الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

معجزة التوازن الرقمى فى القرآن




الإنسان لم يشاهد الأرض فى شكلها الكروى وهى تسبح فى الفضاء إلا عندما أطلق العلماء الروس القمر الاصطناعى الأول “سبوتنيك” عام 1957م، حيث استطاعوا الحصول على صور كاملة لكوكب الأرض بواسطة آلات التصوير المرتبطة بالقمر الاصطناعي. وكما ورد فى الموسوعة البريطانية أن الأرض شبه كروية مفلطحة عند القطبين {Oblate Spheroid} إذ إن الأرض تنتفخ بصورة قليلة جداً عند خط الاستواء وتتسطح فى منطقة القطبين بفعل دورانها حول نفسها.
 
 
ونماذج آخرى لتحدى القرأن يستعرضها المستشار أحمد عبده ماهر فى هذه الحلقة.
 
يقول تعالى فى سورة الروم: الم{1} غُلِبَتِ الرُّومُ{2} فِى أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ{3} فِى بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ{4} بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ{5} ؛ فكيف عرف محمد عن غور فلسطين ـ الذى تمت فيه المعركة بين الروم والفرس ـ أنه أخفض بُقعة على وجه الأرض من مستوى سطح البحر؟، وذلك بيان لكلمة { فِى أَدْنَى الْأَرْضِ } الواردة بالآية رقم 3، إن تلك المنطقة تنخفض عن مستوى سطح البحر 392 مترا، ولم يعلم النَّاس ذلك إلا باكتشافهم الموجات الصوتية وأشعة الليزر حديثا، فكيف علم محمد بذلك؟، ومن كان فى عصره يعلم بأنها أخفض منطقة على سطح كوكب الأرض؟، إنه القرآن يتحدى يا سيدى لكن أين من يقرءون؟، وأين من يعقلون؟ وأين دعاة الإسلام فى ربوع الغرب والشرق من تلك الآيات؟، بل أين من يعبثون بالكفر مع ابليس من تلك الدلائل الجلية.
 
إن المتأمل فى الآية القرآنية يلاحظ أنها قد وصفت ميدان المعركة الأولى بين الفرس والروم بأنه أدنى الأرض، وكلمة أدنى عند العرب تكون بأحد معنيين، أقرب أو أخفض، فهى من جهة أقرب منطقة لشبه الجزيرة العربية، ومن جهة أخرى هى أخفض منطقة على سطح الأرض، إذ إنها تنخفض عن مستوى سطح البحر بـ 392 متراً وهى أخفض نقطة سجلتها الأقمار الاصطناعية على اليابسة، كما ذُكرت بالموسوعة البريطانية، وهو تصديق للآية القرآنية، وقد ذكرت ذات الموسوعة: “البحر الميت، بقعة مائية مالحة مغلقة بين إسرائيل والأردن، وهى أخفض جسم مائى على الأرض فانخفاضه يصل إلى نحو 1312 قدمًا {حوالى 400 متر} من سطح البحر، القسم الشمالى منه يقع فى الأردن، وقسمه الجنوبى مُقسّم بين الأردن وإسرائيل.
 
 
ومن أُسُس العرض العلمى قوله تعالى: {هُوَ الَّذِى جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }يونس5؛ فمن كان يعلم الفرق بين الضياء والنور؟، لقد عَلِمَ أهل الفيزياء هذا الأمر بعد أكثر من ألف سنة بعد موت محمد صلى الله عليه وسلم، ومن الذى خصَّ الشمس بالضِّياء والقمر بالنور؟، أكان محمد صلى الله عليه وسلم عالم فيزياء؟، أم كانت لديه وكالة فضاء ؟، إن الضياء تخرج من ذات الشيء المضيء، بينما يخرج النور من انعكاس الضوء على أحد الأسطح التى تعكسه، فيكون نورًا، فمن كان بالقرن السابع الميلادى يعلم تلك الحقيقة الفيزيائية؟.
 
وفى عام 1929 أكد العالمان الفلكيان “همسن” و“هابل” نظرية توسع الكون بالمشاهدة، حيث وضع هابل القاعدة المعروفة باسمه، وهى قانون تزايد بُعد المجرات بالنسبة لمجرتنا، وبالنسبة لبعضها البعض، وبفضل هذا القانون أمكن حساب عمر الكون، وقد قام “هابل” باستدعاء “آينشتين” من ألمانيا إلى أميركا حتى يُرِيَه تباعد المجرات والكواكب بواسطة التلسكوب.
 
