السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

العنف «الفردى العشوائى» يتحول لتنظيمات دموية لإقامة الخلافة على «جثث» الأبرياء

العنف «الفردى العشوائى» يتحول لتنظيمات دموية لإقامة الخلافة على «جثث» الأبرياء
العنف «الفردى العشوائى» يتحول لتنظيمات دموية لإقامة الخلافة على «جثث» الأبرياء




تحقيق ـ نسرين عبد الرحيم

تشهد شوارع مختلف المحافظات منذ عام 2005 حالات عنف وتفجيرات فردية غير مسبوقة، وبإمعان النظر تكتشف أنها ناتجة عن خلايا صغيرة أو أفراد، تلجأ إلى العنف كوسيلة لتحقيق هدف ما أو ربما فقط لإضفاء نوع من إرضاء النفس، وقد تكون دوافعهم اقتصادية أو اجتماعية أو حتى دينية نابعة من فهم سطحى للعقيدة، هؤلاء يصبحون فيما بعد روافد للتنظيمات الكبيرة، ينتمون إليها بمحض إرادتهم ويسهل استقطابهم، ويكون تتبعهم أو ملاحقتهم أمنيا أمرا عسيرا لأنهم عصابات عنقودية.


جيل العنف الفردى
أكد عدد من الباحثين السياسيين أن هؤلاء هم الجيل الثالث من أجيال الجماعات الإسلامية «جيل العنف الفردى» والذى مازالنا نعيشه حتى الآن، حيث أصبحنا نفاجأ بأفراد يعلنون انتماءهم إلى تنظيم داعش المتطرف، منهم «إسلام يكن».
قال الدكتور لواء حسين حمودة، الخبير الأمنى الاستراتيجى، أن هناك ثلاثة أجيال من العنف عرفتها الحركات الإسلامية، ونحن الآن نعد فى مرحلة الجيل الثالث، الذى يسمى «العنف الفردى العشوائى»، منوها إلى أن العالم يعيش مرحلة الجيل الرابع من الحروب التى تؤدى إلى تفكيك الدولة من الداخل دون الحاجة إلى معارك عسكرية، وذلك من خلال استغلال الجيل الثالث للجماعات الإسلامية.
وأوضح حمودة أن الجيل الأول «الجماعات المسلحة»، انتهج العنف المسلح، وظهر فى مصر بقوة فى سبعينيات القرن الماضى، وكان منقسما إلى جماعتين كبيرتين، هما الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد المصرية، وكان يخوض المعارك المحلية وليس الدولية أو العالمية بهدف إسقاط النظام المصرى لأنه لا يطبق الشريعة من وجهة نظرهم، وكان يستند إلى معلومات فقهية مغلوطة تبرر العنف المسلح بهدف إقامة نظام إسلامى، فضلا عن أنه كان يكفر الحاكم وبعض أركان النظام من الشرطة والجيش، وبالتوازى كان هناك جيل شبيه له بالجزائر، لكن لم يحقق هذا الجيل أهدافه، ولم يستطع إسقاط الأنظمة، بل أكسبها تعاطفا أكثر من خصومها بسبب أفعال العنف وسفك الدماء، وقام بمراجعات فقهية على المستويين الفكر والتنظيم فى مصر والجزائر، وحل التنظيم السرى المسلح له، وأصبحوا يشاركون فى الحياة السياسية.
العالمية لقتال اليهود والنصارى
ولفت إلى أن الجيل الثانى «جيل العنف المعولم أو الدولى» لا يحمل طابعاً دولياً وليس محليا، مثل تنظيم القاعدة الذى غير مفهوم العدو من مفهوم العدو القريب وهم الحكام، إلى مفهوم العدو البعيد وهم أمريكا والغرب، وقد ظهر العنف المسلح من خلال القاعدة ومجموعات أخرى مثل «الجبهة العالمية لقتال اليهود والنصارى»، وهو أول تنظيم فى العالم يقاتل بسبب الجنسية.
وتابع: انضم أيمن الظواهرى إلى أسامة بن لادن والقاعدة 1998، بعد أن انهى الإسلاميون فى أفغانستان تحالفهم مع أمريكا والغرب، كذلك خططت القاعدة لنشر أفكارها الإرهابية أو ما يسمى بالإرهاب المعولم أو الدولى، حيث أنشئت القاعدة الأم فى أفغانستان وباكستان، وأقامت لها أفرع مختلفة مثل تنظيم القاعدة فى جزيرة العرب، وداعش بالعراق وسوريا وجبهة النصرة، والقاعدة فى بلاد المغرب العربى التى أنشأها أبومصعب الزرقاوى وغيره.
تفجيرات عشوائية
