الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أحجار على رقعة الشطرنج.. أموال ودماء! (الحلقة السادسة)




 
للألوان والرموز دلالات كبيرة ومهمة بالنسبة للحركات السرية فى العالم عبر العصور.. وأكثر الألوان شهرة فى كل تلك الحركات، اللون الأحمر.. بداية ارتباط هذا اللون بالحركات السرية، ترجع إلى العام 1750.. حيث تروى الموسوعة اليهودية حكاية الصائغ اليهودى «امشل موسى باور».. الذى أنهكه التجوال فى أوروبا الشرقية.. فاستقر فى النهاية فى فرانكفورت.. وافتتح محلا للصرافة، رافعا على بابه درعا أحمر اللون.. وتلك كانت المرة الأولى التى يعلن فيها شخص عن أفكاره لـ«جماعته» برفع هذا اللون.. قبل أن تنتشر الشارات الحمراء فى حركات الثورة العالمية فيما بعد.. بل إن العلم الأحمر تحول إلى رمز للثورة الفرنسية نفسهاوكذلك فعلها «لينين» فى الثورة البلشفية فى روسيا، بل إنه ذهب لأبعد من ذلك بأن تحول علم بلاده بعد الثورة إلى اللون الأحمر تعلو طرفه المطرقة الشهيرة والمنجل.. ونجمة داود!
 
 
 
 
 
تمويل «الجماعة» من سرقة المصارف ونسف أقسام الشرطة!
 
 
 
فى الحلقة السابقة.. تحدثنا عن إرهاصات إشعال الثورة فى روسيا والتى سارت فى خطين متوازيين: إثارة الشغب والبلبلة وانتشار الاغتيالات السياسية من جهة، ومحاولات «الجماعة» عبر مركزها فى انجلترا وسويسرا لتوريط روسيا فى حرب مع بريطانيا من جهة أخرى.. ويورد البروفيسور «جولدوين سميث» أستاذ التاريخ فى جامعة أكسفورد فى مقال له بمجلة القرن التاسع عشر: «عندما كنت فى انجلترا لآخر مرة، كنا على حافة الحرب مع روسيا.. وكان مقدرا لهذه الحرب أن تورط الإمبراطورية كلها.. وكانت المصالح اليهودية فى أوروبا.. وأداتها الرئيسية صحافة فيينا.. تسعى بكل جهدها لدفعنا لتلك المعركة»!.. والحقيقة أن الجماعات والحركات السرية تعتمد اعتمادا كبيرا على وسائل الإعلام ـ الصحافة وقتها ـ للترويج لما تنويه وما تقوم به على الأرض.. ومكانة الإعلام المتصدرة جدول أعمال تلك الجماعات لإدراكها التأثير الكبير للإعلام على جموع الشعب.. ولما كان المال هو سلاحها الأمثل الذى توجهه للبسطاء.. فهو السلاح ذاته الذى تسيطر به على الإعلام.. أما إذا كان الإعلام «عنيدا» لا يطاوعها فى بعض الأحيان.. فلا مناص فى تلك الحالة من تشويهه.. تمهيدا للقضاء عليه فى أقرب الظروف المتاحة.. وإذا ما تم تشويه الإعلام والإعلاميين.. باتت خطوط المتابعة مقطوعة بينه وبين جمهور المتلقى.. وهنا يكون القضاء عليه أمرا يسيرا.. وعملية تشويه الإعلام تجرى دائما عبر التشكيك فى رموزه.. والإساءة إليهم.. واختلاق الأكاذيب حولهم بصفة مستمرة.. هل يشبه هذا شيئا ما مما يجرى على الأرض الآن فى منطقتنا؟!
 
