السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أحجار على رقعة الشطرنج.. «الجماعة» تقصف مؤسسات الدولة بصواريخ المال!






ما زلنا نعرض لكتاب «وليم جاى كار» «أحجار على رقعة الشطرنج».. وفى هذه الحلقة يشكل المال كلمة السر لـ«جماعة النورانيين».. سر نشأتها وقوتها وجبروتها وسيطرتها على غيرها من الحركات السرية.. التى سيطرت على الثورات المختلفة.. الفرنسية والإنجليزية والأمريكية والأسبانية فيما بعد.. المال كان شريان الحياة لـ«الجماعة».. وهدفها طوال الوقت.. ومال «الجماعة، كان بعيدا عن أى رقابة.. وبعيدا عن أى تنظيم.. ويعلو على كل مؤسسات الدول التى عملت داخلها.. ولم يكن ما أوردناه فى الحلقة الماضية عن انتباه بعض الوطنيين فى أمريكا لذلك.. إلا سببا فى تبجح «الجماعة» والعمل على المكشوف.. فالسيطرة على الاقتصاد عبر امتياز إصدار النقد.. كان الطامة الكبرى.. وما قاله «توماس جيفرسون» خير دليل على ذلك.. قال: «أنا أؤمن بأن هذه المؤسسات المصرفية أشد خطرا على حريتنا من الجيوش المتأهبة.. فقد خلقت بوجودها أرستقراطية مالية.. أصبح لديها سلطة تتحدى الحكومة.. ولا سبيل سوى استرجاع امتياز إصدار النقد من تلك المؤسسات وإعادته إلى الشعب صاحب الحق الأول فيه»



وبالطبع لم يصمت «روتشيلد».. فقد قام بتوجيه التحذير التالى للأمريكيين: «إما أن توافق الحكومة الأمريكية على طلب تجديد امتياز مصرف أمريكا.. وإلا فإنها ستجد نفسها فجأة متورطة فى حرب مدمرة»!!.. وأعتقد أنه ليس أوضح من هذا التحذير الكاشف.. فرد عليه «اندرو جاكسون»: «إن أنتم إلا مغارة لصوص ومصاصى دماء.. ولسوف أعمل على تحطيمكم بل وأقسم بالله إننى سوف أحطمكم»!!.. وهنا فقد «روتشيلد» هدوءه قائلا لـ«جماعته»: «علموا أولئك الأمريكيين الوقحين درسا قاسيا.. وليعودوا إلى الاستعمار وما قبل الاستقلال»!!
السيطرة بالمال على الاقتصاد.. هو الضمان الحاسم فى السياسة.. والجماعات السرية تدرك جيدا هذا المنهج.. فلا تجد جماعة منها اعتادت العمل تحت الأرض لسنوات.. سواء كانت «جماعة النورانيين» اليهودية.. أو الجماعات السرية الشيوعية.. أو مثيلاتها التى تدعى الإسلامية.. إلا وتستند إلى حائط صلب من السيطرة المالية على الاقتصاد فى مجتمعها الذى تعمل فيه.. قد تتنوع أشكال تلك السيطرة من مجتمع إلى آخر.. من السيطرة على مشروعات اقتصادية عملاقة.. أو مشروعات صغيرة.. أو تقديم خدمات سلعية للفقراء فى شكل تبرع أو صدقة أو ما شابه.. لضمان بقاء الطبقات الفقيرة مرتبطة ومعتمدة على أموال تلك الجماعات السرية.. فيشكل ذلك فيما بعد سندا لها حال خروجها من تحت الأرض للعمل العلنى.
لينكولن يسعى لحتفه فى مواجهة روتشيلد!
ولأن «لينكولن» كان رجلا وطنيا.. أدرك جيدًا أصل المؤامرة التى تحاك ضد وطنه ومواطنيه.. فقد ذهب إلى قلب الموضوع.. محاولا فك القيود المالية التى طوقت بها بلاده.. فعمد إلى تطبيق الدستور متمسكا بالفقرة الخامسة من المادة الأولى.. التى تمنع غير الكونجرس من إصدار العملة.. ويروى الكاتب «وليم جاى كار» فى كتابه الوثائقى «أحجار على رقعة الشطرنج».. أنه قام بالفعل بإصدار 450 مليونا من الدولارات الرسمية.. التى جعل غطاءها القرض القومى.. لكن انتقام «آل روتشيلد» كان قاصما.. فقد دفعوا بالكونجرس ليصدر قانونا يقضى بأن لا تقبل «أوراق لينكولن» المالية فى دفع فوائد القروض، أو فى شئون الواردات.. وصارت تلك الدولارات بلا قيمة تقريبا.. وهنا انخفض الدولار إلى 30 سنتا.. ثم قاموا بشراء تلك الأوراق جميعها.. ثم اشتروا بها القروض الحكومية باعتبار الدولار قيمته دولار.. فجنوا 70 سنتا من الأرباح عن كل دولار.. واتجه «آل روتشيلد» بعدها إلى تمويل الحملات الانتخابية لعدد ضخم من النواب والشيوخ.. الذين عملوا فيما بعد على إقرار مشروع قانون الصيارفة.. الذى عمل به عام 1863 رغم معارضة الرئيس «لينكولن» له.. وهكذا ربح «آل روتشيلد» تلك الجولة ضد الرئيس الأمريكى الوطنى.
