الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

موسم تجريس التراث

موسم تجريس التراث
موسم تجريس التراث




كتب: د.حسام عطا

لا شك أن عملية مخاطبة القناعات الفكرية والوجدانية للجمهور العام مسألة تحتاج إلى وعى بالتفكير العلمى والخبرات المعرفية التاريخية فى علم التلقى، وهو علم معاصر يستهدف مخاطبة الإطار المرجعى للجمهور العام بما يحمل من قيم دينية وثقافية واجتماعية وجمالية، وتحرير المكونات الخاطئة الداخلة فى تكوين هذا الإطار المرجعى، نحن نحتاج إلى البحث عن نقاط الاتفاق الإيجابية داخله للبدء بها كمدخل للحوار يمكنه تغيير المكونات السلبية الخاطئة التى نسعى لتغييرها، فقد لاحظت خلال الفترة الماضية السعى الجاد المخلص لحفظ الدين والدنيا من خلال محاولات تجديد الخطاب الدينى وهو أمر اتخذ دون قصد أو تخطيط صيغة الصدمة الثقافية بين معسكر التنويريين ومعسكر رجال الدين، ودخلت أطراف أخرى من المعسكرين بصياغات أدائية متطرفة، ولا شك أن هناك من معسكر التنوير الآن عدد من المؤيدين المتطرفين معظمهم جدد على العمل العام، وهم يدلون بوجهات نظر صادمة للإطار المرجعى العام لعموم الناس فى مصر، ما يؤدى لنتائج عكسية تؤدى إلى استرابة المتلقى العام، وغلق أذنيه أمام محاولات تجديد الخطاب الدينى المؤمنة الشريفة المتوازنة الجادة، كما تمنح المتشددين الدينيين فرصة ذهبية للرد ولإعادة إنتاج التفسير التآمرى للحداثة لوضعها فى مواجهة الدين، خاصة أن الجمهور العام فى مصر قد انصرف عن محاولات خلط الدين بالسياسة بعد تجربة الأيام الصعبة فى مصر، لاستخدام الدين ضد المصلحة الوطنية، وهكذا انطلقت فى مصر الآن ظاهرة الهجوم الحاد على التراث الإسلامى، وذلك بحجة أن عددا من الإرهابيين يرجعون لتفسيرات وآراء قادمة من كتب التراث، ولكن الأمر اتخذ منحنى متكررا نحو ابراز عدد كبير من السلبيات، أما الاسلاف فهم بالتأكيد بشر مثلنا اجتهدوا فإن أصابوا فلهم أجران وإذا جانبهم الصواب فلهم أجر الإجتهاد، أما التركيز على أخطاء البشر أو غرائب الآراء، أو قديمها الذى يتناقض مع حقائق علمية أنجزها الإنسان فى مسيرة البشرية نحو السيطرة على الأرض واعمارها، وابراز مثالب الشخصيات التاريخية الإسلامية فهو نوع من الانقضاض على الذات والصراع مع تاريخها، والتناقض مع عدد كبير من المرجعيات التى يفخر بها عموم المصريين وينتمون إليها، إخراج التراث البشرى الإسلامى من التقديس ووضعه موضع القراءة النقدية، وإعمال العقل فيه ضرورة من أجل المستقبل، ولكن ذلك لا يكون عبر إخفاء تلك الكتب أو حذفها أو تعديل فقراتها عبر الاختزال والاختصار، ولكن بنشرها مع مناقشة وتجديد وتفسير يستخدم العقل ويفهم أصول الدين والظروف العامة الموضوعية للتاريخ.
جدير بالذكر أن أكثر الكتب قراءة، الكتب الممنوعة، ولها تجارة سرية رائجة ومربحة فى عالمنا العربى، كما أن الاختزال والجرى وإدخال الفكر فى معادلة الاستقطاب المتطرف عادة متأصلة لدينا، وهكذا شرعنا فى إطلاق كثيف للتجريس لتراثنا ولعدد من الشخصيات التاريخية العربية والإسلامية، وهو نوع من الأداء المبالغ فيه، الأكثر أهمية أننا نقوم بالتأمل فى صمت، ودون أن نذكر أن معسكر التنوير به أصوات شديدة التطرف وضد حرية الاعتقاد والتفكير دون أن تدرى.
هذه الجرأة تحاول كسر تقديس كتب التراث، لكنها تنقصها نبرة صوت عقلانى، وتحتاج للابتعاد عن الاستعراض الإعلامى، والعودة لتدعيم قواعد ومبادئ التفكير العلمى السليم، والاعتراف بحرية الآخر فى الاعتقاد والبدء من المشتركات التوافقية معه ودعم وتعزيز القيم الإيجابية، فتراثنا المصرى العربى بلا شك كما يحتاج للمراجعة فهو يحفظ لنا الكثير من المفاهيم والسير لأفكار وتواريخ ورجال هم مصدر للفخر والاعتزاز.