الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

إسرائيل تسعى لوراثة نفوذ «القذافى» فى القارة السمراء

إسرائيل تسعى لوراثة نفوذ «القذافى» فى القارة السمراء
إسرائيل تسعى لوراثة نفوذ «القذافى» فى القارة السمراء




تحقيق - سيد مصطفى
منذ سقوط نظام القذافى بات الوضع فى ليبيا اشبه بكابوس، اذ أدت الصراعات على السلطة والنفط بين القبائل إلى تردى الاوضاع الامنية والاقتصادية، وبات الهدف الرئيسى لقيام الثورة الليبية وهو ليبيا جديدة عصرية قائمة على الدستور والقانون والعدالة والتعددية الحزبية «سرابا» بعد ظهور حركات متطرفة تنتمى لتنظيم «داعش» والتى اطلقت على نفسها اسم «فجر ليبيا»، لكن السؤال الذى يطرح نفسه من المستفيد من تردى الاوضاع فى الاراضى الليبية ومن صاحب المصلحة فى ظهور حركات مسلحة على الساحة، ورغم أن كثيرًا من المؤشرات تشير إلى تورط إسرائيل فى كثير من الاحداث داخل «ليبيا» رغم عدم ظهور ذلك بشكل مباشر.وكما هو معروف ان النظام الليبى السابق بقيادة القذافى عمل بشكل قوى على تحجيم الدور الإسرائيلى داخل القارة السمراء.لكن تظل أصابع إسرائيل تمتد داخل ليبيا لتكون واحدة من الدول المستفيدة من الصراعات الليبية، لذا فى السطور القادمة نكشف الدور الصهيونى فى تحريك الأحداث فى ليبيا
فى البداية يقول الدكتور خالد سعيد الباحث فى معهد الدراسات الإسرائيلية وعضو مركز يافا للأبحاث والدراسات أن الدور الصهيونى داخل العراق بدأ بعد الغزو الأمريكى له فى 2003، إذ إن إسرائيل تعتمد على تصنيع السلاح وتصديره كأحد مصادر الدخل الرئيسية، وسبق وتم كشف النقاب عن وجود أسلحة إسرائيلية بالعراق، وهذا ما يحدث الآن بليبيا، إذ تتحكم إسرائيل بشكل قوى فى المشهد هناك بأسلوب غير مباشر، مؤكداً أن الأيام المقبلة ستكشف عن مدى حجم هذه التجارة، مضيفا أن تردى الاوضاع الامنية ساهم فى انتشار بيع السلاح الإسرائيلي، خاصة ان تل أبيب تبيعه بأسعار زهيدة رغبة منها فى فتح سوق اكبر داخل ليبيا.
وأكد خالد أن الدولة العبرية أول من سعت لتقسيم السودان ليس جنوباً فقط، ولكن لتقسيم الشمال نفسه إلى شرق وغرب عبر ما يسمى بدولة دارفور، وهى الآن تستغل تدهور الأوضاع لتمرر الأسلحة إلى ليبيا، مشيرا إلى ان القذافى كان له دور كبير تحجيم النفوذ الإسرائيلى بالقارة وكان يستعين برجال الأزهر فى ذلك، ولكن إسرائيل استغلت الإطاحة به  لتصنع لنفسها مكانًا داخل ليبيا عبر النيجر والسنغال وكوت ديفوار.
وعلى جانب آخر قال العميد حسين حمودة مسئول ملف «الصهيونية» بجهاز الأمن الوطنى سابقاً ومؤلف كتاب «إسرائيل وإفريقيا»، أن ليبيا كانت واحدة من عشر دول ليس بها وجود صهيونى بالقارة الإفريقية. لكن بعد ظهور جماعات متطرفة على الحدود الليبية تتلقى دعمًا إسرائيليًا بات الوضع مغايرًا ويحتاج إلى وقفة لدراسة الموقف وإعادة تقييمه.
وأوضح حمودة أن الصراع بين ليبيا وإسرائيل بدأ فعلياً فى عام 2005، عندما قامت الولايات المتحدة بعمل اتفاقية مع بعض الدول الإفريقية، واستغلت إسرائيل تلك الاتفاقية لبسط نفوذها داخل القارة، وارتدت لذلك العباءة الأمريكية.
