الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الصناعات الإبداعية والمؤتمر الاقتصادى

الصناعات الإبداعية والمؤتمر الاقتصادى
الصناعات الإبداعية والمؤتمر الاقتصادى




كتب: د.حسام عطا
الحكومات والدول التى تحظى بالثقة تثبت عبر معيار القياس الاقتصادى أنها محل تقدير الداخل والخارج خاصة فى أوقات الأزمات، وكما تردد فى عدد من الدوائر الأمريكية الفاعلة أن رفع الأسعار فى إطار حزمة من الإصلاحات فى الموازنة والاقتصاد السلعى، والقبول الشعبى والاستيعاب لها دون تذمر هو أكبر دليل على أن الثلاثين من يونيو ثورة تحظى بالتأييد الشعبي، لأن الانقلابات لا ترفع الأسعار ويتقبل الشعب الأمر، أما التأييد الخارجى لمصر الآن والذى يؤكد عمق الاعتراف الدولى بمصر الحاضر والمستقبل، رغم كل المناورات الحادثة على الصعيد الإقليمى والدولى والمتمثل فى مشاركة مائة دولة فى المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ، لهو اعتراف عملى آخر وقراءة دولية لمستقبل مصر كحاضنة للاستثمار، لأن رأس المال شديد الحرص، والاقتصاد لا يعرف العواطف، فهو يستهدف المجال الموضوعى القادر على الربح، ولا يسعى إلا فى اتجاه الدول القادرة على إدارة المستقبل فى إطار دولة المؤسسات والقانون.
أما العلاقة اللافتة للنظر والتى جددت فى ذهنى سؤال العلاقة بين الاقتصاد والثقافة فهو الإعلان عن محمد منير كنجم مصرى عالمى فى حفل ختام المؤتمر بشرم الشيخ.
إن حضور محمد منير هو تجسيد للفن ورقيه وتميزه فى عمق شعبيته وجماهيرتيه وتميزه واتصاله بالموسيقى المعاصرة، وهو يعبر عن الاهتمام الواضح بدعم الحضور البارز لعناصر القيمة فى القوة الناعمة المصرية.
إلا أنه يدفعنا لإعادة طرح فكرة الاستثمار فى الثقافة والفنون وإعادة تأمل السؤال القديم عن الصناعات الإبداعية.
إن مصر بتراثها الحضارى من الآثار المادية والمعنوية وبالإمكانيات البشرية الهائلة، قادرة على إدارة صناعات إبداعية كبيرة فى مجالات غير تقليدية فإذا نحينا السينما والمسرح والدراما التليفزيونية رغم قدرتهم على إضافة قيمة للاقتصاد المصرى بالإضافة للتأثير المعنوى والفكرى والسياسى، فإن الصناعات الإبداعية المبتكرة الجديدة قادرة على إدارة الميراث الحضارى إدارة واعية تجتذب المهتمين من كل أرجاء الدنيا الأربعة، فعلى صعيد العروض الفنية الدائمة بأشهر الأماكن الأثرية مثل إعادة تقديم روائع المسرح الفرعونى وأشهرها المسرحية التى ترجمها د.ثروت عكاشة بعنوان لعبة الرياح الأربعة والتى كانت تعرض بالأهرامات ومعبد الكرنك كما ذكر فى كتابه المسرح المصرى القديم وهى نوع شديد التفرد من الفن يمكن استعادته لجمهور العالم المعاصر كله.
كما يمكن دعم صناعات الفنون التشكيلية التطبيقية اليدوية المميزة عبر إدماجها فى وسائل إنتاجية حديثة تزيد من كثافة إنتاجها وتجعلها متاحة للتداول العام، ونظرة سريعة لصناعات الأثاث والمفروشات والحلى الشعبية المصرية القديمة ذات الجذور الفرعونية تؤكد أناقتها وتفردها وحداثتها معاً وصلاحيتها للبيع الكثيف والتداول فى الأسواق الدولية.
أما أرجاء مصر المميزة بعيداً عن العاصمة، فيمكن أن تتحول إلى مزارات سنوية ذات طابع إبداعى، خذ مثلاً الواحات الداخلة والخارجة كسياحة دائمة لقرى صديقة للبيئة بعيدة عن استخدام الطاقة المعاصرة بملابس تراثية للجميع، كمنتجع لتداول الشعر القديم والرقص الشعبى وللغناء التراثى والاستشفاء وللراحة فى منتجع صحراوى رائع يعود لعالم الواحة القديم، ويمكن جعله بقعة إبداعية خارج العالم المعاصر تعود فى مظاهرها اليومية للقرن السابع عشر الميلادى.
لا يمكن إغفال السياحة الموسمية الشتوية التى يمكن تدعيمها بمجموعة من المهرجانات الفنية والثقافية والمؤتمرات الأدبية والعلمية بالتعاون مع الجامعات الإقليمية، ناهيك عن إمكانية دعم العلاقة بين الفنون المصرية  وصناعة البرمجيات وتداولها كجزء قابل للاستثمار فى عمليات الترويح والألعاب الإلكترونية.
كل ما نتمناه هو لفت الانتباه للصناعات الإبداعية فى بلد كمصر هى قوة عظمى على المستوى الثقافى، والاستثمار فى هذا المجال والنظرة التجديدية الجديدة الجادة لعلاقة الاقتصاد بالإبداع والثقافة، هى مسألة شديدة الأهمية نتمنى أن تكون على جدول أعمال مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى أو واحدة من آثاره المحتملة المبشرة بمستقبل أفضل.
لا شك أن مصر تستطيع، هى الدلالة العامة للمؤتمر الاقتصادى وتأثيره على إشاعة ثقافة الأمل والثقة فى المستقبل أمر واضح، أما الصناعات الإبداعية وقوة مصر الناعمة وإدماجهم داخل منظومة الدخل القومى فهو باب جديد للأمل والمستقبل.