الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

زواج «الفيديو كونفرانس» يشعل حرب الفتاوى بين العلماء

زواج «الفيديو كونفرانس» يشعل حرب الفتاوى بين العلماء
زواج «الفيديو كونفرانس» يشعل حرب الفتاوى بين العلماء




تحقيق ـ محمود ضاحى


قضية الزواج عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى على وجه التحديد تفتح باباً من الشر والفتنة، بل والصراع أيضا بين الفقهاء ورجال الدين، حيث حرم فريق من الفقهاء الزواج عبر الإنترنت، وآخر رأوه وسيلة عصرية اقتضتها طبيعة وتطورات العصر وانتشار وسائل الاتصال الحديثة، وأن تلك العلاقة جائزة وفق عدد من الضوابط والشروط الشرعية.
علاوة على أن الفيديو كونفرانس الذى يستخدمه المسئولون والرؤساء فى مخاطبة بعض الفئات حال صعوبة الوصول إليهم لظرف ما، سهل لهم لقاءات كثيرة، لكن لهذه التكنولوجيا فى الشرع حدود وعلامات استفهام كثيرة، حيث يتساءل الكثير: هل يجوز شرعا عقد القران عبر الفيديو كونفرانس بين شاب وفتا حال سفر الشاب؟ بحيث تكون العروس فى مكان والعريس فى مكان آخر والمأذون فى مكان ثالث، وما حدود الشرع فى ذلك؟ خاصة بعد أن تلفحنا التكنولوجيا بأشياء جديدة تضع علماء الدين أمام فتاوى جديدة فى أمور الدين تناسب العصر فيما يخص الجانب الشرعى والدنيوى للمسلمين.
 حيرة بين العلماء
علماء الفقه وقعوا فى حيرة فى التعامل مع الفتوى الحديثة، البعض اعتبرها مخالفة للشرع نتيجة لما ينقصها من شروط عقد الزواج من ولى وشهود وغيره، والبعض الآخر يجيز الزواج عبر الفيديو كونفرانس إذا كان هناك توثيق، وثالث وصف الفتوى بالمحيّرة ذات الشبهات الكثيرة فقلق البعض من إبداء الرأى فيها، وآخر أرجع إلى أن التعامل معها مبكراً سيكون مستغرباً لكنها ستصير أمراً حقيقياً مع مرور الوقت.
مؤخرا أطلقت دعوات من قبل تنظيم «منشقى القاعدة» الإرهابى المعروف بـ «داعش»، عبر مواقعهم الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعى، وجهوها إلى الفتيات للزواج من عناصر متطرفة بالتنظيم عن طريق «الفيديو كونفرانس» تمهيدًا لسفرهم إلى مناطق تواجد التنظيم الإرهابى.
فى البداية يقول الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقة المقارن بجامعة الأزهر الشريف، إن الإنسان لا بد أن يعيش عصره فى التكنولوجيا والتطور، والانتفاع بالحضارة التى يحصن بها الإسلام وما وصل إليه من معمار وطائرات وتكنولوجيا لم يكن متوقعًا من قبل، مشيراً إلى أن سائر أهل الأرض لهم بطاقة مدنية فيها أسماؤهم وحالاتهم الاجتماعية أعزب أم متزوج توثق حال الشخص. وأضاف الهلالى فى تصريحات خاصة أنه لا يجوز أن يعيش الإنسان فى الماضى وعليه أن يعيش عصره، وتوثيق الزواج صار أمراً معروفاً عند أهل الأرض جميعاً لضمان حقوق الزوجية ولرفض البلطجة من قبل أحد الزوجين التى قد تحدث بعد الزواج فيمن يسىء التعامل مع الآخر حال انتهاء العلاقات الزوجية لأنها تؤدى لضمان حقوق الزوجين.. وأوضح الهلالى أن الزواج الذى لم يوثق من حق الفقهاء ألا يعترفوا به، والبعض الآخر لهم آراؤهم، ولا أمنع حق الفقهاء من الاعتراض على شىء يرونه صحيحًا لأنها وجهات نظر فقهية والأصل بقاء المختلف، مشيراً إلى أن الجواز عبر الفيديوهات الالكترونية يجوز إذا كان هناك توكيل رسمى لوالد العروس أو لأخيها، خاصة أنه يجوز التوكيل فى الزواج والطلاق مع المشاهدة الإلكترونية.
يتصل بمبدأ الرضا
دار الإفتاء المصرية برئاسة الدكتور شوقى علام، قالت فى فتوى لها إن الزواج لا ينعقد بطريق الفيديو كونفرانس، لما يكتنفه الكثير من أوجه العيوب التى يتعيب بها العقد مما يتصل بمبدأ الرضا على وجهه الحقيقى الذى دلت عليه نصوص الشرع، فضلا عن حضور الشهود ومعاينتهم لكل مقومات العقد.
