السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

القضاء علي مؤسسة قومية ناجحة!




كتب : د. فؤاد إسكندر
المطالبة بإلغاء المجالس القومية المتخصصة.. عجبي!

 

■ صدمت بشدة ــ ضمن صدمات أخري ــ بسبب ما نشر في الصحف عن حوار يدور في «الجمعية التأسيسية» حول الاستغناء عن المجالس القومية المتخصصة.. وبالتالي عدم تضمين «الدستور الجديد» لمادة تماثل المادة (164) من دستور 1971.. التي تخول لرئيس الجمهورية إنشاء مجالس قومية متخصصة، التي تنص علي أنه «تنشأ مجالس متخصصة علي المستوي القومي تعاون في رسم السياسة العامة للدولة في جميع مجالات النشاط القومي، وتكون هذه المجالس تابعة لرئيس الجمهورية، ويحدد تشكيل كل منها واختصاصاته قرار من رئيس الجمهورية».

 

■ وتفاقمت الصدمة بسبب تصريحات أحد السادة أعضاء «الجمعية» من أسرة بطل مصر وابنها البار الرئيس الراحل «محمد أنور السادات».. وهي تصريحات تتنكر لفكر مصري خالص نادي بإنشاء هذه «المجالس القومية المتخصصة» ــ أسوة بالدول الحديثة المتقدمة ـــ بهدف بناء مؤسسة قادرة علي توفير استراتيجيات وسياسات تسهم في بناء «مصر العظمي».. كما تمناها أنور السادات.. أمنية لكل المصريين بل إن السيد عضو «الجمعية» وصف المجالس بأنها «مكلمة» أن النقاش هو بداية التوصل إلي الرئيس السليم.. وإلا.. فإنه علينا أن نصف أيضًا «بالمكلمة» مجلس الشعب، مجلس الشوري، مجلس الوزراء، مجلس المحافظين، المجالس المحلية.. وهنا لابد أن أعتب علي سيادة العضو.. وأقول له مقولة وردت في إحدي روايات وليم شكسبير.. «حتي أنت.. يا بروتس»

 

■ والآن نأتي لمسببات الصدمة.. وهي مسببات موضوعية.. أوردها فيما يلي:

 

(1) إن إنشاء المجالس القومية المتخصصة في كل دول العالم المتقدمة ينبع من قناعة كاملة بأن التطور يستلزم الاستناد إلي الخبرات المتراكمة وأعمال الفكر.. ومن ثم فإن مثل هذه المجالس يطلق عليها مسمي «مخزن الفكر أي «Think Tank»، والمجالس القومية المتخصصة في مصر طبقت هذا المبدأ علي مدي أكثر من 37 عامًا، فأصبحت تضم خبرات ضخمة وعقولاً ناضجة، مما أسفر عن موسوعة منقطعة النظير من البحوث في مختلف جوانب الحياة الوطنية: اجتماعيًا، ثقافيًا، علميًا، اقتصاديًا، قانونيًا.. إلخ.. وأود أن أذكر هنا أن أعضاء المجالس لا يتقاضون أجورًا أو مكافآت وإنما يتقاضون بدلاً متواضعًا عن حضور الجلسات (3-3ساعات) قد لا تتعدي مرة في الشهر، وهي بدلات قد لا تكفي لشراء (2) كيلو لحم كندوز.

 

(2) وتماشيًا مع مهمتها الوطنية فإن المجالس القومية المتخصصة كانت ــ ومازالت تضم أصحاب الفكرة والخبرة من مختلف «الهوايات» و«المدارس الفكرية والبحثية» ،«أطياف المجتمع».. وبذلك فإن المجالس لم يكن يحكمها سوي «مصالح مصر».. بعيدًا عن الانتماءات الحزبية ومن هنا فإن المجالس ــ كمؤسسة مصرية بحتة ــ روعي أن تتبع رئيس الجمهورية.. لتكون بمنأي عن أي تدخلات ذات مصالح خاصة، وإضافة إلي ذلك فإنه يراعي دعوة الوزراء المعنيين ورجال الخبرة والفكر ــ من مختلف الواقع ــ لحضور اجتماعات المجلس عند بحث موضوع بذاته.. حرصًا علي أن تخرج تقاريرها وتوصياتها في إطار «وطني بحت».. لا يأخذ في الحسبان سوي «مصالح مصر» وآمالها في «مستقبل أفضل».

