الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

قصة خداع شيخ قطرى لصدام حسين

قصة خداع شيخ قطرى لصدام حسين
قصة خداع شيخ قطرى لصدام حسين




نيقوسيا - رياض علم الدين
بغداد «الوطن العربى»
«عملية خداع، فضيحة، مؤامرة، كل أروقة بغداد السياسية تتحدث هذه الأيام فى حلقاتها الضيقة عن قضية حساسة جدا إلى درجة أن تتداول همسا مخافة وصولها إلى الرئيس العراقى صدام حسين كونها «تعنيه» مباشرة.
والطريف أن هذه القضية «القومية الأبعاد»، لا تتعلق بمؤامرة أمريكية ولا بمخطط انقلاب عسكرى أو انتفاضة شعبية أو عمليات مسلحة للمعارضة، وهى كلها قضايا تواجهها القيادة العراقية حاليا كأخطار تهدد العراق بسبب النيات التى تبيتها واشنطن خلف محاولات تمرير قانون «العقوبات الذكية»، والواقع أن القضية المثيرة للشبهات المتداولة همسا لدى الأوساط الرفيعة فى بغداد اليوم لا ترتبط بالعقوبات الدولية على العراق، لكنها لا تحمل اسم جورج بوش، فهذه القضية بطلها الشيخ حمد بن على بن جاسم بن جبر آل ثان العضو البارز فى العائلة الحاكمة فى قطر، الذى تحول بين ليلة وضحاها فى شهر «تشرين الثانى» نوفمبر الماضى إلى «بطل قومى» يومها فاجأ الشيخ حمد، رئيس شركة «صقر الخليج» للطيران العالم العربى والعالم الغربى بقيامه بأكبر عملية تحدٍ للحصار الدولى على العراق، عندما قدم طائرة بوينج من طراز  747 هدية إلى الرئيس العراقى.
وكاد الشيخ القطرى، الذى خرق الحصار الجوى بطائرته الخاصة وتحدى الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم طائرة أمريكية الصنع لصدام حسين يتحول إلى «عدو أمريكا» رقم  2 بعد أسامة بن لادن، وإلى رمز خليجى وعربى فى مواجهة الأمريكيين، الذين أسهموا فى صنع «بطولة» الشيخ عندما هددوا بتجميد أمواله وفرض عقوبات على شركاته، وأثاروا بسببه أزمة سياسية مع قطر المحسوبة فى عدد الحلفاء الاستراتيجيين لأمريكا فى المنطقة.
وقيل يومها إن هدية الطائرة العسكرية تحولت إلى «هدية مسمومة» ستدفع ثمنها العلاقات «الأمريكية - القطرية»، لكن المفاجأة هى فى أن هذه الطائرة قد تحولت إلى «هدية مسمومة» للعراق ولا تخفى بعض المصادر العراقية الرفيعة المستوى وصفها بأنها «أكبر عملية غش وخداع»، يتعرض لها النظام العراقى وصدام حسين شخصيا.
قصة «الطائرة - الهدية» و«الورطة» فى آن، حصلت عليها «الوطن العربى» من مصادر عراقية وثيقة الاطلاع كشفت كل التفاصيل منذ بدايتها مع وصول «الهدية» إلى مطار بغداد واستقرار الشيخ حمد فى فندق الرشيد معززا مكرما وعلى حساب الدولة العراقية كمضيف على الرئاسة بأمر مباشر من صدام حسين.
ويبدو أن صدام حسين أعجب كثيرا بمبادرة الشيخ حمد وشجاعته وأريحيته وحسه القومى فلم يكتف بإصدار الأوامر بتكريمه على أكمل وجه.
وكان الرئيس العراقى حريصا على استغلال هذه المبادرة، عربيا ودوليا، خصوصا بعد الضجة التى أثارتها، فاعتبرها أكبر نموذج لتأكيد الدعم الشعبى العربى للعراق ورغبة الأشخاص، غير الرسميين، وقدرتهم على تحدى الحصار وخرقه.