وعن الجيل الثالث قال حمودة إنه جيل «العنف الفردى»، وبرز تزامنا مع عام 2005 فى مصر، عندما قام المهندس بشندى بتفجير نفسه فى منطقة الحسين المكتظة بالأجانب، وأيضا تفجير بوسطن حيث قام شابان شقيقان من الشيشان بتفجير ماراثون رياضى بمتفجرات محلية الصنع.
وأشار إلى أن ذلك الجيل يتميز بأنه ليس له أية روابط تنظيمية بجماعات كبيرة، يقتبص أفكاره وآراءه أحيانا وطرق التفجير من شبكة الإنترنت، لديه سطحية خطيرة فى الفكر والرأى والاعتقاد والمسائل الفقهية، يلقب بـ«جهاد العملية الواحدة»، وهى أشبه بمستشفى اليوم الواحد فى الطب، يسميه البعض جيل العنف الفردى والعشوائى، ويلجأ إلى العنف ليس لقلب النظام أو تغييره لكن لانسداد الأفق السياسى أو الاقتصادى أو الاجتماعى وغياب الأمل من قلبه وفكره، علاوة على أن ليس له تاريخ ولا فكر ولا أسلوب محدد فى عملياته المسلحة.
منضمون لتنظم داعش
وتابع: أهم الأمثلة على هذا العنف مجموعات «مولوتوف» لضرب الشرطة، و«ولع» لإشعال النار فى سيارات الأمن المركزى، و«خلية الرحاب» التى قتلت المقدم محمد مبروك، مشيرا إلى أنه من الغريب عندما نتأمل جيل العنف المسلح، نجد أن هناك أشخاصا لم ينتموا إلى جماعات إسلامية ولم يعانوا فقرًا ولم تكن لهم ميول عدوانية واضحة، لكنهم تطوعوا من تلقاء أنفسهم للانضمام إلى داعش مثل «إسلام يكن»، الذى تخرج من مدرسة أجنبية مختلطة، وأيضا الحكم محمد الغندور المنضم لـ«داعش».
وقال محمد حميدة، باحث فى الحركات الإسلامية، إن الفقر والبطالة أساس نشأة العنف، حيث كان لتردى مستوى الفكر وتدنى الخطاب الدينى وغياب دور الأزهر، وأيضا استخدام الحلول الأمنية فقط الذى يضاعف من الحالة النفسية والكراهية للمجتمع والدولة من قبل تلك العناصر.
فيما أكد الباحث السياسى باسم راشد، أن العنف الفردى ليس فعلا فى حد ذاته بقدر ما هو انعكاس لأوضاع اجتماعية وسياسية وأمنية مختلفة، مشيرا إلى أن العنف الفردى العشوائى ينتشر بشكل أكبر فى المجتمعات التى تمر بمراحل انتقالية تؤثر على طبيعة تركيبتها الأمنية وقدرتها على السيطرة على المساحات الشاسعة من المجتمع، وقد صاحب موجات الربيع العربى بزوغ تلك النزعة بشكل أعمق، وبدأت تظهر مجتمعات مصغرة تتخذ من العنف سلوكًا أساسيا للتعبير عن مطالبها أو لمحاولة الظهور الإعلامى.
طريقة وزياً مواحداً
يذكر أن تلك المجتمعات الصغيرة تتخذ فى بعض الأحيان وزيا وطريقة موحدة لهم فى التعبير عن أنفسهم، ولا يعرف أحد مصادر تمويلها، وتخفت تدريجيا بمرور الوقت كلما كانت أهدافها خاوية وتنظيمها غير متماسك، ومثالها «البلاك بلوك» التى ظهرت بعد 25 يناير، وبدأت تنتشر بسرعة إلا أنها اختفت الآن.
ولفت راشد إلى أن هناك العديد من العوامل تساهم فى انتشار تلك الظاهرة، منها على سبيل المثال حالة الفراغ الأمنى، والخطاب الإعلامى المُحرِّض، وعدم وجود خطاب دينى عقلانى متزن يُجرِّم تلك الأفعال، إلى جانب ضعف الوعى الجمعى للمواطنين والرغبة فى الظهور والخروج من حالة الكبت المجتمعى ومحاولة أخذ الحقوق الفردية بالعنف دون القانون، الذى يعتبره هؤلاء الأفراد لا يحقق العدل بل يُرسِّخ للباطل، كل ذلك يؤهل أن يكون مادة خاما جيدة لاستقطاب تلك الحالات فى التنظيمات المتطرفة.
وألمح: ومع تغير المشهد السياسى العام فى منطقة الشرق الأوسط فى ضوء بروز تحدى الإرهاب بشكل أكبر مع تنامى تنظيم «داعش»، دفع البعض من الذين يشعرون بأنهم ُمعرضون للظلم والاضطهاد وراغبو الانتقام من المجتمعات إلى الانضمام له، وأصبح سرطانًا يسرى فى أوصالها فى ظل غياب استراتيجية إقليمية ودولية لمواجهته بجدية.
رفع درجة العقوبة
