الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

شياطين البؤس الليلى.. وضرورة الأمن المجتمعى

شياطين البؤس الليلى.. وضرورة الأمن المجتمعى
شياطين البؤس الليلى.. وضرورة الأمن المجتمعى





كتب: د.حسام عطا

فى إطار الإيقاع العام للعنف وهمجية التفكير القادم من ظلام البارود والدم، وصور الانتقام وإعلان  الوجود الأسود قاتلاً فخوراً بالجهل والخيانة وانعدام الإنسانية، وفى ظل الصراعات العدمية بين مجموعات من أبناء القرن الحادى والعشرين تفرق بعضها لقرون ماضوية، وبعضها عاد لعصور ما قبل التاريخ وفى ظل الصراع، الصفرى الذى يستهدف كل شىء أو اللاشىء، وفى ظل تتابع أصوات وأخبار ومشاهد الحرق والقتل والتفجير، فإن ذلك يتسلل تدريجياً لجزء كبير من الكتلة الحية الفاعلة فى المجتمع المصرى، هذا وعلى صعيد الاستخدام السياسى لبعض من الشباب الذى لا يملك أفقاً للمستقبل، من عدة كيانات سياسية منذ 25 يناير حتى الآن، سواء فى الحشد للتظاهر أو حراسة الاعتصامات السابقة، مما جعل مجموعات من متجولى الأحياء الليليين الذين عملوا قبل 25 يناير فى أعمال مخالفة للقانون، هؤلاء يتحركون كقوة للإيجار لمن يدفع، الأمر لم يصل فى مصر إلى مرحلة الخروج عن السيطرة، أو تكوين قوى منظمة مسلحة، لكن تلك المجموعات التى تنتمى معظمها لثقافة المناطق العشوائية والمناطق التى كانت شعبية وبعض أحياء الطبقة المتوسطة المنهارة ومع انسحاب فكرة الاعتصامات والتظاهرات الفئوية المضادة لقيم الحداثة المصرية والانفجارات العاطفية المراهقة ذات الطابع التظاهرى باسم الثورة، بقى معظم هؤلاء بلا عمل، هذا وقد كانت تجارة الأراضى والاستيلاء على الممتلكات والعقارات ووضع اليد بالقوة على ممتلكات الناس وعلى المتضرر اللجوء للقضاء للبقاء سنوات طوال فى المحكمة، ثم من ينفذ حكم المحكمة؟! لا أحد! تلك المشاهد التى صنعها الفساد فى مصر قبل 25 يناير والتى أفرزت عصابات الجريمة المنظمة التى يعمل أفرادها فى ظل زعيم متصل بوجهاء ونجوم المجتمع وبعدد من مراكز القوة فى الحكومة، قد أفرزت ظاهرة جديدة آنذاك اسمها تنفيذ الأحكام، وهى ليست تلك القوات الحكومية المنوط بها تنفيذ أحكام القضاء بالقوة الجبرية، بل مجموعات من البلطجية وبعض من صغار المحامين وعدد ممن نفذوا فكرة القاضى العرفى الفتوة، الذى يرى حكم القضاء وينفذه بالقوة، بعضهم سماسرة أراض وعقارات احترفوا خلق واقع جديد للملكية يتحصلون منه على أموال طائلة. وبعضهم نصب نفسه مديراً افتراضيا لأحياء بعينها يدير فيها عبر التدخل السافر فى الحريات الشخصية للمواطنين واقعا جديداً يمنح الصياع ومتجولى الشوارع والقابعين طوال الليل للتعاطى على أرصفة الشوارع سلطة اجتماعية جديدة تحصل على المال مقابل أن تترك سيادتك فى حالك أنت وبيتك وضيوفك وسيارتك.. وإلا فهيا اترك عملك وتفرغ للمشاكل والشجار مع عدد من الأطفال الذين غادروا المراهقة منذ قليل يتحركون كجراد، يشبهون بعضهم البعض، ضياع تام يشبه التجسد الحى لفكرة الضحية عندما تتحول إلى جلاد، يشبهون البؤس، إنهم شياطين بؤسنا المتراكم عبر سنوات طوال من انهيار مؤسسات التعليم والثقافة وعشوائية وقسوة إدارة منظومة الإسكان فى مصر، وانسداد الأفق وغياب معظم الطرق المستقيمة للدخول نحو المستقبل الاجتماعى.
