الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

أحداث «اليمن» تدفع «مصر» لقيادة المنطقة وحسم صراعات المتطرفين

أحداث «اليمن» تدفع «مصر» لقيادة المنطقة وحسم صراعات المتطرفين
أحداث «اليمن» تدفع «مصر» لقيادة المنطقة وحسم صراعات المتطرفين




تحقيق ـ نسرين عبد الرحيم

«اليمن» أصبح مرادفا لكلمة أزمة، والتطورات السريعة الموجودة بصنعاء أدت إلى تكاتف والتحام العرب، فضلا عن دور مصر البارز بحسم خلافات ومساندة أشقائها فى الخليج خاصة المملكة السعودية وليس هذا فقط بل دعت أيضا بتشكيل القوى العربية المشتركة لمواجهة الاخطار التى تهدد أمن المنطقة.


وشاء القدر أن يصل الصراع بين النظام الحاكم والحوثيين فى الدولة اليمنية حدته قبيل انعقاد القمة العربية السادسة والعشرين بشرم الشيخ، الأمر الذى كان محفزا لاتخاذ قرارات سريعة وحاسمة على أرض الواقع، لاقت تأييدا دوليا تطور إلى الدعم فى بعض الأحيان» معلوماتيا ـ عسكريا ـ سياسيا»، ليبقى وسط كل هذا دور مصر يرفرف لكونها صاحبة تشكيل قوة عربية مشتركة لحسم الصراعات الداخلية فى الدول العربية.

فشل محاولات التفاوض
يقول باسم راشد، باحث سياسى، إن التطورات السريعة فى اليمن فى ضوء سيطرة الحوثيين على مدن عديدة فى الداخل عجلت بقرار تشكيل التحالف العربى بقيادة السعودية لمواجهة الأمر عسكريًا، خاصة بعد فشل محاولات التفاوض التى دعت إليها بعض الدول العربية فى ضوء رفض الحوثيين الأمر واستمرارهم فى تقدمهم نحو المدن اليمنية، وهروب الرئيس المنتخب عبد ربه منصور هادى إلى الرياض.
ويلفت إلى أن العملية العسكرية «عاصفة الحزم» اكتسبت شرعيتها من خلال دعوة الرئيس هادى الدول العربية بالتدخل لاستعادة الأمن والاستقرار فى اليمن، وتأييد منظمتى جامعة الدول العربية والتعاون الإسلامى، التدخل العسكرى، وأنه ليس غريبا تلبية السعودية النداء خاصة أنها دولة جوار مباشر مع اليمن، وبالتالى خط الحدود بينهما قد يصبح مهددا فى حال سيطرت الجماعة الحوثية على اليمن، منوها إلى أن الخلاف المذهبى بين السعودية «السُنية» والحوثيين «الشيعة» فى التسريع من وتيرة تلك العملية.

تهديدات عابرة للحدود
ويتابع: الصراع فى اليمن حاليا صراع نفوذ إقليمى بين الرياض وطهران، الذى بدأت وتيرته تتسارع بشكل كبير مع ظهور التهديدات العابرة للحدود فى المنطقة بداية من تنظيم الدولة الإسلامية، ثم بعدها الحوثيين، وكذلك تنظيم القاعدة، فى إطار ما قد يدعوه البعض بالحرب بالوكالة فى المنطقة لتشتيت الدول الكبرى وإعادة تشكيل النفوذ الإقليمى.
ويشير راشد إلى أن تأييد مصر «عاصفة الحزم» يأتى للضرر الذى قد يلحق بالملاحة فى قناة السويس إذا ما سيطر الحوثيون أو الإيرانيون على مضيق باب المندب، وهو ما جعل القطع البحرية المصرية تتحرك مباشرة هناك وتفرض سيطرتها عليه، ناهيك أن قوة العلاقات «المصرية ـ السعودية» دفعت القاهرة لمساندة الرياض فى مواجهة نفوذ طهران.

