الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فطرة اشتياق الذكر للأنثى




إن معجزة التكوين البشرى التى امتن الله علينا بها بقوله «وفى أنفسكم أفلا تبصرون» لهى بحق بيان شامخ يعلن بصيحة مدوية عن قدرة الله وامتنانه علينا بنعمة الخلق والحياة، وإن العبد الخاشع لا تمر عليه تلك النعم دون أن يسجد شاكرا لله بكل وقت وحين يسبح بحمد الله وعطاياه.فإذا ما علمت بأن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس لعلمت جزءا يسيرا من قُدرة خالقك ومبدعك وقَدره، وفى ذلك يقول تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }غافر57؛ ونحن اليوم على موعد لنستكمل ما بدأناه من تدبر نعمة الله فى التكوين البشرى بعد أن بينا ثمانية عناصر مدوية ولا ينتبه لها أحد، فلو أننا ذكرنا ربنا وقدرناه حق قدره ما عصيناه، لكننا نحمل نعمه سبحانه بين أضلعنا بينما نعصاه بجوارحنا، فأى ارتكاسة نرتكسها بأنفسنا مع خالقنا ومبدعنا وولى النعم علينا؟!.
 
تاسعًا:- اللَّهاة ولسان المزمار.
 
يقول تعالى:- {........ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) النساء 29؛ لقد خلق الله فينا عضوًا لا نكاد نأبه به، لكنه لازم لاستمرار الحياة، وهو ذلك الجزء المُعلَّق بسقف الحلق والمُسمَّى باللهاة، والذى ينتهى بقطعة تُسمَّى لسان المزمار.
 
إن لسان المزمار يعمل كرجل المرور عند قاع الفم، فلا يسمح أبدًا للماء ولا للعاب ولا للطعام أن يدخل أحدها إلى القصبة الهوائية المفتوحة باستمرار، فحين يبلع الإنسان ريقه ينغلق المدخل التنفسى للقصبة الهوائية بواسطة لسان المزمار، ثم ينفتح مدخل المريء، ويتوقف فى نفس الوقت الجهاز التنفسى عن العمل لثانية واحدة، وهذه الحركات الثلاث تتم فى اليوم الواحد آلاف المرَّات لحماية حياة الإنسان.
 
 ولعلك تستطيع أن تُقيم التجربة على نفسك بالانتظار قليلا بالتّحكُّم فى بلع الرِّيق اللاإرادى للحظات، ثم قم ببلعه إراديًا، فستشعر بالحركات الثلاث التى تمَّت مليارات المرَّات، وهى تحمى حياتك وأنت لا تقول الحمد لله، فقم يا عبد الله واشكر مولاك على ما فاتك من شكره واحمده وتوكل عليه، فهو حامى حماك وحياتك ألا يستحق الله منا أن نُحبه بعد كل ما عايناه فى أنفسنا من رحمته لنا؟!.
 
عاشرًا:- العـين
 
يقول تعالى:- { أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ{8} وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ{9} البلد.
 
ويقول تعالى:- {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ }السجدة9.
 
 فالعين تُخلق قبل اللسان والشفتين، لكن وظيفتها (النَّظر) يتأخر عملها قليلاً، فتتم بعد الولادة بأيام، وما ذلك إلا لأن العين عضو فى منتهى الدِّقة والتعقيد، وهى عضو شأنه شأن غيره من الأعضاء يتصل بالمخ بواسطة خلايا عصبية، حتى تتم ترجمة المرئيات.
 
 والعين مكونة من عدَّة أجزاء ومن أشهرها الشبكية، وهى تتكون من عشر طبقات من العُقد والخلايا العصبية الحساسة للضوء.
 
ويتركب العصب البصرى من مليون ليفة عصبية ومع ذلك لا يزيد سُمكه على بضعة مليمترات، وفى العين نحو مائة مليون من الخلايا الضوئية الحساسة، ويفرز الجسم أنزيمًا خاصًا لصيانة القرنية وتنظيف الملتحمة (المرجع السابق)، ولقد خلق الله الرُّموش والحاجبين لحماية العين من الأتربة، ولم يجعل الله العين بارزة كالأنف، لكن شاءت رحمته وحمايته لنا أن تكون للداخل قليلا، وهو ما يوفر لها أيضًا بعض الحماية.
 
