الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

وزير الثقافة والهوى الإخوانى

وزير الثقافة والهوى الإخوانى
وزير الثقافة والهوى الإخوانى




كتب: عاطف بشاى

اختلفت وتعددت الآراء حول وزير الثقافة الجديد «عبد الواحد النبوى».. هل هو إخوانى متنكر فى ثوب مثقف مستنير؟! أم هو أخلاقى محافظ معتدل لا علاقة له بالفنون والآداب لكنه لا يناصبها العداء؟!.. أم هو مجرد موظف إدارى برتبة وزير ليست له رؤية أيديولوجية للثفافة؟!.. وهل تعليمه الأزهرى يعنى أنه متشدد يكره الثقافة والمثقفين أم أن خلفيته الدراسية لا علاقة لها بتكوينه الثقافى وتوجهاته الفكرية.
والحقيقة أن الحيرة والاختلاف وتنوع الآراء حول الوزير سببه الأساسى أنه – بالنسبة للمثقفين – جاء من المجهول.. كان يشغل منصباً فى الوزارة مرتبطًا بالإدارة.. دون أن يكون له تاريخ أو نشاط ثقافى معروف.. ليس لديه حضور سابق أو مؤلفات أو تواجد ملموس فى الأوساط الثقافية.
لذلك فقد طالب الكاتب المسرحى «لينين الرملى» أن يطرح الوزير نفسه على المثقفين.. ويعرفهم توجهاته وتصوراته ومنهجه وخطته فى العمل الثقافى لأن هذا مطلوب منه وليس مطلوباً من المثقفين لأنهم معروفون ومفهومون.
لكننى أرى أن تصريحات الوزير الأخيرة تكشف عما يقلقنا.. فهو يدعو إلى إنتاج أفلام سينمائية تدعو إلى الأخلاق الحميدة والقيم التربوية.. كما يدعو إلى تشجيع الأعمال الفنية الوطنية .
وهو بذلك وبدون تعسف يعيد الاشتباك بين الدين والفن.. المبدع والشيخ فى صدام تتعدد فيه وقائع النزال وتتصاعد إلى حدود التكفير والتحريم والتجريم والمصادرة وفرض الوصاية وإهدار دم الفنانين.. ويعيدنا الصدام أيضاً إلى ما كان قائماً فى علاقة الفنانين بشيوخ الفتاوى ودعاة التكفير.. والإخوان والسلفيين الذين يريدون سينما نظيفة.. ومسرحا «معقما» وأغنية «محجبة» وشعرا «تقيا» وموسيقى «فاضلة» وقصة «منتقبة» ورواية «مجففة».
وبذلك فهو ينحاز – دون أن يدرى – إلى موقف متشدد من الفن والفنانين يتصل بالفهم الخاطئ لمعنى الفن ومغزاه فيتقمص أدمغة ويرفع عصا حماة الفضيلة والأخلاق الحميدة من انتهاك أرباب الرذيلة والفحش لها.. فيؤدى اختلاط الخطاب الدينى والأخلاقى بالخطاب الفنى الجمالى إلى معارك ضارية.. فيتشابه موقفه فى النهاية مع موقف شيخى السلفية «عبدالمنعم الشحات» و «ياسر برهامى» فى وصف أدب «نجيب محفوظ» بالانحلال والانحطاط وتحويل مصر إلى خمارة كبيرة والمساهمة فى هدم الأمة.. والطعن الصريح فى الدين والعقيدة حيث إن فلسفته الإلحادية تدعو إلى إعلان موت الإله ومولد الإنسان «السوبر مان».. وهى ذات الأفكار التى يروج لها الغرب الملحد ويصفق لها.. وكانت سبباً رئيسياً فى فوزه بجائزة «نوبل».
وهكذا فإن إصدار أحكام دينية على مصنف فنى بحجة تكريس قيم وسجايا عطره تساهم فى شيوع الفضيلة فى ربوع «يوتوبيا» الأرض الطيبة عن طريق ارتداء عباءة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.. سوف يؤدى ذلك إلى حمل لواء مصادرة الرأى الآخر.. والذوق الآخر ووأد حرية التعبير والإبداع.. واحتضان الفنون «المؤمنة» «تمييزاً لها عن الفنون «الكافرة».. انتصاراً للفضيلة التى تبكى وتنتحب من جراء اجتراء الفكر الانحلالى عليها واعتلاء الملاعين من الفنانين إخوان الشياطين على ثوبها الطاهر.