وأشار إلى أن القذافى انشأ ما يسمى باتحاد «دول الساحل والصحراء»، وكان يضم دول جنوب الصحراء الكبرى، وكان أحيانا يقوم بخلق مشاكل ثم يتدخل لحلها ليثبت زعامته على هذا الجزء، ولذلك سعت الولايات المتحدة لفرض سيطرتها على تلك المنطقه عام 2007 بإنشاء قوة «أفريكوم» وهى اختصار لأفريقيا كوماند، بدعوى محاربة الإرهاب بتلك المنطقه التى تنتشر من جنوب موريتانيا وحتى جيبوتي، لا ولم يستبعد من تلك القوات بإفريقيا إلا مصر، وكانت قيادتها بمدينه شتوتجارت الألمانية لخوف الدول الإفريقية من استضافة قيادة تلك القوة.
وأشار حمودة إلى أن تلك القوات ساهمت فى زرع الإرهاب بتلك المنطقة، خاصة بعد سقوط القذافى، وأدت إلى ظهور حركات متطرفة، ورغم ما شهدته مالى من عنف لم تتدخل تلك القوة فى تحجيمه، بل تركت فرنسا بمفردها تدافع عن مصالحها هناك.
وأضاف حمودة أن إسرائيل قامت بملء الفراغ فى تلك الدول عن طريق بسط نفوذها، ومن جهة أخرى تفتيتها وجعلها دول فاشلة، عبر استخدام الجماعات المتطرفة كأداة مطيعة فى يدها.
وقال الدكتور قدرى حسين أستاذ اللغة العبرية بجامعة عين شمس أننا لا نستطيع أن نرصد أى دور إسرائيلى مباشر فى ليبيا، لكن يوجد تدخلات غير مباشرة فى الوضع الليبى، والأجدر أن نتعامل مع القوى المرئية حاليا على الساحة كالدولة الإسلامية.
واشار إلى أن مصر بدأت تقوم بالدور الليبى الغائب فى تلك المناطق، حيث بدأت توطد علاقاتها بتشاد وظهر هذا جلياً بزيارة وزير الخارجية السابق نبيل فهمى لها، ومع دول كالصومال، لسد الفراغ الذى تركه سقوط ليبيا.
وقال الدكتور خالد الحنفى الخبير بالشئون الإفريقية أن إسرائيل تلعب دورًا قويًا فى دارفور وهى المنطقة الأقرب لجنوب ليبيا، مروراً بجنوب ليبيا وحتى تشاد، كما توجد حركات لها تغطيه مسلحة من إسرائيل ولكن لا توجد أدلة واضحة على أن أيًا منها تتلقى دعما من إسرائيل، كما أن إسرائيل أيضاً تقوم بتوريد السلاح لتلك الجماعات بشكل غير رسمى وإنما عن طريق عمليات الجريمة المنظمة.
وأكد الحنفى أن مشكلة الجنوب وجود انقسامات داخلية وإسرائيل تحاول أن يكون لها دور على الساحة، وقامت بمحاولات لاستعداء الجانب المصرى على تلك المنطقة، مشيرًا إلى أن مصر تحتاج للجنوب الليبى لوجود به ما يزيد على 90 ألف عامل مصرى، وبعض تلك الجبهات تريد إقحام مصر بتلك البقعة على وجه خاص والبعض الآخر يريد إحراجها بالتدخل هناك.
وقال رمزى الرميح المستشار القانونى للجيش الوطنى الليبى إن فكرة تقسيم ليبيا هى فكرة قديمة تم إحياؤها مع مشروع برنارد لويس، التى سعى لتقسيم الدول العربية بما فيها حتى مصر، مشيراً إلى ان هناك جماعات تم شراؤها بالمال من قبل إسرائيل لتنفيذ مخططاتها الصهيونية.
وأكد الرميح أن تلك الجماعات مأجورة، باعت ذمتها وضميرها، مضيفا: «ليبيا فيها رجالة ولن يقبلوا بقسمة بلدهم على اتنين»، وأن اللواء خليفة حفتر سيقوم بزيارة بعض الدول كمصر والصين وروسيا قريباً.
