الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الخلافة أصبحت كالكرة فى مربع السياسة الدولية

الخلافة أصبحت كالكرة فى مربع السياسة الدولية
الخلافة أصبحت كالكرة فى مربع السياسة الدولية




كتب: د.عبدالله النجار

منذ أن سقطت الخلافة بتدبير تركيا وسياستها أصبحت تلك الخلافة كالكرة  فى مربع السياسة الدولية حيث بدأت المطامع السياسية تتطلع إليها لتجنى من ورائها ما ترغب فى تحصله من مكاسب الدنيا التى يبذلها الناس عن طيب خاطر باسم الدين، فإن الدين إذا ما اتخذ شعارا لأمر ما حتى لو كان هذا الأمر ينافى جوهر الدين، ويناقض أحكامه فإن أهله يكونون على استعداد لأن يبذلوا أغلى ما لديهم - إذا ما قيل لهم إن ذلك من أجل نصرة الدين، ولو أن قوة استعمارية أو دولة عربية أو إسلامية فازت بها، فإن جميع الدول التى تدين بالولاء الروحى للخلافة الإسلامية سوف تكون مستعدة لبذل ما يريده الفائزون بالخلافة، وهذا يفسر سر حرص كثير من الدول على الفوز بها، بعد أن قامت تركيا بإنهائها فى 24 مارس سنة 1924 وبعد سلسلة من الإجراءات المهينة لرمز الخلافة وهو السلطان عبدالمجيد خان الذى تحول إلى مجرد رمز روحى مجرد من جميع سلطات الخليفة الدنيوية، ثم حددت تركيا إقامته، ومنعت الناس من الالتقاء به، وانتهى به الأمر إلى الفرار والهرب، وهو يبكى حظه العاثر وخلافته التى بددها وأنهى وجودها النظام العلمانى الجديد على يد مصطفى كمال أتاتورك، ومنذ ذلك التاريخ والخلافة الإسلامية أصبحت كالكرة التى يتقاذفها اللاعبون بأقدامهم فى ملعب السياسة الدولية بلا طمع فيها، من لا يمتون بصلة للإسلام مثل إنجلترا التى أعادت صياغة حساباتها السياسية من خلال السيطرة على الخلافة بواسطة دولة تخضع لهيمنتها مثل مصر أو بلاد الشام، أو ما إلى ذلك من بلاد النفوذ البريطانى حتى بدت إنجلترا منذ سقوط الخلافة متحمسة لها ومتباكية عليها أكثر من المسلمين أنفسهم، ولعل ذلك هو الذى يفسر موقف القوى الأوروبية الحالية وأمريكا من التحيز لفكرة الخلافة الإسلامية وبذل جميع المساعدات لمن يظن بهم أنهم من أكفأ العناصر بتنفيذها مثل تلك التنظيمات الإرهابية التى لا تعترف بنظام دولى، ولا بمواثيق أممية، ويمكن أن يتم من خلالها ضرب حدود الدول والتعدى عليها دون أن تتمكن المؤسسات الدولية من محاسبة الفاعلين لتلك الفوضى الدولية التى تأتى أول ما تأتى على حدود الدول وإعادة صياغة خريطة الإمبراطورية المأمولة وفق التفكير الاستعمارى الجديد، وفى ضوء خططه الممتدة منذ بداية القرن الماضى لتقسيمات متوالية لأرض دولة الخلافة التى سقطت وليتم تفتيت الدول الحالية لتكون مجرد كيانات متفرقة ومتعاندة بسبب اختلاف ديانتها أو توجهاتها، حتى يظل القتال مستعرا بينهما إلى أن تنهى نفسها بنفسها، وهذا المخطط واضح وضوح الشمس وإلا فهل يصدق أحد - حتى ولو كان سفيها أو معتوها - أن أوروبا أو أمريكا وإسرائيل يعنيها استعادة الخلافة الإسلامية، وهم الذين لا يطيقون أن يجدوا دولتين إسلاميتين فى وحدة ووئام، وسبق لهم أن عملوا بجميع الوسائل على إفشال الوحدة التى تمت بين مصر وسوريا، وتلك التى كانت مشروعا للوحدة بين مصر وسوريا وليبيا، ولم يسمحوا لفكرة الوحدة بأن تذكر مجرد ذكر فى قاموس السياسة العربية أو الإسلامية، بل إن جامعة الدول العربية عند إنشائها كان التفكير العربى فى تسميتها يتجه إلى تسميتها «الجامعة العربية» فرفضت بريطانيا والدول الاستعمارية ذلك رفضا قاطعا، وأصرت على أن يكون مسماها جامعة «دول» وليس جامعة عربية حتى يظل أمل التقطيع قائما فى اعتبار تلك القوى الدولية.