عن الأمن المجتمعى اليومى الاعتيادى الطبيعى أكتب إذن، عن مأساة التوتر والمراقبة الاجتماعية المتبادلة، عن مأساة إعادة إنتاج صور العنف العامة ذات العلامة السياسية، فى سلوك عنيف اجتماعى يستبيح الحريات الشخصية، ويصبح معه الدم والشجار مسألة لا شعورية تتم إعادة إنتاجها لدى مجموعات العنف الاجتماعى الجديدة التى تسعى لتعزيز قيمتها الاجتماعية، من مجموعة صياع وأنصاف لصوص إلى مجموعة إدارة شأن الأحياء وتتبع أخبار سكانها وفرض سيطرتهم على الشوارع خاصة الخلفية فى مصر.
وفى ظل الاهتمام الإعلامى بالعنف المسمى سياسيا وهو بالأساس عنف مماثل لهذا النوع من الإجرام الصغير الذى أتحدث عنه، لأنه مثله يستهدف المال وفرض السيطرة، لكن على مقاليد المجتمع والوطن ككل.
هذا ظله الصغير غير الملحوظ إذن، والذى شجعت معظم الأطراف وجوده خلال فترات الحراك الثورى الحقيقى لشعب مصر العظيم.
إن ضرورة الانتباه لوجود الأمن المجتمعى وضبط الحقوق الاجتماعية الأساسية وتأكيد دولة القانون، عبر حضوره اليومى فى تفاصيل الشارع المصرى ضرورة هامة، بل هى جوهر الحرب على الإرهاب لمنع ترويع المواطنين ولعدم السماح بعودة ظاهرة فتوات الأحياء التى صنعها النظام الاستعمارى فى مصر قبل 1952 لتهديد السلم الاجتماعى دفعاً لوقوع الجميع أمام رجاء الحماية البوليسية التى كان عملها لصالح القصر والإنجليز فى معظمه تقريبا، والتى سمح نظام ما قبل 25 يناير ببعض من سماتها وملامحها لتسليط الأبدان الجاهلة المستأجرة على عموم الناس البسطاء، والفقراء منهم على وجه الخصوص، وهى المرحلة التى شهدت انتشارا واضحا لشركات الحراسة الخاصة ولظاهرة الحراس الشخصيين لعدد من وجهاء المجتمع.
وهو الأمر الذى تطور وأخذ صيغة سياسية وهمية، لاستئجار القوة لصالح توجهات بعينها، ومع حصاد وانحسار البلطجة السياسية، ومع اقتراب الانتخابات البرلمانية، ومع سعى مصر وسعى شعبها نحو استعادة قوة وهيبة الدولة فإن التصدى لتلك الظاهرة بالحضور الشرطى الرسمى القانونى فى الشارع المصرى ضرورة وأولوية هامة لتحقيق الحرب على الإرهاب، ولرصد حركة الخارجين عن القانون ولاستعادة السلام الاجتماعى وحيوية الاقتصاد اليومى فى الأعمال اللانهائية للتجار والصناع الصغار، ولتدعيم الولاء للوطن والمستقبل ولحفظ هيبة الدولة المصرية وكرامة القانون وعظمة ثورتى يناير ويونيو معاً، وحفاظا على السلوك العام فى مصر من أن تنتقل له ذهنية الهمج التى تجعل من الذبح والحرق والقتل صوراً يومية، والتى يجب أن نحذر تماماً وفقا لعلم النفس الاجتماعى، من انتقالها اللاشعورى للسلوك الاجتماعى العام، وهو الشأن الذى يحتاج لمنظومة عمل متكاملة من المجتمع والدولة تبدأ بتعزيز هيبة القانون فى الشارع المصرى وتستمر عبر الإعلام والفن والوسائل التعليمية والثقافية الأخرى، فى إطار الفهم الهام للحريات العامة والشخصية للمواطنين الذين ثاروا من أجل الحرية والأمان وتغيير الواقع للأفضل، حيث الأمن المجتمعى الذى يجعل اللجوء لقسم الشرطة هو اللجوء للحصن الآمن القادر على الحسم السريع كان أحد مطالب الجماهير فى مصر، الأمن المجتمعى بلا شك هو الركيزة الأولى للأمن القومى المصرى فى معناه العام فى إطار دخولنا للمستقبل نحو دولة مدنية حديثة.