الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«مقابر الصحابة» فى العراء لا يسترها إلا بعض الاقمشة «القذرة»

«مقابر الصحابة» فى العراء لا يسترها إلا بعض الاقمشة «القذرة»
«مقابر الصحابة» فى العراء لا يسترها إلا بعض الاقمشة «القذرة»




تحقيق – محمود ضاحى

 أصحاب رسول الله هم أفضل هذه الأمة وأبرها، وأغزرهم علما، وأقواهم إيمانا، اختارهم الله لصحبة نبيه ونصرته ومعاونته على نشر رسالته، فالله اصطفى قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من بين قلوب العباد وبعثه برسالته واصطفى قلوب الصحابة، فجعلهم وزراء لنبيه، يقاتلون معه ويمنعون عنه ما يمنعون منه انفسهم، شاركوا مع النبى فى كل غزواته، وبعد وفاة المصطفى صلى الله عليه وسلم لم تتوقف دعوتهم لنشر الاسلام بل انطلقت خيولهم فى كل الانحاء تقاتل فى سبيل الله، بعضهم رزقه الله الشهادة وآخرون كتب لهم النصر.


فى عهد الخليفة عمر بن الخطاب «رضى الله عنه» فتح الله مصر على يد المسلمين ودخلوها تحت قيادة عمرو بن العاص وتحت لوائه الكثير من آل  البيت والصحابة، بعضهم عاد إلى المدينة وآخرون طاب لهم العيش فيها إلى أن توفاهم الله ليدفنوا بها لتصبح بعدها مصر أرض الأنبياء والصحابة وآل بيت رسول الله.
ومنذ الفتح الإسلامى لمصر تشهد مقابر آل البيت وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الكثير من الاهتمام من كل  الحكام الذين تولوا إمارة مصر، لكن الآن تغير الوضع، وأصبحت تعانى من القمامة فالكثير منها تحول الى ما يشبه «مقالب القمامة» كما توجد أضرحة لبعض الصحابة وسط الصحراء ولا يوجد ما يحميها غير بعض الأقمشة تستر الضريح، يأتى كل هذا فى وقت يغض المسئولون طرفهم وكأن تلك المقامات لا تعنى لهم شيئًا.
فى مركز بنى مزار بمحافظة المنيا، تقع «البهنسا» التى يحوى ترابها اجساد الكثير من الصحابة والتابعين حتى اطلق عليها «بقيع مصر»، نزل بها 5 آلاف صحابى و10 آلاف تابعى ومايقارب 1400 من حملة الرايات والجنود عند فتح مصر، وتحوى القرية آثارا مهمة منها المسجد «المعلق» ومسجد «عبد الحى بن زين العابدين» وزاويتى «أبى السعود» و«القاضى على الجمام» ومدرسة وسبيل «القاضى عبدالرحمن بن الشريف».
وحمام يرجع للعصر الفاطمى وقبة «حسن الأنور» وقبر «جعفر بن عقيل» .
كما يوجد بها العديد من الاضرحة مثل ضريح «الحسن الصالح» و«عبيدة بن عبادة ابن الصامت» و«الأمير زياد» وأضرحة خمسة من الصحابة «البدريين» ممن شاركوا الرسول عليه الصلاة والسلام فى غزوة بدر الكبرى.
وفى السياق أكد أهالى «البهنسا  انه لا يوجد شبر فيها إلا وجرت فيه  دماء الصحابة، كما يوجد بها عدد المقامات الشريفة بها أكثر مما يوجد فى مصر كلها، ومن أشهرها «مقام محمد بن أبى ذر الغفارى»، و«مقام عبدالرحمن بن أبى بكر» ومجموعة من أبناء عمومة رسول الله مثل الفضل بن العباس، وأبناء عقيل، وجعفر بن أبى طالب، وعبدالله بن عمر بن الخطاب وابان حفيد عثمان بن عفان، والفارسة خولة بنت الأزور التى نزلت فيها سورة «المجادلة» ومقام وخلوة «أبى سمرة» حفيد الحسين بن على بن أبى طالب والذى يعتقد الناس عن خلوته أن من بات فيها وكان مريضا شفى بإذن الله وأيضا قبر ومسجد «الحسن الصالح» من أحفاد الحسين.
وفى السياق ذاته أشار المؤرخ الإسلامى سمير الحفناوى إلى أن «البهنسا» يوجد بها مقام عبدالله بن عمرو بن العاص أمير الجيوش على مصر، وأخيه محمد وخالد بن الوليد وابنه سليمان وقيس بن هبيرة المرادى والمقداد بن الأسود الكندى وميسرة بن مسروق العبسى والزبير بن العوام الأسدى وابنه عبدالله ويحيى بن الحسن البصرى ومحمد بن أبى ذر الغفارى، كما أنه مدفون بها سبعين صحابياً ممن شهدوا غزوة بدر التى يطلق عليهم «البدريون».
