الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عباس شومان: 60 ألف إمام.. وفضائية بـ«7» لغات لمواجهة التكفيريين

عباس شومان: 60 ألف إمام.. وفضائية  بـ«7» لغات لمواجهة التكفيريين
عباس شومان: 60 ألف إمام.. وفضائية بـ«7» لغات لمواجهة التكفيريين




حوار - محمود ضاحى
يحمل الأزهر الشريف على عاتقه أعباء كثيرة فى فترة تشهد فيها مصر والأمة العربية والإسلامية جماعات إرهابية تذبح وتقتل وتنشر أفكارا متطرفة باسم الدين الإسلامى، حيث إن المشكلة الحقيقية هى أن الأفكار والآراء الخاطئة التى ينسبها أصحابها إلى الإسلام افتراء عليه، لوجود انحرافات فى الفهم أو لأغراض سياسية، شوهت الإسلام أمام انظار العالم.
وذكر الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهرالشريف، فى حوار خاص، أن دور المسجد حاضر لم يغب من خلال علماء الأزهر المنتشرين فى كل مكان، مشيراً إلى أن مواجهة الأفكار الضالة تكون بالرأى والحجة، منوهًا إلى أن الأزهر سينشئ فضائية بسبع لغات لتجديد الخطاب الدينى قريبا.. وإلى تفاصيل الحوار..
■ بداية.. لماذا غاب الناس عن المساجد؟
ــ لا أعتقد أن دور المساجد قد غاب، بل الصحيح أن طبيعة الحياة قد تغيرت بما تقوم به مؤسسات أخرى تؤدى واجبها فى خدمة الدين ونشره والتعريف به، فالتغييرات التى شهدها العالم مع ثورة الاتصال أتاحت للعلماء والدعاة فرصة لتأسيس مواقع لهم تضم مؤلفاتهم وآراءهم واجتهاداتهم العلمية والشرعية، وهناك قنوات خاصة على اليوتيوب، كما أن الوصول إلى البرامج الدينية المسجلة فى كل القنوات أصبح ميسرًا ومتاحًا، والفضائيات تصل إلى كل ركن وبقعة، علاوة على أن من كانوا يؤدون دورهم من خلال المسجد هم العلماء والدعاة، وهؤلاء ظلوا يؤدون واجبهم، لكن من خلال أدوات أخرى أيسر وأكثر وصولًا إلى فئات كثيرة من الناس وفى أى وقت من اليوم، بالإضافة إلى أن بحث الشخص عن اجابة عبر شبكة الإنترنت أصبح سهلا، بل ومن الممكن الاطلاع على آراء عشرات الفقهاء، لكن يبقى المسجد هو المكان الذى انطلقوا منه.
■ نرى أن الإعلام بات هو رجل الدين.. لماذا؟
ــ الإعلام ليس خصمًا للمساجد، ولم ينتقص من دوره، فالأولى أن نقول إن كلا منهما يُكمل الآخر، ويدعمه ويعززه، ونحن نعلم أن دور الإعلام يزيد بصورة كبيرة، ويؤثر فى كل نواحى الحياة وأنشطتها، وليس غريبًا أن يركز الإعلام على الجانب الدينى بحكم حاجة الناس إليه، والمهم أن تُستقى المعرفة الدينية من مصدرها الصحيح، وأن يقوم بإيصالها علماء وخبراء ومتخصصون يقدرون موقعهم حق قدرهم، ويتسلحون من أجله بما يلزم من علم دينى ودنيوى، وألا تُترك للأهواء أو لمن لم ينالوا نصيباً من هذا العلم كما هو قائم فى بعض الحالات الآن.
■ إذن هل هناك خطة لرجوع المسجد كمؤسسة دينية وفكرية وتعليمية؟
ــ الخطط مستمرة والمسجد دوره كبير ومؤثر فى حياة المسلمين جميعهم، ويظل دوره التثقيفى والتربوى والفكرى مستمرًا، فالعلم فى رحاب المسجد أبعادٌ روحانيةٌ تضفى عليه مهابة وجلالاً وتأثيراً، وتجعله أقوى وأعمق موقعاً فى النفوس، ودروس العلم وحلقاته فى المساجد مستمرة، ولها روادها ومريدوها الذين يجدون فى تلقى العلم بها طمأنينة خاصة تميزها عما سواها من وسائل تحصيل العلم الشرعى واستقاء المعرفة الدينية.
