الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

رغم حادثة «باردو».. جدل التوانسة مستمر!

رغم حادثة «باردو».. جدل التوانسة مستمر!
رغم حادثة «باردو».. جدل التوانسة مستمر!




كتب: وليد طوغان
خلاف فقهى كبير دب فى تونس بعد الاعتداء على متحف باردو. قال رأى إن المتطرفين سرقوا الفقه الإسلامى، وحوروه ومسخوه. ومن الكويت قال مفتى الجمهورية المصرى الدكتور شوقى علام أيضا إن التطرف الإسلامى سرق مفهوم الجهاد أيضا، وحوره.. فحور العقيدة، وسوأ صورة الدين.
لم يبرر أغلب  المشايخ فى تونس الاعتداء على المتاحف، لكن هناك من رأى «من تحت لتحت» أن التماثيل حرام.. والتصوير حرام. هو رأى، فى الواقع،  يصب فى صالح الذين هدموا المتحف على رءوس من فيه، وما فيه من تماثيل وتصاوير باسم الشريعة.
بعض المشايخ، تقوقع. بعضهم يرمى  بالشباب الى التهلكة، ثم يرفع يده.. مشيرا إلى أنه لم يأمر.. بينما هو فى الحقيقة لم ينه أيضا.
لم يحرم الإسلام التماثيل .. ولا التصوير. بعضهم يلجأ إلى رواية السيدة عائشة، عندما دخل عليها النبى فى ثياب به صور مرسومة، يقولون: نهاها.. فخلعت الرداء، وصنعت منه متكئا لكنبة. استدلوا بحرمانية التصوير والرسومات لذلك. بعض أئمة الفقه الاوائل فعلوا الشىء نفسه.. فحرموا الرسم  للحديث، ولأحاديث مشابهة.
لكن الرسول فى حديث التصوير، كما روت السيدة عائشة، اتكأ على ما صنعته من فراش للكنبة. لم يلتفت متشددون إلى ان اتكائه على التصاوير اقرار سكوتى. فقه التشدد يبعث على الضحك.. بأخذ نصف الآية أحيانا .. يقيم الشريعة، دون أن يدرى أحيانا أخرى على طريقة: لا تقربوا الصلاة.
مشايخ اليوم ينقلون التشدد .. اغلبهم يميلون للتضييق، أكثرهم يمسكون بالتطرف فى يد، بينما يتناولون دعوات «إصلاح الخطاب الدينى».. والوسطية باليد الأخرى!
 لا الرسم ضار بالعقيدة، ولا النحت خارج عن الدين . قال ربك «الشعراء يتبعهم الغاوون».. ولم يستقر أهل الفقه على تحريم الشعر. لم يثبت فى الفتوحات الإسلامية ان هدمت جيوش المسلمين التماثيل فى مصر والهند وباكستان وأفغانستان.. ولا حرقوا تماثيل الأسود المجنحة فى العراق.
فقها، حُرمت اصنام مكة، كما حُرمت  اصنام إبراهيم عليه السلام. بينما فى القرآن الكريم ثناء على ما صنعه اتباع النبى سليمان له من تماثيل، ورسومات، وصفها القرآن بـ«النعمة». تقول الآيات الكريمة: «يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات».
الاقرار بتماثيل سليمان النبى ومحاريبه، ارتفع فى اصنام قريش لانهم «يعبدونها من دون الله». الاصح فقها، ان التحريم فى التماثيل وقتى، أو سببى.. لو عبدوه حرمت، ولو نحتوها فنونا.. واتخذوها زينة، فاستمرت عراقة وتاريخ..  رُفع عنها التحريم بالضرورة.
التطرف وأكثر المشايخ يسرقون الفقه، ويسرقون التاريخ أيضا. فى تونس ادت سرقة الفقه إلى سرقة التاريخ، فهدموا المتاحف والمعابد على من فيها. وقبل سنوات، ضربت طالبان تماثيل بوذا الرائعة  فى جبال أفغانستان بالمدافع.  بعد الحادثة، استمر بعض المشايخ على رأيهم فى حرمانية النحت «من تحت لتحت»، من إذا يمكن أن يأخذ فوق ظهره حمل «تعديل الخطاب الدينى» إذا كان منهم، من يطعن من الخلف؟!
كما سرقوا التاريخ، سرقوا مفهوم الجهاد أيضا. لذلك نادى فضيلة المفتى الدكتور شوقى علام من الكويت بضرورة اعادة النظر فى مفهوم الجهاد. كل البلاوى، والتطرف، والجماعات الإرهابية نشأت من مفاهيم مغلوطة عن الجهاد. أبو الأعلى المودودى دعا لجهاد المجتمعات نفسها، وعبدالسلام فرج فى الفريضة الغائبة كفر الجيران، فى الدور الأسفل وفى الدور الأعلى فى عمارتك والعمارة التى تليك.
سنوا إسلاما خاصا، وفقها خاصا.. وتطور الأمر، إلى إخوان، وجماعة إسلامية، وقاعدة وداعش. بالجهاد قتلوا اليتامى، الأبرياء، قالوا إن المجتمعات كافرة، فوقفوا فى الميادين، يقطعون الأيدى والأرجل، ويبثون مقاطعا على يوتيوب، ثم ألبسوا النساء «لانجيرى إسلامى».. لنكاح جهاد محبة فى رسول الله، وسنة رسول الله!
مفهوم الجهاد تعددت صوره فى القرآن.. باختلاف الوقت، واختلاف المقاصد.  فى بداية الدولة الإسلامية الضعيفة،  اعطى النبى عليه الصلاة والسلام المؤلفة قلوبهم سهما من بيت المال. المؤلفة قلوبهم، كانت قبائل صغيرة، حول المدينة لم يدخلوا الإسلام. اعطاهم النبى أموالا لتحيدهم فى حرب كان مأمورا بها مع قريش أولا.. ثم الامبراطوريتين الكبيرتان «الرومان وفارس» ثانيا.
لم يكن مفهوم الجهاد مطلقا، والا كان الأولى بالنبى منع سهم المؤلفة، وقتال تلك القبائل حتى يدخلوا فى دين الله. لحق التطرف بمفهوم الجهاد أيضا، فتطور، وترعرع .. واضيف إليه، إلى ان  انتهى إلى وجوبه .. ووجوب الخلافة . بعدها اصدروا آراءً شرعية فى تكفير المجتمعات.. ولعب الأطفال.. والمياه الغازية.
فى تونس.. الخلاف بين مشايخ الغرف المغلقة على حرمانية الفنون، ومفسدة التماثيل، إشارة إلى أن الأفكار فى رءوس المشايخ.. ليست فى بنادق الجماعات الجهادية.
لو قضيت على أسلحة تطرف «الجماعات الجهادية».. فإن «فيروس أفكار التطرف» نفسه، سيظل باقيًا فى أذهان كثيرا من المشايخ..  إلى يوم يبعثون.