الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

إيران تفتح الطريق أمام صراع نووى بالمنطقة

إيران تفتح الطريق أمام صراع نووى بالمنطقة
إيران تفتح الطريق أمام صراع نووى بالمنطقة




ترجمة - وسام النحراوى
دعا كل من هنرى كسينجر وجورج شولترز والرئيس التنفيذى لمبادرة التهديد النووى وعدد كبير من المسئولين الأمريكيين السابقين، إلى تبنى الولايات المتحدة وحلفائها مبادرة شاملة لإزالة الأسلحة النووية من العالم ووضع الخطوات الضرورية لتحويل هذه المبادرة إلى واقع دولى جديد لنستطيع الحياة فى عالم «خال من الأسلحة النووية».
وتأتى هذه الدعوة فى وقت اصبحت فيه الولايات المتحدة ومعها باقى الدول النووية الكبرى لا تمتلك الردع الكافى والوسائل الممكنة عسكريا وسياسيا واقتصاديا لفرض احتكارها للقوة النووية ومنع انتشارها فى دول أخرى بالرغم من الجهود الدولية المبذولة ووسائل الترهيب والترغيب‏.‏
وبالتالى فإن نموذج‏ «الردع الثنائى المتبادل‏»‏ الذى ساد خلال فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى قد أصبح غير قابل للتكرار فى عالم تتكاثر فيه قوى نووية جديدة متعددة الثقافات والتقاليد الأمنية‏، وأصبح العالم فى سبيله إلى دخول عصر نووى جديد مختلف ستكون تكلفة الأمن فيه باهظة مقارنة بتكلفة الردع النووى التقليدى خلال الحرب الباردة.. ‏كما أن المشهد النووى الجديد‏ يزيد من مخاطر استعمال السلاح النووى خلال النزاعات المسلحة لأن الجماعات الإرهابية بحكم تنظيمها وأيديولوجيتها لا يؤثر فيها الردع‏،‏ كما أن الدول النووية الناشئة تفتقد إلى تقاليد أمنية اكتسبتها الدول النووية القديمة خلال الحرب الباردة ونجحت وقتها فى منع الحوادث والأخطاء غير المقصودة‏، وبدون هذه التقاليد‏، كان من الممكن أن يسقط العالم فى حرب نووية شاملة بسبب خطأ فى التقدير أو الحساب‏.‏. وفى 2009 وعد أوباما بوضع حد للحد من الأسلحة النووية من خلال التعامل سلميا، لكن بحزم مع طموحات إيران النووية لإعطاء زخم جديد لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووى، وقد كان طرح أوباما لاستراتيجية مخالفة لنهج سلفه جورج دبليو بوش سببا مهما فى حصول أوباما فيما بعد على جائزة نوبل للسلام.
وفى 2010، قام أوباما بالفعل بالتوقيع مع ميدفيديف اتفاقية «ستارت» للحد من الأسلحة الاستراتيجية، وقامت كل من أمريكا وروسيا بالاتفاق على قيادة مسيرة نزع الأسلحة فى العالم والتعاون الدولى وبذل الجهود لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل فى العالم.
وبالرغم من ذلك حذرت مجلة «إيكونوميست» البريطانية من نشوب صراع نووى جديد بعد مرور ربع قرن على نهاية الحرب الباردة، على الرغم من أن إيران، فى غضون الأسابيع القليلة المقبلة، وبعد سنوات من المماطلة والمراوغة، ربما توافق على تقييد برنامجها النووى، متوقعة أن تنتشر الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط وذلك مع انضمام إيران ومن بعدها المملكة العربية السعودية وربما مصر بالإضافة بالطبع إلى إسرائيل إلى قاطرة امتلاك النووى فى منطقة الشرق الأوسط.
وتوقعت المجلة البريطانية أن إيران ستسمح بعمليات تفتيش تدخلية، وستحد من كمية اليورانيوم التى تتدفق عبر أجهزتها الطاردة المركزية، وبعد عام 2025، سيسمح لإيران تدريجيا بتوسيع جهودها، وعلى الرغم من تأكيد طهران على سلمية هذه الجهود، فإن العالم مقتنع بأن هدفها هو إنتاج سلاح نووى، مؤكدة أن طهران ستستمر فى الجلوس بالقرب من العتبة النووية والإبقاء على قدرتها على تخصيب اليورانيوم مستمرة حتى تحين الفرصة لامتلاكها أسلحة نووية بالفعل.
وأشارت المجلة إلى تحذير رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتانياهو من أن إجراء اتفاق مؤقت يترك جزءا كبيرا من البرنامج الإيرانى بلا مساس، لا يسفر إلا عن تمهيد الطريق أمام إيران إلى القنبلة، وإن إيران النووية، بما تكن من إصرار وحقد، ستجعل العالم يعيش فى ظل تهديد حرب نووية.
بينما ترى «الإيكونوميست» أن نتانياهو مخطئ فيما يخص الاتفاق النووى فهو أفضل شىء متاح، كما أنه أفضل بكثير من عدم التوصل إلى اتفاق بشكل كامل، مما سيؤدى إلى طريق مسدود وخداع، وفى النهاية الإسراع إلى امتلاك القنبلة ذاتها التى يخشاها، لكنه محق فيما يشعر به من قلق تجاه نشوب حرب نووية، وليس بسبب إيران فحسب.. فبعد مرور خمس وعشرين سنة على انهيار الاتحاد السوفيتى، بدأ العالم يدخل عصرًا نوويًا جديدًا، وصارت الاستراتيجية النووية ساحة لمحاربة القوى النووية الأصلية الخمسة «الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والصين وروسيا»، التى تشوب تعاملاتها الشبهات والتنافس.