■ كيف تواجهون الأفكار التى تتعارض مع فكر الأزهر الشريف؟
ــ الأزهر مؤسسة تقبل الاختلاف ولا تنكره، والآراء التى تختلف مع رأى الأزهر لا مشكلة فيها ما دامت ترتكز إلى أصل شرعى صحيح، والمبدأ الثابت للأزهر هو «وجادلهم بالتى هى أحسن»، والمشكلة الحقيقية هى الأفكار والآراء التى ينسبها أصحابها إلى الإسلام افتراء عليه، لانحراف فى الفهم أو لأغراض سياسية ننزه الدين الحنيف عنها، وقد خسر الإسلام والمسلمون الكثير بسبب هذه الأفكار التى شوهت الإسلام أمام انظار العالم على النحو الذى نراه، والأزهر يواجه هذه الأفكار الضالة بالرأى والحجة، ويبين علماؤه وشيوخه بالدليل الشرعى انحرافها عن جادة الصواب، ويساعدنا على ذلك ما للأزهر من مصداقية ومكانة لدى المسلمين داخل مصر وخارجها، وما راكم من تراث فقهى وشرعى سمته الاعتدال والتوسط، وروابطنا وعلاقاتنا مع المؤسسات الدعوية والشرعية فى مختلف أنحاء العالم العربى والإسلامى.
■ ما خطواتكم تجاه القنوات المتطرفة ومواجهة فوضى الفتاوى؟
ـــ مواجهة خطر وفوضى الفتاوى ليست مهمة الأزهر وحده، بل ومهمة المجتمع بأسره، وللأمر جوانب قانونية تتعلق بضوابط السماح بالبث والتشريعات ذات الصلة، وله جوانب إعلامية تتعلق بأخلاقيات مهنة الإعلام ومواثيق الشرف التى يجرى الحديث عنها الآن، ولها جوانب سياسية تتعلق بالجهات التى تقف خلف هذه القنوات وتدعمها وتحرضها لتحقيق أهداف خاصة، وهذه يتم التعامل معها سياسياً، وعلى الأزهر تقديم الرأى والحجة والبرهان على منابر المساجد، ومن خلال مواقع علمائه ووجودهم على وسائل الاتصال الحديثة وفى الإعلام الاجتماعى للتوعية بخطر فوضى الفتاوى والقنوات الدينية الزائفة، وهناك جهود مشتركة يبذلها الأزهر بالتعاون مع الأوقاف ودار الافتاء لمواجهة الخطر من خلال شرح الموقف الشرعى الصحيح إزاء مختلف قضايا المجتمع، كما أن التنسيق يمتد مع علماء الدين والفقهاء والدعاة والمؤسسات الدينية فى الدول العربية والإسلامية، إلى جانب دور المواطن الذى يجب أن يتجنب مثل هذه القنوات، ويبحث عن الفتوى من مصدرها الشرعى «دار الافتاء».
■ البعض يشكك فى الأزهر ويعتبرونه تابعا للسلطة.. ما ردك؟
ــ الأزهر مؤسسة مستقلة من مؤسسات الدولة ولها سلطات حددها القانون والدستور، ولا يٌسمح بحال من الأحوال بالافتئات على هذه الحقوق والسلطات، علاوة على أن الأزهر مشهود له على مدار تاريخه بمواقفه الوطنية، فقد كان حاضنًا للثورات الشعبية المصرية فى مواجهة الظلم والاستعمار، وهذه الاتهامات بالتبعية للسلطة مصدرها سياسى محض، ويُطلقها من يكرهون من الأزهر موقفه فى الانحياز إلى جانب الشعب المصرى خلال ثورة 30 يونيو وما بعدها، وكان موقف الأزهر هذا نابعًا من تقديره الدقيق لمصلحة مصر، وليس لمصلحة السلطة، ولو كان الأزهر تابعًا للسلطة لجارى حكم الإخوان المسلمين وآراءهم على اعتبار أنها كانت بأيديهم، وهو حين اختار جانب الشعب ومصلحة الأمة فى 30 يونيو كان يتحدى السلطة، فى وقت لم يكن أحد يعلم فيه كيف ستنتهى الأمور.