 

(3) وما تفخر به المجالس القومية المتخصصة أنها كانت من المؤسسات الوطنية «الندرة» التي لم تتلق «التوجيهات».. فكانت سابقة في المناداة بتصحيح كثير من المسارات.. وفي مقدمتها العلاقة بين رجال الأعمال والدولة، وتقويم العلاقة بين النمو الاقتصادي والتنمية الشاملة، وضرورة الالتزام بتطبيق «العدالة الاجتماعية» بمعناها العريض، والاعتراض علي تطبيق سياسات الخصخصة الخاطئة منذ بداية الألفية الثالثة.. والالتزام باتباع سياسات «المشاركة بين القطاعين العام والخاصة Private-Public partvership» حقيقة لم يؤخذ بكثير من توصيات المجالس ــ وليس كلها ــ وإنما العيب لم يكن في المجالس.. وإنما كان في الجهات التنفيذية صاحبة القرار.. ومن هنا تعالت مطالبات المجالس بضرورة دعم عملها الوطني.

 

■ ومع ثورة 25 يناير 2011.. كان هناك «تطابق» بين أهداف الثورة.. وبين أهداف المجالس القومية المتخصصة «العيش، الحرية، العدالة الاجتماعية» وعلي الرغم من الصعوبات التي واجهتها المجالس ــ وفي مقدمتها «حريق المقر» ــ فإن البحوث استمرت إحساسًا بالمسئولية وتقديرًا للدور الواجب علي المجالس.. وبمجرد تخصيص مقر جديد لائق ــ علي الرغم من الاحتياج إلي بعض التجهيزات ــ بدأت اجتماعات المجالس لمناقشة تقارير حيوية أعدتها.. وتضمنت هذه التقارير العديد من التوصيات التي يمكن أن تعبر بمصر هذه المرحلة الحاسمة.. نذكر منها:

 

(1) تقارير حول مقومات دستور جديد لمصر.. وما يتصل بذلك من تعديلات قانونية.

 

(2) تقارير حول «تنمية سيناء» كاستراتيجية حتمية لمصر.

 

(3) تقارير حول «استراتيجية النهوض بالاقتصاد المصري».

 

(4) تقارير حول «التغلب علي المشكلات الأساسية التي تواجه الثورة» مع إرفاق خرائط طريق.

 

(5) تقارير حول تطوير الإنتاج «الزراعي».. و«الصناعي».

 

(6) تقارير حول تطوير التعليم.

 

■ وأخيرًا.. أوجه حديثي إلي الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية.. هل تفرط في «مؤسسة قومية» تابعة لسيادتكم.. أدت وتستطيع أن تؤدي الكثير.. والكثير من أجل مصر؟! هل تقضي علي مثل هذه المؤسسة الوطنية الناجحة.. ونحن نطالب ــ وبشدة ــ بالاهتمام بالبحوث.. بالعلم.. بالوصول بالفكر المصري إلي الريادة والقدوة.. نعم ــ يا سيادة الرئيس ــ عليك أن تساند هذه المؤسسة.. وأن تدعم دورها لتجعله أكثير تأثيرًا.. وأكثر إيجابية.. علمًا بأنها أقل المؤسسات تكلفة.. وسامح الله من ينادون بالقضاء علي «مؤسسة وطنية ناجحة».. لا تعمل إلا من أجل مصر.. مصر وحدها.. وفق الآية الكريمة:

 

«وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون» صدق الله العظيم..

 

وتحيا مصر.. تحيا مصر..