الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

القاهرة بين مد وجزر وثمن الحرية الحقيقى فى مصر




  كانت معركة بالبنادق فى حى شبرا وسط القاهرة، لا يزال الناس يتحدثون عنها بعد ستة شهور من وقوعها. ففى خلاف حول قطعة من الأرض استولى عليها محمد شعبان الذى هرب من السجن خلال الثورة وسط الحوانيت الصغيرة والشوارع المكتظة، تحدى شعبان الشرطة لمقاتلته وقال لأحدهم بعد أن حاولوا إخلاءه: «أخرج وإلا قتلناك» وعندما وصل رجال شرطة آخرون أصيب اثنان منهم بجراح من طلقات رصاص، وقتل شعبان مع سباك محلى ظنت الشرطة أنه مسلح.
 
وقال أبو حاتم، وهو سائق سيارة أجرة من شبرا: «عائلة شعبان تعتبره شهيدا، ولكن لا أحد يعتبره هنا كذلك».
 
وليس بعيدا عن المكان هناك سجن ومركز شرطة، ومبنى متداع ذو لون أبيض مائل للصفرة ونوافذه محمية بقضبان حديدية وصفائح معدنية من الداخل، وفيه ثقب واحد يمكن إطلاق النار من خلاله.
 
تعرض السجن يوم 28 يناير العام الماضى لحريق أشعله سجناء أمثال شعبان وأقاربهم، فى ذروة الانتفاضة المصرية ضد حسنى مبارك.. واستولى السجناء على الأسلحة وهربت الشرطة من شبرا، لكنهم عادوا فيما ذلك.
 
قصة موت شعبان ليست إلا إحدى القصص التى يرويها سكان حى شبرا كمثال على العنف المتصاعد فى مصر بعد الثورة.
 
وقال أحد افراد الشرطة لرجل جاء ليبلغ عن اختطاف ابنه: «تم خطف 10 أطفال آخرين وهم محتجزون للحصول على فديات».. وأصبحت سرقة السيارات منتشرة، ولم يعد سائقو سيارات الأجرة يجرؤون على العمل ليلا.
 
مع ذلك فالحكايات عن غرق مصر فى الفوضى مخادعة، وليست هناك جرائم فى القاهرة أكثر مما كان يحدث قبل الثورة لأن الشرطة التى فقدت مصداقيتها بسبب الفساد والوحشية لم تعد تتصرف بالحماية السابقة، وكثيرا ما ترفض التصرف على الإطلاق، الفقر زاد فى المدينة التى يعيش فيها 20 مليونا، تجعلهم يعيشون فى عشوائيات، ولذلك يلجأ الكثيرون منهم للسرقة كى يبقوا على قيد الحياة.
 
على مستوى الشارع وقياسا على ما حدث فى شبرا فهذه التكتيكات لها تأثير ناجح إلى حد ما، وبالتالى فعودة الشرطة مرحب بها على وجه العموم.
 
ويقول أبو حاتم: إن الشرطة طُهرت ولم تعد تزرع المخدرات فى ملابس المشبوهين كما كانت تفعل. ويضيف إن أحد الأسباب التى جعلت الشرطة تهرب بتلك السرعة خلال الثورة هو أن «ضباط الشرطة ذوى الرتب المنخفضة كانوا يخشون من الظهور فى الشوارع، لاعتقادهم أن الناس الذين اتهموهم بالباطل قد يقتلونهم».
 
وعلى المدى البعيد، فقد يثبت أن من المستحيل بالنسبة للجيش والشرطة أن يعيدوا احتكارهم للسلطة التى كانوا يتمتعون بها فى ظل النظام القديم، وما يزال المصريون يحتفظون بإحساس قوى بهيكلية المؤسسات لكن الدولة لم تعد ذات صلاحيات مطلقة، وكانت وزارة الداخلية فى القاهرة هى التى تعطى الضوء الأخضر لترقية الجميع من القضاة وحتى الصحفيين. وحتى الكادر المفضل من جانب الجيش فى الصحافة كان عليه أن يحصل على إذن رسمي.
 
