الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

تنظيمات دولية مشبوهة تستخدم «المرتزقة» لتفتيت الشعوب

تنظيمات دولية مشبوهة تستخدم «المرتزقة» لتفتيت الشعوب
تنظيمات دولية مشبوهة تستخدم «المرتزقة» لتفتيت الشعوب




تحقيق - محمود ضاحى

خرج المطرب اللبنانى، فضل شاكر، بثوب التوبة يطالب العودة لحياته من جديد والعفو بعد تخليه عن التطرف والقتال مع الشيخ اللبنانى، أحمد الأسير، قائد أحد التنظيمات فى صيدا بلبنان ضد الجيش اللبناني، وحكم عليه غيابياً بالإعدام إثر إدانته بتكوين عصابة مسلّحة لتنفيذ أعمال إرهابية.
تجربة شاكر تكرّرت مع مشاهير فى ميادين متنوعة، وفى تحولات فكرية أخرى أمثال المفكر الإخواني، سيد قطب، فبعد أن كان يعيش حياة الرفاهية فى المجتمع الأوروبى انضم إلى الإخوان   وتبنى أفكار متشددة.


التعامل مع المتطرفين والإرهابيين باعتبارهم ضحايا، بداية متحضّرة وصحيحة لمعالجة هذه المشكلة، هكذا قال علماء الدين والمفكرون، مؤكدين أن هذا التوجه يجب ألاّ يكون وسيلة للتفريط بحقوق الدماء التى أهدروها، مثل أى مثقف انتقل من موقف فكرى إلى آخر «منهج خاطئ فى أحسن الأحوال، ومدمّر فى أسوئها».
يقول الشيخ إسلام النواوي، أحد علماء الأوقاف، إن أسباب التحول من التسهل إلى التشدد فى الدين نتيجة فهم خاطئ، فأغلب المتحولين عاشوا حياة مرفهة سهله لكنهم انتقلوا بسرعة لمسألة التشدد، بحجة أنه يريد التوبة التى تكفر عن ذنوبه ظناً أنه فى تشدده ستكون التوبة الصادقة لكن ديننا الحنيف ليس كذلك.

«من رغب عن سنتى فليس منى»
وأضاف النواوى أن الدين سهل لا تشدد فيه وباب التوبة مفتوح للجميع فى أى وقت، فعن أنس بن مالك رضى الله عنه يقول: «جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبى صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا وأين نحن من النبى صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.. قال أحدهم أما أنا فإنى أصلى الليل أبدا.. وقال آخر أنا أصوم الدهر ولا أفطر.. وقال آخر أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إنى لأخشاكم لله وأتقاكم له لكنى أصوم وأفطر وأصلى وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتى فليس منى».
وأوضح أن التمادى والتشدد فى الدين يؤدى إلى التطرف، والسهولة تؤدى إلى التشدد فعادة المرفه والمنغمس فى شهواته يظن أنه فى تشدده يتوب التوبة النصوح، لكن بمجرد أن يفكر الإنسان فى التوبة ويتوب سيسامحه الله وليس الأمر بالتشدد والحرص على أن فتح باب التوبة والأمل للناس كلها، مشيراً إلى أن الجماعات الإرهابية تستقطب المنغمسين فى المعصية وتستميت قلوبهم  ظانين أن مايفعلونه من سفك دماء وقتل هو جهاد فى سبيل الله.