 
تيودور هرتزل وحركة العودة إلى إسرائيل
 
 
فى ذلك الوقت.. كان «تيودور هرتزل» يبث الشكوك فى نفوس اليهود فى روسيا.. واقترح مباشرة إقامة منظمة يهودية تسمى «حركة العودة إلى إسرائيل».. وهى التى شكلت بذرة الحركة الصهيونية.. تزامن ذلك مع قيام القيصر «ألكسندر الثالث» بلوم اليهود وتحميلهم مسئولية الفوضى والخراب الاقتصادى فى الإمبراطورية الروسية.. وفى المقابل قامت قيادات الحركة الثورية بإنشاء الحزب الاشتراكى الثورى.. وعهد بتنظيم هذا الحزب إلى رجل قاس لا يعرف الرحمة اسمه «جيرشونى».. بينما عهد بتنظيم القطاعات المقاتلة إلى ترزى اسمه «يفنوا ارنف».. وركز قادة الحركة على استجلاب غير اليهود لتلك القطاعات المقاتلة.. ولم تكتف تلك الحركة بالتسبب فى الاضطرابات العمالية.. وخلق أوضاع متردية بين طبقات المجتمع الروسى.. بل اتجهت بين أعوام 1900 و1906 إلى إثارة متاعب دينية حتى وصلت إلى درجة الغليان.. تمثلت فى الحوادث المتوالية بالقتل والاغتيالات.. وممن تم اغتيالهم عام 1901 وزير التربية
 
«بوجيلوبوف».. خطورة هذا الحادث فى أنه لخص حالة غضب اليهود على السياسة التربوية.. التى حددت عدد اليهود الذين يسمح لهم بالانتساب لمدارس الدولة وجامعاتها.. بنسبة لا تزيد على نسبة السكان اليهود إلى تعداد الشعب الروسى كله.. وفى العام التالى تم اغتيال وزير الداخلية «سيباجين».. كتأكيد ثان على غضب اليهود على سياسة قوانين مايو التى قضت بمنع اليهود من الإقامة فى خارج أحيائهم ومجمعاتهم السكنية الخاصة بهم.. وفى العام الذى تلاه 1903 تم اغتيال حاكم ولاية يوفا «بوجدانوفيتش».. وتلاه اغتيال رئيس الوزراء «فيشيليف فون بيلف» عام 1904.. وعام 1905 انفجرت ثورة عامة فى روسيا.. وفى العام التالى 1906 تم اغتيال الجنرال «دوبراسو» قامع الثوريين.
 
 
روتشيلد يستهدف الجيش والإعلام!
 
 
بعد أن انتهت الحركة السرية اليهودية من تشويه الإعلام والقضاء عليه.. اتجهت صوب الجيش الروسى.. وكانت الأوامر التى تلقاها البارون «جينزبرج» من قادته فى «الجماعة» ببدء العمل على تفتيت الإمبراطورية الروسية.. أولى خطوات تلك الخطة كان خلق الفوضى والاضطرابات فى صفوف الجيش الروسى فى الشرق الأقصى.. عن طريق تدمير خطوط الاتصالات والمواصلات فى سيبيريا.. مما أدى إلى إيقاف الإمدادات والمعونات عن الجيش البرى والبحرية الروسية.. لاحظ أن هذا هو نفس ما فعلوه مع نابليون بونابرت وتسببوا فى هزيمته المروعة!
 
فى نفس الوقت صدر أمر من ضباط البحرية الروس للسفن بإطلاق النيران على السفن البريطانية فى بحر الشمال.. وكان رد الفعل الشعبى فى بريطانيا عنيفا.. تطوع على أثره عدد كبير من ضباط البحرية البريطانية وملاحى السفن التجارية لتقديم خدماتهم لليابان فى مواجهة روسيا.. توازى ذلك مع قيام رجال المصارف العالميين – ذراع الجماعة – بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا.. أوصلتها إلى الإفلاس تقريبا.. ثم فرضوا حظرا على التجارة والمبادلات الروسية.. وبعد توريطها فى حرب مع اليابان عام 1904.. تراجعت «روتشيلد» عن وعودها.. ورفضت إمداد روسيا بالمساعدات المالية.. بينما قامت شركات يهودية أخرى بإمداد اليابان بما تحتاج.
 
 
ذكرت الموسوعة البريطانية طبعة 1947 عن تلك الفترة فى الصفحة 76 المجلد الثانى: «كان الوزير الروسى يسعى بكل جهده للحصول على المال.. بينما دخلت الحكومة الروسية فى مفاوضات مع مؤسسة روتشيلد للحصول على قرض كبير.. وقع الطرفان اتفاقا مبدئيا.. لكن روتشيلد أبلغت وزير المالية الروسى أنه ما لم تتوقف أعمال اضطهاد اليهود الروس، فإن المؤسسة ستكون مضطرة للانسحاب من هذا الاتفاق.. الحاجة الملحة للخزينة الروسية للمال هى التى دفعتهم للتحالف مع فرنسا»
 
 
إحدى المؤسسات التى كانت تمول الحركات الإرهابية فى روسيا مؤسسة «يعقوب شيف» التى تأسست عام 1897.. وقامت عام 1904 بتمويل ضخم للثورة التى قامت فى روسيا فى العام التالى.. وكذلك قامت بحملة عالمية لتمويل ثورة 1917.. التى مكنتها وشركائها من أول فرصة لوضع نظرياتهم الديكتاتورية موضع التنفيذ.
 