فى بداية الرحلة داخل «بقيع مصر»  هذا المكان الطيب  الذى يحوى ترابه عظام أصحاب النبى فبمجرد الدخول من باب المقابر تفاجأ برفات وعظام أحد الصحابة  مدفون فى  الأرض ولا يحميها سوى غطاء قذر، لتنظر بعدها يميناً ويسارًا لترى قبورًا عديدة  تضم آلاف  من الصحابة والتابعين.
وفى مقام الصحابى عبادة بن الصامت تجد القمامة، كما ان جدرانه توشك على الانهيار، وبها شروخ وفتحات كبيرة وبدأت أجزاء منها فى التساقط، كما تعانى قباب الأمير زياد ومحمد الأنصارى ويحيى البصرى ومحمد الخرسى وخولة بنت الأزور ومحمد بن عقبة وعبد الله التكرورى والحسن بن صالح من الشروخ بفعل عوامل التعرية.
ورصدت كاميرا «روزاليوسف» عملية حرق قمامة وأوراق الشجر فى مدخل قبة البدريين الخمسة بجوار مقام عبادة بن الصامت.
أما مقام «سيدى التكرورى»، أحد أمراء المغاربة الذين غادروا بلادهم ليعيشوا فى «البهنسا» بين الصحابة والتابعين، حيث توفى بها ولقب بالتكرورى اللقب الذى يطلقه العرب على كل من يأتى إليهم من بلاد المغرب، حتى إن زيارته تعد طقسا مهما عند الأهالى قبل الحج إلى بيت الله الحرام، فالقمامة تحيط به من كل جانب بالإضافة إنه معرض للانهيار.
أما المكان الوحيد الذى حظى باهتمام هيئة الآثار وتم تجديده وإقامة حرم حوله هو مقام سيدى على الجمام قاضى قضاة البهنسا، ورغم ذلك تجد به زجاجات فارغة ومخلفات.
واضاف الدكتور صلاح عبدالله أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر أن واحدا من أهم الموالد فى القرية مولد سيدى محمد أبو العودين نسبة لصحابى جليل حارب مع الرسول فى فتح الحديبية، وسمى بـ«العودين» لأنه كان يحارب بذراعيه الاثنين، ومن أشهر المقامات التى تتمتع بقدسية فى البهنسا مقام سيدى على الجمام قاضى القضاة.
وقال الدكتور كمال الدين عبدالحميد الأستاذ بطب المنيا إن الحسن بن صالح بن زين العابدين بن على رضى الله عنه له مسجد من أكبر المساجد التى توجد فى مصر ويعتبر أقدم من الجامع الأزهر نفسه، مضيفا أن «البهنسا» تحتاج إلى كلية دراسات عربية وإسلامية تخدم هذا المكان الأثرى وتعمل على توثيق تاريخه الذى أوشك على الانهيار بسبب تجاهل المسئولين، مشيراً إلى أن الأزهر يرفض إقامة هذه الكلية بحجة أنها فى قرية مؤكداً أن «البهنسا» لا تعتبر قرية لأن مساحتها تبلغ عشرات الآلاف من الأفدنة، مشيراً إلى أن مسجد السيدة رقية يحظى مقامه بأهمية كبيرة بين المصريين.
كما أوضح أن مقام الأمير محمد الخرسى يوشك على الانهيار بسبب وجود فتحات كبيرة فى جدرانه، مشيراً إلى أن المنطقة زارها 1200 طالب من طلاب الأزهر من ماليزيا وأندونيسيا و 15 دولة أخرى.
 وقال كريم الرفاعى المتحدث باسم الطريقة الرفاعية إن الإشراف على الأضرحة والمقامات يكون تابعًا لوزارة الآثار، وناشد الرفاعى ممدوح الدماطى وزير الآثار والأجهزة المعنية بمحافظة المنيا بالاهتمام بأضرحة أصحاب رسول الله صلى الله علية وسلم.
وأشار إلى أنه ليست «البهنسا» فقط هى المهمشة لكن هناك آلاف الأضرحة لا تجد من يرعاها أو يهتم بها ويجعلها مزارًا دينيًا  يستفاد منه اقتصاديا عبر الترويج له كسياحة داخلية للمصريين.