وأوضحت الدار فى أحدث فتاواها أن لعقد الزواج الصحيح شروطًا يجب أن تتوافر عند عقده، والأصل فى عقد الزواج أنه يتم بالصورة المعتادة من حضور طرفى العقد أو من يُوكَّل عنهما، وإجراء الصيغة فى حضور شاهدين فى مجلس واحد، لقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «لا نكاح إلا بولى وشاهدى عدل، وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل».
وشددت فتوى دار الإفتاء على أنه لا يعتد كذلك بما يحصل من مشاهدة الصور مع الصوت-والذى صار أمرًا ممكنًا- سواء عن طريق الهواتف أو عبر برامج المحادثة عبر شبكة المعلومات الدولية «الانترنت» ويتحقق به ما اشترطه الشافعية؛ لأن تحقق هذا الأمر قائم على الظن وليس أمرًا قطعيًا، كما أنه قد يدخله التزييف والتدليس عبر البرامج المختلفة التى تسطيع التغيير والتحريف فى الأصوات والصور والفيديو، والقاعدة الفقهية تقول: «يحتاط فى الفروج ما لا يحتاط فى غيرها، فلا يجوز لنا أن نُحِلَّ شيئًا منها بالظن»، وذلك سدًا للذرائع، وما قد يحدث من مفاسد جراء إباحة هذا الأمر. وحذرت دار الإفتاء فى فتواها الفتيات من الاستجابة لتلك الدعوات المخالفة للشريعة، والتى ستجر عليهم الكثير من الويلات، وتدخلهم دائرة التطرف عبر زواج غير شرعى لا يرضاه الله ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
شروط صحة الزواج
ويشترط لصحة الزواج خمسة شروط الأول: تعيين الزوجين، فلا يصح للولى أن يقول: زوجتك بنتى وله بنات غيرها، بل لابد من تمييز كل من الزوج والزوجة باسمه كفاطمة، أو صفته التى لا يشاركه فيها غيره من إخوانه، كقوله: الكبرى أو الصغرى،  الثانى: رضا الزوجين، الثالث: وجود الولى، لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بولى» رواه أحمد وأبو داود وللحديث: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل» رواه أحمد وأبو داود وصححه السيوطى والألبانى، وأحق الأولياء بتزويج المرأة أبوها ثم جدها ثم ابنها، فالأخ الشقيق فالأخ لأب، ثم الأقرب فالأقرب، على تفصيل معروف عند الفقهاء ومنهم من قدم ابنها البالغ على أبيها.. والرابع: الشهادة عليه لحديث عمران بن حصين مرفوعا: «لا نكاح إلا بولى وشاهدى عدل» رواه ابن حبان والبيهقى وصححه الذهبي، والأخير: خلو الزوجين من موانع النكاح، بأن لا يكون بالزوجين أو بأحدهما ما يمنع من التزويج، من نسب أو سبب كرضاع ومصاهرة أو اختلاف دين بأن يكون مسلماً وهى وثنية، أو كونها مسلمة وهو غير مسلم أو فى عدة، أو أحدهما محرماً، ويستثنى من الاختلاف فى الدين جواز زواج المسلم بالكتابية بشرط أن تكون عفيفة. الداعية الأزهرى الشيخ عبدالناصر بليح، قال لعقد الزواج الصحيح شروطا يجب أن تتوافر عند عقده، والأصل فى عقد الزواج أنه يتم بالصورة المعتادة من حضور طرفى العقد أو من يوكل عنهما، وإجراء الصيغة فى حضور شاهدين فى مجلس واحد، لقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «لا نكاح إلا بولى وشاهدى عدل، وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل».
وثيقة من المحكمة
وأوضح أن الإمام النووى قال فى كتابه «منهاج الطالبين» الزواج لا يصح إلا «بحضرة شاهدين، وشرطهما حرية، وذكورة، وعدالة، وسمع، وبصر»، وعلق الشيخ الخطيب الشربينى فى الشرح على قوله «وبصر»: «لأن الأقوال لا تثبت إلا بالمعاينة والسماع». وأشار إلى أنه قد يدخله التزييف والتدليس عبر البرامج المختلفة التى تستطيع التغيير والتحريف فى الأصوات والصور والفيديو، والقاعدة الفقهية تقول «يحتاط فى الفروج ما لا يحتاط فى غيرها، فلا يجوز لنا أن نحل شيئا منها بالظن»، وذلك سدا للذرائع، وما قد يحدث من مفاسد جراء إباحة هذا الأمر، لكن يجوز أن يرسل توكيل رسمى لأحد أقاربه أن يكون وليا عنه ويتولى عقد الزواج بالوكالة وهذا جائز فإذا تم النكاح بولى وشهود وإيجاب وقبول مع خلو الزوجين من الموانع فقد صح النكاح، منوها إلى أن عقد التوكيل بالهاتف صحيح كما قال ذلك جمع من العلماء، وقررته المجامع الفقهية، لكن يلزم شهادة لإخراج وثيقة الزواج من المحكمة.
