الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«المعلمون» يغتصبون براءة الأطفال على فراش «التربية والتعليم»

«المعلمون» يغتصبون براءة الأطفال على فراش «التربية والتعليم»
«المعلمون» يغتصبون براءة الأطفال على فراش «التربية والتعليم»




 تحقيق ـ دنيا نصر
حوادث بالجملة ليل نهار داخل أسوار مدارسنا فى جميع المحافظات، دون سائل ولا مسئول، فى القليوبية تعدى مدرس علوم على تلميذة بالضرب أثناء طابور الصباح، وأحدث آخر سجحات لتلميذة تحدثت مع زميلتها بالمنيا، وثالث يكسر ذراع تلميذ فى سوهاج، إلى جانب حلق شعر طالبة لعدم ارتدائها الحجاب، ومدرس يفقع عين طالب تحدث أثناء الحصة، وطالب يقتل زميله لخلافهما على قلم رصاص، فضلا عن إشهار الأسلحة البيضاء التى تودى بحياة أبرياء، يوميًا نسمع أحداث تشيب لها الرءوس وحدث ولا حرج، وكأننا فى غابة وليس المقر الآمن للطلاب الذين أصبحوا ضحية لمعلمين وأنفسهم فى آن وأحد وتناسوا أنهم فى مؤسسة  تربوية.
والمتابع فى الفترة الأخير يجد أن ظاهرة العنف الجسدى والمعنوى ارتفعت إلى غاية تنبئ بكارثة، فضلاً عن استخدام وسائل غير منصوص عليها فى قوانين أو لوائح، كالضرب بالأيدى أو بأدوات على الوجه أو الركل بالأرجل أو الدفع والخنق والحرق، وتوجد أنواع أخرى من العنف النفسى مثل الإهانة والذل والسخرية من التلاميذ، ونعتهم بصفات مؤذية وسيئة، إلى جانب القساوة فى التخاطب معهم، وانتقادهم باستمرار أمام الجميع، علاوة على عدم احترامهم وتقدير جهودهم داخل الفصول الدراسية.
يقول بيتر مجدى، أحد أولياء الأمور إن ابنه تعرض من قبل للعنف داخل مدرسته، حيث صفعه أحد المعلمين على وجهه وتسبب له فى قطع بالأذن اليمنى، مشيرا إلى أنه عندما تقدم بالشكوى إلى مدير المدرسة كان رده: «المدرس مالهوش ذنب فى قطع ودن ابنك»، منوها إلى أن إدارة المدرسة لم تتكرم بعقاب المدرس على فعلته الشنعاء.

العشوائية والفوضى والعنف
وتشير هيام نجم، إلى أن حالة المدارس يرثى لها، وأصبحت دائما فى اضطرابات عنيفة واستهتار يصدر من بعض المعلمين، لافتة إلى أن المدرسة التابعة لها ابنتها بها جو من العشوائية والفوضى والعنف، معلنة عن قلقها إزاء تلك الظواهر السيئة التى تؤثر على المستوى العلمى للطلاب، ناهيك عن أن ابنتها تعرضت من قبل إلى عنف جسدى شديد من قبل إحدى المعلمات تسبب فى كسر ذراعها اليسرى، مشيرة إلى أن المدرسة هددت ابنتها بـ»إن لم تلبسى الحجاب هقطعلك دراعك»، وبالفعل كررت المدرسة فعلتها فى اليوم الثانى، قائلة إن هناك بعض الطلاب والطالبات تحدث لهم عاهة مستديمة جراء العنف الجسدى المتبع من بعض المعلمين الفاشلين غير المبالين بأساليب القيادة والتربية.
وتضيف سعدية محمد، إن ابنها شهد واقعة بمدرسته مؤخرا كانت بين أحد الطلاب بالأسلحة البيضاء التى كانت نتيجتها مصرع الاثنين على أيدى بعضها البعض، مشيرة إلى أن مدير المدرسة اكتفى بالرد «المدرسة ملهاش دعوة بالخناقات التافهة دى وكل واحد ياخد حقه بأيديه»، ناهيك عن أن استخدام العنف من قبل المعلمين يعتبر عاملاً أساسيًا فى انتشار الأسلحة وتحويل التلاميذ من طلاب إلى عناصر إجرامية وبلطجة، وأن هذا الجو المشحون بالعنف والفوضى والعشوائية سوف يولد طلابًا لديهم اضطرابات نفسية وربما خلل عقلى يصعب السيطرة عليه، مطالبة محب محمود الرافعي، وزير التربية والتعليم، بإعادة النظر فى تلك الظواهر وإعادة هيكلتها والتخلى عن كل العناصر التى يرتكب بها أعمال عنف.