فلماذا لم يدرك الكثيرون تلك المعجزة العلمية التى أتى بها محمد قبلها بأربعة عشر قرنا، حين قال فيما تنزل عليه: {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}الذاريات47؛ ألا يكفينا تقصيرا أننا لسنا أصحاب تلك العلوم، أَوَ نزيد عليها غمطا للحقيقة القرآنية المعجزة؟، ولماذا لا يتأهل الدعاة لمثل هذه الأمور؟.
 
ولقد كان العرب يعلمون عدد السنين من الدورة القمرية، فمن غير القرآن كان أسبق بإعلامهم بأنه ـ أيضا ـ يمكنهم تعلُّم الحساب الدَّقيق من تلك الأجرام السماوية؟، إن التبلد أمام تلك الآيات وعدم تقييم الإعجاز هو عين العجز، وعين حقيقة طمس القلوب عن آيات الإيمان.
 
ومن آياته التى لم يقدرها أهل زماننا أن الله وصف السماء بأنها مظلمة، فلم يجعل لها نوراً، بينما بالأرض نور ينتشر على سطحها نهارا، وتستضيء بنور القمر ليلا، ولأن السماء مظلمة وانتشرت فيها الظلمة فقد ذكر الله أن النجوم والكواكب بها كالمصابيح التى تُزين الأماكن، لكنها غير قادرة على تبديد ظلمتها، وفى ذلك يقول تعالى بسورة النازعات: 26} أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا{27} رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا{28} وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا{29} ؛ فكلمة {أغطش ليلها} تعنى نشر ليلها، وكلمة {أخرج ضحاها} تعنى أخرج منها نور الضحى وتركها فى ظلام، والذى ينظر لصور الأقمار الصناعية عن قرص الشمس يرى الشمس معلقة وسط الظلام فهى تنير الأرض ولا تنير ما حولها من الفضاء، فهل كان محمد يعلم ذلك التكوين فى السماوات والذى لم نعلمه نحن إلا بعد قرون عديدة؟، وهل يكون بذلك نبى مزعوم خط كتابًا من ذاته؟.
 
لقد عرض الأمريكان فيلما سينمائيا أعدته شركة أمريكية عن جهودهم لغزو القمر - وعنوان هذا الفيلم “ خطوة عملاقة لاكتشاف جيولوجيا القمر “ ومن أول الفيلم إلى آخره يعرض كيف تمكن العلماء الأمريكان من أن يكتشفوا أن القمر كان مشتعلا من قبل, وأنه كان كتلة مشتعلة ثم بردت, ودللوا على ذلك بأن أرسلوا أجهزة إلى القمر لقياس الموجات وأحدثوا موجات صوتية وتحركت الموجات فى باطن القمر, فتبينوا أن باطنه مازال مشتعلا حتى الآن وأخذوا عينات الصخور من باطنه ومن المرتفعات ومن الجبال والوديان التى بالقمر, وحللوا ودرسوا فوصلوا إلى نتيجة أن القمر كان يوما ما مشتعلا وأنه انطفأ.
 
 أليس ذلك تفسير قول الله {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً}الإسراء12 ؛ قال علماء المسلمين منهم ابن عباس وغيره : آية الليل القمر، وآية النهار الشمس، أما { فمحونا آية الليل } فقال لقد كان القمر يضيء ثم محى ضؤه [فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ] ، لذا يقول الله جل وعلا: {تَبَارَكَ الَّذِى جَعَلَ فِى السَّمَاء بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً }الفرقان61 ؛ فلو كان القرآن من عند محمد .. من عند بشر لقال وجعل فيها : سراجين . سراجًا بالنهار وسراجًا بالليل . سراجًا حارًا وسراجًا باردًا, ومن يكذبه؟، ولكنه من عند العليم الحكيم قال: وجعل فيها سراجا أى الشمس، وقمرا منيرا، وذِكْر إنارة القمر بعد ذِكْر السراج يدل على أن القمر يستنير بنور السراج، فسبحان الله العظيم. المصدر “ العلم طريق الإيمان “ للشيخ عبد المجيد الزندانى، “ آيات قرآنية فى مشكاة العلم “ د. يحيى المحجري.
 