وأشارت «الايكونوميست» إلى أن جميع القوى النووية تنفق ببذخ على تحديث ترسانتها الذرية، إذ نمت ميزانية روسيا الدفاعية بنسبة تزيد على 50 % منذ عام 2007، وثلث هذه الميزانية بالكامل يخصص للأسلحة النووية، كما تعمل الصين على زيادة مخزوناتها، وتستثمر بغزارة فى الغواصات وبطاريات الصواريخ المتنقلة، فيما تعكف باكستان على تكديس العشرات من الأسلحة النووية التى تستخدم فى ميدان القتال لتعويض تدنيها عن الهند من حيث القوات التقليدية، ويعتقد أن كوريا الشمالية قادرة على إضافة رأس نووية سنويا إلى مخزونها البالغ نحو عشر رءوس، وتعمل على تطوير صواريخ يمكنها ضرب الساحل الغربى للولايات المتحدة.
ووفقا للمجلة فإن بعض البلدان تريد أسلحة نووية لتدعيم أركان دولة تترنح، فباكستان تصر على تأكيد أن أسلحتها مأمونة، لكن العالم الخارجى لا يمكنه أن يزيل من نفسه المخاوف من احتمال وقوعها فى أيدى إرهابيين إسلاميين، أو حتى متعصبين دينيين داخل صفوف قواتها المسلحة ذاتها.. وهناك البعض الآخر الذى يريد الأسلحة النووية لا لتجميد الوضع الراهن بل لتغييره، فقد بدأت روسيا تستخدم التهديدات النووية كسلاح هجومى فى استراتيجية الترهيب التى تنتهجها، حيث تشن تدريباتها العسكرية، بشكل روتينى، هجمات نووية صورية تحوى تهديدات نووية مبطنة، مشيرة إلى إعلان دميترى كيسليف، أحد الناطقين باسم الكرملين، بشىء من التلذذ أن القوى النووية الروسية يمكنها أن تحول أمريكا إلى «رماد مشع».. وأما الصين فتشكل تهديدا أبعد، لكنه تهديد لا يمكن تجاهله، فعلى الرغم من أن العلاقات الصينية - الأمريكية قلما تبدو مثل الحرب الباردة، يبدو أن الصين مآلها إلى تحدى الولايات المتحدة على الهيمنة فى أجزاء كثيرة من آسيا، كما أن إنفاقها العسكرى يزداد بنسبة 10% أو أكثر سنويا... بالإضافة إلى ذلك، فإن اليابان، إذ ترى قوة الصين العسكرية التقليدية، قد تشعر أنه لم يعد بمقدورها الاعتماد على أمريكا فى حمايتها، وإذا حدث ذلك، فمن الممكن أن تسعى اليابان وكوريا الجنوبية إلى امتلاك القنبلة، مضافا إليها كوريا الشمالية التى تمثل قوى نووية إقليميا مرعبا آخر.. وتؤكد المجلة أن الحاجة الأشد إلحاحا فى الوقت الحالى، هى تنشيط الدبلوماسية النووية، وإحدى الأولويات هى الدفاع عن معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية التى تبطئ انتشار الأسلحة، إلى حد ما، عن طريق طمأنة البلدان على أن جيرانها لا يعكفون على تطوير أسلحة نووية، متابعة أن الخطوة الأولى الضرورية فى مواجهة التهديد النووى المتنامى هو التعامل معه مباشرة.
فى سياق متصل شدد ديفيد كريجر، رئيس مؤسسة السلام فى العصر النووى ومقرها واشنطن، على أن المبالغ التى تزال تنفق على التسلح النووى فى العالم ليس لها أى معنى، تماما كما يعتبر الاستمرار فى الاعتماد على الأسلحة ذاتها لا معنى له، فى الوقت الذى تتصاعد فيها النداءات العالمية لخفض إنفاق الدول على ترساناتها من الأسلحة النووية وتخصيصها بدلا عن ذلك لاحتياجات التنمية.
وبالنظر إلى حقيقة أن معظم الحكومات لا تزال تواجه القيود المالية الناجمة عن الأزمة الاقتصادية الطويلة، وتتوجه إلى فرض المزيد من التخفيضات فى مجال توفير الخدمات الاجتماعية لمواطنيها، وبالتالى فإن الاتجاه إلى زيادة الانفاق على الأسلحة النووية هو اتجاه «فاحش» بالنظر إلى أن الملايين من الناس فى مختلف أنحاء العالم يعانون من الجوع والمرض والتشرد.. وأكدت «الإيكونوميست» أن أولى ضحايا البرامج النووية هى الشعوب التى من المفترض أن تحميها، مشيرة إلى بيانات حديثة تبين أن باكستان تنفق مجرد واحد فى المائة من ناتجها القومى الإجمالى على الصحة والتعليم، فى وقت تشير فيه الإحصاءات الى أن حوالى نصف سكان البلاد لم يتعلموا القراءة والكتابة، مشيرة إلى أن ذلك يكشف عن اللا مبالاة القاسية التى تنتهجها الحكومات ضد شعوبها..على صعيد متصل أزالت إيران شعارها النووى من عملتها النقدية الجديدة من فئة 50 ألف ريال، وتم وضع صورة لمدخل جامعة طهران عوضا عنه، فى خطوة فسرت على أنها تهيئة الرأى العام الإيرانى لقبول إيقاف البرنامج النووى لمدة عشر سنوات، حسبما ألمح به وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف قبل أيام.. ويرى مراقبون أن إيقاف طهران المحتمل لبرنامجها النووى لمدة عشر سنوات مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها يأتى ضمن توافق إيرانى- أمريكى على تقسيم النفوذ فى المنطقة والقبول بمساومات فى إطار إعطاء طهران دورا أكبر فى العراق واليمن وسوريا.