الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أولياء الرحمن فى رمضان





 
من حيث تبين لنا ضرورة تطوير مفهوم العمل الصالح، وأن هذا المفهوم يتباين من حيث الزمن والأشخاص والأمكنة، وأن العمل الصالح ليس صلوات وترانيم وتلاوة قرآن فقط، بل العمل الصالح الحقيقى هو خدمة المجتمع ومعاونة الآخرين وإرشاد الناس لسبل الهداية، وهى مهام لابد لكل مسلم أن يلوذ إليها، وليصلى بعد ذلك ما شاء الله له أن يصلى من النوافل.


فخدمة المجتمع هى الأساس الذى يؤكد صدق الإيمان بالله وحسن إسلام المرء، فما الصلاة إلا تهذيب للنفس لكن المسلم يروى بخلقه شجرة الحياة وما يكون ذلك إلا بالعمل الذى تنصلح به جنبات الحياة.
 
الدولة وموظفوها والعمل الصَّالح
 
قد تُنفق أموال الأوقاف فى زمان مضى لمساعدة المحتاجين وإنشاء المساجد، لكنى أرى أن إنفاقها على البحث العلمى الذى دأبت الدول العربية على عدم مساندته أفضل من إنشاء المساجد، كما أرى أن التخطيط وتنفيذ ربط مصر بالسودان بطريق مُعَبَّد أعظم ثوابا من كل ما غنمه جميع الصائمين هذا العام من ثواب فى العالم الإسلامى بأسره.
 
 ولو تعاون تم لإنشاء جسر بحرى بين مصر والسعودية لكان أفضل لاتحاد الأمة وقوتها، ألم ير المسلمون أن دولة فرنسا ودولة إنجلترا ارتبطتا بنفق تحت بحر المانش رغم ما كان بينهما من حروب طاحنة على مر التَّاريخ!؟، ألم يسأل أحد الحُكَّام أو المنافسين من أهل المعارضة فى دولنا الإسلامية، لماذا لم ترتبط مصر والسعودية بسكك حديدية عبر خليج العقبة؟، أم ترانا ندرُس الجغرافيا لأجل الحصول على شهادات لا تنفع الأمَّة، أو نتقلد المناصب لأجل استمرار القطيعة والاختلاف بين دولنا!؟، أم أننا نُنَفِّذ للغرب تعليماته لاستمرار الفُرقة والتفكك بين دولنا بينما نصوم ونظن أننا نُحسن الصنع. 
 
ولو تم التخطيط ثم التنفيذ لإنشاء شركة للصيد بأعالى البحار أو حتى ببحيرة ناصر، لكان أفضل من كثير من نوافل الشعائر التى يهتم بها الموظف العام سواء أكان وزيرًا أم رئيسًا لمصلحة، أو رئيسًا لجمهورية أو ملكًا.
 
كما لم يكن الإنفاق على البحث العلمى موجودا بزمن النبي، حيث لم يكن هناك بحث علمي، وهو اليوم فريضة لازمة فى حق القائمين على الدولة، فما فائدة صومهم بينما الدولة تَجُر أذيال التخلف الصناعى والتخلف الزراعى والتخلف التقنى فى عهودهم؟، لا شك أن مفهومهم عن العمل الصَّالح قد انغلق على فكر قدماء السلف.
 
كل تلك المشروعات تبدأ من عند موظف عام مخلص فى عمله، سواء أكان صائما أم لا، لكن المهم أن تعلموا أن دروب الإخلاص فى زماننا غير دروب الإخلاص زمن الصحابة، وأننا فى أيامنا هذه أوفر حظا منهم بتوفر ذلك التنوع، لكن يعوزنا الإخلاص والتفانى والخروج من شرنقة الماضي، بل فقدنا العقل والرشاد، ووقعنا فى غرام فقه السلف بلا ضابط.
 