وعلم تلقيح الزُّروع لبعضها، وأن من الزُّروع ما هو ذكر ومنها ما هو اُنثى، وأن الرياح تحمل حُبُوب اللِّقاح الذَّكرية وتنقلها إلى المَيَاِسم الأنثوية، وورود ذلك بالقرآن المنزّل بالقرن السابع الميلادي، أكان أحد من تلك القرون على دراية بذلك؟، وفى ذلك يقول تعالى {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ }الحجر22.
 
 فأين البشرية وعلومها من علوم القرآن؟، وكيف يكون الكافر بالقرآن كافرًا بعد عرض كل تلك البراهين القرآنية التى أظهرها العلم البشرى بعد مئات السنين إلا إن كان لا عقل له!، لذلك صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: { الكافر لا عقل له}.
 
 وقوله ـ تعالى ـ عن الجبال إنها أوتاد الأرض، واكتشاف العلم بعد ذلك بقرون عديدة أن للجبال أعماقًا مغروسة فى الأرض، لذلك فهى أوتاد، وأن تلك الجبال موزعة توزيعا حسابيا على الأرض، وأنها تحفظ توازن الأرض حال دورانها وسباحتها فى الفضاء، وفى ذلك يقول تعالى: [والجبال أوتادا] النبأ؛ لذلك فإن الله حين يريد أن تزول الأرض فإنه ينسف الجبال، وفى ذلك يقول جلال جلاله فى سورة طه: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّى نَسْفاً{105} فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً{106} لَا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلَا أَمْتاً{107}.
 
وقوله تعالى عن وجود برزخ يحجز بين ماء النهر العذب وماء البحر المالح، ثم اكتشاف العلم بعد ذلك قانون الكثافة، واكتشافه وجود حاجز بين البحار بعضها ببعض، حيث يقول تعالى: {وَهُوَ الَّذِى مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً }الفرقان53 ؛ وقوله تعالى فى سورة الرحمن: {18} مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ{19} بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ{20} ؛ إن هذه الآيات تؤكد استمرار الخطاب القرآنى للبشر لعلهم يهتدون، فما كان النَّاس على عهد رسول الله يعلمون أو يهتمون بمثل هذه الظواهر العلمية، لكنها اليوم تتوالى تترى، دون أن تزيح تلك الحقائق الغشاوة عن قلوب الكافرين، فسبحان القائل: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ }المطففين14؛ وسبحان القائل: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ }البقرة145.
 
 فها نحن قد جاءنا القرآن بالعلم، وكنا لا نأبه ولا نعلم، وبعدها وبفضل ما من به الله على الغرب من علوم أصبح لنا اليقين اللازم، ودرسنا تلك العلوم فى معاهد علمية، ومنا من تخصص فى علوم البحار، ومنا من يعمل بالقوات البحرية، لكننا اتبعنا بعلوم الغرب ما يهواه الغرب، ولم نتبع بالعلم ما يدفعنا لكثرة السجود والخشوع، ولم يعلم الغرب بأن علومه مذكورة بالقرآن، بل إن الكثير من أهل تلك البلدان لا يعلمون أن بالشرق الأوسط بلدًا اسمه مصر، وما ذلك إلا لتقصيرنا تجاه الدعوة لدين الحق، ولرسول الحق.
 
ومن الإعجاز القرآنى الذى قال الله فيه: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِى الْآفَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }فصلت53؛ فإن الله يُفسِّر آيات القرآن بالكون، وبالمكتشف العلمى بكل عصر، فالله يقول عن البحر إنه {مسجور}، أى يُحمى عليه بحرارة النار، أو أنه يشتعل، حيث يقول تعالى: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ }الطور6؛ فتم اكتشاف أخاديد من نار بأعماق المحيط الهادى والمحيط الأطلنطي، كما تم اكتشاف أحد بحار القطب الشمالى وقد اشتعلت الحمم البركانية على سطحه، فلا هى تنطفئ، ولا هو تتبخر، فسبحان الله العظيم القائل: {إفَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ{18} ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ{19} القيامة، فها هو الله يقول أنه سَيُبَيِّن لنا ما استعصى فهمه على البشرية لقرون طويلة، فبفضل البعثات الكشفية ومعدات الغوص التى تتحمل الأعماق السحيقة تَيَقنا من صدق البيان القرآنى لآية طالما استعصى فهمها على النَّاس.   
 
