السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

العرب وإسرائيل وإيران

العرب وإسرائيل وإيران
العرب وإسرائيل وإيران




كتب: د. ناجح إبراهيم

أزمة إيران الكبرى فى المنطقة أنها التهمت من الدول العربية أكثر من طاقتها وقدراتها.. فقد التهمت من قبل العراق وسوريا ولبنان.. وكانت فى طريقها لالتهام اليمن.. ويعتقد أكثر المحللين أن طاقة الامعاء الإيرانية لا تتحمل هضم كل هذا «الطعام الدسم أو هذه الوجبة السامة».. أقصد «هذه الدول» مرة واحدة.. لذلك أصيبت بتلبك ومغص معوى حاد مع اضطراب سياسى واستراتيجى بعد أن أجبرت العرب جبرًا على اليقظة والتوحد ضدها مباشرة لأول مرة.. والحيلولة بينها وبين التهام المزيد.
 تكرر الأمر من قبل مع إسرائيل التى التهمت فى كارثة 5 يونيو 1973 أجزاء عزيزة من ثلاث دول عربية مرة واحدة.. واحتلت من بلاد العرب مساحة تزيد على ضعف مساحتها وهى الضفة الغربية من فلسطين وسيناء من مصر وهضبة الجولان فى سوريا وجنوب لبنان وجزء من الأردن.. فانتفض العرب فجأة واستيقظوا من رقدتهم ونفضوا التراب عن رؤوسهم وتوحدوا فى أكتوبر 1973 ليحقق الجيش المصرى والسورى أول انتصار عربى فى القرن العشرين.. ويكبدوا الإسرائيليين خسائر لم يتوقعوها أبدًا ويحطموا أسطورة «الجيش الذى لا يقهر».. ويجعلوا الطاووس الإسرائيلى يفيق من غروره وصلفه.
 ثم نام العرب مرة أخرى طويلا  وكثيرا وعميقا لتلتهم إسرائيل جنوب السودان التى أهملها الشماليون ويلتهموا كردستان التى عاملها صدام أسوأ معاملة فرضيت بالأمعاء الإسرائيلية ورأت أنها أفضل من قصف صدام لأبنائها بالغازات الحربية المحرمة دوليًا.
 لقد أرادت إيران بناء الإمبراطورية الفارسية على حساب العرب.. وأرادت إسرائيل بناء الامبراطورية الاقتصادية والسياسية اليهودية على حسابهم.. وأرادت تركيا إعادة الامبراطورية العثمانية على حسابهم أيضا.. ثم أفاق العرب أخيرا  بعد أن كاد كل شىء يضيع منهم وتتمزق بلادهم شر تمزيق.
 أفاقوا لأول مرة منذ حرب 1973.. ولكن السؤال الملح الآن :
 متى يعيدون هذه الدول من أمعاء الآخرين قبل هضمها تمامًا؟.
 ومتى يقيمون دولا  تصدر الحضارة الحقيقية وتقيم العدل السياسى والاجتماعى وتجعل المواطن العربى مرفوع الرأس فى كل مكان.. وتستغل إمكانيات العرب المادية وما أكثرها لخير شعوبها لا لجيوب حكامها ولا للإيداع فى البنوك السويسرية؟!
 ومتى تلعب أمة العرب دور «الفاعل».. و«اللاعب الرئيسى صانع الألعاب» على الأقل فى منطقة الشرق الأوسط إن لم يكن فى العالم كله.. ومتى يتركون دور «المفعول به».. أو المفعول لأجله».
متى يحدث كل ذلك قبل أن يستيقظوا فلا يجدون لهم موطنا  كريما  فى بلادهم فضلا  عن العالم ؟!
 إن من مشاكل إيران الكبرى أنها تحب التعامل مع الجماعات والحركات الثورية والمعارضة خاصة الشيعية فى العالم العربى.. ولا تحب التعامل مع الدول.. فهى تعشق التواصل مع حزب الله وتدعمه بكل شىء ولا تدعم الدولة اللبنانية.
 والحزب كذلك يريد أن تكون الدولة اللبنانية مثل «البيت الوقف» الذى لا يصلح للبيع ولا يسكنه أحد فى الوقت نفسه.. أو كـ«المرأة المعلقة» التى هجرها زوجها وتركها وحدها دون أن يحبها ويصلها أو يطلقها.. فلا هى زوجة ولا هى مطلقة.. فقوة الحزب تزداد مع ضعف الدولة اللبنانية وبالعكس.
 وتدعم إيران الميليشيات الشيعية التى تقتل وتذبح وتفجر المساجد وتقتل بالاسم والمذهب وتشبه داعش إلى حد كبير ولا تدعم الدولة العراقية.. وهذه الميليشيات تريد الدولة العراقية أيضا كـ«البيت الوقف أو المرأة المعلقة».
 وتدعم الحوثيين فى اليمن ولا تدعم حكومة اليمن.. والحوثيون وإيران يريدون الدولة اليمنية كـ«المرأة المعلقة» أيضًا.. ويحبون قوة وبأس وتطور الحوثيين فى كل شىء.
  وهى تريد أن تفعل ذلك فى البحرين والسعودية والإمارات والمغرب والجزائر إن استطاعت.
 ولو أنها قامت مع غيرها بدعم الدولة وتطوير مؤسساتها وتشجيعها على الديمقراطية لكان ذلك خيرا  للجميع.. ولكن هيهات أن تفعل إيران ذلك.
 إنها تريد من يحارب بالوكالة عنها.. ويخدم مصالحها الاستراتيجية دون أن تبدو هى فى المشهد أو تتكلف شيئا  كثيرًا  أو تقع فى محظور سياسى أو عسكرى تمارسه الميليشيات وما أدراك ما الميليشيات فى كل مكان .
 ولكن فى النهاية لا لوم على إيران إذا سعت لمصالحها فى وقت نام فيه الآخرون وغفلوا عن أبسط حقوقهم .