ويرى راشد أنه على الحكومات التى ترغب فى تقويض العنف الفردى داخل مجتمعاتها، أن تبحث جيدا فى الأسباب التى تدفع الأفراد لانتهاج العنف من الأساس، ووضع استراتيجية أمنية من خلال تفعيل القوانين الكفيلة بمعاقبة كل من يحاول ترويع المواطنين أو هدم المؤسسات والمنشآت الحكومية، ورفع درجة العقوبة لأقصى درجة ممكنة، علاوة على اشتراك مختلف مؤسسات الدولة الدينية والإعلامية لتوجيه خطاب إعلامى محايد غير مُحرِّض على العنف.
وأكد الدكتور رفعت لقوشة، أن سبب وجود تلك المجموعات هو تفكك سوق العمل، وانتشار الفقر على رقعة واسعة فى المجتمع، فضلا عن أن بعض الأفراد يستخدمون الأزمات التى تمر بها الدولة فى بعض الأحيان فى إثارة العنف والتحريض، بل ويرى الكثير منهم أنه على الدولة أن تمنحهم إعانات بطالة، مشيرا إلى أن بعضهم يشكلون عصابات لسرقة الإكسسورات الخاصة بالسيارات، وآخر فى جرائم النصب والاحتيال.
ونوه إلى أن تلك الجماعات والأشخاص يمكن استغلالهم فى القيام بأعمال البلطجة والعنف البدنى، بمعنى استغلالهم من قبل الأشخاص الذين لهم انتماءات وأهداف سياسية، وهؤلاء الأشخاص لا يظهرون سوى فى أزمات الدول وفترات العمل السياسى، لأنهم تحولوا إلى مجموعات قادرة على أن تقوم بتأجير نفسها للغير وفى الوقت نفسه لأنها مجموعات صغيرة تبدو آمنة من المطاردة، وسهلة فى الحركة والتنقل.
وتابع: تجد فى هذه المجموعات العصابية شرائح من الطبقة الوسطى وبعضهم حاصل على قدر من التعليم، فى إطار حركتهم تتعدد انشطتهم، فمن الممكن أن تشارك فى شراء السلاح الخفيف، أو توظيفها فى عمليات غسيل الأموال وزرع القنابل، وبالتالى دورة انتشارها قد تزداد لكنها تظل مجموعة واحدة صغيرة، لذلك لم تضم محترفين لكونهم من أصحاب الدخول المناسبة، وإنما تلعب على الشريحة الفقيرة من العمال لاستغلال حالاتهم المادية المنعدمة وتسخيرهم فى تنفيذ عملياتهم. وأضاف: تبرز تلك الظاهرة فى العملية السياسية بكثافة أكثر فى الانتخابات المحلية مع التشكيلات العصابية، ويحصلون على امتيازات معينة فى مناطقهم وليس لهم ولاءات إلا لمن يدفع لهم، وتلك الظاهرة منتشرة منذ القدم فى أمريكا اللاتينية، وكانت تسمى مجموعة عصابات الشارع، أى أن الظاهرة لاتينية، وتظهر فى البرازيل والولايات المتحدة الأمريكية، مشيرا إلى أن الأمر قد ينتهى فى المحليات إلى أن يحكموا الشوارع الداخلية، وعلاوة على أن تلك الجماعات لا تهتم بالقضايا الدينية أو السياسية، وليس لهم فكر، وكل ما يهمهم هو الأجر الإضافى، مستنكرا من أن أمريكا اللاتينية استخدمتهم فى حركة تداول المخدرات بدول مثل كولومبيا.
ذهاب بلا عودة
وأكد لقوشة أن تنظيمات الإسلام السياسى أو الإرهاب تستقطب بعضا من تلك الأفراد، علاوة على أن عملية الاستقطاب تتطلب الدفع بامتيازات تدفع الشخص لنقطة ذهاب بلا عودة، فى نفس الوقت الشخص المستقطب من الممكن أن يدير الأفراد الآخرين داخل المجموعات العصابية دون أن يكون هؤلاء الأفراد على وعى بالعلاقة التى تربط هذا الشخص بتلك التنظيمات، لأن التنظيم نفسه لا يظهر اسمه نهائيا للمجموعات الأخرى داخل المجموعة العصابية، وبالتالى إذا وقع واحد منهم لن يدل على اسم التنظيم وأقصى ما يستطيعون أن يدلون  به الشخص الذى اتفقوا معه، والذى يقوم التنظيم بدوره بتهريبه أو قتله وفى تلك الحالتين التنظيم فى أمان. وأوضح أن أمريكا استعملتهم كأدوات لتجارة المخدرات والمجموعات المسلحة فى بعض ما يسمى التجمعات العصابية الكبيرة فى التنظيمات المتطرفة، مشيرا إلى أن تلك الجماعات يكون لديهم خبرات فى أعمال السمسرة، وذلك لخبرتهم فى النصب والاحتيال، منوها إلى أن هؤلاء الأفراد يبحثون عن أجر إضافى وعدد ساعات عمل أقل، مطالبا بمنظومة اقتصادية واجتماعية تستهدف رفع إنتاجية العمل والعامل.