والعين هى عضو من أعضاء التَََّحصيل العلمى والحضارى والثقافي، وتتأثر باقى أعضاء الجسم بوظيفة النَّظر التى تقوم بها العين، فالقلب يخفق عند رؤية الحبيب وعند معاينة الخوف و...... وهكذا، فإن العين فى حالة ترابط وانسجام مع كل أعضاء الجسم، والأعمى له عذر كبير فى كثير من الأحيان، حيث يقول تعالى:- «لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ ....»النور61؛ ووظيفة العين» (النَّظر) فهى البوابة الثانية للعلم والفقه البشرى بعد السَّمع.
 
حادى عشر:- الـدماء والجهاز الدوري.
 
الدم بالإنسان هو حامل الأكسجين، وحامل الغذاء لكل أعضاء الجسم، وحامل الصِّفات، وخلاياه البيضاء هى الجيش الذى يتحدَّى الميكروبات ويلتهمها أو يدمرها، وهو يتكون من الخلايا الجذعية الموجودة بنخاع العظام (سبق بيانه فى البند سابعًا).
 
 ويحمل الدم الأكسجين من الرئتين ويحمل الغذاء من الأمعاء لكل مناحى الجسم، فهو ناقل للطاقة التى تُمكِّن الإنسان من أداء عمله، ويمر الدم عبر جهاز دورى يتكون من شرايين وأوردة، فالشرايين تنقل الدم المُحمَّل بالأكسجين من الرئتين، وتحمل الغذاء من الأمعاء، أمَّا الأوردة فتحمل الدم المستنفذ إلى الكليتين والكبد.
 
والحقائق التى اكتشفها العلم من مكنون عظمة الخالق فى خلق الإنسان وفيرة وغزيرة، فعلى سبيل المثال فإن مخ العظام يصُبُّ فى الدم مليونين ونصف المليون كرة دموية حمراء فى الثانية الواحدة، ويضخ خمسة ملايين صفيحة دموية، ومائة وعشرين ألف كرة بيضاء.
 
وتتوقف حياة الإنسان إذا ما حدث انسداد فى أى شريان، بما يعنى أن حياة الإنسان متوقفة على سيولة مرور الدم عبر ممر قطره حوالى مليمتر ونصف فأقل، فسبحان الله المعطي! وما أقل حياء العبد العاصي!.
 
ثانى عشر:- السمع والبصر والفؤاد.
 
والسمع والبصر والفؤاد هم وسائل الإدراك والوعى بالإنسان، وتوظيفهم لطاعة الله من أخص مسئوليات العبد المسلم الواعى.
 
يقول تعالى:- {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً }الإسراء36.
 
ويقول تعالى:- {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ }السجدة9
 
ويقول تعالى:- { أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ{8} وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ{9} البلد..
 
فالسمع وظيفة الأذن، والنَّظر وظيفة العين، والتعقل وظيفة الفؤاد، والثلاثة هى وسائل الإدراك البشري، فهى الأدوات التى بها يتم جمع المعلومات وإدراك مفهومها، وهى على الترتيب الوارد بكتاب الله، فوظيفة الأذن تعمل والجنين فى بطن أُمَّه، ووظيفة العين تعمل بعد أسابيع من الولادة، ووظيفة الفؤاد تبدأ فى العمل بعد أشهر من الولادة.
 
ثالث عشر:ـ التـنفس.
 
