الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

وزارة الثقافة.. الإدارة بالفوضى

وزارة الثقافة.. الإدارة بالفوضى
وزارة الثقافة.. الإدارة بالفوضى




كتب: د.حسام عطا

إذا اتفقت معى من حيث المبدأ إن ما تردد كثيرًا حول أزمة الإبداع الثقافى، الفنى والأدبى والنقدى فى مؤسسات وزارة الثقافة المصرية طوال السنوات العشر الماضية يمكن صياغة متنه وشوارده فى سؤال يعترف بوجود الأزمة لكنه يسأل هل هى أزمة إدارة أم أزمة إبداع؟
ومع وجود وزير جديد للثقافة هو د. عبد الواحد النبوى والذى عاصر أثناء عمله بدار الوثائق وزارات عدة منذ وزارة فاروق حسنى حتى وزارة د. جابر عصفور، وعاصر طرح السؤال عددًا من المرات صريحًا ومتحولا ومتأثرًا بأحوال ما قبل 25 وبالتدفق الثورى فى 25 يناير و30 يونيو وما بعدها، أما الآن ومصر تعود لصياغات العمل المؤسسى فى إطار استعادة الدولة وإعادة ترتيبها نحو بناء دولة ديمقراطية حديثة، فطرح السؤال الذى يعترف بأن الأزمة قائمة مرة أخرى ليس نوعًا من التكرار كما أنه لا يحمل الوزير مسئوليتها، لأنها أزمة تراكمية وذات طبيعة بنائية وتم تطويرها وتدعيم أركانها عبر أجيال من العمل الثقافى وجوهرها تبادل الاتهام حول أسبابها فالإداريون يرونها إبداعية، والمبدعون يرونها أزمة إدارة بينما هى فى حقيقة الأمر أزمة فى علاقتهما معًا وأزمة لدى كل طرف على حدة.
فالإبداع يحتاج إلى صبر وزهد ووقت وجهد وانكفاء على تطوير المهارات، ولا توجد سياقات موضوعية مشجعة على ذلك وحدوثه يتم عبر عدد من الأفراد الفاعلين المتميزين الذين تصبح معرفتهم الحبيسة المعطلة فى معظم الوقت سببًا لتوترهم وعذاباتهم لوجود مسافة كبيرة بينها وبين تحققها على أرض الواقع.
الإبداع وأهله فى مصر يحتاج إلى تطوير، ويحتاج إلى كسر المسافة النفسية وبينه وبين الجمهور العام لخلق رصيد جماهيرى يدعم الإبداع ويساهم فى تحسين الحركة العامة للثقافة اليومية وقدرة الناس على تفسير الحياة، أما إدارة الشأن الثقافى والإبداعى فهى التى تحتاج لحل جذرى ولاعتراف مؤسسى بأن هناك أزمة يجب حلها لأن إصلاح الإدارة الثقافية سيسهم بالتأكيد فى إصلاح وتدعيم المهارات والطاقات الإبداعية، والمشكلة الأساسية فى إدارة المؤسسات الثقافية ليست فى القوانين والإجراءات التى نسميها بيروقراطية، فتلك الحزمة من الإجراءات الطويلة حمت كثيرًا من فساد أكبر وحفظت حقوقًا كادت تندثر لعدد من المبدعين الجدد، لكن المشكلة فى إدارة تلك الحزمة من الإجراءات، فالمؤسسة يمكن أن تنتهى منها وهى بصدد إنتاج عمل فنى فى أيام، وبشكل منضبط وقانونى وشفاف ويمكن أن تنجزها فى أشهر كنوع من إدارة السأم والاستخدام التآمرى للإجراءات واللوائح والقوانين ضد العملية الإبداعية.
 المشكلة إذن هى غياب مساءلة القيادات الثقافية وانفصال المسئولية إلى وحدات صغيرة متناثرة، ولذلك فإعادة تحديد المسئولية لدى القيادة المسئولة ضرورة، حتى تحاسب قياداتها الأصغر فى الترتيب الوظيفى، لأن الإدارة عبر السأم البيروقراطى هو إيذاء للإبداع يستخدم القانون، بل ويحصل على شرعية من وجوده، هذا أولا؛ أما ثانيًا وهى آفة إدارية واضحة فى المؤسسات الثقافية، تقوم بالأساس على شخصنة المؤسسات ونسبتها لأسماء بعينها تختزل القدرة على الإنجاز وهى مايمكن تسميته الإدارة بالفوضى وهى إدارة تتعمد عدم وجود خطة عمل واضحة محددة بالأيام، وعدم وجود مسئوليات محددة لأشخاص اعتباريين، وازدواج الاختصاص، وصناعة الصراعات الصغيرة، وإفراغ العمل الثقافى من مضمونه وعزله عن جمهوره المستهدف وإشاعة حالة من الأداء التربصى والسخرية من المبدعين والقراءة الشريرة لما يقولون ويفعلون ويكتبون عبر التفسير التآمرى، وخلق المعوقات عبر الاستخدام الردىء للقانون وتفسيره ضد حيوية العمل الثقافى الذى هو حر ويحتاج لبيئة حاضنة للإبداع لا لبيئة إدارة السأم البيروقراطى.
 المشكلة الحقيقية فى أزمة الإدارة الثقافية هى تلك الإدارة بالفوضى رغم مظهرها النظامى القانونى، المشكلة ليست فى اللوائح والقوانين المنظمة، المشكلة فى استخدامها الردىء المطمئن لغياب المساءلة من القيادات العليا، والمستند لفكرة الارتكان لغياب العقاب والثواب، وغياب الجهة التى يمكن أن تشكو إليها معاناتك دون أن تنتظر السنوات الطوال كى تحصل على حقك، فيتحول صاحب الحق إلى شخص تحت التعذيب، ويضيع عمله الإبداعى فى النيابة الإدارية وما إلى ذلك، المساءلة وإنجاز وحل المشكلات فى العمل الإبداعى يحتاج لوحدة متابعة ذكية من الوزير ومن معاونيه لكل أزمة تحدث، يحتاج لإنجاز مؤسسى يضبط المؤسسات، ينقذ الإبداع المصرى من إدارة السأم القانونى ومن التفسير العقابى للقانون، ومن غياب الثواب والعقاب، ومن كل مظاهر الإدارة بالفوضى التى تعانيها مؤسساتنا الثقافية.
المطلوب هو التطبيق الموضوعى الاحترافى للقانون الذى يحترم الوقت وحيوية العمل الإبداعى، وكثير من الفهم للإداريين للدور والقيمة الثقافية، وإثابتهم على خلق البيئة الخاصة للإبداع لأن غياب التقدير للنجاح أكثر ضررًا من غياب العقاب على صناعة البيئة المضادة للإبداع والعاشقة المستمتعة بصناعة الفشل الثقافى.
فهل يفعلها وزير الثقافة الجديد أعتقد أنه يقدر، وأنه يجب مساندته مؤسسيًا ومجتمعيًا إن خاض حربًا حقيقية ضد أصل الفساد ألا وهو الإدارة بالفوضى.