وحسنا قال الشيخ الغزالى  رحمة الله عليه ـ فى كتابه {ليس من الإسلام}: «فمن ظن الدين قياما بأعمال معينة فى أماكن معينة فهو واهم، إنه لن يتم إيمان إنسان إلا إذا تكونت فى نفسه ملكة الإجادة فيما يوكل إليه من عمل، وهى الإجادة الشاملة التى تبلغ بالأمر تمامه، وتكره فيه القصور، وتخشى عليه الفساد، ....ثم استطرد يقول: إن شر ما أصيب به الدين حصره فى طائفة من الأعمال يحسب الجُهَّال أنهم إذا أتوا بها فقد أدوا واجبهم ولا عليهم بعد، هذا الفهم الخاطئ جعل الحياة تشقى بأصناف العابدين الذين يصلون ويصومون، لكن أعمال الحياة تفسد فى أيديهم، لذلك لا يؤمنون عليها»، وقال:«إن انحصار العمل الصالح فى عبادات خاصة جعل طُلاََّب التقوى يشغلون أوقاتهم المتطاولة بتكرير هذه الأعمال المحدودة وكأنهم لا يرون غيرها وسيلة إلى مرضاة الله».{راجع من ص170ـ172 من الكتاب المذكور}.
 
إن العمل بنظرية {ما تيسر} إنما يمثل خيانة للأمة، وإن بذل أقصى الطاقة إنما يعبر عن قويم الأخلاق التى نتنادى بها، دون أن يكون لنا حظ منها إلا من سمات شخصية لا تخرج عن كونها من الذوق، والكفاح لا ينحصر فى ميادين القتال، إنما أصل الكفاح من أجل الخير ونماء البشرية.
 
أمر آخر ألوم عليه نُظُم العمل بديوان الدول، فلقد قام الحكم بالدول الإسلامية بدور الوصي، وقامت الأمة بدور القاصر، ومن ثم نشأت روح الاتكالية بالمجتمعات الإسلامية، واعتمدت الشعوب على الحكومات فى ترتيب شئون حياتها العامة والخاصة، كما اعتمدت على التراث والاغتراف منه بلا تعقل لترتيب شئون دينها، فتخلفت الأمة بينما يحسب كل من فيها أنهم يُحسنون صنعا، لذلك بات من الضرورة تدمير المبهمات فى حياتنا للخلاص من ذلك النهج، ولابد أن يعلم المواطن كل الظروف المحيطة بحياته ودولته ودينه، ولا يكون ذلك إلا بإطلاق الحريات بكل أشكالها، حتى نخلُص إلى مواطن يُحسن الاعتماد على ذاته، ويطور تلك الذات لمنفعة الوطن.
 
وقد يلوذ أحد المشجِّعين للذِّكر القولى والتَّرانيم بأن هذا الأمر ليس فى مُكنة المسلم العادي، وهو جدل عقيم، إذ إن الموظف المسلم فقد الفكر الصحيح عن العمل الصَّالح، وانتهى أمره أن أصبح يورِّث الأجيال المتعاقبة فكره الضَّئيل المتهالك عن العمل الصَّالح، وحصر انتصاراته فى شغل الوقت بتسابيح كان يمكنه القيام بها حين تعلو همَّته العملية لعمارة الأرض، فيغنم الاثنين معا، لكن هيهات لمن ورثوا الضَّآلة أن تقفز هممهم وأفكارهم، بل تراهم ورثوا المسبحة عن أجدادهم، فهذه مسبحة بثلاث وثلاثين حبَّة، وتلك ذات مائة حبَّة، وأخرى بعدَّاد يوصلك إلى مائة ألف تسبيحة، وتلك تبلغ بك المليون تسبيحة....وهكذا، وهذا يصوم وذاك يقوم، لكن أين فائدة المجتمع أهى فى روتين وظيفى وعملى من مصلين وصائمين ومسبحين بالنوافل؟، لست أدري!.
 
 وهؤلاء حين يحين دورهم لتقلد المناصب، لا يجدون فى معينهم عن العمل الصَّالح فى وحدة الأمَّة إلاّ الشِّعارات والصَّيحات، هذا فضلاً عن عدم قيام الدُّعاة بتوجيه النَّاس لتلك الأهداف العليَّة، ولا زالت أغلب الطرق الصُّوفية لا شُغل لها إلاَّ مقابر الصَّالحين، والسلفية لا همَّ لها إلا النبش والبحث عن فقه الأقدمين، وبينهما جماعات وجمعيات صرفت اهتمامها لإطلاق اللحى والإكثار من استخدام السواك، مع التنسك بشعائر من السُّنَة، والدعاء بالمأثور، وآخرون تصوروا الجهاد وحصروه فى حمل السلاح وإثارة الرعب بين النَّاس، وهكذا أصبحت دولنا خرابًا وتخلفًا.
 