 
ميلاد ثورة لينين من فلاديمر!
 
 
المحاولة الفاشلة التى هدفت إلى اغتيال القيصر «ألكسندر الثالث» شارك فيها «ألكسندر أوليانوف».. الذى قبض عليه وحوكم وتم إعدامه.. وكان هذا سببا مباشرا لأن ينذر أخاه «فلاديمير» نفسه للحركة الثورية.. لمع نجمه وترقى فى القسوة والسلطان.. وصار رئيسا للحزب البلشفى.. واتخذ لنفسه اسمه جديدا.. «لينين».. والذى أصبح فيما بعد الحاكم المطلق الأول لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية.
 
 
كان «لينين» جامعيا مثقفا.. التف حوله الطلاب اليهود وأقنعوه أنه قد حان الوقت لقلب نظام الحكم الممثل فى الطبقة الحاكمة.. كى تباشر الجماهير حكم نفسها بنفسها.. ارتبط «لينين» بقادة الحزب الثورى عندما كان فى الثلاثين من عمره.. وسافر إلى سويسرا – المكمن السرى للحركات السرية اليهودية – عام 1895.. حيث انضم إلى «بيلخانوف» الذى كان قد فر من روسيا قبله.. مكونين مع مجموعة من اليهود جمعية ماركسية عالمية أطلقوا عليها اسم «جماعة تحرير العمال».. وكانت الثورة الواسعة التى تم إجهاضها عام 1905 قد أقنعت «لينين» بأن السبيل الوحيد للقيام بثورة ناجحة.. هو تنظيم لجنة دولية تتولى الإعداد لتنفيذ الخطة التى يتم الاتفاق عليها.. وهكذا أنشأ «لينين» «الكومنترن».. وهى اللجنة المركزية الدولية للتخطيط الثورى..
 
 
سرقة المصارف ونسف أقسام الشرطة!
 
 
 وحالما استقرت الخطوط العريضة لفكرته.. عاد إلى روسيا مع زميله «ماروتوف» لتنظيم حملة التمويل.. التى تمثلت فى عمليات ابتزاز واسعة للأثرياء.. وسرقات للمصارف وغيرها من الأعمال غير المشروعة.. وكان سنده الذى يقنع به من حوله.. ويبرر لنفسه أعمال البلطجة والخارجين عن القانون: «إنه شىء منطقى أن يسرق أموال الناس الذين يخطط للانقلاب على حكومتهم»!.. وكان يصر على أن من أهم برامج التدريب للمبتدئين فى الحزب.. عمليات سرقات المصارف.. ونسف وتدمير أقسام الشرطة.. وتصفية الخونة (من وجهة نظره) !
 
 
والحقيقة أن القادة القلائل الأول فى الحركة الشيوعية كانوا ينتمون لطبقة العمال.. وكان معظمهم مثقفين ثقافة رفيعة.. وفى عام 1895 تسببوا فى اضطرابات تحول بعضها إلى أعمال شغب.. ومن هنا أوجدوا واحدا من الثوابت الرئيسية فى التخطيط الثورى.. تطوير الحوادث الصغيرة حتى تتحول إلى أعمال شغب.. والتسبب فى إحداث مواجهة فعلية بين الشعب والشرطة!.. وتلك أهم ركائز الحركات السرية ـ أيا كانت أيديولوجيتها ـ فالشرطة بالنسبة لها عدو لدود مهما كان أداؤها رفيعا.. لأنها تملك ميليشيات مدربة على القيام بعمل تلك الشرطة فى مرحلة ما من عمر «تمكنها» من السلطة حال وصولها لها!
 
