السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ماذا دهى المجتمع المصرى؟!

ماذا دهى المجتمع المصرى؟!
ماذا دهى المجتمع المصرى؟!




كتب: د. ناجح إبراهيم

راجعت تاريخ مصر فوجدت عجبا.. فقد وجدت مصر الآن أقل تسامحا وأكثر تطرفا وأشد خصاما وأقل توافقا من أى عصر من عصورها.. خاصة هذه السنوات التى أعقبت ثورة 25 يناير.
فلا يمكن أن يجلس الآن إخوانى أو ربعاوى مع سيساوى.. أو إخوانى مع سلفى.. أو شاب من حزب الحرية والعدالة مع حزب النور.. أو سنى مع شيعى.. أو إخوانى مع أزهرى.. أو ثائر من ثوار 25 يناير مع فلولى من الحزب الوطنى.. أو إخوانى مع فلولى.. أو إخوانى مع مسيحى.. دون خناقة أو مشكلة أو كراهية.
فقد دبت الكراهية بين الجميع.. وكل يريد إقصاء الآخر ونفيه من مصر.. وإن استطاع أن ينفيه من الحياة والكون كله فعل.
تأملت حالات الكراهية فى تاريخ مصر.. فوجدت أن مصر كانت قبل ثورة 23 يوليو أكثر تسامحا وعفوا وترابطا من بعدها.
وتأملت ثورتى 25 يناير و30 يونيو فوجدت أن مصر أيضا كانت أكثر ترابطا وتماسكا وتآلفا وتسامحا قبلهما عما بعدهما.
وتأملت تاريخ مصر كله فوجدت أن أعظم فترات الترابط فى تاريخ مصر الحديث كله كان أيام ثورة 19.. وأيام حرب أكتوبر 1973.. حيث لم تسجل أيام الحرب جريمة واحدة ولو كانت جنحة أو خناقة أو مشكلة عائلية فى كل أيام الحرب.
راجعت تاريخ مصر من أيام ثورة 19 حتى ثورة 1952 فوجدت نماذج مشرفة من التسامح والعفو وخفض الجناح والتواصل والتعارف والتواد بين عناصر الأمة المصرية.. حتى أن نظلة ليفى اليهودية كانت تخطب فى الأزهر والقس سرجيوس كان يعتلى منبر الأزهر ويحث الناس على الثورة.. وكان الشيخ الباقورى يخطب فى الأزهر وفى الكنائس أيضا.
لقد وجدت أشكالا فريدة من التسامح اعتقد أنه يصعب أن تتكرر فى مثل هذه الأيام المشحونة بالتعصب والإقصاء والكراهية ؟
فقد حكى أ. أمين عز الدين عن قريته «ميت ياعيش» قائلا: «جدى الحاج دحروج عمدة المسلمين كان يجلس مع عم بطرس عمدة المسيحيين ليل نهار فى دوار العمدية.. ولا ينفصلان إلا ساعة النوم.. وكنت أظن وأنا صغير أن عمى بطرس هو عمى الحقيقى وليس المجازى من كثرة جلوسه مع جدى. وكان العمدة بطرس- جد عبقرى جراحة القلب د. مجدى يعقوب- عمدة للجزء المسيحى من البلدة.. وأنشأ المسيحيون المدرسة الأمريكانى بقريتهم وفتحوها للمسلمين وكان لها تأثير جيد على التعليم فى القرية عامة».
ويردف أمين عز الدين قائلا: «وفى الثلاثينيات فكر المسيحيون فى بناء كنيسة ففرض جدى العمدة المسلم على كل فدان أرض 30 قرشًا مساهمة فى بناء الكنيسة يدفعها المسلمون.. وبعدها فى الأربعينيات قرر جدى العمدة ترميم ثلاثة مساجد ففرض عمى بطرس ضريبة على المسيحيين مساهمة فى ترميم المساجد»
وحكى كاتب أدب الأطفال الشهير عبدالتواب يوسف- أطال الله عمره- أن المسلمين فى الحى الذى وُلد فيه احتاجوا إلى مسجد فقام ببنائه رجل مسيحى ثرى، وقال: وما زال المسجد يحمل اسمه حتى الآن وهو «جامع عوض عريان».. وأسعدنى أن يحمل الاسم أسماء المسلمين والمسيحيين معًا.
وقال أيضًا: «وما زلت أذكر المسجد الذى بناه فى مغاغة قلينى باشا فهمى إلى جوار الكنيسة التى شيّدها.. وفى طنطا شيّد مرقس بك يوسف مسجدًا فى بلدته جناح»
فأى حياة تلك التى يغيب عنها التسامح ويكثر فيها الصراع والشقاق وتمتلئ فيها القلوب بالكراهية والحقد.
إننا اليوم نبحث جميعا عن الفريضة الغائبة ألا وهى التسامح والتغافر.. والتى ذكرها القرآن عشرات المرات ومنها تلك الآيات الرائعة التى يعرض عنها أكثرنا «فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ».. و« فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ «.. «فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ».
وكل تعاليم السيد المسيح تدعو إلى الصفح حتى وصلت هذه التعاليم إلى «أحبوا أعداءكم وباركوا لاعنيكم».. ولا يتذكر القوم الآن جميعا سوى كلمات الثأر والقصاص والدماء و«يا ناخد حقهم يا نموت زيهم».. والخلاصة أن الموت يحصد الجميع.