الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«لماذا يكتب فهمى هويدى»؟!

«لماذا يكتب فهمى هويدى»؟!
«لماذا يكتب فهمى هويدى»؟!




كتب: عاطف بشاى

لا أحد يعلم لماذا يكتب «فهمى هويدى»؟!.. تلك مقدمة منطقية واستهلال لابد منه..
هل يكتب لأن هناك قضايا هامة تحض الوطن يرى أن من واجبه أن يدلى بدلوه ويطرح على القارئ رأيه فيها؟!.. أم أنه يكتب ليخالف السائد والشائع والمسلمات المستقرة والآراء المتعارف عليها والتى تمثل ثقافة مجتمع وقناعاته الثابتة.. إذا كان الاحتمال الأخير هو الأرجح فما أجمل أن يحرك الكاتب البحيرة الراكدة.. وينسف التقاليد البالية.. ويهز الثقة فى المعتقدات المتخلفة .. ويحفز الهمم ويشحذ العقول لاستقبال رياح تغيير مجتمعة تتبنى أفكارًا تنويرية ورؤى مغايرة وأهدافًا متحضرة تجابه أصولية كريهة انتشرت وتمددت فى عقول البسطاء وصارت عائقًا كئودًا ضد التقدم وبناء مجتمع عصرى جديد.
لكن للأسف فإن «فهمى هويدي» لايكتب فى هذه الأغراض.. بل ربما يكتب فى عكسها.. والمتابع لكتاباته الأخيرة فى جريدة «الشروق» وبالأخص مقاليه الأخيرين يكتشف بوضوح أنه يكتب  - رغم أنه يرتدى عباءة المفكر - ليضايق القارئ ويغيظه ويحبطه «وينكد» عليه.. فبينما كان قيام نسور الجو المصرية بالرد بعد ساعات قليلة على تلك الجريمة البشعة التى ارتكبها تنظيم «داعش» الإرهابى فى ليبيا بقتل (21) مصريًا.. أثلج صدور جميع المصريين حيث شعروا أن مصر يدها طولى وتستطيع أن تحمى أبناءها ثأرًا للضحايا فلنا بالفعل درع وسيف وشعب عظيم لا تفرقه فتنة ولا تؤثر فيه مؤامرة.. فقد أصر «هويدى» على هز ثقة الناس فى قيمة وأهمية.. وتأثير الضربة الجوية.. وفى أصحاب القرار.. والتشكيك فى سلامة اتخاذ هذا القرار حيث يقول بالحرف الواحد:
«ولكن أن يجئ الرد بعد ساعات من إعلان نبأ قتلهم للعمال المصريين فتلك مسألة لها كلام آخر.. ورغم أننا فهمنا أن الموضوع كان محل مناقشة اجتماع مجلس الدفاع الوطنى .. إلا أننى أخشى أن يكون القرار قد اتخذ فى ظل الإنفعال وتحت تأثير الصدمة التى انتابتنا جميعًا.. وقبل إنجاز الترتيبات التى تكفل توجيه ضربة قاصمة تضمن قطع دابر التنظيم فى «ليبيا على الأقل».
وواقع الأمر يثبت عكس تصور «هويدي» ويذكرك ببيت الشعر الذى يقول «وعين الرضا عن كل عيب كليلة - وعين السوء تبدى المساويا».. فالضربه الجوية فى الفجر تميزت بالدقة والتحديد حيث إن أوكارهم ومخازن أسلحتهم مكشوفة لنا.. وكل طائرة (إف 16) تحركت من قاعدتها العسكرية وهى تعرف بدقة الهدف الذى تتجه إليه.. وبحسب التقرير الإخبارى الهام الذى أورده الصحفى الماهر «أحمد أيوب» نجحت المهمة بنسبة أكدت قيادات الجيش الوطنى الليبى نفسها انها اقتربت جدًا من المائة بالمائة.. والمؤكد أن المفاجأة كانت أكبر من أن تتوقعها قيادات التنظيم .. ولا من يدبرون لهم السلاح.. كانوا يعتقدون أن مخازن السلاح التى خصصوها لهدم «مصر بعيدة عن طائرات الجيش المصرى لكنهم فجأة وجدوها ركامًا.. وبضربات مباشرة .. وقريبة من الأرض.. ولذلك لم تكن العملية تأديبًا وإيلامًا فقط لما تسمى «داعش» وإنما أيضًا لتركيا وقطر اللتين أمدتا «التنظيم الإرهابى» بأسلحة بالمليارات.. لكن ضربة واحدة «قضت عليه» .. وبناء عليه فنحن لا نعرف مصدر تلك الثقة التى جعلت «هويدى» يؤكد أنه ليس واثقًا أن المسارعة إلى الغضب وفرت فرصة لتحديد الجهة التى قررت اعدام المصريين أو التى قامت بالتنفيذ.. الذى يشك فى أنه تم بقرار من رئاستهم الموجودة فى الرقة بسوريا .. كما أنه يشك أنه أمكن فى ذلك الوقت القصير ترتيب تأمين العدد الكبير من المصريين العاملين فى ليبيا (أكثر من مليون مواطن) من ردود الأفعال