لكن القاهرة اليوم مليئة بالمؤشرات على أن ثقافة الخضوع هذه تتآكل، والشارع الذى توجد فيه بناية وزارة الداخلية الكبيرة مغلق بالأسلاك الشائكة والشرطة العسكرية المدعومة بالسيارات المصفحة، ولكن فى أحد طرفى الشارع كان رجال الشرطة الذين طردوا العام الماضى يتظاهرون لاستعادة وظائفهم، وهم يهتفون: «يا وزارة الداخلية نحن أبناؤك ونحن لسنا لصوصا».. ومبنى الماسبيرو الذى يتركز داخله الكثير من الإعلام الرسمى محاط بالأسلاك الشائكة، ويدافع عنه جنود معهم أسلحة آلية، لكن الطابق الأرضى منه سيطر عليه هذا الأسبوع مهندسون يطالبون «بزيادة رواتبهم».
 
وقد تدنت معنويات الناشطين الذين ملأوا ميدان التحرير قبل عام، ويتحدثون الآن عن انتصار القوى المضادة للثورة، وهم يخشون أن الجيش والشرطة والمخابرات يعيدون فرض سيطرتهم، لكن الصلاحيات فى مصر ما بعد مبارك منقسمة وربما يزيد انقسامها، وحركة الإخوان المسلمين التى تريد الاحتفاظ بدور المراقبة منشغلة بصراع طويل الأمد.
 
الجميع يريد أن تحسن الثورة حياتهم. وسائقو الحافلات فى القاهرة مضربون ولديهم الكثير من الشكاوى. وفى مستودع المنيب للحافلات يقول خلف صادق: «عملت فى الحافلات 16عاما وأحصل على معاش قدره 600 جنيه مصرى (63 دولارا) فى الشهر مقابل العمل من 8- 10 ساعات يوميا».. وكثيرا ما يعجز عن مواصلة خط سيره بسب الاختناقات المرورية وتعطل محرك حافلته المتداعية. وهناك سائق مضرب آخر هو خلف عبد القادر يقول: إن هيئة النقل العام «لا تحترم موظفيها ولا تلبى احتياجاتهم».
 
وهناك سخرية لاذعة من دوافع وتصرفات الدولة فى أوساط المصريين.
 
وعلى سبيل المثال ينتشر مرض الحمى القلاعية بين الماشية فى البلاد لكن الجزارين فى القاهرة يعتقدون أن المسئولين يبالغون فى مدى انتشاره لانهم يستفيدون ماليا من الارتفاع فى أسعار الدجاج والأسماك.
 
ويقول الأستاذ الجامعى فهمي: «أعتقد أننا نشاهد ثورة ضد نظام الدولة الحديث فى مصر الذى كان دائما ضد رفاة المصريين».. ويعنى الصراع السياسى عدم وجود مراكز حقيقية للقوى تملك السيطرة أو تتخذ القرارات المهمة، وهذا يحدث فى اللحظة التى ينحدر فيها الاقتصاد المصرى نحو حافة الأزمة. وتقول الباحثة ماجدة قنديل: إن الفرص الاقتصادية «مرعبة».. وتحمل مسؤولية ذلك لإنتهاج سياسات شعبوية، مثل رفع رواتب موظفى الدولة وزيادة التضخم. وهبطت احتياطيات العملة الصعبة فى البنك المركزى المصرى إلى اكثر من النصف، كما أن هروب رؤوس الأموال يمكن أن يصل إلى 12 مليار دولار، وعلقت الحكومة فى مفاوضات مع صندوق النقد الدولى للحصول على قرض قيمته 3,2 مليار دولار تعتمد عليه المساعدات الآتية من دول الخليج النفطية.
 
آلة الدولة المصرية سريعة، لكنها تتعطل على جميع المستويات. خدمات التعليم والصحة غير كافية وينقصها التمويل، وربع سكان مصر البالغ تعدادهم 85 مليونا يعيشون فى عشوائيات متخلفة.
 
وستنحسر سلطة الجيش والشرطة ما لم يقوموا بانقلاب، وهو ليس أمرا متوقعا، ولكن حتى لو تخلوا عن السلطة فستستغرق عملية إعادة بناء البلاد التى دمروها خلال حكمهم الذى تواصل 60 عاما وقتا طويلا.
ترجمة. داليا طه
نقلا عن الإندبندنت