 
كان «لينين» قد قبض عليه أثناء تلك الأحداث وتم سجنه مع رفيقه «ماروتوف» وآخرين.. ثم أفرج عنه عام 1897.. وخرج من السجن إلى المنفى ومعه رفاقه وزوجته.. وفى المنفى اتفق الرفاق على تأسيس صحيفة تكون جامعة لشتات المفكرين فى القوى الثورية.. واسماها «الاسكرا» أى الشرارة باللغة الروسية.. وقد طبعت تلك الصحيفة لفترة من الزمن فى ميونخ بألمانيا.. ويتم تهريب نسخ منها إلى داخل روسيا.. بواسطة الشبكة السرية التابعة لماسونيى الشرق الأكبر.. أحد أذرع «الجماعة».. فى عام 1903 دعت الصحيفة لإقامة مؤتمر للماركسيين فى العالم يكون مقره فى بروكسل.. لكن الشرطة البلجيكية لم تعجبها فكرة تجميع أولئك من كل مكان فاتخذت إجراءات مضادة لعقد المؤتمر.. مما اضطرهم إلى إقامته فى لندن.. أهمية هذا المؤتمر.. أن خلاله حدث الانشقاق العقائدى بين كتاب صحيفة «الاسكرا».. وصار «لينين» زعيما لمجموعة البلشفيك الذين كانوا يشكلون أغلبية عددية.. وصار «ماروتوف» زعيما لمجموعة المنشفيك الأقلية.. بعدها بعامين قامت المجموعة الأخيرة ـ المنشفيك ـ بثورتها المجهضة عام 1905.. تلك الثورة التى اندلعت بعد أحداث ما يعرف باسم الأحد الدامى.
الأحد الدامى ومؤامرة اختراق الشرطة!
 
 
هذا يوم فاصل فى تاريخ ثورة 1905.. فبعد أن هدأت الأمور وتحرى الكثيرون ما حدث فى ذلك اليوم.. تأكدوا من أن أحداثه كانت مصنوعة ومدبرة كى تشتعل البلاد.. وأن مجموعات مدربة هى من قامت بإشعال الحادث لإثارة الغضب على القيصر والشرطة.. وهو ما مكن الحركة السرية من ضم الآلاف من غير اليهود الساخطين على القيصر.. الذين خرجوا عن الولاء له.
 
 
ففى الثانى من يناير 1905.. وبعد أن قامت اضطرابات عمالية فى أحد المعامل الضخمة فى مدينة بطرسبرج.. قرر الأب «جابون» راعى الكنيسة حل المشكلة من جذورها بالتحدث مباشرة مع القيصر.. وخرج على رأس مسيرة سلمية ضمت الآلاف من العمال وأسرهم.. واتجهت المسيرة إلى القصر.. وقد أوردت تقارير فى وثائق رسمية.. أن المسيرة كانت منظمة ومنضبطة تماما.. وأن المشاركين فيها كانوا يسيرون فى هدوء وبلا ضجيج يحملون لافتات كتبت عليها عبارات الولاء للقيصر.. وعندما وصلت إلى القصر.. ودون سابق إنذار.. انهمرت طلقات الرصاص على تلك الجموع.. فحصدت أرواح كثير من العمال مع عائلاتهم وعمت الفوضى.. تحولت الساحة أمام القصر إلى بركة كبيرة من الدماء.. لذا سمى هذا اليوم الأحد الدامى.. وحملت مسئوليته للقيصر «نيقولا الثانى».. لكن الحقيقة الثابتة أنه لم يكن مسئولا.. بل إنه لم يكن حتى داخل القصر وقتها.. والذى تذكره الوثائق أن ضابطا من الحرس هو من قام بإصدار أمر إطلاق النار إلى الجنود.. واحتمال أن يكون منفذا لأوامر تلقاها من رؤسائه فى الحركة السرية كان احتمالا قويا جدا.. لأنه ما من سبب آخر يدعوه لإصدار هذا الأمر.. وتلك كانت الشرارة التى أدارت محرك الثورة الشاملة.. فانضم آلاف العمال الذين كانوا يدينون بالولاء للقيصر إلى الحزب الاشتراكى الثورى.. وقد حاول القيصر مواجهة هذا المد بحزمة من الإجراءات مثل: تشكيل لجنة للتحقيق فى أحداث الأحد الدامى.. أعلن استعداده لتشكيل مجلس تشريعى ديمقراطى ـ عرف فيما بعد باسم الدوما ـ .. عرض أن يمنح عفوا شاملا لكل السجناء السياسيين.. والذى عاد بفعله «لينين» وزعماء البلاشفة إلى روسيا.. لكن رغم كل ذلك لم يستطع القيصر مواجهة هذا المد الثورى.
 
 
إضراب العمال.. وإعلان حكومة فى بطرسبرج!!
 