ينبغى إذاً على الوزير – الذى يستنكر فى غضب كونه إخوانى الهوى – أن يدرك ويعى خطورة وأهمية بديهية أن الاخوان مازالوا موجودين.. وأن السلفيين يسعون لتثبيت أقدامهم بقوة واعتداد وبزهو وفخر.. وبسعادة غامرة واعتزاز فسوف يدخلون البرلمان بجدارة واستحقاق يساندهم بعض الأخوة الأحباء من الأقباط الودعاء فى اتحاد تاريخى.. وامتزاج روحى.. وتعاون عقائدى.. يدحض القرار السخيف بمنع تكوين أحزاب على مرجعية دينية.
وبناء عليه فإن الإرهابيين مازالوا متربصين للانقضاض.. ومازالوا يراهنون على فرض فتاواهم السامة.. ومازالوا يؤمنون بقدرتهم على التأثير على عقول البسطاء وغير البسطاء.
ويمكننا إزاء تلك الحقيقة أن نضرب مثالاً يؤكدها.. منذ فترة قصيرة تلقى الفنان «جلال الشرقاوى» إنذاراً رسمياً من الرقابة على المصنفات الفنية بارتكابه جريمة الخروج على النص المجاز منها للعرض المسرحى «هالة حبيبتى» الذى يخرجه.. وتحوى صيغة الإنذار أن الرقابة سوف تتخذ الإجراءات القانونية إذا لم يتم الالتزام بما هو وارد بالإنذار وهذا يوحى بإمكانية وقف العرض وهو ما دفع «جلال الشرقاوى» إلى أن يحتج ويكتب صرخة على حسابه الشخصى على «الفيس بوك» يقول فيها: يا شعب مصر ومؤسساتها ونقاباتها.. احذروا الخلايا النائمة فى كل وزارات مصر ومؤسساتها ونقاباتها.. احذروا الخلايا النائمة فى وزارة الثقافة بهيئاتها وإداراتها المختلفة.. فهذا هو الخطر الأكبر الذى يحيق بمصر.
المدهش أن الملاحظات التى أوردتها الرقابة ليست ملاحظات سياسية لكنها عبارات تهكمية ضد الإخوان.. وضد فترة حكمهم وممارساتهم المختلفة والعدوانية.. واتجارهم الواضح بالدين.. وليس كما أوردت الرقابة فى تقريرها أنه «لامساس بالعقيدة حتى ولو كان هذا على سبيل السخرية من رجال الدين الإخوان!
فأى رجال دين إخوان هؤلاء الذين يتحدث عنهم الرقيب؟! وهل لم يصل إلى علمه أن الجماعة يخضع تصنيفها الآن إلى كونها جماعة إرهابية؟!
الأكثر غرابة كان اعتراض الرقابة على جملة حوار قالها ممثل فى المسرحية تعليقاً على أحد الأفراح الشعبية.. أنها تمثل «الثالوث الملعون».. وهو يقصد بالطبع المخدرات والخمور والرقص الشرقى.. وسبب الاعتراض تفسير الرقيب أن المؤلف يقصد «الثالوث المقدس» عند المسيحيين «الآب والابن والروح القدس».. وهى جملة تحمل سخرية من الدين المسيحى.. وتثيرالفتنة الطائفية!
إن ذلك الربط الغريب بين الثالوثين.. هو نتاج عقلية متربصة لإصدار أحكام دينية على عمل فنى.. وسيطرة المناخ التكفيرى الذى يربط الفن بالرسالة الأخلاقية.. وهو ما يجعلنا نتذكر المحاولة التى تمت تحت قبة البرلمان بأغلبية إخوانية سابقة لوأد حرية الإبداع بتشكيل لجنة دينية تقوم بدور الرقابة على الأعمال الدرامية التى تعرضها الشاشات التليفزيونية والتوصية بحذف كل المشاهد التى يرونها – من وجهة نظرهم – تناهض تكريس قيم الأخلاق الحميدة فى نفوس الضالين والذين فى سبيلهم إلى الضلال.
فاحذر أيها الوزير الجديد ذلك الفخ اللعين.. وقاك الله شر الانحراف عن رسالة الفن والإبداع الحقيقية وعليك أن تعى أن عمق تلك الرسالة تتجسد ليس فى «توجيه» الرأى العام القائم على فرض واقحام والسيطرة المطلقة لرأى واحد تتبناه عقول رجعية ضيقة لكن رسالة الفن والإبداع الحقيقية تقوم على «خلق» الرأى العام.
فالأديب والفنان والمبدع – كما يرى «توفيق الحكيم» هو رجل «خلق» و «وخيال» لا رجل تسلط وسيطرة.. فهو لا يجب أن يلبسك رأيه.. بل يجب أن يخلق فيك رأيه.