خطورة الفكر المعوج
ولفت إلى أن من ثبت خطأه يجب أن يحاسب ويعاقب على ما اقترفه من أخطاء، فحقوق العباد والدماء لا تسقط أبداً وتكون محاكمته قضائياً وليس شعبياً، فضلا عن أن البعض وظفوا الدين سياسياً واستنبطوا من القرآن ما يخدم مصالحهم وأهواءهم، علاوة على أن التوظيف السياسى لآيات الله أشد خطورة من الفكر المعوج.
وأكد الدكتور على الهاشمى، المستشار الدينى للرئيس الإماراتى، خلال حضور المؤتمر الرابع والعشرين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، أن الانحراف الفكرى هو التشدد والتعصب والتطرف إما فى الدين أو السياسة أو أى فكرة أخرى، وهو خروج عن الوسطية والاعتدال، كما أن المنحرف فكرياً يعيش فى معزل عن المجتمع لأن كل ما يؤمن به ويتبناه من آراء وأفكار تخالف المتعارف عليه فى المجتمعات السوية.
وأوضح أن الانحراف الفكرى يشكل خطراً جسيماً على الأنظمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وسبباً مهماً فى تفكك المجتمعات وانحلالها، كما يخالف الوسطية والاعتدال ويتعارض مع ما يدعو إليه ديننا الحنيف من قيم توجب الاتزان والعدالة فى إصدار الأحكام، مشيراً إلى أنها تتلخص فى «الجهل والإعجاب بالآخر ـ الإعلام المخالف للفكر السوى  الغزو الفكرى المتعمد على تشكيك المسلمين فى عقيدتهم ـ تصدير المذاهب والتيارات المنحرفة لإشاعة الاضطراب الفكرى وهز القناعات».
ونوه إلى أن مظاهر الانحراف الفكرى فى التكفير والإرهاب وهو التحول من الفكر إلى السلوك، والغلو والتطرف والتعصب،  ملخصاً علاج الانحراف فى العمل على اكتشافه لدى الفرد مُبكراً لمعرفة أسبابه لإيجاد العلاج، والتأكيد على دور الحوار البناء، وبيان الحق والرد على الشبهات والاستفادة فى مرحلة العلاج من العلماء والاختصاصيين الاجتماعيين والنفسيين من أجل إقناع من تأثر بالفكر المنحرف وتصحيح ما لديه من مفاهيم خاطئة.

من الترف إلى التقشف والجهاد
أما الداعية الإسلامى، الشيخ شعبان جلال، نقيب الأئمة، فأكد أن  التحول لا يكون بنية التشدد إنما يكون بزعم التوبة والرجوع إلى الله، ثم ينتقل من الانحلال إلى الالتزام ثم ترسم الخطوة الثانية وهو البحث عن تكفير الذنوب والسيئات فينتقل من حياة الترف إلى التقشف والزهد وبعد ذلك يجد نفسه أحد جنود المجاهدين فى سبيل الله، لكن عليه أن يمتثل لأوامر قائد جيش الإسلام وتحت راية الخليفة مثلا لو كان غنى مثل فضل شاكر فعليه يقدم ماله لإعداد جيش الإسلام كما فعل سيدنا عثمان بن عفان، وعليه أيضا أن يشارك فى الحرب مع صفوف المجاهدين ضد أعداء الله.
وعن التحول من الرفاهية إلى التشدد أمثال فضل شاكر من مظاهر التدين للغناء وعودته مرة أخرى أوضح  الدكتور محمد أبو هاشم، نائب رئيس جامعة الأزهر، أن  المطربين مرهفو الحس، والتأثير فيهم سهل جدا، يتأثرون بعملية الدين، لافتا إلى أن الكثير من أهل الفن  يعتقدون أنه حرام حال تحوله ولا بد من تعويض ما فعله، مشيراً إلى أن المطرب فضل شاكر خانته النزعه الدينية، ثم فاق من جديد بعدما رأى الدماء.
الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق، قال إن المفكر الإخوانى سيد قطب تحدث عن العرى والمايوهات فى مقالاته والتى قال «قطب» فيها: «الذين يتصورون العرى على الشاطئ فى صورته البشعة الحيوانية المختلفة واهمون، وهم لم يذهبوا إلى الشاطئ، ولكن قرروا أو رأوا الصور منشورة فى الصحف، أو ذهبوا وفى نيتهم أن ينتقدوا، فعاشوا فى الصورة الخيالية المشوهة فى أذهانهم، ولم يعيشوا على الشاطئ والأمواج».
وأضاف قطب أنه ليس فى الجسم العارى على «البلاج» فتنة لمن يشاهده ويراه فى متناول عينه كل لحظة، وفتن الأجسام هناك وهى المنتشرة فى «البرنس أو الفستان»، أما «المايوه» فهو لا يجذب ولا يثير، وإن أثار شيئا فهو الإعجاب الفنى البعيد بقدر ما يستطاع عن النظرة المخوفة المرهوبة!.