وفى نفس العام الذى أقر فيه هذا القانون.. أرسل «آل روتشيلد» فى لندن إلى مؤسسة السادة «إيكلهايمر وموتون فاندر جولد» فى وولستريت يقول فيها:
«سادتى الأعزاء.. كتب إلينا السيد جون شيرمان من مقاطعة أوهايو لإعلامنا بتقديرات الأرباح التى يمكن الحصول عليها نتيجة للقانون الأخير بشأن المصارف.. والذى أتى وفق الخطة التى تبنتها جمعية المصارف الأمريكية.. وقد نصحت الأصدقاء الأمريكيين بأنه فى حال تصديقه وإقراره.. سيكون سببا فى تدفق الأرباح على جماعة الصيارفة فى العالم بأسره.. فهو يعطى المصرف الوطنى سيطرة مطلقة على الأوضاع المالية للدولة».
وبالطبع رد عليه «إيكلهايمر ومورتون وفاندرجولد» فى رسالة جاء فيها: «يبدو لنا أن السيد جون شيرمان يتصف بصفات رجل الأعمال الناجح.. وهو يضع نصب عينيه الوصول إلى رئاسة الولايات المتحدة.. وهو الآن عضو فى الكونجرس.. وقد قاده تفكيره الصحيح لأن يدرك أن الربح الأكبر هو فى الحفاظ على صداقة المؤسسات المالية الضخمة والأشخاص ذوى الموارد الواسعة»!!.. بالطبع هذا ليس ببعيد عما يحدث على الأرض فى أوطاننا الآن.. فتلك محاولة جرت بحذافيرها منذ عدة أشهر.. أن يصعد إلى سدة الحكم رجل مال ومشروع سيطرة على الاقتصاد.. لكنها كانت محاولة فاشلة.. استبدلت على الفور بفكرة «إحتياطى» أو «استبن».. تضمن سريان نفس المشروع ربما بطريقة أفضل!!
وعلى الفور، وضعت الشروط التكميلية المكبلة للاقتصاد عبر تلك المصارف.. فسحبت السيولة وخفضت القروض.. وأصبح المدينون غير قادرين على الإيفاء بأعبائهم.. فوضع أصحاب المصارف أيديهم على العقارات التى تفوق بكثير قيمة القروض.. وفى تلك اللحظة التى كان الأمريكيون يختنقون ماليا.. أدرك «لينكولن» أن اللحظة باتت مناسبة لكى يسمع الأمريكيون صوت العقل.. بعد تجربتهم المؤلمة.. فشن حملته الثانية العلنية على أرباب المال.. وفى خطاب للأمة قال: «إننى أرى فى الأفق نذر أزمة تقترب شيئا فشيئا.. وهى أزمة تجعلنى أرتجف خشية على سلامة بلادى.. فقد صارت السيادة للهيئات والشركات يتبع ذلك وصول الفساد لأعلى المناصب.. وأصحاب المال سوف يعملون على الحفاظ على سيطرتهم على الدولة.. مستخدمين عواطف الشعب.. وتحزباته.. وتصبح ثروة البلاد كلها تحت سيطرة فئة قليلة.. وهو ما يؤدى إلى تحطيم الجمهورية»!!.. أيشبه هذا الوضوع ما نراه على الأرض الآن؟!!.. تحويل الدولة إلى هيئات أو شركات أو «مجالس شورية».. سيطرة أرباب المال على مؤسسات الدولة.. الاستفادة من التحزبات والتشرذم والانشقاقات.. المال دائما يكون فى مواجهة الدولة.. وعندما ينتصر المال عبر مؤسسات أو رجال أعمال.. تدعمهم مؤسسات سرية منظمة.. يكون انتصاره هدم لمؤسسات الدولة واحدة تلو الأخرى.. فتلك قاعدة قديمة سطرت حكاياتها فى سطور الثورات الأوروبية المختلفة.. أما الثورة الأمريكية فميزتها الكبيرة فى قادتها الوطنيين، ومنهم «لينكولن».
اغتيال لينكولن.. وانهيار الفضة!