إن تَمَكُن الدولة الإسلامية وأفرادها من الدنيا يوفر قاعدة تمكين لدين الله فى الأرض جميعا، وما هزمتنا إسرائيل مرارا، أو لعلنا نخشى مواجهتها أو مواجهة دول مثل أمريكا أو روسيا، إلا لأننا فقدنا الدنيا فأصبحنا أذلاء الأرض بصورتنا الفكرية عن الدين والعمل الصالح، وفقدنا المهمة الإستراتيجية للموظف العام بالدولة .
 
وأنـا أول المسلمـين
 
أوج العمل الصَّالح يختلف من شخص لآخر، ومن عصر إلى عصر، ومن مناسبة لأخرى كما تم بيانه، وكان ذلك هو نهج النبى صلي الله عليه وسلم، لكن لعدم تدبر المسلمين لكتاب الله، وعدم تفهمهم لسُنَّة نبيهم، ظهر المقلدون الذين زينوا ما يقومون به من تقليد، فنعتوا أنفسهم بأنهم سلفيون نسبة للسلف الصَّالح، لكن إذا كنا نستهدف أعلى رضوان لله، فعلينا بحسن مدارسة القرآن والسُّنة، وقد قدمت كيف أن أحاديث النبى وتوجيهاته كان لها أبعاد زمانية ومكانية وشخصية مختلفة.
 
ولقد خبرت النَّاس وهم يظنون فى قوله تعالى: {لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ }الأنعام163؛ وقوله: {وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ }الزمر12؛ فحسبوا أن تلك الأولوية  تعنى النبى فقط، وهو من انحراف التدبر فى كتاب الله، وحتى إن كان ذلك صحيحا أو حوته بعض التفاسير، فأنت مأمور باتباعه صلي الله عليه وسلم، بما يعنى أنك مأمور بأن تكون أول المسلمين، وبذلك فأنت فى حالة تنافس بينك وبين كل أهل الإسلام الذين يعيشون فى زمانك، مما ينبغى عليك أن تكون مبدعًا أو تحاول الإبداع فى عملك الصَّالح، وتكون رائدا، يحتذى بك من يريد الرفعة لنفسه، والله تعالى يقول عن الأبرار بالآية 26 من سورة المطففين: {خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ }المطففين26؛ فالتنافس مطلوب، ونحن مأمورون باستباق الخيرات والمسارعة للحصول على مغفرته ورضوانه عز وجل، ثم جنات النعيم بإذنه ووعده، فإننا إن فعلنا ذلك وانتهينا عن المنكر، كنا خير أمة أُخرجت للناس حقا، وبغيرها نكون أمة من المفلسين كما ترى حالنا الآن.
 
وكما ذكرت فقد كان الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ يسألون النبى أى العمل أفضل؟ فيجيبهم، وما ذلك إلا من حرصهم أن يكون عملهم الصَّالح أفضل ما يُرضى الله، وكان النبى يقول أحاديث كثيرة، تبدأ كلها بقوله صلي الله عليه وسلم خيركم، فقال: خيركم من تعلم القرآن وعلَّمه، وقال: خيركم خيركم لأهله، وقال: أحسنكم قضاء، وقال: أحسنكم أخلاقا، وقال: من يرجى خيره ويؤمن شره، وقال: من أطعم الطعام...إلخ، كل ذلك يؤكد حث النبى أصحابه ليكونوا أخير النَّاس بأفضل العمل.
 
وعلى ذلك فكلما كان عملك الصَّالح متميزا، كلما كان متوائما مع مراد الله فيك، لذلك فالتنافس والتميز والاستدامة وقوة التأثير وكثرة من يخدمهم العمل الصَّالح، كلها تدفع بصاحبها إلى صدارة المسلمين فى عهده، وبذلك تكون أول المسلمين، لكنك إن صمت حياتك كلها، ما توصلت لتكون أول المسلمين، إلا إن كنت لا تُحسن غير هذا، فلا تُكلَّف إلا وسعك.  