أجسام تمر بهم عارية
وأشار: لقد كنت أحسبنى وحدى فى هذه الخلة، لكنى صادفت الكثيرين، ممن لم يوهبوا طبيعة فنية، ولا موهبة شعرية فلاحظت أن «الأجسام» تمر بهم عارية فلا تثير كثيرا من انتباههم، بينما تتسع الحدقات وتتلفت الأعناق إذا خطرت فتاة مستترة تخفى الكثير وتظهر القليل، وحدثتهم فى ذلك فصدقوا رأيى، فالذين يدعون إلى إطالة «لباس» البحر وإلى ستر الأجسام بالبرنس، إنما يدعون فى الواقع إلى إثارة الفتنة النائمة وإيقاظ الشهوات الهادئة، وهم يحسبون أنهم مصلحون.
وتابع قطب: إن صورة واحدة عارية مما ينشر فى الصحف أفتن من شاطئ كامل يموج بالعاريات، لأن الصورة المصغرة تثير الخيال الذى يأخذ فى تكبيرها والتطلع إلى ما ورائها من حقيقة، وهذا هو الخطر، أما الجسم العارى فواضح مكشوف، وصعب على الكثيرين تصديق هذه الحقيقة، أما الذين ذهبوا إلى الشاطئ وهم مجردون من الرأى السابق فيها ومن التحفز لمرائيها، فيعلمون فى ذات أنفسهم صدق ما أقول، مخاطبا المصلحين الغيورين على الأخلاق بأن يطلقوا الشواطئ عارية لاعبة، فذلك خير ضمان لتهدئة الشهوات الجامحة، وخير ضمان للأخلاق.
وقال جمعة إن سيد قطب، لم يكن يصلى الجمعه لاعتباره أن مصر دار كفر، ولا يجوز الصلاة داخل مساجدها، منوها إلى أن مثل هذه البدع التى قام بها قطب عملت على التطرف الفكرى، لدى كثير من التابعين له باعتباره المرجع الدينى لهم.
من جانبه أكد منير أديب، الكاتب المتخصص فى شئون الحركات الإسلامية أن عناصر الإرهاب فى العالم لا تعمل بشكل عشوائى أو اعتباطى، وإنما تمارس إرهابها على أساس معتقد استقته من مواد ثقافية بعينها، ناهيك أن معظم المواد الثقافية التى يعتمدون عليها حرصوا فى فترة من الفترات على تحويلها لمادة إلكترونية لسببين، أولهما: أن الكتاب المطبوع يكون بمثابة قنبلة فى المكان الذى يكون فيه، وتهمة جيدة تسجن صاحبها إذا ما وصلت له أيدى الأمن، وثانيها: أن المادة الإلكترونية يستطيع تلامذتهم حول العالم الاطلاع عليها بسهولة.