بيد أنه لم يكن «لينكولن» وحده.. فقد صرح وزير المالية قائلا: «إن مساهمتى فى إقرار قانون الصيارفة هى أكبر خطأ مالى ارتكبته فى حياتى.. فقد ساعد هذا القانون على إنشاء احتكار كبير أثر على مصالح البلاد.. ويجب علينا إصلاح هذا الوضع، قبل أن نرى مواجهة عنيفة بين مصالح الناس ومصالح الصيارفة بشكل غير مسبوق»!!
لم يكن وزير المالية يدرك أن المواجهة باتت بالفعل حتمية.. ولكنه لم يكن يتخيلها.. ففى تلك الأثناء.. كان «لينكولن» فى نهاية مدة رئاسته الأولى.. ولكن موقفه الصلب هذا أتى به إلى الفترة الرئاسية الثانية.. وهو عازم على مواجهة أباطرة المال والجماعات السرية.. ولأنهم كانوا يدركون خطورته.. فلم يكن هناك سبيل إلا بإيقافه عن ذلك.. ولم يعد أمامهم بد.. وفى ليلة الرابع عشر من إبريل 1865.. وبينما كان «لينكولن» يحضر عرضا مسرحيا.. تم اغتياله على يد «جون ويليكس بوث».. ووقتها عثر مع القاتل على رسالة بالشفرة فى أمتعته.. الرسالة لم تكن تشير إلى الجريمة لكنها أثبتت وجود علاقة بين القاتل و«جماعة النورانيين».. ولو عاش «لينكولن» لتمكن من قص أجنحة تلك «الجماعة»..
لم تكتف «الجماعة» بإزاحة «لينكولن» من المشهد.. بل استعدت للإجهاز على الاقتصاد الأمريكى حتى لا تقوم له قائمة مرة أخرى.. وهو ما تم بالفعل عام 1873 بتمرير مشروع قانون إصلاح إصدار العملة المعدنية.. والفكرة ببساطة أن أولئك الصيارفة كانوا يستخدمون الذهب غطاء للعملة الورقية فى أوروبا.. أما الولايات المتحدة فقد كانت تستخدم الفضة.. وهو أمر كان يثير رعب أولئك الصيارفة.. فبذلوا العديد من المحاولات لتغيير هذا.. لكنهم لم يتمكنوا من ذلك إلا بإزاحة «لينكولن».. وتم لهم ما أرادوا وصار الذهب هو غطاء عملتهم كأوروبا.. وبعدها بعدة أعوام سحبوا المزيد من السيولة وقلصوا القروض الممنوحة للحكومة.. فتوالت حالات الإفلاس التجارى والمصرفى حتى زادت على 14 آلاف حالة.. رهن الأمريكيون منازلهم.. ومزارعهم ومحالهم.
روزفلت يكتب سطر الختام!
وسط هذه الحالة من الذعر الشامل بحلول عام 1893.. كان الشعب يصب جام غضبه على الحكومة.. استمر الوضع هكذا حتى العام 1899.. حين عقد مؤتمر ضخم فى لندن للصيارفة.. حضره ممثلون من أمريكا «ج.ب. مورجان» و«انطونى دريكسل».. حيث سلمته «جماعة» روتشيلد راية العمل فى أمريكا.. وفق أسسها ومنهجها وخطتها.. وبالفعل إندمجت مؤسستا «مورجان» و«دريكسل» فى هيئة التأمينات الشمالية عام 1901.. التى سيطرت على قطاعات الصرافة والشحن وصناعة الفولاذ وصناعات أخرى.. ومن ثم فتح أمامها الباب على مصراعيه للسيطرة على الانتخابات الاتحادية.. لتأتى بـ«تيودور روزفلت» رئيسا للجمهورية.. وهو ما أجل إصدار أحكام ضدهم بشأن اتهامهم باستخدام وسائل غير مشروعة للسيطرة على الاقتصاد الأمريكى.