كما يظل اكتشافنا الحديث بضرورة ارتداء روَّاد الفضاء لملابس مخصوصة، تحفظ عليهم الضغط الجوى، وتمدهم بالأكسجين اللازم للتنفس علامة على أن القرآن كتاب الله، حيث يقول تعالى: {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }الأنعام125؛.
 
 
وهناك إعجاز تطور علم الأجِنَّةَ المذكور تفصيلا بالقرآن، بل بترتيب الحدوث، منذ تلاقى الرجل والمرأة بصفتهما زوجين، وحتى الولادة، حيث يقول تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ{12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ{13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ{14} المؤمنون: 12ـ14؛ فتلك المراحل السِّت لم يصل إليها الطب إلا فى القرن الماضي، فكيف أتى بها محمد صلى الله عليه وسلم فى القرن السابع الميلادي؟، ومن ذا الذى كان يعلم بتعلق البويضة بعد تخصيبها بجدار رحم الأم حتى يسميها الله فى القرآن [علقة]؟.
 
 
 فلماذا لا يقوم الملايين من الذين تخرجوا من كليات الطب بكافة الدول الإسلامية بممارسة الترويج لقدرة ووحدانية الله؟، و التأكيد على صحة ما جاء بالقرآن، والدفاع عن نبوَّة محمد صلى الله عليه وسلم؟. 
 
ولقد كان للقرآن جولة تحدٍ ضمنية وإبداعية مع حشرة النمل، تؤكد أنه {القرآن} من لدن الخالق لكل شيء، حيث يقول تعالى: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِى النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ }النمل18؛ إن الإعجاز فى تلك الآية يكمن فى قوله تعالى على لسان النملة: [ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ ]، فلقد كان من المتوقع أن تقول النملة { لا يقتلنكم }، إن العرب وكل الأجناس يعلمون أن النمل يُقتل، فكيف يقال إنه يتحطم، أهو من مادة تتحطم؟؟، هذا ما أثبته العلم الحديث، حيث تبين أن جسم النملة مكون من هيكل خارجى صلب، يعمل على حمايتها ودعم جسدها النحيل والضعيف، لكنه يسهل كسره لأنه يفتقر للمرونة، وقد ذكر القرآن ذلك قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة، أيكون ذلك السرد البسيط لحقيقة علمية لأحد سوى خالق كل شيء؟، وحقا يقول تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }الملك14 ؛ فأين من درسوا علم الحشرات من الدعوة إلى الله ودعم الإسلام بما هو أهله ومن أهله؟.
 
وقولـه تعـالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }العنكبوت41 ؛ فمن بالقرن السابع الميلادى كان يعلم بأن التى تبنى البيت هى أنثى العنكبوت وليس الذكر، لذلك كان ذكر الله لكلمة { اتَّخَذَتْ } ولم يقل { اتخذ}، أو {اتخذوا}، أكان محمد يعلم تحديد الوظائف داخل مملكة العنكبوت؟، وهل كان من سبيل لأحد فى ذلك القرن أن يعلم ذكر العنكبوت من الأنثى؟، لكن حين علم أهل الغرب تلك الحقيقة بوصفها علمًا، لم يجدوا مسلما يقول لهم إن القرآن قال ذلك قبل قرون من اكتشافاتكم.
 
فعيب على من نالوا الشهادات الجامعية ألا يعلموا وألا يدافعوا عن كتاب الله، وعيب كل العيب على أهل العلم والإعلام ألا يُنْشَر هذا العلم كسلاح يؤكد صدق القرآن ونبى القرآن صلى الله عليه وسلم، نعم إنى أُشاهد حلقات الإعجاز العلمى للقرءان فى التلفاز، وأقرأ الصحف التى تكتب عن هذا الأمر، لكنهم لا يُبرِزون أبدًا أنهم يذيعون ذلك لأجل دعم الواقع الإسلامى المُعْجِز لكل البشر، لكنهم يذيعونه كى يشعر المسلم بقشعريرة وقتية من الزهو بعد السهو، لأن المادة الفقهية فيها متواضعة، كما أنهم ينشرون ذلك بديارنا، وكان الأحرى أن ينشر ببلاد التكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم.
 