الفنان المعتزل
وكان قد ظهر الفنان المعتزل فضل شاكر - بعد غياب طويل -خلال مقابلة أجرتها معه إحدى القنوات الفضائية - ظهر شاكر فيها دون لحيته - التى كان قد أطلقها سابقاً.
وألمح إلى أن شاكر قال خلال لقائه إنه لم يشارك فى معارك عبرا، متمنيًا أن يعود إلى حياته الطبيعية، نافيا أن يكون حرّض على الجيش اللبنانى، مطالباً بمعرفة من ينتحل صفته على موقع التواصل الاجتماعى فيس بوك، رافضاً الحديث عن متى سيعود إلى الغناء والحفلات مرة أخرى، مشيراً إلى أن علاقته بالشيخ أحمد الأسير، كانت سيئة جداً، قبل حوادث عبرا.
وقالت مى الخنساء، المحامية الموكلة عن شاكر، إنه لم يشارك فى أحداث عبرا المتهم على خلفيتها بالإعدام سوى بالإنشاد، مضيفة أن الوقائع التى سردها فضل شاكر أكدت لها أنه تعرض للظلم، وأن المواد التى يحاكم وفقها لا تتلاءم والتهم الموجهة له، فضلا أن هناك نقاطًا قانونية وقضائية عديدة فى صفه، وأن التهمة الوحيدة التى يمكن توجيهها له هى «القدح والذم» والتى لا تقوم إلا بدعوى من المتضرر.
يذكر أنه كان قد صدر حكم بالإعدام على الفنان فضل شاكر بعد اتهامه بالانضمام إلى جماعات متطرفة، والتورط فى قتال الجيش اللبنانى، وأدين وأشخاص آخرون بقتل ضباط وأفراد من الجيش.
جاء ذلك بعد إعلان المطرب اللبنانى اعتزاله الغناء واتجاهه للإنشاد الدينى، وانضمامه إلى الجهادى الشيخ أحمد الأسير، ومن ثم تورط فى إطلاق تهديدات لشخصيات لبنانية معروفة، ونشرت له فيديوهات بذلك، وعاد للظهور مؤخرا، معلنا ندمه على تلك الأفكار ورغبته فى العودة للحياة الطبيعية، إلا أنه لم يعلن حتى الآن عن عودته للغناء.
ينطبق التحول على القيادى سيد قطب، حيث انتقد العديد من الكتاب والمؤلفين ورجال الدين الإسلامى كتاباته وأفكاره لاسيما تلك التى تكفر المجتمعات فى فهمها القاصر وخروجها عن أهل السنة والجماعة بوجه ما، مؤكدين أنه أخطأ فى تكفير جموع المسلمين والحكام والأنظمة، علاوة على أنه يتحمل بعض المسئولية عن تيار التكفير والهجرة الذى خرج بعده.

التوهان الفكرى
ومن الانتقادات لسيد قطب طعنه فى الصحابة رضى الله عنهم فى كتابه «كتب وشخصيات»، فقد طعن فى الصحابيين معاوية بن أبى سفيان، وعمرو بن العاص واتهمهما بـ«النفاق ـ الرشوة ـ الخيانة ـ الكذب ـ الخديعة»، وطعن فى خلافة سيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنه، واعتبر خلافة سيدنا على بن أبى طالب رضى الله عنه امتدادًا طبيعيًا لخلافة سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وأن خلافة عثمان هى فجوة بينهما.
ويُدافع عنه البعض بأن تلك الكتابات صدرت من سيد قُطب قبل تأثره بالفكر الدينى تقريباً عام 1944 وخلال مرحلة توهان فكرى مع قطب، حيث قام بتعديل بل وتغيير أفكاره بعد نضوج وعيه الدينى لاحقاً، حيث توقف عن مثل تلك الكتابات لاحقاً ويُلاحظ ذلك فى كتبه التى صدرت بعد عام 1945 مثل «تفسير القرآن ـ المستقبل لهذا الدين» وغيرهما.
كان قد حصل سيد قطب على بعثة للولايات المتحدة فى 3 نوفمبر 1948 من وزارة المعارف للتخصص فى التربية وأصول المناهج ودراستها، وكان يكتب المقالات المختلفة عن الحياة فى أمريكا وينشرها فى الجرائد المصرية ومنها مقال تحت عنوان «أمريكا التى رأيت» يقول فيه «شعب يبلغ فى عالم العلم والعمل قمة النمو والارتقاء بينما هو فى عالم الشعور والسلوك بدائى لم يفارق مدارج البشرية الأولى بل أقل من بدائى فى بعض نواحى الشعور والسلوك».