التعذيب لمجرد الخطأ
ويوضح الحاج طارق حلمى، ولى أمر أحد التلاميذ، أن هذه  الظاهرة انتشرت وبكثافة كبيرة فى المدارس التى أصبحت كابوسا يهدد الأبناء، قائلا: «عيالنا بيتقتلوا كل يوم وانتوا ساكتين، وملقن العلم أصبح سفاحًا يقتل ويتجبر على أطفال فى عمر الزهور ليس لهم أى ذنب فى ظل غياب الرقابة المدرسية والاهمال والتسيب»، مشيرا إلى أن تعليم الطالب بالمدرسة لا يعنى قتله او تعذيبه لمجرد الخطأ، فالمدرسة هى تقويم لسلوكياتهم وتربيتهم، لافتا إلى أن ابنه اختلف مع زميله على قلم فطعنه الثانى بمطواة فى «بطنه» أدخلته غيبوبة لم يفق منها حتى الآن.
وتقول سميحة شريف، مديرة مدرسة، إن منشآتها التعليمية تعانى دائما من اهمال وعدم نظام وأساليب بلطجة من قبل بعض المدرسين والطلاب وصلت إلى درجة أن مدرس تعدى على تلميذ بالضرب المبرح وأقام له حفل تعذيب أودت بحياته لمجرد أنه نسى الواجب المدرسى، ما جعلتها تقدم استقالتها وتمكث فى المنزل لتذكرها مشهد التعذيب دائما، مضيفة أن أولياء الأمور يستغيثون دائمًا «ولادنا بيخافوا من المدرسة»، مشيرة إلى أنها قدمت عددًا من الشكاوى لوزارة التربية والتعليم، لكن كان ردها «دى مش مشكلتنا دى مشكلة المدرسة والطلاب واللى مش عاجبوا ميوديش ابنه مدرسة ويقعدوا فى البيت».

الأب الروحى للطلاب
وينوه أحمد أبو المجد، مدرس، إلى أن تعداد حوادث الطرق لا يتخطى الحوادث التى تشهدها مدارس التربية والتعليم يوميا، والتى يدفع الثمن فيها «الطالب» الذى لا حول له ولا قوة، فأصبح المدرس الآن يضرب ويعذب ويقتل ويهين ويذل ويعتدى ويغتصب، رغم أنه بمثابة الأب الروحى والمثل الأعلى للطالب داخل المدرسة، مستنكرا الإهمال الذى دب بجذور المدارس واستشرى بها حيث تجد أسلاك الكهرباء والكابلات معراة، والأسوار والبوابات مهدمة، التى كانت آخرها سقوط بوابة مدرسة على رأس طفل والتى اودت بحياته على الفور.
وتابع: هناك حالة من اللا مبالاة وانعدام ضمير وتفريط فى الأمانة وعدم تحمل المسئولية، مشددا على وجود وحدة أو لجنة «غرفة» بكل مدرسة لإدارة الأزمات والكوارث بها، يشرف عليها مدير المدرسة أو مدير الإدارة التعليمية، إلى جانب إقامة مجلس أمناء آباء ومعلمين لتجنب الصدمات التى تحدث دائما بين المعلمين والطلاب.
ويقول محمد على، معلم، إنه يواجه يوميا عدد من المشاجرات والصراعات التى تحدث دائما بين الطلاب خاصة أن مدارس البنين هى «الحمل الكبير»، مشيرا إلى أنه تعرض لحادث سرقة من قبل بعض الطلبة، حيث اقتحم عليه مكتبه و«ثبته» وأخذ الموبايل والنقود، واصفًا تلك الحوادث بأنها أصبحت «سبوبة» لبعض الطلبة الفاشلين، فضلا عن أن ما يحدث على المستوى التعليمى للطلاب ما هو إلا إهمال وتجاهل من قبل الوزارة التى هى الأم والأب لجميع المتواجدين داخل سور المدرسة والمسئول الأول والأخير عنها، مؤكدا أن ما يحدث من قبل الطلاب والمعلمين وقتلهم لبعضهم هو «حرب».

