الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«الأصولية والتجديد» فى الخطاب الدينى

«الأصولية والتجديد» فى الخطاب الدينى
«الأصولية والتجديد» فى الخطاب الدينى




تحقيق ـ محمد خضير
وضع الدكتور رفعت السعيد، يده على جرح الثورة وهو يتحدث عن بسطاء غير معنيين بالسياسة ينتظرون تحقيق مطالبهم «العيش ـ الحرية ـ العدالة الاجتماعية»، محذرا مما وصفه بالمأزق الذى قد يواجهه الساسة فى حال عدم شعور المواطن بتحقيق هذه المطالب.
وتساءل رئيس المجلس الاستشارى بحزب التجمع الوطنى التقدمى  فى ندوة «الأصولية والتجديد»، التى حضرها الدكتور إمام يحيي، أستاذ الجراحة بجامعة الإسكندرية، والمفكر الإسلامى الدكتور محمد الشحات  عن عدم وصول المفكرين والمناضلين المصريين إلى طموحاتهم التى خرجوا من أجلها فى الثورتين مقارنة بما أحدثته الثورة الفرنسية من تقدم لافت وتطور فى جميع المجالات للفرنسيين.
الوعى المجتمعى
وأشار السعيد إلى أن بعض المفكرين حاولوا المزج بين الفكر الدينى والوعى المجتمعى لكنهم اعتمدوا على الكتب والصحف فى مخاطبة الجماهير رغم أن عددا كبيرا من المواطنين لا يقرأون وبالتالى لا تصل إليهم آراء من المفترض أنها تخاطب البسطاء وتعبر عن مطالبهم وتتحدث باسمهم.
ولفت إلى أنه لابد نعى جيدا أن المطالب التى خرج من أجلها الشعب المصرى فى ثورتى 25 يناير و30 يونيو لم تتحقق حتى الآن، لذلك على القوى السياسية التخلى عن صراعاتها على السلطة.
وحذر السعيد من أنه لو لم تتحقق مطالب الشعب الذى لم يعد مهتما كثيرا بالسياسة وأمورها وانصرف عنها سنكون جميعا فى مأزق لن نتمكن من الخروج منه بسلام إن لم تتحقق المطالب الأساسية للناس.
ومن جانبه اتهم المفكر الإسلامى الدكتور محمد الشحات الجندي، عددا من علماء وفقهاء الإسلام فى العصر الحالي، بأنهم ملتزمون بالنص الصريح رافضين فكرة الاجتهاد والرأى، وحجتهم أن فتح باب الرأى والاجتهاد، يساهم فى التلاعب بالنص القرآنى ليصدروا بذلك دينا بعيدًا عن النص لأجيال متعاقبة، بالرغم من تغير الظروف فى الوقت الحالى عما كان فى الماضي، ما يحتاج إلى اجتهاد يلبى حاجة المجتمعات الحديثة وما يعنى انغلاقا على فكر قديم كانت له أسبابه ومبرراته فى الزمن الماضى.
التمسك بأصل النص
وحول الأصولية والتجديد قال الجندي: كل الشرائع فيها اتجاهان، أحدهما هو الأصولية، ويعنى التمسك بأصل النص، لكن هناك اتجاها آخر يدعو إلى التفكير وإعمال العقل لأن مصادر الإسلام نقل وعقل، النقل يعتمد على النص، والعقل يعتمد على القياس.
وأوضح الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، أنه إذا تعارض النص مع العقل فإن هناك أمرين الأول هو التوفيق بقدر الإمكان بين النص والعقل من خلال تفسير النص بطريقة عقلانية بعد الخروج عن النص، والثانى إمكانية تقديم العقل على النص إذا كانت هناك مصلحة عامة.
وأضاف: إن هناك من يتشدد بالنص الديني، رغم عدم مواكبته للعصر، مطالبًا بالتوصل لحل حتى لا يكون هناك تعارض بين العقل والنص، فالتشدد والوقوف على رأى واحد لا يمكن تقبله فى الإسلام، ولا يمكن أن يحقق تقدما فى الوقت الحالي.
ووصف قضية التجديد فى الخطاب الدينى بأنها من أكثر القضايا إلحاحا، فموضوع الأصولية والتجديد وجهان متقابلان، لكن علينا الجمع بين الاتجاهين فقدسية النص لا يجب أن تمس بالنسبة للأصولية ولكن علينا ألا ندور فى فلك النص وإعادة تعريف الأصولية التى قد تؤدى بنا إلى التطرف فى آرائنا وعدم السماح بمساحة للنقاش.
وقال: إن تقديس آراء الأئمة السابقين لا وجود له فى الإسلام حتى أن النبى «صلى الله عليه وسلم» قال: «أنتم أعلم بشئون دنياكم» وإن ذلك دليل على إعمال العقل.