لقد تلقف كرة الخلافة الإسلامية الملك فؤاد ملك مصر وقد أهله للتفكير فى هذا الموضوع والتشوف له أنه ملك مصر بلد الأزهر الشريف الذى يعد قبلة المسلمين العلمية، والذى يؤمه طلاب العلم الإسلامى من جميع البقاع والأصقاع، وقد شجعه على ذلك التفكير ووجه أمله فيه إنجلترا وذلك نظير قبض الثمن وزيادة إحكام قبضتها على الدول التى ستدين للخلافة الجديدة،  حيث لن تخرج من عباءتها بيد أن الملك فؤاد لم يكن مؤهلا لتلك الخلافة لظروف شخصية تفقده هيبة الخلافة وأخرى أسرية تقدح فى عدالته كخليفة، لاسيما تلك الأخبار التى كانت مجالا للنميمة بينه وبين زوجته الملكة «نازلى» والتى كانت - هى الأخرى- غير مؤهلة لأن تكون حرما للخليفة وهى التى تسيطر عليها مظاهر البروتوكول الملكى المنقولة حرفيا عن أعراف المجتمعات الراقية فى الدول الأوروبية، ولا يتوافر بها مواصفات حرم خليفة المسلمين.. ولم يطل تفكير الملك فؤاد فى الخلافة كثيرا حيث عرف الرجل قدراته نحوها وانصرف عنها قبل أن يدمن فكرتها فتحرمه من أبهة الملك والاستمتاع بالحياة الملكية الفاخرة.
وحين أفضى الملك فؤاد إلى جوار ربه ورث ملكه ابنه الوحيد الملك فاروق الذى تولى الملك وهو فى بداية سن الشباب، فلم يقو على ضبط سلوكه الخاص وتورط فى بعض المواقف التى تنال من سمعة العائلات الملكية واعتبرها المحللون من قبيل النزوات التى لا تليق، إلا أنه لم يلبث أن شغل بالخلافة الإسلامية وطمع - هو الآخر- فيها وما كان لفاروق الذى يدل تكوينه وسلوكه على أنه غير أهل للخلافة أن يطمع فيها لولا أن بعض ذوى المصالح قد التفوا حوله، وراحوا يقنعونه بها لاسيما انجلترا التى ترى فى استقرار الخلافة على أرض مصر مغنما لها، وقد انضم لانجلترا حسن البنا الذى وجد فى مسألة الخلافة الإسلامية فرصة يتقرب فيها للملك فاروق، ويعده بأنه وجماعته سوف يكونون ساعده الأيمن فيها، ولم يكن ذلك التقرب للملك بأمر الخلافة خالصا لله ولدينه، بل كان خطوة ترجى من ورائها أن يصل حسن البنا للحكم ويكون خليفة للمسلمين وذلك بعمل سوف يكون سهلا عليه، وهو تنحية فاروق والتخلص منه بخاصة أن سلوكه فى الحكم لم يكن مبشرا بأنه سوف يستمر فيه.
كما نهج الملك فاروق من بعض الشخصيات الدينية القريبة من القصر بأن يبدو بمظهر إسلامى فأطلق لحيته وحرص على ارتياد المساجد لصلاة الجمعة، والاستماع إلى القرآن الكريم، وأطلق على نفسه لقب «الملك الصالح» وادعى أن له نسبا شريفا ينتهى إلى النبى صلى الله عليه وسلم، ووقتها تندرت إحدى الصحف على مسألة نسبه الشريف هذا فقالت عنه: «إنه السيد فاروق بن السيدة نازلى بنت السيد سليمان باشا الفرنساوى بن سيدنا مخمد «بالخاء وليس بالحاء»، ولكنه حاول أن يضبط تصرفات والدته وشقيقاته على ذلك المنوال الجديد، فلم يفلح وأخفق فيه إيمّا إخفاق حيث ساءت العلاقة بأمه إلى حد جعلها تأخذ مسارا معاكسا لهيبة الأسرة الملكية ووقارها، وربما كان ذلك الفشل الأسرى هو السبب الأكبر فى اجهاض أمل فاروق فى موضوع الخلافة الإسلامية.