الوزارة تعترف بالعقاب
ويلفت هانى كمال، المتحدث الرسمى باسم وزارة التربية والتعليم السابق، إلى أن الحوادث التى تحدث فى المدارس ليست ذنب المعلمين وإنما هى تقصير من الأمن المدرسى، مشيرا إلى أن كثافة الطلاب فى فصول المدارس كبيرة خاصة الحكومية وبالتالى من الصعب أن تراقبهم طوال اليوم، الأمر الذى يعكس بدوره وجود اشتباكات واحتكاكات بين الطلبة، موضحا أنه بالنسبة لشروط الأمان داخل المدرسة فهى متوافرة بشكل جيد وكبير، مؤكدا أن هناك العديد من الطلاب المشاغبين الذين يصنعون الخلاف والمشكلات بينهم وتصل بهم فى النهاية الى مصرع أحدهم.
ويشير إلى أن الضرب فى المدارس شىء ضرورى، شريطة ألا يتخطى الحدود الواجبة، أو تفوق أضراره فوائده، بالاضافة إلى أن هناك مشرفًا خاصًا بكل مدرسة مهمته حماية الطالب والمدرس فى نفس الوقت من أى خلاف قد يحدث بينهما، منوها إلى أن هناك بعض الطلاب يشجعون على اختلاق المشاكل والصراعات والخلافات التى تحدث بين الطالب والآخر حتى يكون هو الأقوى بالمدرسة تحت مسمى «دنجوان المدرسة»، نافيا إهمال أو انعدام الضمير بوزارة التربية والتعليم، قائلا: «ما هى إلا حبة اختلاقات».

تتسبب فى اكتئاب نفسى
ويقول ثروت اسحاق، أستاذ الطب النفسى بجامعة عين شمس، إن المدارس بدأت فى مرحلة الإهمال من قبل معلميها وطلابها، وهناك بلطجة فى تقديم المادة العلمية للطالب من قبل المعلمين، منوها إلى أن تلك الظاهرة لا بد أن تكون قضية رأى عام يعاقب عليها من يرتكبوها ضد الطلاب الأبرياء، وبالإضافة إلى أن تلك الأحداث ينتج عنها اكتئاب وعدم الذهاب إلى المدارس نتيجة الرعب والخوف الذى تم زرعه وتلقوه بديلا عن المعلومات الدراسية، منوها إلى أن الثقة اختفت من قبل أولياء الأمور تجاه المدارس.
وتوضح سوسن فايد، أستاذ الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن الاحصاءات تشير إلى أن هناك أكثر من 40 حالة وفاة فى المدارس خلال العامين الماضيين وما زالت فى ازدياد مستمر، وليس هناك رد فعل من قبل المسئولين حتى، فدائما نسمع أن هناك عنفًا بداخل المدارس ولكننا لم نكن نتوقع أنه يصل إلى القتل والتعذيب والحرق والكسر وغيره، مشيرة إلى أن وزارة التربية والتعليم مسئوليتها سياسية وجنائية، ولا بد من تكثيف الزيارات الميدانية المفاجئة لمراقبة المدارس والطلاب ووضع أسس واستراتيجيات يجب السير عليها بشكل نظامى، وعدم الانحياز إلى اللا مركزية التى تطبقها اغلب المدارس.

العنف اللا إرادى
وتابعت: مسئولية الحوادث المدرسية يتحملها أولاً المحافظون ومديرو  المدارس المسئولون والمدرسون الذين عليهم العائق الأكبر، مضيفة أن الأحداث السياسية والاجتماعية التى شهدتها مصر خلال الفترة الماضية أثرت سلبا بشكل كبير على المدارس التى اصبح بها الطالب «يبجح» فى معلمه الذى هو من المفترض أن يكون القدوة الحسنة له ومثله الأعلى فاصبح هناك عنف بين الطالب والمدرس والذى تكون نتيجته ضحية من الاثنين، حيث يعتبر الطالب نفسه فى حرب وعليه أن ينتصر، حينها يستخدم كل ما لذ وطاب من جميع وسائل الانتقام والعنف، خاصة بعد ثورة 25 يناير التى جعلت الطلاب إلى حد كبير يتملكه العنف النفسى والمعنوى والجسدى أيضا، علاوة على أنهم وصلوا إلى حد «العنف اللا إرادى».
ويشير محمد سلامة، أستاذ الدراسات النفسية بمعهد الدراسات العليا للطفولة بجامعة عين شمس، إلى أن وزارة التربية والتعليم «محلك سر ولا تجدى نفعا»، فضلا عن أن هناك عددًا كبيرًا من المدارس يحدث بها حالات وفاة نتيجة التعذيب والضرب والتهديد لم يلتفت إليها الإعلام فى ظل حالة التكتيم والتعتيم من قبل المسئولين، مضيفا أنه بالرغم من تغيير الوزراء والذى كان منهم وزير التربية والتعليم إلا أن الحوادث المدرسية ثابتة لن يتحرك لها ساكن، حيث كان فى عهده مقتل الطالب إسلام شريف، بالصف الخامس الابتدائى الذى راح ضحية الضرب المبرح من قبل مدرسه الذى ضربه بالعصا على وجهه أودت بحياته على الفور، مطالبا بأخذ خطوات جادة وصارمة ضد كل من تسول له نفسه القيام بتلك الأفعال التى ترفضها الوزارة التى هى فى الأساس تسمى «التربية ثم التعليم».