الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

ثلاث قضايا يوميا على مكتب الرئيس

ثلاث قضايا يوميا على مكتب الرئيس
ثلاث قضايا يوميا على مكتب الرئيس




كتبت - د.فاطمة سيد أحمد

الرئيس لا ينضب حديثه عن «الأمن القومى» الذى ربما يرى البعض أنها كلمة فضفاضة وغير ممسوكة، ولكن الواقع والمعنى دقيق واضح لأنه يعنى سيادة الدولة على ما تملكه من أرض، وهو ما يتطلب حماية الحدود والحفاظ على كل ذرة تراب من أرض الوطن الذى هو أساس وجود الدولة وملك شعبها، وثانيا استغلال الموارد الاقتصادية التى تملكها الدولة ليعيش أفرادها دون الحوج والعوز، وثالثا القيم الأخلاقية التى يتحكم فيها الدين والتراث الحضارى بما يخلفه من ثوابت ومتغيرات صالحة لكل زمان، هذه المكونات جميعها هى المعنى الحقيقى لـ«الأمن القومى» بمعناه البسيط.. وإذا كان الرئيس السيسى يؤمن الأرض بجيش قوى قادر على تلك المهمة، وإذا كان يعمل ليل نهار لكى يستيقظ الوطن من سباته وينهض شبابه للعمل دون الهروب إلى جحيم البطالة.. فإن العامل الثالث والأساسى فى أمن الوطن هو تلك الحماية الأخلاقية التى توفرها «الأديان» من عقيدة ومعاملات وأخلاق وأسانيد يعيش فى كنفها المؤمنون بها.. ولكن ما حدث من متغيرات فى مصر من جراء جماعة ارتدت عباءة الدين وتاجرت به وارتكبت كل الأفعال النكراء وأجازت القتل والحنث وغيرها. كل هذا جعل شباب الأمة فى خطر داهم اسمه عدم الاعتراف بالكتب السماوية والنواميس الأخلاقية المستمدة منها حتى انتشر «الإلحاد» وكاد أن يقضى على أهم ما يساعد البشر للاستمرار فى الحياة إنه «الإله والدين» ولعل هذه الأمور التى جعلت «السيسى» يبحث فى أوراق علماء وفقهاء مصر «المحدثين» لعل الدواء يكون لديهم أسرع للداء هذا ما كان ليقع الاختيار على الشيخ «أسامة الأزهرى» الذى عرف من خلال البرامج الفضائية، ولكن لماذا استدعى الرئيس «الأزهرى» وأسند إليه مهمة تنقيح الخطاب الدينى بشكل عصرى يناسب عقول الشباب ويجعلهم مقبلين على سماعه لكى يحمى أهم أعمدة الأمن القومى وهو «البشر» الذين بأخلاقهم ودينهم وحفظ حقوق غيرهم وتفهم حضارات وآراء الآخر يجعلهم قادرين على حماية أوطانهم لا تلاعب بعقولهم من متشدد يهوى بهم إلى التطرف والإرهاب، ولا إلى مسهب يصل بهم إلى الهوان بالدين وركل التراث والأسانيد والحجج التى هى الدافع الأكبر للتراكم الثقافى.. وفى ظل تكرار الرئيس للأزهر بكل أساتذته وعلمائه بأن يسرعوا بالخطاب الأهم لحماية الوطن وإنقاذ الدين من  التلاعب به وعليه لم يسرع ذلك الصرح فى هذا فما كان من «السيسى» إلا التوجه بشخصه إلى أشخاص بعينهم يفرض عليهم تلك المسئولية الوطنية فى هذا الظرف العصيب.. ومن هنا فإن الاختيار الذى وقع على «الأزهرى» إنما مرجعه هو إيمانه بإحياء فكرة «الإسناد» بشكل شمولى يوحى من وجهة نظره بوظائف علمية متعددة الوجوه من حيث التصحيح فى نقل المصادر وتوريث المناهج وتلقى الخبرات والمهارات والمفاتيح العلمية وتوريث الأخلاق والآداب الشريفة، لأن «الإسناد» يدعو إلى دراية وتزكية بالإضافة إلى وجوب فتح صفحات حياة لكل العلماء السابقين، والاختيار أيضا لـ«الأزهرى» لأنه صاحب نظرية الاستيعاب القرآنى للحضارات المختلفة حيث نادى بوجوب التفات المسلمين إلى دواعى الهداية التى يقدمها القرآن الكريم والذى يختص أحدهم بالمؤمنين به ويشمل الأحكام والتكاليف الشرعية والأوامر والنواهى، وأن تلك هى الهداية الخاصة، وأن النوع الآخر هو الهداية العامة التى يخاطب القرآن بها الناس أجمعين والإنسانية كلها ويرشدهم إلى الأصول العليا التى تتفاعل من خلالها الثقافات وتتعارف من خلالها الحضارات ليكون هذا السلاح القرآنى بديلا عن فلسفة صدام الحضارات التى نادى بها الكثير من المنظرين المعاصرين مثل «صامويل هنتجتون وفرانسيس فوكوياما» وليعلم الناس أن هناك ملجأ آمنا للبشرية وخطابا قرآنيا يحمل لكل إنسان الهداية خاصة به فيما يعرف بنظرية الاستيعاب القرآنى للحضارات والثقافات المختلفة.
كما كان لـ«أسامة الأزهرى» الأثر الأكبر لتفكيره فى الارتباط بالأصل والاتصال بالعصر.
حاول لفت انتباه القدر الأكبر من الناس إلى العلاقة بين ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم وماهية التعلق السليم بمناهج سلف الأمة وتراثهم العلمى الهائل الذى خدم البشرية ومفاتيح فهم ذلك التراث بشكل لا إفراط فيه ولا تفريط، فلا يحدث ذلك الانغلاق على النفس والتجمد الفكرى والوقوف خلف عجلة الزمن وفى نفس الوقت لا يحدث انسياق أعمى وراء كل صيحة ودعوة لا أساس لها، كما يحدث لبعض الواقعين تحت تأثير صدمات المعرفة أو كما يحدث من الدولة لو جاء فى بعض الاتجاهات التى لم يتم تأصيلها بسبب عدم القدرة على التمييز ما بين التفكير غير المستقر الذى مازال قيد البحث والمداولة وما بين العلم المستقر والمناهج الراسخة المدروسة.
ويبين من خلال محاضراته أن على كل جيل من المسلمين دورًا فى إيجاد الحلول المناسبة لمشاكل البشرية فى ذلك العصر ورسم الخرائط التى تقود البشر إلى بر الأمان فى جميع مجالات استخلاف الله للإنسان من عبادة وعمارة للأرض وتزكية، وأن ذلك لا يكون إلا بالارتباط بالأصل من خلال التعمق فى فهم مناهج البحث التى أرسى أصولها سلف الأمة وطرائق تفكيرهم وإدراك الثوابت وتحديد المتغيرات مع معايشة للواقع ومعرفة بالمستجدات، ليس فقط من خلال الأحداث وإنما من خلال الأفكار الكلية والنظرات الشمولية وإدراك لسمات العصر التى تجعل المسلم واعيًا لما يكون من حوله بل وما يكون مما يكسبه «مناعة حضارية» ومهيأ للتعامل مع الأمور باتزان وثقة ودراية.