يقول عمرو عبد المنعم، الباحث فى سيسولوجية الفتوى إن القواعد المقررة فى شريعتنا أن «الضرورات تبيح المحظورات»، وقد دل على هذه القاعدة أدلة كثيرة، من الكتاب، والسنَّة، منها قوله تعالى: «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ».
وأضاف عبدالمنعم أن علاقة علم الاجتماع الدينى بالفتوى وتطور الدعاة فى مسائل الدعوة إلى الله وتأثيرها سواء حكم الزواج أو الطلاق بالتلغراف أو التليفون أو الانترنت والفيديو كونفرانس ليكون المأذون فى مكان والزوج فى مكان والزوجة فى مكان آخر يرتبط بفقه الواقع.
تواكب تطورات العصر
وأشار إلى أن حديثه عن الزواج عبر الفيديو كونفرانس علميا وليس فقهياً، متسائلاً: هل يقبل المجتمع هذا الأمر بما يواكب التطورات التى تواكب العصر، لافتا إلى أنه عند الحديث حول الزواج عبر الفيديو كونفرانس لا بد أن يتوافر فيهم قواعد الإشهار والقبول والرفض والإعلان والتوثيق.
وأوضح الباحث فى سيسولوجية الفتوى أنه بظهور الوسائل الحديثة ظهرت فتاوى معها مثل قراءة القرآن فى الميكروفون وتعامل معها الشرع وأجازها، كما أن التلغراف فى بدايته كان أمر مستغرب وبعدها وجد الحل والقبول فى التلغراف، وأصبح الطلاق بالتلغراف واقع، مشيرا إلى أن الوسائل الحديثة تدرس علم سيسيولوجى الفتوى ودراسة تأثيراتها لأن هناك ما لايقل عن 350 فتوى تخرج يومياً أمام العالم الإسلامى سوء من دار الإفتاء أم العلماء المتخصصون.
وتابع: لا أميل إلى فكرة مؤسسية الفتوى لكن لابد أن يكون مصدر الفتوى عالماً بصرف النظر عن أنه منتمى لمؤسسات ويكون مجازاً بالطرق المعروفة وشيوخ الدين يعرفونه ومعروف بالتقوى والورع ولا ينتمى لأى من الجماعات.
الدكتور مختار مرزوق، عميد كلية أصول الدين بأسيوط، قال إن الزواج عبر الفيديو كونفرانس مسأله فيها لخبطة واختلاف كبير لا أستطيع أن أفتى فيها، موضحاً أن للزواج شروط منها وجود الزوجين مع بعض بالإضافة إلى الشهود.
الميثاق الغليظ
وأضاف عميد أصول الدين بأسيوط فى تصريحات خاصة أن الزواج عبر الانترنت أو شبكات التواصل الاجتماعى غالباً ما ينتهى بكوارث، مشيراً إلى أن عقد الزواج يتطلب حضور الزوج والزوجة والولى والشهود على العقد، منوهاً إلى أنه المعروف فى الشرع والأضمن للزواج الناجح.. وأوضح أن خلاف القواعد الرسمية للزواج الصحيح فيه شبهه، واصفا عقد النكاح بالميثاق الغليظ هو عين الوصف الذى وصف الله به الميثاق الذى أخذه من النبيين، قال تعالى: «وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ» وليس أبلغ من التعبير القرآنى العظيم فى وصف علاقة الزوجية بكونها الميثاق الغليظ، وبما تعنيه الكلمة القرآنية من بلاغة وروعة من العهد والقوة والتأكيد الشديد لأهمية الحفاظ عليه والوفاء به.
وتابع: الميثاق الغليظ يقتضى حسن المعاشرة بين الزوجين، وأن تقوم حياتهما على الصدق والوفاء لا على الخيانة والكذب، وعلى الحب والتفاهم لا على الأنانية والخداع، مشيرا إلى أن عقد الزواج من العقود المهمة فى الإسلام ولأهميته فإن الحق سبحانه وتعالى لم يصف عقداً من العقود بما وصف به عقد الزواج فقد وصفه بأنه الميثاق الغليظ.
أما الدكتور جمال فاروق، عميد كلية الدعوة الإسلامية بالأزهر الشريف، رفض الحديث فى هذه الفتوى أيضاً نظراً لحداثتها والشبهات التى تدار حولها، لافتا إلى أن دار الإفتاء عليها إصدار فتوى مخصصة للزواج عبر الفيديو كونفرانس لبيان صحته أم خطأه للناس لأنها الجهة الوحيدة المختصة لهذا الأمر ومسألة فيها تخبط كثير.