■ ماذا عن تجديد الخطاب الدينى؟
ــ الأزهر آمن على مدار تاريخه العريق بالتجديد والتطوير فى إطار الحفاظ على الثوابت والقيم الأصيلة للدين الإسلامى، ومهمة تجديده لا تقع على عاتق الأزهر وحده، لكنها مسئولية مشتركة للعديد من مؤسسات الدولة الثقافية والتعليمية والإعلامية، بالإضافة أن الأزهر يسعى جاهدا لتجهيز وإطلاق قناة فضائية بـ7 لغات لتجديد الخطاب الدينى وشرح وسطية الإسلام، ومن أبرز لغات البث «العربية ـ الإنجليزية ـ الفرنسية ـ الإسبانية ـ الروسية ـ الأوردية» وعدد من اللغات الإفريقية، إلى جانب عقد صالونات ثقافية ودورات تدريبية للخطباء، وتدشين دورات دينية لإعداد الكوادر المناسبة التى تعتلى المنابر.
■ حدثنى عن مبادرة «الأزهر يجمعنا»؟
ـــ مبادرة الأزهر يجمعنا أطلقها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، تستهدف الوصول إلى 4 آلاف مركز شباب على مستوى الجمهورية لتوعية وتثقيف الطلاب فى المراحل العمرية المختلفة، وذلك بالتنسيق مع وزارة الشباب والرياضة، بحيث تُعقد ندوات يومية فى مراكز الشباب وتجمعاتهم فى جميع أنحاء الجمهورية، فى حين شكلت جامعة الأزهر لجانًا علمية لمراقبة البحوث والمؤلفات والرسائل العلمية للتأكد من خلوها من عبارات الغلو والتشدد، وقامت الجامعة أيضًا بوضع برنامج لإطلاق القوافل الدعوية التى تجوب البلاد شرقًا وغربًا لإرساء ثقافة الوسطية والاعتدال وفضح التطرف والإرهاب.
■ شكاوى عديدة من مدرسين المعاهد الأزهرية بخصوص المكافآت ومساواتهم بالتربية والتعليم.. ماذا فعلتم؟
ـــ نحن فى الأزهر الشريف نعمل وفقًا لقوانين العمل المتعارف عليها، وقد صدر مرسوم بقانون رقم 51 لسنة 2011 من المجلس الأعلى للقوات المسلحة وتضمن فى مادته الحادية عشرة أنه «اعتبارا من 1/7/2011 تزداد الحوافز المقررة للعاملين المدنيين بالوزارات بحيث لا يقل  جملة ما يتقاضاه كل منهم من مكافآت دورية أو سنوية أو حوافز أو مقابل عن جهود غير عادية أو بدلات أو غير ذلك عن 200% من الراتب الأساسى ولا يدخل فى حساب تلك الزيادة كل من مكافآت جذب العمالة وبدل التفرغ وبدل الإقامة فى المناطق النائية وبدل ظروف ومخاطر الوظيفة»، وعلى ذلك تم منح العاملين النسبة المتممة لـ 200% بعد الأخذ فى الاعتبار نسبة 83.33% قيمة ما يخص الشهر منسوبًا إلى الراتب الأساسى من مكافآت امتحانات النقل التى تصرف على دفعتين سنويا، ونظرًا لعدم ظهور نسبة 83.33% ضمن مفردات الراتب الشهرى، ما ترتب عليه إصدار أحكام قضائية لصالح بعض العاملين تقضى بمنحهم النسبة المكملة لنسبة 200% وما يترتب على ذلك من تحميل الموازنة بمبالغ كبيرة، فقد تم إثبات هذه النسبة إلى الراتب الشهرى فى 17/2/2014 وقد لاقت استحسان الغالبية العظمى من العاملين لإحداثها زيادة شهرية ملموسة برواتبهم.