وعلمت «الوطن العربى» أن صدام حسين الذى استقبل الشيخ حمد لشكره على الهدية أمام أنظار العالم، حرص على تكريم الرجل عدة مرات، وبعد أيام من تلقى الهدية اتصل ديوان الرئاسة بالشيخ حمد فى فندق الرشيد، أفخم الفنادق العراقية، وأبلغه أن الرئيس يدعوه شخصيا إلى قصره، ومن هناك وتأكيدا على تقدير صدام لمبادرة الشيخ، قام الرئيس العراقى باصطحاب الشيخ حمد بن على فى سيارته وكان صدام حسين يقوم شخصيا بقيادة السيارة وإلى جانبه ضيفه القطرى
وانطلقت السيارة فى جولة فى بغداد وتحديدا على القصور الرئاسية المتعددة، حيث طلب صدام من صديقه الشيخ حمد أن يختار لنفسه أحد هذه القصور تدليلا على أن مبادرته لا تقدر بثمن.

قصر صدام للشيخ حمد
وتضيف المعلومات أن الشيخ حمد اختار قصرا رائعا يقع على ضفاف دجلة فى منطقة الجادرية، وتحيط به البساتين والمزارع ويعتبر من أجمل القصور الرئاسية، ويقدر العراقيون ثمن هذا القصر والهكتارات المحيطة به بأكثر من ثمانية ملايين دولار   لكن ما فعله الشيخ حمد مع العراق يستحق فى نظر صدام حسين هدية رئاسية مهما كان الثمن.
ولهذا ما إن «اختار» الشيخ حمد بن على قصر الجادرية أثناء زيارته له بصحبة الرئيس حتى ربت صدام على كتفه وأمر بمنح القصر لمقدم هدية الطائرة لكن الشيخ حمد سارع إلى استئذان الرئيس طالبا السماح له بإعادة ترميم القصر المقفل والمهجور منذ سنوات عدة، والذى يحتاج حسب ذوق الشيخ حمد إلى ديكور وتجديد، فرد صدام بقوله: إن «كل ذلك علينا»، والتفت إلى سكرتيره الخاص عبد حمود وقال له «نفذ كل ما يطلبه الشيخ حمد وعليك بمتابعة قضية تجديد القصر والاهتمام بالشيخ».
وبسرعة بدأت الاستعدادات والأشغال على قدم وساق لإعداد قصر الجادرية بناء على رغبات الضيف القطرى، وتم استدعاء مهندسين عراقيين للترميم ومهندسين أجانب للديكور، فيما أرسلت الطلبات إلى إيطاليا لاستقدام أفضل أنواع الرخام وإلى البرازيل لشراء الجرانيت، وقدرت تكاليف إعداد القصر على ذوق الشيخ حمد بما يوازى ثمن القصر.
وفى الانتظار، مدّد الشيخ حمد إقامته فى فندق الرشيد، لكن «صديق الرئيس» لم يحتفظ بمجرد جناح فى الفندق، بل صدرت الأوامر العليا بمنحه طابقا كاملا.
ومنحت له كل التسهيلات للقيام بكل الأعمال التجارية التى يريدها، خصوصا أن الشيخ رجل الأعمال أقنع القيادة العراقية برغبته فى المساهمة فى خرق الحصار وقدرته على تحسين العلاقات العراقية مع عدد كبير من دول الخليج والعالم العربى واستقطاب رجال أعمال خليجيين،  وعرب فى مشروع خرق الحصار، مشيرا إلى الدور الذى يمكن أن تلعبه قطر وعلاقاتها الدولية فى هذا المجال.
وبالفعل تحول طابق الشيخ حمد فى فندق الرشيد من ستة أشهر إلى مركز أعمال ضخم.
ووضع عبد حمود فى تصرف الشيخ ممثلا عراقيا خاصا يتولى تسهيل أموره وتسريع معاملاته وصفقاته على أعلى المستويات، يدعى طارق الحلبوسى وهو نجل زعيم عشيرة الحلابسة المقربة من الرئاسة.
وأجاد الشيخ حمد استخدام علاقته الشخصية بالرئيس لترسيخ موقعه ونفوذه وتوسيع أعماله، وبلغت «سلطته» حد السماح لنفسه باستدعاء كبار التجار ورجال الأعمال ووكلاء الوزارات حتى بعض الوزراء إلى مكتبه فى الفندق.

 تجارة الحجاج الشيعة
وخلال أسابيع قليلة نجح الشيخ حمد بن على فى السيطرة على قطاعات واسعة من التجارة العراقية واحتكر عددا كبيرا منها على حساب شخصيات كانت تعتبر مقربة من النظام.
وتشير آخر المعلومات إلى أن «إمبراطورية» الشيخ حمد التجارية فى العراق تكاد تفوق حاليا أعماله فى قطر والشارقة ودبى وحتى فى العالم كله، فأول إنجاز حققه الشيخ حمد، بفضل إعجاب صدام به، كان أن احتكر تجارة الحجاج الشيعة الذين يتوافدون بمئات الألوف سنويا إلى الأماكن الشيعية المقدسة فى النجف وكربلاء.