سياسة «فك الارتباط»
وينوه إلى أنه بالنسبة للموقف الأمريكى، فالولايات المتحدة منذ فترة تتبع سياسة «فك الارتباط» مع منطقة الشرق الأوسط، وتتوجه حاليا لمنطقة آسيا والمحيط الهادى، خاصة فى ظل انخفاض نسبة اعتمادها على النفط والبترول من دول الخليج، ووجود بديل لديها وهو الزيت الصخرى، وبالتالى وفى إطار تلك السياسة، فإنها أعلنت تأييدها للضربة العسكرية لعدم رغبتها فى الدخول فى صراعات أخرى تنهكها داخل الإقليم، وأعلنت أنها ستقدم الدعم الاستخباراتى واللوجستى فقط فى العملية.
ويلفت الباحث السياسى إلى أن موقف إيران الرافض لـ«عاصفة الحزم»، ودعوتها للعودة لطاولة المفاوضات والعمل على إيجاد حل سياسى للأزمة، فهو أمر طبيعى لأنه ليس خافيا على أحد دعمهم للحوثيين، إلا أن القيادة الإيرانية ليست بالغباء أو السذاجة التى تجعلها تدخل فى حرب مباشرة نيابة عن الحوثيين أمام هذا التحالف العربى بقيادة السعودية، لكنه يمكن القول إنها ستقدم كل سبل الدعم «السياسى  الدبلوماسى  العسكرى» لتقوية موقف الحوثيين فى مفاوضات ما بعد الصراع.

العرب والسبات العميق
بينما ألمح إيهاب العزازى، الباحث السياسى، أنه حان الوقتُ الذى يفيق فيه العرب من السبات العميق، فى وقت تحاصرنا فيه إيران من الشرق وتركيا من الشمال وإثيوبيا من الجنوب، أما إسرائيل سعيدة بكل ما يحدث للعرب من كل الجهات، مستنكرا من أن أمريكا والغرب نجحا فى إشعال العالم العربى بحروب وصراعات داخلية ليقضى العرب على أنفسهم، فضلا عن تحقيق الأرباح من خلال زيادة مبيعات السلاح الأمريكى فى الشرق الأوسط، بل والرابح الأكبر تل أبيب.
ويشير إلى أن الغرب نجح فى انتشال العرب من قضيتهم الأصلية «الاحتلال الصيهونى» للأراضى الفلسطينية، لذلك فيمكننا القول بأن ما يحدث فى اليمن حاليا ليس وليد الصدفة أو نتاج ثمار ثورات الربيع العربى، بل هو سيناريو قديم منذ سنوات تعمل عليه قوى الشر فى العالم عبر دعم الجماعات المتطرفة وتسليحها لتصبح فى يوم ما أداة لتفجير العالم العربى.
ويطالب العزازى الجميع بالنظر على الساحة السياسية ومتابعة ظهور الميليشيات المسلحة والجماعات التى تتخفى وراء ستار الدين مثل «القاعدة ـ داعش ـ الحوثيين ـ الإخوان ـ أنصار بيت المقدس ـ أنصار السنة» وكل من يسعى لتقسيم وتدمير العالم العربى وتمزيقه لاستنزاف ثوراته حفاظا على أمن إسرائيل ودعم الخطة الامريكية الصهيونية التى تريد إغراق العالم العربى فى فوضى لا نهاية لها.
ويتابع: ما حدث من مساندة دولتى «قطر ـ الإمارات» الضربة العسكرية هو ناتج عن استغاثة الرئيس اليمنى، لأن الأحداث هناك تأزمت فى الشهور الماضية دفعت هادى إلى الهروب خارج البلاد، فكان لا بديل عن الحل العسكرى ليسطر نهاية محاولات كثيرة «سعودية ـ خليجية» للتفاوض مع الحوثيين بعد سيطرتهم على مقاليد الحكم اليمنى، ولم تفلح جميع محاولات دول الخليج لانهاء الأزمة سلميًا، علاوة على أن السعودية كانت قد حذرت من دخول أراضيها، الأمر الذى تسبب فى دعم العرب حربًا جماعة اغتصبت الحكم.
ويشيد الباحث السياسى بدور مصر ودعمها «عاصفة الحزم» سياسيًا وتحريك قطع بحرية باتجاه باب المندب، ولذلك لأن القاهرة ليست الدولة التى تتخلى عن العرب فى أزمتهم أو تتناسى مواقف الخليج، خاصة المملكة العربية السعودية التى دعمت الثورة المصرية، ما يؤكد أن مصر لن تتخلى عن الدفاع عن أى دولة تتعرض لأخطار خارجية تهدد أمنها وسلامتها، مستشهدا بجملة الرئيس السيسى «مسافة السكة» التى ترسل رسالة للجميع بأن مصر لن تتخلى عنكم فى الأزمات.
وعن تحفظ «روسيا ـ الصين» الاتحاد الأوروبى على «عاصفة الحزم» يرى العزازى أن سببها التوازنات الدولية والحفاظ على المصالح السياسية والاقتصادية للدول، خاصة فى ظل صراعات السيطرة على الشرق الاوسط وتخوفهم من أن الحلول العسكرية لا تجدى فى ظل وضع عربى ملتهب، وخوفا من تحول الحرب فى اليمن لمستنقع كبير يعيد تجارب «افغانستان ـ العراق ـ سوريا»، وبالتالى رؤيتهم يمكن تفهمها فى ضرورة حل الخلافات العربية بالحوار والتفاوض، لأن الحلول العسكرية لا تؤدى إلا لمزيد من العنف والتدمير والتخريب.