وأكد الباحث أحمد الزوى فى دراسة أعدها مركز الناطور أن فى اشتباكات سبها والفكرة ليست مجرد اشتباكات قبلية فخلفية هذه الاشتباكات تعود لعام 2007 ثم 2011 لينتج عنها بعد ذلك ما يسمى بجبهة إنقاذ «التبو» وهى نتاج مشروع قوى دولية وإقليمية أبرزها إسرائيل، والتى شاركت فى الاجتماع التأسيسى للجبهة فى أوسلو عام 2007 بحضور وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبى ليفنى ثم فى عام 2010 اشترك دانى أيلون نائب وزير الخارجية والذى يتولى إدارة ملف شمال إفريقيا فى وزارة الخارجية الإسرائيلية، كما التقى عيسى عبد المجيد عدداً من المسئولين فى المنظومة الاستخباراتية الإسرائيلية «الموساد» والاستخبارات العسكرية «أمان» فى باريس وبروكسل وفى برلين وكوبنهاجن ودول إفريقية.
وأشار الزوى إلى أنه أثناء الحرب التى شهدتها ليبيا عام 2011 التقى عيسى عبد المجيد بقيادات أمنية إسرائيلية عاملة فى إفريقيا وكذلك قيادات سياسية تدير مؤسسات أمنية، حيث التقى مع كل من شلومو بن عامى وزير الخارجية الإسرائيلى الأسبق وأحد العاملين فى مؤسسة الاستشارات الأمنية المتغلغلة فى أكثر من 15 دولة إفريقية، نسيم زويلى سفير إسرائيل الأسبق فى فرنسا ومستشار للرئيس السنغالى السابق عبد الله واد والمسئول عن إدارة النشاط السياسى لمؤسسة جلوبال التى يملكها الملياردير الإسرائيلى بينى شتاينمتس.
هذه اللقاءات تجرى بشكل منتظم منذ عام 2012 فى عدة عواصم إفريقية منها نجامينا وكوناكرى وأبيدجان ودكار.
لكن أهم هذه اللقاءات وأخطرها تمت فى عاصمة جنوب السودان جوبا عندما التقى وللمرة الثالثة نائب وزير الخارجية الإسرائيلى دانى أيلون مع عيسى عبد المجيد لنقل رسالة من وزير الخارجية أفيجدور ليبرمان تتضمن تعهدا إسرائيليا بدعم جبهة التبو على جميع الأصعدة.
وبين الزوى أنه كشف عن ذلك أحد قيادات المؤسسة عاموس بن ابراهام القائد السابق لوحدة العمليات الخاصة فى الأركان العامة فى الجيش الإسرائيلى وحدة المتكال العاملة خلف الخطوط أسفرت عن اتفاق مع زعيم جبهة التبو عيسى عبدالمجيد على دعمه تسليحيا وتدريب أفراد وأعضاء جبهة التبو تدريبا عسكريا على حرب العصابات والحرب الكلاسيكية فى قواعد تابعة للمؤسسة فى منطقة البحيرات العظمى فى الكونغو برازافيل وفى جنوب السودان، ودعم الجبهة فى صراعها من أجل السيطرة على منطقة سبها التى تضم آبارًا للنفط فى شرقى وجنوب ليبيا والمحاذية لتشاد وكذلك للسودان، وقد تعهد زعيم التبو عيسى عبد المجيد بأن يمنح الشركة امتيازات لاستغلال النفط فى المنطقة بعد الاستقلال وإقامة دولة التبو على غرار ما فعلته مع دولة جنوب السودان.
وأضاف الزوى أنه يتزامن مع هذا التدخل الإسرائيلى لدعم ما يسمى بجبهة تحرير التبو وكذلك مشروعها التقسيمى مع اهتمام إسرائيلى غير مسبوق بتقسيم ليبيا إلى ثلاث دول سواء من قبل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أو مراكز البحوث التى أنيط بها مهمة إعداد المشاريع والدراسات الأمنية والأكاديمية لتقسيم دول المغرب العربى، ومنها ما تقوم به الدكتورة يهوديت رونين التى تدير فرع ليبيا فى مركز ديان لأبحاث الشرق الأوسط وإفريقيا لا تدع أسبوعًا يمر دون أن تعد دراسة أو تنظم ندوة أو تجرى مقابلات تؤكد جميعها على تقسيم ليبيا وبأن دولة التبو مقبلة لا محالة مثلما قدمت دولة جنوب السودان.