وبعد سنوات قليلة.. وتحديدا فى ليلة 22 نوفمبر 1910.. كانت محطة قطار هوبوكن فى ولاية نيوجيرسى تستقبل عددا من مساهمى مؤسسة «مورجان» والكثيرين من المسيطرين على الاقتصاد الأمريكى.. لعقد اجتماع سرى.. وسرعان ما سرت أخبار ذلك الاجتماع فتوافد الصحفيون والمصورون إلى محطة القطار.. لكنهم فشلوا فى الحصول على أى معلومة.. وكانت الجملة التى واجهتهم من المجتمعين: «نحن ذاهبون لقضاء عطلة نهاية الأسبوع»!!.. ولم يعرف الأمريكيون ما دار فى هذا الاجتماع، إلا بعد سنوات طوال.. فقد تسربت عبر الوثائق أنباء عما دار به.. ففى جزيرة «جيكل» بجورجيا وهى من أملاك «مورجان».. كان هدف الاجتماع السرى، وفق ما أورد الكاتب «وليم جاى كار»: «بحث الطرق والوسائل الممكنة لتخريب التشريعات المقدمة للكونجرس.. والتى تهدف لتقليص سلطة الاحتكارات.. والاستعاضة عن هذه التشريعات بأخرى تصب فى صالح حضور الاجتماع السرى من المحتكرين»!!.. تلى هذا الاجتماع، اجتماع آخر فى نيويورك لمناقشة تفاصيل ما دار فى الاجتماع الأول.. وبالفعل تم إقرار التشريعات التى بحثوها عام 1913 تحت اسم «قانون الاحتياطى الفيدرالى».. هذا القانون مكن هؤلاء من وضع الاقتصاد الأمريكى كله تحت سيطرتها.. وبالتالى يصبح اقتصاد القارتين أمريكا وأوروبا تحت أيديهم.. وهو ما أدى بهم إلى إشعال الحرب العالمية الأولى، وصولا إلى الثورة الروسية عام 1917.
مقدمات الثورة الروسية
يشير الكاتب إلى أهمية الحديث عن حملة «نابليون» 1812.. لأنها تسببت بشكل مباشر فى هز روسيا هزات عنيفة.. وتركتها مثخنة بالجراح.. لذا فقد كانت مهمة القيصر «ألكسندر الأول» صعبة فى إعادة تنظيم بلاده.. فأصدر مجموعة من القوانين تلغى الأحكام التى كانت مطبقة على اليهود من قبل.. فكانت تحدد إقامتهم فى أماكن بعينها.. وبذل الرجل جهدا ضخما فى دفعهم للعمل فى الزراعة وغيرها من المهن.. والاندماج مع المجتمع الروسى.. وفى 1852 مات القيصر ألكسندر.. وخلفه «نيقولا الأول».. وكان غير راض عن التغلغل اليهودى فى الاقتصاد الروسى.. ولم تبد حكومته الارتياح لإصرار اليهود على الحفاظ على لغتهم الخاصة وتراثهم وزيهم المميز.. لذا وفى محاولة منه لإذابة العنصر اليهودى داخل المجتمع الروسى.. أصدر عام 1854 قوانين تجبر اليهود على إرسال أولادهم إلى المدارس الحكومية.. وذلك لمحو معاناة الاضطهاد الدينى التى كانوا يشربونها فى طفولتهم.. غير أن النتيجة جاءت عكس المتوقع منها.. فلأن التعليم أصبح إلزاميا لأطفال اليهود.. ولم يكن كذلك بالنسبة لباقة الأطفال الروس.. فقد صار اليهود هم الفئة الأكثر ثقافة فى روسيا.. ليجىء بعدها القيصر «ألكسندر الثانى» فيكمل الحلقة.. بتكريس جهده لتحسين أوضاع الفلاحين والطبقات الكادحة من اليهود.. وفى عام 1861 قام بتحرير 23 مليونًا من العبيد.. فدخل كثير منهم الجامعات.. ثم تخرجوا ليصدر القيصر أمرا بتعيين أولئك الخريجين اليهود فى الوظائف الحكومية.. ولم يحل عام 1879 إلا وكان من اليهود أطباء ورجال أعمال وأصحاب مهن مختلفة.. لكن ذلك كله لم يثن «الجماعة» التى تجيد استخدام الثورات عن تحركها لإشعال الثورة فى روسيا.. فعملت فى أوساط الطبقات العاملة.. وكانت هناك محاولتان لاغتيال القيصر «ألكسندر الثانى».. نجا منهما بأعجوبة.. وفى المرة الثالثة تمكن المتآمرون من اغتياله عام 1881 على يد يهودية تدعى «هسيا هلفمان».
والحقيقة أن إشعال روسيا سار فى خطين متوازيين: إثارة الشغب وانتشار الاغتيالات السياسية من جهة، ومحاولات «الجماعة» عبر مركزها فى انجلترا وسويسرا لتوريط روسيا فى حرب مع بريطانيا من جهة أخرى.. ويورد البروفيسور «جولدوين سميث» أستاذ التاريخ فى جامعة أكسفورد فى مقال له بمجلة القرن التاسع عشر: «عندما كنت فى انجلترا لآخر مرة، كنا على حافة الحرب مع روسيا.. وكان مقدرًا لهذه الحرب أن تورط الإمبراطورية كلها.. وكانت المصالح اليهودية فى أوروبا.. وأداتها الرئيسية صحافة فيينا.. تسعى بكل جهدها لدفعنا لتلك المعركة»!!.. وعند تلك اللحظة تبدأ بالفعل صفحة الاقتراب من ساعة الصفر فى الثورة الروسية.