ويبدو أن الشيخ حمد أقنع القيادة العراقية بأهمية إعادة فتح خط الحجاج الإيرانيين وتطويره وزيادة عددهم بما يسهّل عملية التقارب بين العراق وإيران.
وقبل أن يتحقق التقارب الموعود حقق الشيخ حمد صفقة احتكار «تجارة الحجاج الشيعة»، التى حصرت بأمر رئاسى فى شركة «صقر الخليج»، وطورت هذه الشركة أعمالها هذه بتنظيم رحلات حج شيعية على طريقة  touro perator  تشمل الحج إلى مقام السيدة زينب فى دمشق.
وفى الوقت نفسه، ومع فتح الحدود العراقية - السورية وسّع الشيخ حمد أعماله بالحصول على احتكار الحج برا فأوصى مؤخرا على ثلاثمائة باص مكيف من كوريا الجنوبية ليضيفها إلى الباصات التى بدأ تشغيلها غير آبه بحالة الغضب والتذمر التى عمت أكثر من ألفى سائق ومالك باص بدأوا يتهمون علنا صاحب هدية الطائرة بقطع أرزاقهم.
ولم تتوقف طموحات الشيخ التجارية عند هذا الحد، بل نجح خلال أشهر قليلة فى التحول إلى السيطرة على جزء مهم جدا من تجارة النفط الخام تدر عليه الملايين، واشترى سفنا ومراكب تعمل على خط دبى والدوحة فى تجارة النفط الخام بموافقة الأمم المتحدة، فبلغت آخر صفقة له أكثر من 12 مليون برميل، وبات ينظر إليه وكأنه أحد المسيطرين على شركة «سومو» الشركة الوطنية لتطوير النفط التى يتولى إدارتها صدام الزبل الحسن التكريتى، ومن سومو يشترى الشيخ حمد طن الغاز بثمانين دولارا فينقله ببواخر صغيرة إلى دبى أو قطر، حيث يباع بـ210 دولارات فيما سعره فى روتردام يفوق 220 دولارا، ويستخدم الشيخ حمد فى تجارته هذه «اسم إيران» إذ تقوم جماعته فى طهران بالحصول على الأختام اللازمة مقابل  50  دولارًا للطن.
وتقدر حصته الاحتكارية الشهرية فى هذا المجال فقط بأكثر من ثلاثين ألف طن فى الشهر، مما يدر عليه ملايين تضاف إلى تجارة الحجاج وتجارة النفط، وإلى الاختراق الأبرز الذى حققه مع وزارة التصنيع العسكرى.
وكالعادة وبتوجيهات من عبد حمود حقق الشيخ حمد اختراقه لهذه الوزارة الحساسة جدا فى العراق ولوزيرها عبدالتواب الملا حويش «أبوكرامة»، فعبد التواب الملقب فى بغداد بـ«ملك الثلج» لاحتكاره كل قطعة ثلج فى البلاد يعتبر من أهم الوزراء فى العراق، وهو من المقربين جدا من الرئيس، ومنذ أشهر حصرت وزارة التصنيع العسكرى حق استيراد قطع الغيار اللازمة بما فيها المحركات الضخمة والمضروبة بالحصار، ونجح الشيخ حمد بفضل علاقاته فى شراء هذه القطع من الدوحة أو باسم جهات فى الدوحة وكان ينقلها إلى دبى لشحنها إلى العراق.
وتقدر المعلومات العراقية هذه الصفقات بملايين الدولارات التى تدفع نقدا، وتكشف أن آخر صفقة حققها الشيخ حمد بن على بطلب من الملا حويش تضم طائرات بوينج، وتؤكد أن الشيخ حمد اشترى من قطر طائرتى بوينج مستعملتين بثمن خمسة ملايين دولار للطائرة، وتضيف أن إحدى هاتين الطائرتين أرسلت إلى بغداد، عبر عمان، لكن السلطات الأردنية احتجزتها ورفضت السماح لها بالطيران إلى بغداد، ومازالت هذه القضية عالقة ويقال إنها لعبت دورا فى الأزمة الأخيرة بين بغداد وعمان، فيما لا تزال الطائرة الثانية المدفوع ثمنها جاثمة فى مطار الدوحة تنتظر حسم مصير الأولى أو البحث عن وسيلة أخرى لإيصالها إلى العراق.