تجربة الجزائر فى التسعينيات
ويوضح أن الرفض الإيرانى الشديد لتدخل الدول المجاورة فى اليمن، يرجع إلى أن الحوثيين يعتبرون أحد أجنحتهم لتفخيخ وتدمير العالم العربى، فهم يدينون بالولاء والتبعية لإيران، وتم دعم الحوثيين معلوماتيا وأمنيا وتسليحيا من قبل إيران، وعلى الجميع مراجعة دور القائد الإيرانى، قاسم سليمانى فى اليمن.
ويؤكد الباحث أن الجزائر رفضت التدخل العسكرى بسبب الخوف والقلق من تكرار تجربة الجزائر فى التسعينيات، وإغراق دول الخليج العربى فى الفوضى والصراعات المسلحة، خاصة فى ظل الطبيعة اليمنية الجبلية الوعرة والخوف من تدخل برى خليجى يورط جيوش الخليج فى حروب عصابات تنهك القوات العربية، ويصبح اليمن ساحة للجماعات غير الشرعية المتطرفة فى العالم، ويتحول اليمن لأفغانستان جديدة.
ويتابع: رسالة قائد الحوثيين للرئيس عبد الفتاح السيسى تعكس معانى عدة، أهمها الاعتراف الحوثى بقوة الجيش المصرى وقدرته على حسم المعركة والقضاء على الحوثيين، فزعيمهم يؤكد خوفه وقلقه من جيش مصر، ويعترف أن الخليج بدون مصر فريسة سهلة يمكن التعامل والانتصار عليهم، لذلك الرسالة تؤكد رعبه القائد الحوثى وجماعته من القوات المصرية، خاصة أنه فى ساعات سيطرت البحرية المصرية على مضيق باب المندب وسواحل البحر الأحمر.

تسوية ترضى جميع الأطراف
بينما يؤكد جهاد عودة، دكتور العلاقات الدولية، أن هدف مصر الأسمى هو المشاركة فى الدفاع عن الشرعية كمبدأ عام، علاوة على مساندة أشقائها العرب والخليج، منوها إلى أن حل الصراع وحسمه من خلال تسوية ترضى جميع الأطراف ترحم البلدان من نشوب حروب أهلية.
ويرى أن هناك سيناريوهايين من المتوقع حدوثهما، الأول: أن طلب السعودية ومجلس التعاون الخليجى مستحيل، فمن الصعب أن يسلم الحوثيون كل السلاح قبل إيقاف معركة عاصفة الحزم، فهذا طلب غير معقول، خاصة أن حزب الله فى لبنان لم يسلم أسلحته، علاوة على أن الثقافة اليمنية تعترف به إلى جانب أن المواطنين هناك لا يمكن لهم السير فى الشارع دون حمل الأسلحة، مشيرا إلى أنه كان من الأفضل أن يتضمن الطلب «ضبط السلاح» فقط كما حدث بالفعل مع حزب الله.

التدخل البرى لانهاء الصراع
ويتابع: أما السيناريو الثانى، فهو أن السعودية أصبحت فى مأزق بسبب هذا الطلب، فليس من الممكن أن تحسم المعركة فى الجو، ولا بد من حسمها على الأرض، وبالتالى اذا أرادت السعودية إنهاء الصراع فعليها التدخل برا، مشيرا إلى أن رفض إيران تدخل دول مجاورة باليمن يأتى على خلفية الرحلات التى كانت منقطعة بين اليمن وطهران والتى أصبحت نحو 15 رحلة جوية يوميا بعد سيطرة الحوثيين على اليمن، الأمر الذى يعكس بدوره وجود تدريبات وتجنيد لبعض الأشخاص.
ويوضح عودة أن رفض الجزائر التدخل يرجع إلى معاناتها من الحرب الأهلية التى عايشتها، ما يدفعها إلى الحرص على عمل نقاط وسط دون التدخل، فى المقابل «روسيا ـ الصين» ودعواتهما لوقف القتال موقف سياسى، الأمر الذى أدى إلى أن الأمير فيصل انتقد موقف بوتن واتهمه بأنه السبب فى الأزمة السورية، منوها إلى أن إيران تتدخل فى دول الخليج نتيجة لامتلاكها قدرة على الحشد الشيعى فى العراق، ومن خلال حزب الله الشيعى بلبنان، وأنصار الله الحوثيين.