■ ماذا ينقص الأزهر لاستعادة دوره؟
ــ الأزهر لم يفقد دوره لكى نتحدث عن استعادته، لكن من الممكن الحديث عن تفعيل الدور أو تطويره، وهو الأمر الذى يمكن القول إن مؤسسات الدولة جميعها بحاجة إليه، خاصة مع ما شهدته السنوات الأخيرة من تقلبات وتغييرات، ومن وجهة نظرى فقد كان أداء الأزهر خلال هذه الفترة على المستوى المطلوب منه، ودوره الدينى والسياسى والاجتماعى كان من عوامل قوة مصر وقدرتها على التغلب على التحديات، ولا يغيب عن المسئولين فى الأزهر أن مؤسسات التعليم المختلفة كالمعاهد الأزهرية وجامعة الأزهر، تحتاج إلى كثير من الجهد والإصلاح، وهو ما نعمل من أجله، كما أن هناك ضرورة لتطوير العمل الدعوى وإعادة النظر فى بعض الممارسات وأساليب العمل التى تمكن الخطاب الدينى من التطوير الذى أوضحه الرئيس السيسى، والعمل جار فى كل هذه المجالات، وربما يؤلمنا الهجوم الذى يتعرض له الأزهر، ومحاولات الهدم والتشويه التى تنطلق من أكثر من اتجاه، دون تقديم أى حلول أو اقتراحات، ونعتبر ذلك من المعوقات التى تواجهنا، ولكن ردنا سيكون بمزيد من العمل.
■ ما أكثر التشكيك فى السنة والأحاديث النبوية.. كيف تواجهون ذلك؟
ــ هذا التشكيك ليس بجديد فى التاريخ الإسلامى، والحجج والادعاءات ذاتها تتكرر منذ قرون، ودارسو العلوم الدينية يعرفون ذلك، ونحن فى الأزهر على يقين من أن الحملات المغرضة لن تنال بأى شكل من الأشكال من السنة النبوية المطهرة وعلمائها، فهذا ما تعلمنا إياه من خلال دروس التاريخ وعبره، والأزهر يواجه هذه المحاولات بإظهار الدليل الشرعى على فساد دعاواها وبطلان تخرصاتها، دون انزلاق إلى الصدامات الجوفاء، لأنه يعلم جيدًا من يقفون وراءها، وإننا لا نخشى على دين الله وشرعه هذه الأضاليل التى لم تُفد من أطلقوها من قبل، لكن مثل هذه الافتراءات تزيد من خطر الصدام الاجتماعى، وتهيئ الأرض للتطرف المضاد باستفزازها مشاعر مئات الملايين من المسلمين فى العالم، ومصر الآن تحتاج إلى من يقدرون مسئولية الكلمة، ويتجنبون خلق مصادر جديدة للاختلاف والفرقة والبلبلة، ولعل من يثيرون هذه الزوابع الفارغة يثوبون إلى رشدهم ويراجعون ضميرهم الوطنى الذى يُفترض أن يكون موجوداً حتى عند غير المتدينين وغير المقتنعين بالدين أصلاً.
■ ماذا عن التعاون بين الأزهر والأوقاف ضد الفكر التكفيرى؟
ــ التعاون بين الأزهر والأوقاف مستمر ولم يتوقف يومًا، وأُذكر هنا تصريحات وزير الأوقاف بأن هناك أكثر من 60 ألف إمام من أئمة الأوقاف ضمن جنود الأزهر الشريف فى تنفيذ خطته لمواجهة الفكر التكفيرى الذى يحاول أن يغزو مصر.
■ ما كواليس دعوة الأزهر مرجعيات شيعية عراقية رغم تصريح مفتى العراق فى المؤتمر الدولى للإرهاب بأن هناك إبادة من الشيعة ضد السنة؟
ــ منهج الأزهر دائمًا هو التقريب بين المذاهب الإسلامية، ودعم كل الخطوات فى هذا الاتجاه، وليس من الإنصاف وضع الشيعة كلهم فى تصنيف واحد، والأزهر لم يتوان يومًا عن استنكار أى جرائم بحق سنة العراق أو سب صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم، لكن هناك مساحة مشتركة واسعة يجب استثمارها ومنع التطرف على الجانبين من الاستشراء والتمدد، وإيقاف التطاحن الذى لا يحمل للأوطان وللشعوب وللأمة الإسلامية إلا الخراب والدمار والفتن العمياء.