الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أثرياء - أيضًا - داعشيون

أثرياء - أيضًا - داعشيون
أثرياء - أيضًا - داعشيون




كتب: عاطف بشاى

فى منطقة «عزبة الهجانة» تخلص شاب عاطل من والده بعد مشادة بينهما بأن أحضر سكينًا وذبح الوالد بها.. ومزق الجثة إلى أشلاء بل وضع عضوه الذكرى فى زيت مغلى..
وفى منطقة الطالبية بالهرم ذبحت أم طفلتيها.. وادعت أن مجهولين ملثمين اقتحما شقتها وطلبا منها (240) ألف جنيه وعندما أكدت لهما عدم امتلاكها المبلغ ذبحا طفلتيها ولاذا بالفرار.. لكن رجال المباحث توصلوا إلى أن الأم هى الفاعلة.. واعترفت مبررة ذلك بمرورها بأزمة نفسية وسوء معاملة زوجها لها..
وفى منطقة «عزبة خير الله» التابعة لحى مصر القديمة.. تخلص رجل فى العقد الرابع من عمره من كل أفراد أسرته بعد أن شك فى سلوك زوجته.. وفى ذروة انفعاله سدد عشرات الطعنات لها ولطفلتيه.. وعندما فارقت الحياة أشعل النيران فى غرفة النوم لحرق الجثث لإخفاء معالم الجريمة وفر هاربًا..
وفى منطقة «أبو زعبل» بمحافظة القليوبية خنقت فتاة تعمل عاملة فى مصنع بلاستيك والدتها.. ثم هشمت رأسها بماسورة حديدية انتقامًا منها لمعاملتها السيئة لها.. ومعايرتها بإصابتها بمرض «البهاق» ورفضها ارتباطها بشاب يعمل معها فى مصنع البلاستيك..
وفى «المنيا» أنهى رجل حياة ابنته (20 سنة) نتيجة شكه فى سلوكها بأن أجبرها على تناول السم عن طريق وضع مبيد حشرى فى فمها وأجبرها على ابتلاعه..
هذا هو حصاد الأسبوع الماضى من حوادث العنف الأسرى التى تبلغ من البشاعة حدًا لا يمكن تصوره إلا فى إطار الأسطورة.. وهو يتشابك أو يتماهى مع حوادث العنف الوحشى الذى تقوم به الجماعات الإرهابية وعلى رأسها «داعش» وكان أكثرها وحشية ذبح (21) مصريًا فى «ليبيا» ومن قبلها حرق الطيار «معاذ الكساسبة» وعبر عن رد فعله تجاهه الملك الأردنى «عبد الله بن الحسين» بارتداء الزى العسكرى ولملاحقة عناصر التنظيم قائلا : إذا رأيت أحدًا فسوف أقتله بل سوف أقتل زوجته وجميع أصدقائه وأحرق منزله أيضًا..
والكلمات السابقة رددها الممثل الأمريكى الشهير «إستود» فى فيلم «لا تسامح» والذى يجسد فيه رجلا يثأر لنفسه وعائلته بعد أن تم قتلهم ببشاعة.
وانتقال مشاهد ذبح الحيوانات التى روعت العالم ومنظمات حقوق الحيوان إلى ذبح البشر خصوم الإرهابيين والتنظيمات الدولية والتى اشتهرت بفصل رقبة الإنسان عن جسده وحرقه وهو على قيد الحياة فى مذابح (كرداسة - الكشح) والتمثيل بالجثث فى «سيناء» و «العريش» والمطرية.. هذا الانتقال من ذبح الحيوانات إلى البشر لأسباب عقائدية يرونها واجبة بينما تراها الدنيا كلها إثمًا وبغيًا وبربرية لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالدين السمح.. حيث أكدت دار الإفتاء فى ردها على فتوى «داعش» الكاذبة بأن هؤلاء البربر قد ضربوا بالتعاليم الإسلامية ومقاصدها عرض الحائط