهو الآن فى طريقه لاستكمال باقى التوكيلات، ثم حزب الإصلاح الذى يؤسسه مجموعة من الشباب السلفى وهناك حزب النهضة الذى ينوى مؤسسوه تغيير اسمه إلى حزب الشريعة كاسم بديل حتى لا يتعارض مع حزب النهضة الذى يؤسسه الدكتور إبراهيم الزعفرانى أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين المنشقين عن الجماعة وهناك حزب البناء ووكيل مؤسسيه الشيخ نضال حماد ثم المفاجأة الكبرى حزب الأمة المصرية الذى يدعى إلى تأسيسه الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل والذى تدعو له جماعة حازمون بالاضافة إلى حزب البناء والتنمية الذراع اليمنى للجماعة الإسلامية ذات الأصول السلفية وأيضا حزب السلام والتنمية ومؤسسه الدكتور كمال حبيب القيادى السابق بجماعة الجهاد وان كان الحزب لم يتقدم بأوراقه الرسمية حتى الآن للجنة شئون الأحزاب، بالإضافة إلى حزب الجهاد الديمقراطى تحت التأسيس أيضًا والذى يعمل على تأسيسه مجموعة من تنظيم الفنية العسكرية وطلائع الفتح وهذا الحزب يؤكد مؤسسوه أنهم تنازلوا عن الأفكار الجهادية ويحاولون كسب ود الشارع المصرى من خلال إعلان مرجعيتهم هو الأزهر الشريف.
 
الغريب فى الأمر أن هناك عددًا من مشايخ السلفية بدأوا يعيدون حساباتهم مرة أخرى من أجل العودة إلى ما كانوا عليه فى الماضى بعد أن وجدوا أن السياسة فرقتهم وجعلتهم شيعًا وأحزابًا وأن هذه الأحزاب تنافس بعضها بل فى طريقها لأن يقاتل بعضها بعضًا من أجل الحصول على مقاعد فى البرلمان أو يختلفوا على مرشح معين كما يحدث فى انتخابات رئاسة الجمهورية ظهر واضحًا أن هناك مجموعة ضخمة من التيار السلفى يؤيدون الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل الذى أعلن أنصاره أنه مرشح التيار السلفى فى نفس الوقت الذى أعلن فيه مجموعة سلفية عدم تأييدها أبو إسماعيل وكانت هذه المجموعة تحاول الدفع بمرشح فحاولوا فى بادئ الأمر ترشيح الدكتور باسم خفاجة إلا أنه رفض فأعلنت تلك المجموعة أنها سوف ترشح الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح وبعد خروج حازم صلاح أبو إسماعيل من انتخابات الرئاسة انقسم التيار السلفى وتيار حازم أبو إسماعيل إلى عدة أقسام منهم من رفض ترشيح أى من المرشحين الإسلاميين ومنهم من أيد الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح وأعلنوا ذلك بكل وضوح.
 
وهناك من أيد الدكتور محمد مرسى وآخرون أيدوا الدكتور سليم العوا وإن كانوا أقلية وظهرت النتائج وكان تأثير التيار السلفى واضحًا فى معقلة فى محافظة الإسكندرية حيث لم تذهب أصوات الإسلاميين كلها لمرشح جماعة الإخوان الدكتور محمد مرسى حتى أنه بعد أن دخل الإعادة مع الفريق أحمد شفيق كانت جماعة الإخوان المسلمين تضع يدها على قلبها خشية ان تتفتت أصوات السلفيين ولا تذهب جميعها إلى الدكتور محمد مرسى خاصة بعد أن أعلنت مجموعة سلفية عدم ترشيحها لأحد المتنافسين مرسى وشفيق.
 
 
الأمر الذى يعنى أن التيار السلفى ليس كما يظن البعض أنه على قلب رجل واحد وأن الدعوة التى خرجت منذ أكثر من ثلاثة وثلاثين عامًا تنادى بتوحد التيارات الدينية فى تيار واحد قد ضيعتها السياسة لدرجة انقسام التيار السلفى لأكثر من 11 حزبًا سياسيًا والأيام المقبلة سوف تشهد انقسامات أخرى بين تلك التيارات.
 
 
 

 أبو اسحاق الحويني
 

 
د. ياسر برهامي
 
 

 
الشيخ حازم صلاح أبو اسماعيل