الانتقامية من الطرف الآخر .. خصوصًا أن تنظيم داعش تمدد خارج «درنة» و «سرت» وجذب إلى صفه أعدادًا من شباب القبائل المتدينين .. ورغم أن خيار الضربة الجوية كان خيارًا حتميًا لا مفر منه ولا بديل عنه فقد أورد «هويدى» مثالًا غريبًا وبعيدًا عن المقارنة أو تحقيقًا للتشابه والتماثل هو نفسه إعترف به مؤكدًا: «لاوجه للمقارنة بين هوية الأطراف.. فضلًا عن أن فى التفاصيل تباينات كثيرة».. حيث استدعت ذاكرته الغريبة قصة عملية ميونيج التى قام بها الفلسطينيون أثناء أولمبياد عام (1972) واستهدفت أخذ الفريق الإسرائيلى رهائن حتى يتم الإفراج عن (236) أسيرًا فلسطينيًا.. وهى عملية لم تنجح لكنها أسفرت عن قتل (11) رياضيًا إسرائيليًا برصاص القناصة الألمان..
والمدهش فى الأمر تحليل «هويدي» للواقعة، والذى تجعل منه حمامة سلام وداعية من دعاة التسامح والتآخى والمصالحة أو فى أقل التقديرات محاولة الللجوء إلى الحلول السياسية وكظم الغيظ.. ونبذ المراهقة العاطفية والاندفاع الأهوج - حيث يؤكد أن «إسرائيل لم تنس جرأة الفلسطينيين التى أدت قتل هذا العدد من رياضييها .. ثم - وهذا هو المهم - إنها قامت بالرد والثأر حين استطاعت أن تحدد أسماء الذين خططوا للعملية.. ونفذوها.. ثم قامت بتصفيتهم تباعًا.. ولكى يصل «فهمى هويدى» بسرعة إلى هدفه الذى يبدأ بتخويفنا من رد الفعل «الداعشى» وحمق انسياقنا إلى خيار القوة فإنه يلجأ إلى مناورة تستهدف الإعلام فيستنكر سيل الكتابات فى الصحف والتحليلات التليفزيونية التى تعتبر أن كل فصائل الإسلام السياسى «دواعش» وتطوع أحدهم فأفتى بأن «داعش» صناعة مصرية بالأساس وأن النشطاء الإسلاميين جميعًا فى مصر يمثلون تنويعات على فكر «داعش».. ومشروعها وهكذا - والكلام «لهويدى» - فإنه إذا كان الرد العسكرى قد تمت مناقشته فى محيط عدد محدود من القادة وكبار المسئولين فإن الرد الإعلامى اتسم بالهرج والانفلات الذى شارك فيه كل من هب ودب .. وطرحت خلاله مختلف التحليلات والتعليقات التى إختلط فيها المعقول باللامعقول والأخبار بالتغليظ والافتراء.. حدث ذلك فى غيبة المعلومات وفى ظل العجز من متابعة خرائط وتضاريس المشهد الليبى الذى تتداخل فيه الصراعات السياسية مع العوامل القبلية والنزعات العرقية.
فهل يقصد «هويدى» بالفقرة السابقة  حقًا إدانة الزعم القائل بأن الجميع دواعش؟!
نعم يقصد «هويدى» بالفقرة السابقة حقًا إدانة الزعم القائل بأن الجميع دواعش..
نعم يقصد ذلك فى نهاية تحليله السياسى اللوذعى، بل ويقصد ما يترتب على ذلك من نتائج هامة - من وجهة نظره - حيث يقول بوضوح لا يقبل أى لبس: «هذا الهرج لم يتح للمشاركين فى التعبئة الإعلامية فرصة الفرز بين التيارات المختلفة فى «ليبيا» فوضع الجميع فى سلة واحدة فاستعدوهم على «مصر» وعبأوا المصريين ضدهم بغير مبرر!! ويزعم بناء على ذلك أن الغارة العسكرية إذا كانت بحاجة إلى بعض التأنى لإحسان التدبير.. وإحكامه فإن الغارة الإعلامية ظلت بحاجة إلى قدر أكبر من الرصانة والمسئولية لأن الأمر أكبر من أن يعالج بالخفة التى لمسناها فيما قرأناه وشاهدناه.
ولا بأس أن يختتم مقاله بعبارة نارية انفعالية تتسم بالكثير من السخط والاستياء فيرجو ألا تكون.. المبالغات.. والمزايدات الإعلامية مقصورة لإشغال الناس عن مراجعة ما جرى والتفكير فى الثغرات التى تتخلله - تلك الثغرات التى لا يعرفها الجميع لكن يعرفها هو بعمق فكرة وتحليلاته العظيمة - بحيث أوصلت الأمور إلى النهاية المأساوية التى انتهت إليها .
فهل الضربة الجوية «نهاية مأساوية»؟!.. ألم أقل لكم أن «فهمى هويدى» يكتب لينكد علينا.
اللهم احمنا إذن من «نكد» «فهمى هويدى».. أما داعش فنحن كفيلون بها.