رابعا: التحدى بالتوازن الرقـمي
 
من تحديات القرآن وإعجازه للجن والإنس خصيصة التوازن الرقمي، ولنضرب لذلك مثلاً توضيحيًا، فعندما نتأمل هذه الأرض التى خلقنا الله عليها نرى فى كل شيء فيها آية تدل على عظمة خالقها، لقد أثبت العلم أن نسبة الماء على سطح الأرض 71% ونسبة البر 29% تقريباً، والعجيب أن القرآن ذَكَر كلمة {البحر} 33 مرة، وذكر كلمة {البر واليابس} 13 مرة، وبعملية حسابية نجد أن مجموع تكرار الكلمتين { البر=13 + البحر=33 } بالقرآن هو: 33 + 13 = 46 وهذا العدد يمثل البر والبحر معا، وتكون نسبة تكرار {البحر} بالنسبة لهذا المجموع هى بقسمة عدد كلمة {بحر} بالقرآن على مجموع تكرار الكلمتين معا: 33 ÷ 46 وهذا يساوى 71 % تقريباً وهى ذات نسبة مساحة البحر من مسطح الأرض، كذلك تكون نسبة تكرار كلمة {البر} هى 13 ÷ 46 وهذا يساوى 29 % تقريبًا، وهى النسبة الحقيقية للبر أو اليابسة من مساحة مسطح الأرض.
 
هذا فضلا عما توصل إليه الباحثون عما أسموه (رقم التحقق اليقينى بالقرآن)، كالحروف المقطعة بأوائل السور، وما لها من دلالات رقمية إعجازية، مثل حرف (ق) فقد ظهر فى سورة ق 57 مرة، وظهر فى استهلالة سورة الشورى بالآية الثانية (عسق)، ومجموع ظهوره بسورة الشورى 57مرة أيضا، فإذا ما تم جمع عدد مرات ظهور الحرف بالسور ذات الاستهلال بالحروف المقطعة، نجد أنه 57+57=114، وهو عدد سور القرآن.
 
وإعجاز الرقم 19 الذى أورده الله تحديدا بالآية 30 من سورة المدثر، وقال أنه عدد (اختباري)، وتعبير القرآن أنه (فتنة) ليستيقن الذين أُتوا الكتاب، لكن العرب حملة القرآن ليس لديهم آلية توصيل ذلك الإعجاز لأهل الكتاب، وربما تتحسن حالتهم بالمستقبل القريب.
 
أفكانت هذه الأعداد بالمصادفة؟، أم أنها من تدبير من خلق الأرض والسماوات؟، هذا فضلا عن توازنات عددية ومعجزات حسابية عديدة لا يسع المقام لها.   
 
خامسا:التحـدى القصصى الإعجـازي
 
من بين التحديات والعروض الإعجازية للقرءان والتى تُثبت أنه من لدن العلى الأعلى سبحانه وتعالى، ما أورده سبحانه وتعالى عن أبى لهب، حيث قال تعالى بسورة المسد:[ تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ{1} مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ{2} سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ{3} وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ{4} فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ{5}] ؛ لقد نزلت هذه السورة إبان حياة أبى لهب، وكان يمكنه أن يُسلم ولو نفاقا ليزعزع مكانة القرآن فى قلوب أتباع محمد، لكنه لم يستطع، أتعلم لماذا؟، لأن القرآن من لدن الله الخالق الذى يعلم من خلق، ولأنه القائل سبحانه بسورة مريم: { أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً{83} فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً{84}.
ولابد للجامعات الإسلامية من بذل الجهد والسعى لإبراز الحقائق العلمية للإشارات القرآنية خاصة تلك التى لم يكتشفها الغرب، حتى نبرز مسلمين، كما يبرز قُرآننا، وحتى نكون عمليا خير أُمة أُخرجت للناس.
ولابد لأهل الدعوة من تأهيل أنفسهم، ليتكلموا باسم المعجزات العلمية التى يكتشفها أغراب عن دين الإسلام وهم لا يعلمون أن القرآن قد رواها فى مُحكم آياته منذ أكثر من ألف وأربعمائة وثلاثين سنة، فمن ذا الذى يقع عليه واجب إرشادهم؟؟، إن على الدُعَاة دراسة تلك العلوم والتَّحديات بعد دراسة اللغات الأجنبية، وأن يُبْرِزُوا تحدى القرآن للجن والإنس وعروضه العلمية المُعجِزَة، حتى لا يقول قائل أو ينتهى علمه عن دين الإسلام بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم كان مزواجًا، أو أنه نشر الإسلام بالسيف، أو أن القرآن من تأليفه.