إن حاجة العبد لأكسجين الهواء الجوى تؤكد احتياجه للطبيعة التى استودعها الله فى الكون، والتى لا يمكن للعبد أن يحيا بدونها، ووظيفة التنفس تعمل فيك تلقائيا بلا جهد منك، بل إنها تستمر فى العمل حينما تفقد قدرتك على التواصل مع الحياة فيغلبك النعاس، وأكسجين الهواء لازم لنمو الخلايا بجسم الإنسان، وهو الذى يتدفق مع الدم الشريانى يحمل الغذاء بسعراته الحرارية إلى أدق وأقصى مواضع جسم الإنسان، مما يعنى أن الله هو الذى يهب الحياة بالتنفس وهو الذى يوقف التنفس فيموت الجسد بإذنه.
 
ولأن العمر أنفاس معدودة فقد اقترن اسم النفس بالتنفس، فنفسك معلَّقة بتنفسك الذى لا إرادة لك فيه، كما وأن الله سيحاسب كل نفس حسابًا دقيقًا عما كسبت حيث يقول تعالى:ـ{وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}البقرة281. 
 
رابع عشر:ـ الـزواج.
 
 يقول تعالى:ـ {وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ }النحل72، إن اشتياق الذكر لأنثى واشتياقها للذكر إنما هى فطرة استودعها الله الخلائق كى تستمر الخلائق بالتوالد، فالزواج نعمة من الله لإشباع الغرائز واستدامة النوع، وقد هدى الله الخلائق جميعا لممارسة حفظ النوع وذلك بدمج وظيفة حفظ النوع بفطرة لذَّة الشوق للجنس الآخر، لكن الإنسان يمكنه أن يبدل نعمة الله عليه فى الزواج فيحيل حياته بها إلى شقاء، وما ذلك إلا بكفرانه لنعمة الله فى الزواج، لذلك فقد خلق الله لنا أزواجنا لكنه لم يخلق لنا السعادة، بل جعلها لنا ولم يخلقها لنا، جعلها للطائعين والسائرين فى درب رضاه، وتأمل وتدبر الفرق بين كلمة (خلق) وبين كلمة (جعل) فى الآية الكريمة التالية حيث يقول تعالى:ـ {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الروم21.
 
فالزواج من آيات الله فينا، لكن إنشاء المودة حال الحياة الزوجية يكون من فعل الإنسان، فكلما شكرت الله على نعمة الزواج وعلمت أنها آية منه فأطعت الله به، كلما غشيتك رحمته وكانت المودة عنونا لعلاقتك الزوجية.
 
والحقيقة أنَّ العناصر التى يمكن تدبرها فى أنفسنا أكبر من أن تُكتب فى مجلَّدات، ورحمة الله بنا فى نعمة الصِّحة أكبر من أن أكتب فيها، بل أجدنى مبهورا أمام قدرة الله التى تعتمل فيَّ حين تهضم معدتى الطَّعام، وأجدنى عاجزا عن شكره فى نعمة الهواء بلا مقابل التى منحنا إيَّاها، ولم يجعل لأحد من البشر سلطانًا عليها، كذا نعمة إدراك المنفعة فأقبل عليها والحذر من الضرر فابتعد عنه، ونعمة الأولاد مهما كانت رزاياهم، ونعمة اختلاف الأمزجة فى اختيار الحرف والمهن، ونعمة هداية البشرية يوميا لما فيه منفعتهم ورغد عيشهم المتمثل فى تلك الاختراعات والاكتشافات الحديثة التى يمن الله بها علينا لرفاهية الحياة والاستمتاع بها.
 
وإن متوسط الدفقة الواحدة من منى الذكر تحمل ثلاثمائة مليون حيوان منوي، ويوجد بالدماغ 13 مليار خلية عصبية ومائة مليار خلية استنادية لحراسة الخلايا العصبية، ويوجد بالأذن 30000 خلية سمعية....فتبارك الله أحسن الخالقين.
 
إن المسلم الذى يعلم استحقاقات الإيمان بالله لا يسعه إلا أن يسجد خاشعا أمام تلك النعم وما شابهها، فنعمة الأظافر قد لا يدركها الكثير من أهل الإسلام فهى التى تحميك أن تتأذى النهايات الطرفية العصبية لجسمك والتى تحملها أطراف أصابعك.
 