فى هذا الوقت يستمر الشيخ حمد متربعا فى فندق الرشيد يستدعى الوزراء وكبار المسئولين رافضا أحيانا مقابلتهم فيحولهم إلى سكرتيره الخاص الحلبوسى.

فضيحة الطائرة الهدية
وفى هذا الوقت أيضا، بدأت الفضيحة الحقيقية لهدية الشيخ حمد بالظهور والتداول همسا فيما ترتفع شيئا فشيئا أصوات رجال الأعمال والتجار العراقيين وبعضهم من النافذين، تندد بتزايد احتكارات الشيخ حمد التجارية واستغلاله رضى الرئيس عنه ليخرب بيوت الكثير من العراقيين.
والمفارقة فى الموضوع أن هدية الطائرة التى صنعت مجد الشيخ حمد فى العراق هى سبب الفضيحة الكبرى والخطيرة إلى حد أن أحدا لا يجرؤ على تفجيرها علنا.
فالمعروف أن الرئيس العراقى سارع فى «تشرين الثانى» نوفمبر الماضى، إلى تقديم الطائرة الهدية إلى الخطوط الجوية العراقية  وعندما تحسنت العلاقات السورية-العراقية قبل أشهر أصر صدام حسين على إعداد طائرة الجامبو لتسييرها على خط بغداد-دمشق.
واستعدادًا لهذه المناسبة قام مهندسو الطيران العراقى بإخضاع الطائرة للفحوص الفنية اللازمة ومن هنا انطلقت المفاجأة  الفضيحة  فقد تبين بعد الفحص والتدقيق أن هدية الشيخ حمد تعود إلى الجيل الأول من طائرات  جامبو 747، وأن شركة «صقر الخليج» كانت قد اشترت هذه الطائرة مستعملة واستخدمتها بدورها آلاف الساعات  وأهدت الطائرة إلى بغداد وهى فى حالة فنية لا تسمح لها بالطيران الآمن أكثر من 1500 ساعة.
وأكثر من ذلك جاء فى تقرير المهندسين أن ثلاثة من أربعة محركات فى الطائرة غير صالحة للطيران.
وصعق مدير الخطوط الجوية العراقية ناصر التكريتى لدى قراءته التقرير فسارع إلى طلب مقابلة وزير المواصلات جميل التكريتى يشكو ويشرح قصة الطائرة.
فى المرحلة الأولى كان رد الوزير العارف بأهمية الطائرة  الرمز وبخطورة الفضيحة والورطة  لنغيّر المحركات ونشترى محركات جديدة، فأجابه مدير الطيران العراقى بأن كلفة هذه المحركات فى السوق السوداء تتجاوز 15 مليون دولار، وتساءل عن جدوى صرف هذا المبلغ من أجل استخدام الطائرة      1500 ساعة فقط، وأضاف: خصوصًا إذا علمنا كم سعر هذه الطائرة اليوم.
فسأله الوزير  وكم سعرها؟ فأجاب لا يتعدى خمسة ملايين دولار  فحسم الوزير الأمر بقوله  لن ندفع  15 مليونًا على طائرة لا تساوى خمسة ملايين وما علينا سوى أن نستخدمها لما تبقى لها من ساعات على قيد الحياة.
وألح الوزير على المدير على إحاطة قضية الطائرة بسرية تامة ومطلقة وحذره من مغبة إثارة الفضيحة  الورطة لمعرفته بمدى استمرار إعجاب صدام حسين بالشيخ حمد واستمرار فتح الاحتكارات والاعتمادات له بأوامر مباشرة من الرجل القوى فى القصر عبد حمود، وحتى رجال الأعمال والتجار والوزراء الذين يتزايد تأففهم واستنكارهم لمدى استغلال رجل الأعمال القطرى «حظوته» لدى الرئيس لا يجرؤون على الكلام غير المباح، والجميع يعلمون أن طريق الرئيس مقطوعة أمامهم عند «حاجز» عبد حمود.
والمثير للدهشة أن الشيخ حمد نفسه مازال يتصرف وكأنه لا يعرف أن بعض المسئولين العراقيين كشفوا قصة الطائرة  الهدية ومازال يتوسع فى مشاريعه ومطالبه و«يضرب بسيف الرئيس» فى انتظار أن يفتضح أمره وسر هذه الهدية «المسمومة» حقًا  ولكن لمن؟!