وخالفوا الفطرة الإنسانية السليمة واستندوا فى جريمتهم البشعة الأخيرة على تفسيرات خاطئة لنصوص أو أقوال فى التوجه الدينى والسياسى والعقائدى إلى ذبح الأقارب وقطع الأرحام فى الجرائم الأسرية.. والذى يتزامن مع تلك المذابح على أيدى الوحوش الضارية من خوارج العصر وكلاب أهل النار.. وبنفس الطريقة والأسلوب والوحشية عن طريق الذبح والحرق.. فهو أمر أيضًا يستحق البحث والدراسة فقد أصبح ظاهرة تضج بها صفحات الجرائد ومواقع التواصل الاجتماعى داخل الأسر المصرية وتمثل تصاعدًا إرهابيًا لأسباب اجتماعية لا علاقة لها بعباءة الدين أو انحراف الاعتقاد.. بل ترتبط بأسباب معيشية وحياتية.. وعلاقات مادية وعاطفية وانحرافات سلوكية تغلفها أمراض نفسية وعقلية.. وأصبحت تلك الحوادث تمثل ظاهرة تهدد أمن المجتمع وسلامته.. وأصبح السؤال الذى يطرح نفسه.. هل تمثل تلك الجرائم صدى لجرائم المذابح الكبرى والاغتيالات على أيدى الجماعات والمنظمات الإرهابية.. هل تتأثر بها وتحاكيها فى العنف والشذوذ؟!.. هل تعكس اتجاهًا عامًا يمتد من الجماعات إلى الأفراد فى تنامى لآليات القسوة المفرطة وانعدام المشاعر الإنسانية لدى النفوس الشائهة ؟!..
الكلام معاد حول الدور الذى تلعبه التنشئة الاجتماعية والنفسية فى التحكم فى مسار الحياة للفرد.. وفى طريقة تعامله مع الآخرين.. وحول دور تعاطى المخدرات والكحوليات فى ارتكاب الجريمة.. وحول علاقة المرض النفسى والعقلى وخاصة الفصام فى القتل حيث إن الفصامى يستجيب لأصوات هلاوسه التى توجهه توجيهات إجرامية مباشرة.
ولأن العامة يجهلون طبيعة تلك الأمراض فهم لا يذهبون إلى الطبيب النفسى ويحسون أن ذلك يمثل فضيحة اجتماعية تمس سمعتهم إذا ما عرف المحيطون بهم بأمر هذه الزيارة فتتدهور حالتهم فينهون حياة الآخرين..
ولا شك أنه كلما ارتقى المجتمع إلى درجة عالية من الثقافة والمعرفة والوعى وارتفاع مستوى الظروف المعيشية والطبقية.. تضاءل دور الدوافع المرضية والاجتماعية المؤدية إلى الجريمة وخاصة الجرائم المتصلة بالعنف الدينى.. حيث ينتمى الإرهابيون فى معظم الأحوال إلى شرائح اجتماعية فقيرة مطحونة تعانى من القهر والظلم الاجتماعى وبشاعة الفوارق الطبقية فى مجتمع يفتقر إلى العدالة.. فيصبح العزاء فى جماعات متطرفة تحتويهم وتستوعب معاناتهم وتغسل أدمغتهم وتشحنها بالعدوان وبتكفير الآخرين من خلال فتاوى سامة يروج لها تجار دين..
ولكن ما ظهر مؤخرًا من نماذج بشرية مثل «محمود الغندور» وصديقه المصرى الآخر «إسلام يكن» وتطرفهما.. وانضمامهما إلى تنظيم «داعش» الإرهابى فى الوقت الذى ينتميان فيه إلى شرائح اجتماعية ثرية لا تعانى من شظف العيش ولديها ما يجعلها لا تقع فريسة للإستقطاب المادى أو العنف للإنتقام من مجتمع ظالم وكافر.
إن استخدام العنف الضارى وذيوعه وتناميه يبقى أمرًا محيرًا وخطيرًا ويستلزم جهدًا كبيرًا فى البحث والدراسة والتفسير.