ونعمة الدمع التى تقوم بغسل القرنية، ونعمة الشعيرات بالأنف التى تنقى ما يدخل إليك من هواء، ونعمة الريق الذى يعلن عن بداية عملية الهضم بالفم، كما تبقى عظام الفكين ونظام الأسنان والضروس واللثة شاهدة على إبداع بديع السماوات والأرض.
 
وهل تعلم بأن الشعور من بين النعم، ألا تشعر بالجوع، إن شعورك هذا يبين لك احتياج جسمك للطاقة، ألا تشعر بطلب الإخراج ، إنه يعلن عن وجود فضلات تؤذى جسمك ويطلب الجسم طردها، فهل وجدت ديناميكة للصيانة مثل ما أبدعه خالقك فيك؟.
 
ألا نستمتع جميعا بالألوان والخضرة والهواء، ألا نشترك جميعا فى الاستمتاع بالموسيقى، نعم إنها فطرة الله فى البشرية والتى يحرمها البعض، ويعادون فطرة الله فى خلقه بزعم الحلال والحرام الذى ما يفهمونه إلا من خلال مدسوساتهم التى يعشقونها بكتبهم الصفراء الكالحة.
 
ألا يعتبر الإنسان بخلق الله له، ألا نسجد لله شكرا فى نعمة الله علينا بخلقه المفاصل الحركية لنا والتى تجعل منا مخلوقا مرنا لمواجهة الحياة ومتطلبات السعى فيها!، ألم نشعر يوما بمكثف الهواء الذى يعلو رءوسنا ليرطبها والذى نسميه الشعر، إن شعرك الذى يعلو رأسك آية من آيات الله لترطيب الدماغ وهو زينة يختال المرء بها، فأى فضل نحن فيه وأى جحود نمارسه؟.
 
وفى مجال ذهول الناس عن أمر ربها وآياته التى يتوجب الاعتبار لها، يقول الله تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ }يوسف105؛ فالآية تُبصِّر الناس بضرورة الاعتبار بالأحداث والحقائق التى أمام ناظريهم، بينما تأخذهم الغفلة عنها كل مأخذ.
 
فكل تلك النعم ليست إلا وقاية خصصها الله لنا وميزنا بها حتى إذا ما سخرناها لطاعته سبحانه فإننا لا نتعذب بالآخرة، لذلك لابد للمسلم من ضرورة الاعتبار.
 
فأصحاب العقول الراجحة لديهم الحساسية لترجمة آيات الله، فالفقيه هو من يتعلم من آلامه، والفقيه من يتعلم من آيات الله فى غيره، والقرآن يدفع المسلم ليكون حساسا لتعاليم الله وآياته فى النفس والآفاق.
 
فحين يقول تعالى:- {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }النحل18؛ علينا أن نوقن بأنه يستحيل إحصاء النِّعمة الواحدة، فما بالنا ونعمه كثيرة لا يمكن حصرها، وما بالنا وقد أتانا من كل ما سألناه!!، لا شك أن ذلك العجز عن الشُّكر إن صاحبه خشوع واستحياء وحمد، فإن الله سيقبلنا فى مستقر رحمته مع تقصيرنا عن شكره.
 
فكل ما سبق ذكره إنما يُعَبِّر عن نظرة تأمل وتدبر أَمَرَ الله الناس بها، فما أمرنا الله أن نكون أمة قرَّاء للقرآن من فاقدى البصيرة فيه، وما أرادنا من الغافلين عن حقائق الكون، وما أرادنا ذاهلين عن آياته التى يبثها بيننا ليل نهار، فى أنفسنا وفى الأرض التى نحيا عليها، ولا يجب أن نتعامل مع القرآن بأطلال فكرية قديمة، لكن لابد من الجد والجهد والاعتبار، فإن الله أرادنا أمة الوعى وأرادنا أمة البصيرة قبل البصر، وحبب لنا الاعتبار، ولقد تم تحذير البشرية من مصير الغافلين حتى وإن كانوا مسلمين ومؤمنين.