 
أعلن اتحاد عمال السكك الحديدية الاضراب العام فى 20 اكتوبر 1905.. امتد الاضراب إلى مدن موسكو وسمولنسك وكيرسك وغيرها.. وفى السادس والعشرين من نفس الشهر تأسست حكومة بطرسبرج الثورية.. وكانت تحت سيطرة المنشفيك.. تعاقب عليها ثلاثة رؤساء خلع كل منهم الآخر.. آخرهم «تروتسكى» الذى ألقت قوة عسكرية القبض عليه فى 16 ديسمبر من العام ذاته.. ومعه حوالى 300 من أعضاء تلك الحكومة الثورية.. ولم يكن من بين الموقوفين بلشفى واحد.. وفى 20 ديسمبر استولى يهودى يدعى «بارفوس» على السلطة فى إدارة ثورية جديدة فى بطرسبرج.. ودعا إلى إضراب عام فاستجاب له نحو 90 ألف عامل.. وفى اليوم التالى ارتفع العدد إلى 150 ألف عامل.. وفى الثلاثين من ديسمبر عاد بعض الوحدات والضباط الذين كانوا مايزالون موالين للقيصر.. واستعادوا السلطة بأعجوبة.. وبهذا انتهت الثورة الروسية الأولى.. لكن القيصر حافظ على وعده وأنشأ الدوما.
 
 
فى 1907 عقد المؤتمر الخامس لحزب العمل الاشتراكى الروسى فى لندن.. تمت دراسة أسباب إجهاض ثورة 1905.. وألقى «لينين» مسئولية هذا الفشل على انعدام التعاون بين المنشفيك وباقى الحركات الثورية.. بينما اتهمه «ماروتوف» بالتقصير فى تقديم العون المطلوب.. ومنع التمويل المالى عنهم.. وكان ما أثار مخاوف «ماروتوف» وغيره من اليهود مثل «روزالوكسمبرج» و«إبراهاموفيتش» أن لينين» استطاع تدبير التمويل اللازم لحضور عدد ضخم لهذا المؤتمر.. وأنه يقوم بأعمال سرقة ونهب وخطف لتمويل حزبه البلشفى.. دون اقتطاع جزء من هذا المال لدعم منظمة الوحدة المركزية!
 
 
أما ما خلص إليه القادة المجتمعون فى هذا المؤتمر فهو: وجوب تعاون أكبر بين القادة الثوريين.. واختيار من سيقوم بتحرير صحفهم بعناية فالأمر لا يحتمل مجازفة.. وركزوا على الأهمية الكبرى للدعاية فى تلك المرحلة.. والتأكيد أن كل ما ينشر فى الصحف يجب ألا يكون خارجا عن سياسة الحزب!.. وفى عام 1908 أصدر البلاشفة صحيفتهم «البروليتاريا».. بينما أصدر «تروتسكى» مطبوعة مستقلة سماها «فيينا برافدا»!.. هل يشبه هذا ما يحدث الآن!
 
 
وفى عام 1909.. حصل «لينين» على تأييد غير مشروط من زعيمين يهوديين هما «زينوفيف» و«كامينيف».. فيما عرف بعدها باسم «الترويكا» أى الثلاثى باللغة الروسية.. وظل هذا التحالف قائما حتى وفاة «لينين» عام 1924.. قرر «لينين» اختبار تلميذه الجديد «ستالين».. الاختبار كان وفق منهج «الجماعة».. سرقة بنك تيفيليس.. كمن «ستالين» ورفيق له يدعى «بترويان» لعربة البنك.. وعندما اقتربت ألقياها بقنبلة فجرت كل ما فيها.. ولم يبق شىء بحاله فيها سوى الصندوق الصلب الذى يحوى 250 ألف روبية.. قتل فى الحادث 30 شخصا.. ودشن «ستالين» تاريخه القيادى وفق «جماعته» الثورية!
 
 
«الجماعة» الشيوعية لم تكن تهدف إلا السيطرة على السلطة.. لم تهتم لأمر الشعب الروسى.. ومعاناته مع أزمة طاحنة.. استطاعت أن تجمع المال بلا حساب لأهدافها فقط.. لكنها أبدا لم تفكر فى توظيف هذا المال لتحسين أوضاع المواطن.. وبالتالى لم يكن يعنيها أمر الإصلاحات التى قام بها القيصر «نيقولا» منذ 1905..