محاولة الاجتهاد
وتابع: «الأصولية فى الإسلام تعنى التمسك بثوابت الدين، لكن فى مقابل ذلك يجب علينا الانفتاح على الآراء ومحاولة الاجتهاد، فالأصوليون يبررون تمسكهم بحرفية النص حتى لا يتم إخراج النصوص عن مضمونها بعد اجتهادات الناس جيلاً بعد جيل، فهم يخشون على ضياع روح الإسلام أو إخراجه من مضمونه، لكن هناك مدارس أخرى فى الإسلام تفضل إعمال العقل فبدون العقل لا يمكن أن يطالب الإنسان بتكاليف الشريعة الإسلامية».
وأضاف الجندى أن المعتزلة الذين اتبعوا إعمال العقل فى فهم الدين الإسلامى كانوا خير من دافع عنه، ولا يمكن أن ننكر دورهم فى بيان النصوص الإسلامية وخدمة الدين الإسلامى.
ولا يملك أحد حق احتكار فهم النص الدينى، أما إذا تصادم النص مع العقل فستكون هناك إشكالية حلها الأول محاولة التوفيق بين العقل والنص لتفسير النص بصورة عقلانية دون الخروج عن النص بنسبة كبيرة، أما إذا كانت هناك مصلحة عامة للمجتمع إذا أعملنا العقل على حساب النص فسيكون من الواجب أن نلجأ للعقل.
ونوه الشحات إلى أن الخطاب الدينى يجب أن يتم تجديده بما يتناسب مع قضايا العصر الحالى لكى لا نقع فى فخ التعارض بين الدين والحياة، فقضية الاستنساخ والتخصيب وزرع الأعضاء مثلا قضايا مطروحة حاليا ويجب الاجتهاد بشأنها، أما الأمور التى لا يمكن الاجتهاد فيها فهى الفروض الدينية كالصلاة والصوم».
يقبل التجديد
وأكد أن التجديد لا يقوم به الهواة، لكن يتولى مسئوليته المتخصصون فى العلم، لافتا إلى أن الإسلام يقبل التجديد ولايخاصم العقل المنضبط الواعى.
فيما قال الدكتور إمام يحيى، نحن بحاجة لثورة دينية، وإن الإسلام هو آخر الديانات وهو ذروة التطور فى مسيرة الأديان السماوية وذلك يتنافى تمامًا مع روح التعصب التى يتمسك بها على البعض ظنا منه أن ذلك اتساقا مع روح الدين، منوها إلى أن الاجتهاد فى الدين له شروط من أهمها المعرفة الشاملة للقرآن والسنة، وظروف العصر والمعرفة بالعلوم التطبيقية الحديثة.
وشرح أن الثورة الدينية يجب أن تبدأ من المدراس وتهيئة النشأ الجديد وتثقيفهم بالعلوم الدينية جيدا من خلال الكتب المفيدة التى تعطيهم الخبرات الكافية، مطالبا بإعادة تعديل المناهج التعليمية الدينية، وعلينا كذلك تنقية مناهج الأزهر من الكتب الصفراء التى لا علاقة لها بالعصر.
وأشار إلى أنه بخصوص الدعوات لمصادرة بعض الكتب التى تدعو إلى التعصب أمثال كتب حسن البنا، يرفض هذه الدعوات، فالمصادرة ليست حلا، لكن علينا السماح بطرح جميع الأفكار، وقراءة تاريخ فترة حكم الإخوان وتدريسها لكى نكشف الحقائق للأجيال المقبلة.
ولفت يحيى إلى أن رد فعل المسلمين تجاه الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم التى انتشرت فى فرنسا، لم يكن ردًا إسلاميًا حقيقيًا، لأننا لم نلتزم بسماحة الإسلام وقول الله عز وجل: «وإذا خاطبهم الجاهليون قالوا سلاما».
جرائم الإخوان
وطالب يحيى بوجود كتاب فى المناهج التعليمية عن العام الذى حكمه الإخوان، حتى لا يكون هناك مجال لنسى ما فعله الإخوان بالوطن ويصبح شاهدا على ما اقترفوه من جرائم فى حق الوطن ليتثنى للأجيال المقبلة الاطلاع على ما فعلته هذه الجماعة للوطن من أمور كادت أن تفتته وتفقده هويته.
بينما أوضح المفكر والناقد اللبنانى الدكتور على حرب، أن علينا أن نتصرف على مستوى وطنى عربى لكى تكون هويتنا عابرة منتجة مبدعة خلاقة حتى نتمكن من المساهمة فى منجزات الحضارة الحديثة، ولا ننسى دائمًا وأبدًا من أن العرب مستهدفون من الجميع بما فيهم الدول الإسلامية.
وتابع: نحن فى العالم العربى ما أحوجنا إلى أن نخرج على العالم بأفكار جديدة، ومن يمارس التفكير بصورة حية وخصبة وخلاقة، فهو يمارس حريته فى الوجود على سبيل الجدارة والاستحقاق أو الحضور والازدهار سواء على مستوى وطن أو على مستوى العالم، والعكس صحيح فلا تقدم ولا ازدهار بدون أفكار جديدة.