أما محمد عبداللطيف رئيس قطاع الآثار الإسلامية قال: إن الأضرحة التى توجد فى «البهنسا» تتبع قطاع الآثار الإسلامية الوزارة، لكن ليست كل المنطقة تتبعنا، ما يخضع لإشراف الوزارة ما يوجد عليه شواهد تاريخية تدل على أنها مقامات الصحابة وأعمام الرسول.
وأضاف رئيس قطاع الآثار الإسلامية أن منطقة البهنسا أثرية وجزء من تاريخ الفتح الإسلامى لمصر بقيادة عمرو بن العاص، مشيراً إلى أن الوزارة وضعت خطة لترميمها منذ عام وأن المفتش الأثرى سلامة زهران طلب العمل فى هذه المنطقة، منوها إلى أن هناك مشاكل مادية فى  تكليفات ترميم المنطقة.
وأوضح أن الترميم سيكون للمناطق الأكثر خطورة وليس كل مقابر الصحابة رضى الله عنهم، مؤكداً أن الأزهر لا علاقة له بترميم المقامات لكن من المفترض أن يكون هناك معهد دينى لشرح الآثار الموجودة هناك التى تعتبر احد المعالم المهمة للمصريين، منوها إلى أن المنطقة بحجمها تتبع محافظة المنيا، وبعض المناطق الأثرية فقط هى من تتبع  وزارة الآثار.
الدكتور فتحى الحلوانى أستاذ التفسير الموضوعى والدراسات الإسلامية  استشهد بآية قرآنية فى كتاب الله تعالى حيث قال «سنكتب ماقدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه فى إمام مبين صدق الله العظيم  موضحاً  أننا نعيش فى ثلاث حيوات (جمع حياة) الحياة الأولى الحياة الدنيا والحياة الثانية الحياة البرزخية والحياة الثالثة الخلود، موضحاً أن الجامع المشترك فى كل واحدة منهما تختلف عن الأخرى فالحياة الأولى دار ابتلاء بالتكليف تحكمها الحواس التى خصها الله سبحانه وتعالى بالجسد والحواس الخمس، وتتحكم فيها الغرائز وتقودها الروح ثم الحياة الثانية التى انتهت فيها الحواس الجسد وهى حياة البرزخ ولم نعلمها إلا بالسمع، وهى أول مراحل الغيث ونأخذها من القرآن ومن بيان السنة ثم حياة الخلود بعد الحساب لننتهى بأن حياة البرزخ متعلقة بالقبر  فهى محطة التكريم الآدمى للإنسان. وأضاف «الحلوانى» أن الله عز وجل كرم الإنسان وجعل له قبرًا، مشيراً إلى أن من أهان عظماً أو لحماً وهو ميت فكأنما أهانه وهو حى فهو عمل يراعى كراهية الإنسان.
وأوضح أن الله عز وجل أودع فى مصر زمن الفتح العثمانى صحابة جاهدوا على أرضها لا مهاجمين لها وإنما فاتحين غيروا الناس بالسلوك والمعاملة قبل أن يرشدوهم إلى الدين مستشهداً بقوله تعالى «لا إكراه فى الدين» والدليل أن من بقى منهم قبطيا ظل قبطياً إلى يوم الدين.
ومضى يقول: شرف الله صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن جعل قبورهم فى مصر وهذا شرف عظيم للمصريين، مشيراً إلى أن البهنسا سكنها آلاف الصحابة الأمر الذى جعل علماء التاريخ يقدمون هذه المعلومات فى كتب التاريخ نتيجة لما حدث من خلط فى الأمور بين مذاهب الرافدين والجاحدين .
وطالب بأن تكون «البهنسا» مزاراً للسياحة الدينية التى يجب على الدولة أن تهتم بها ليعرف المصريون تاريخ الفتح الإسلامى لمصر لا للدخول فى قضايا أخرى بحل أو حرمة زيارة هذه القبور، كما أن الرسول دعانا للغيرة والعظة لأننا فى حاجة إلى أن نتعلم انطلاقا من قوله عز وجل «وكذلك جعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عندالله أتقاكم»، منوهاً إلى البهنسا تتبع وزارة السياحة وهى مسئولة عنها وتنشيط السياحة الدينية الداخلية فى وقت تشهد السياحة الأجنبية ضعفًا وزيارة تلك المزارات  ومعرفة كنوز صعيد مصر.
وفى اتصال بمجمع البحوث الإسلامية فى الأزهر الشريف لمعرفة دوره تجاه هذه  الآثار رفض الشيخ عبدالعزيز النجار مدير الدعوة بمجمع البحوث الإسلامية  الإدلاء بأى تصريحات حول دور الأزهر ملقياً بالأمر على الدكتور سعيد عامر مدير الفتوى والإدارة العامة بالأزهر الشريف الذى رفض أيضاً الرد.