واليوم يدخل على الخط ويبدو ظاهرا داخل مربع السياسة الدولية السيد رجب طيب أردوغان رئيس الدولة التى سبق أن أسقطت الخلافة الإسلامية وتخلصت منها، ليطالب بها ويعمل على استعادتها ومن الواضح أنه لم يدخل هذا الملعب من تلقاء ذاته بل بعد تدريب وتشجيع من القوى الدولية التى يعنيها أمر تقسيم المنطقة وتفتيت دولها والتى تبذل من مالها وجهدها وأجهزة مخابراتها كل ما لديها من الخبرات والقدرات من أجل الترويج لموضوع الخلافة الإسلامية، لأنه الطريق الوحيد لتحقيق الأهداف الاستعمارية وليس المصالح الإسلامية، نعم إنه الطريق الوحيد لهذا الهدف الاستعمارى الخبيث الذى يريد ثروة الأمة الإسلامية والقضاء على الإسلام نهائيا وليس أمامه من مفر فى ظل المواثيق الدولية التى تقر حدود الدول الموجودة فى المنطقة أن يخلق ذلك الوضع الفوضوى الجديد  لتقطيع من حدود الدول القائمة ما يبدأ به الدولة المأمولة، ولتذهب الدول الإسلامية بحدودها القائمة الآن إلى الجحيم.
وما أظن أن اللاعبين بالخلافة فى مربع السياسة الدولية غافلون عن تلك المآرب الاستعمارية الواضحة، ولكن مسلكهم يبدو وكما لو كانوا لا يعرفونها ولا يتبصرون المآلات المدمرة التى ستنشأ عنها، ومع ذلك تراهم ماضون فى غيَّهم ومستمرون فى عنادهم ومكابرتهم وهو ما يقتضى تبريرا لهذا التصرف الغريب والمريب.
وفى نظرنا المتواضع أن هدف اللاعبين بالخلافة الإسلامية لا يخلو من عدة احتمالات كل واحد منها أقبح من الآخر، لأنها فى مجمل الشكل حزمة من التصرفات التى تجسد الخيانة لله ولرسوله ولدينه فى أقبح ما تكون عليه الخيانة، لأنهم إما أن يكونوا فاعلين فى مشروع تلك الخيانة بأجر مقبوض من القوى الاستعمارية التى تحرضهم على تلك الفوضى، ويكون مثلهم كمثل القاتل الأجير، أو من يستأجر لارتكاب جريمة وهذا وارد.
وإما أن يكونوا على ثقة بأنهم إن فازوا بالنصر وحققوا موضوع الخلافة الإسلامية سوف يقدرون على حفظه ومواجهة القوى الاستعمارية الدولية التى أعانتهم على تحقيقه، فهم يقبلون الآن التعاون معها لتحقيق أملهم فى الوصول للحكم واسترداد الخلافة الإسلامية، وعندما يصلون لهذا الهدف يكون لهم مع تلك القوى موقف آخر يقضى عليهم، ويثبت أقدامهم فى الحكم، لكن ذلك الاحتمال يبدو عسير التصور إذا ما أدركنا حقيقة موقف الطرفين وأنه على درجة من التضاد الذى يبدو فيه واضحا من الفاعل فيه ومن المفعول به، وأياَّ ما كان الأمر فإن الخاسر فى النهاية هو الطرف الإسلامى، ولن يكسب الإسلام والمسلمون من تلك المؤامرة الخبيثة شيئا،  إن مباراة الخلافة الإسلامية إنما تقام لمصلحة اللاعبين وليس لمصلحة الإسلام والمسلمين، ويجب أن يكون معلوما أن ذلك هو الهدف من مباراة اللعب بالخلافة، ذلك تفكيرهم، أما تدبير الأمر فلن يكون إلا لله سبحانه، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.