ثروات غنية
وقال: مما يؤسف له أننا فى العالم العربى نمتلك ثروات غنية وموارد هائلة طبيعية وبشرية أو رمزية وتراثية، فنحن نملك تراثًا هائلاً به خطابات ونصوص وينتظر فقط من يستغله ويقوم بتحويله إلى نص حضارى جديد يتواكب مع كل المجالات، كما فعل القدامى ذلك ما ساعدهم على ازدهار حضاراتهم.
وتابع: نملك ثروات غنية لكن مقابل فقر فى المعارف وهشاشة فى النقد، فلم يخرج من العرب فى العصر الحديث من يقدم منهجاً أو علماً  يحث على البحث والدرس أو نموذجًا ناجحًا فى التنمية، أنا أتحدث عن قطاع من الفلاسفة والمفكرين المحترفين، ولا أقول المفكرين  لأن الفكر هو ميزة الإنسان وليس ميزة  الفلاسفة والعلماء وحدهم.
وأضاف: نحن فى حاجة إلى ابتكار نظريات وأبحاث كما يفعل الغرب وكما فعل العرب فى الماضى، فقد أنتج العرب علومًا جديدة وطوروا العلوم القديمة وأضافوا للحضارة الإنسانية الكثير، لكن أقول لا إصلاح فى الفكر إلا بإصلاح من يدعون أنهم حراس الدين، فمن الممكن أن يستفيد رجال الدين من المشروع النقدى الذى نقدمه لإصلاح الفكر الدينى القائم على خمسة مستويات وهى: «الفلسفية ـ العلمية ـ السياسية ـ المجتمعية ـ علاقة المسلمين بالحداثة الغربية».
وأشار: بالنسبة للفكر الدينى فالحقيقة الكاملة فى الله والله كما يتجسد فى النص القرآنى أولاً والحديث النبوى وتفاسير العلماء وأقوالهم التى تحل فى النهاية محل الأصل وتنتهكه وتلك هى فضيحة المشروع الأصولى، بذلك يصبح كلام العلماء والمُفسرين أهم من كلام الله والرسول والدليل واضح اليوم فى الصراع بين الفرق الإسلامية سنة وشيعة ليجعل الله والقرآن والنبى فى الدرجة الثانية من الصراع، فى حين يتصدر الصراع أئمة المذاهب كما نشاهد كلنا على الشاشات، وتلك الأطروحة الأصولية تجسدت فى نسختها الأولى فى الشيخ محمد رشيد رضا.
وأوضح حرب أن المعارضين لهذه المدرسة إما يتهم بالكفر أو الزندقة أويتم إقصاؤه بطريقة أو بأخرى، إما على الصعيد الرمزى أو الفكرى أو إستئصاله، وهذه الطرق موجودة فى الفكر اليسارى أو الإشتراكى وغيرهم، ففى الفكر القومى يتهم بالخيانة والعمالة وفى الفكر الأصولى يتهم بالكفر أو الزندقة.
وتابع: ومن هنا فالأصولية هى مصدر لانتهاج التعصب والتطرف والعنف، وما تفعله التنظيمات السلفية بوجهيها الدعوى والجهادى، هو نتيجة منطقية لعقود من التعليم القائم على غرس ثقافة التقليد الأعمى ونفى الآخر.
وقال: وبالنسبة للمستوى العلمى والفكرى فثمة فضيحة كبرى، فكما قلنا لقد كان الماضيون خلاقون ومنفتحون مبدعون، فماذا فعل المسلمون المعاصرون؟، لم يقدموا جديدًا ففكرة الخلافة والحاكمية وولاية الفقيه كل هذه الأفكار هى أفكار قديمة تم استدعاؤها، ومن الزيف أن يقولون بأنهم يعتصمون بالنص، فهم يشبهون الماضين فى الصوم والصلاة وقراءة القرآن، ولا يشبهونهم فى الابتكار والقراءات الفذة، التى صنعت حضارة عظيمة.
تيار ليبرالى
وأشار إلى أنه شتان بين عصر محمد عبده والعصر الحالى، فقد ظهر من تلاميذ محمد عبده تياران تيار ليبرالى مثله طه حسين وقاسم أمين وأحمد لطفى السيد، وتيار آخر أصولى مثله محمد رشيد رضا جد الأصوليات كلها، نظرًا لأصوله غير العربية، قائلاً: ويا للعار أين نحن من الرازى والخوارزمى وابن الهيثم الذى يحتفى به فى باريس بوصفه مؤسس علم الضوء، فالفضيحة ليست أننا لا ننتج علمًا، بل إننا نسرق علوم الغرب وننسبها إلى أنفسنا.
واختتم حرب حديثة بالتأكيد على أن بداية الإصلاح هى أن نكف عن استخدام الدين كعنوان للهوية، فلا توجد أمة فى العالم تستخدم الصبغة الدينية كعنوان لها أو لحزب إلا القليل، فلا نشغل أنفسنا الآن بقضايا مستهلكة، فإذا كانت محاولات الإصلاح الدينى قد فشلت عصر محمد عبده، فهل من الممكن أن تنجح فى عصرنا الراهن أعتقد أنه من المحال ذلك.