من علامات قبول الله الأعمال الصَّالحة من العباد
 
 إن العمل الصالح واستمراره يعبران عن حقيقة إيمان العبد، ولو قبل الله عمل هؤلاء الباذلين فى رمضان، والصائمين فى العشرة الأوائل من ذى الحجة، وفى مناسباتهم الدينية الشهيرة، لرأيتهم يملأون المساجد بعد مرور تلك الأيام، وذلك لقوله تعالى: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً }مريم76؛ وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ }محمد17؛ وقوله تعالى: {ذَلِكَ الَّذِى يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ }الشورى23؛ فكل ذلك من علامات قبول الله العمل من العاملين، لكنك ترى أنهم موسميون، لا يعملون إلا حينما يُطلَب منهم العمل، وإن عملوا فإن نهجهم هو أقل القليل وبلا تفان، لذلك فإن الله لا يزيدهم هدى، ولا يزيد فى حسناتهم، بل يعودون لما دأبوا عليه من هجران المساجد، والامتناع عن صوم السنن، وعدم صلاة الصبح بموعدها، وهجر تلاوة كتاب الله، ويقل إنفاقهم وبذلهم للفقراء بصورة شديدة، وما ذلك إلا لنهجهم فى عدم الإخلاص لدين الله إلا بالمناسبات، وبالسنن الخاصة بالشعائر فقط.
 
إن هؤلاء إن كانوا علموا أن الإخلاص هو مناط القبول، لكان لهم شأن آخر غير نهجهم الميراثى فى عمل الصَّالحات موسميا، بينما الله يقول: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ }البينة5؛ فالإخلاص هو نبع قبول الله للأعمال، ولا يكون ذلك إلا من همم مندفعة بإيمان يملأ القلوب فى كل وقت وحين.


هل ينحصر معنى قيام الليل فى الصَّلاة فقط؟.
 
لقد كان الصحابة يقومون الليل بكثرة الصَّلاة، وسبق وذكرت السبب، وقد وصفهم الله لنا فى قوله تعالى بسورة الذاريات: { كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ{17} وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ{18} وَفِى أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ{19}؛ فهل ينحصر قيام الليل بأيامنا هذه فى الصَّلاة والاستغفار وتلاوة آى الذكر الحكيم؟، أو الاعتكاف بالمساجد؟.
 
 إنى أرى قيام الليل فى طالب يكد فى مذاكرته ليلا، وأراه فى صحفى يسعى للخبر ليلا لينشره صباح اليوم التالي، وأراه فى كل نوبتجى بالليل بكل موقع من مواقع العمل، فنوبتجى محطة المياه أو الكهرباء يقوم الليل وإن لم يركع ركعة واحدة كنافلة فى ليلته.
 
 وباحث بالليل بمعمله أو بمكتبته، وفى طبيب بعيادته الخاصة لفائدة المجتمع، ولو كان يربح، وفى محام بمكتبه يسهر لحل الخلاف وأداء الحقوق إلى أهلها، كلهم وأشباههم من القائمين الليل على أن تنصرف نياتهم لأداء أعمالهم لرضوان الله.
 
 وكل تلك الدروب وغيرها لم تكن موجودة على عهد رسول الله ε؛ فلماذا انحصر فكرنا عن قيام الليل فى الصَّلاة فقط، بل وترانا نردد سنويا كالببغاء حين نقوم بها فى جماعة ـ بشهر رمضان فقط ـ أن عمر بن الخطاب قال {نعمت البدعة هذه}، ومنا من يقول بأن الصحابة كانت تتورم أقدامهم من كثرة قيام الليل فى صلاة، ولست أدرى فقه التورم والدعوة إليه واستحسانه فى أيامنا هذه، إلا أنه فقه لأصحاب الأزمات النفسية والفساد الفقهي.
 
 فلماذا لا تأخذون عنى بدعة قيام الليل لمصلحة الأمة، ومصلحة الدولة، ومصلحة الحي؟!، هل لابد أن يكون قيام الليل صلاة أو تلاوة فقط؟، إنى أرى ما ذكرت أفضل مما ورثتموه بلا اهتمام منكم بتطور الزَّمان والاهتمامات والاحتياجات، وذلك مع تقديسى وأدائى للصلاة المفروضة فى موعدها، وللنوافل التى تحتاج لها نفسي، شريطة ألا تؤثر على مصلحة المجتمع، لكن لابد وأن تكون الأسبقية اليوم فى العمل الصَّالح لمصالح نماء الحياة والغير، ولا يمنع ذلك أن يصلى من لا يحسن إلا قيام الليل بالصَّلاة فليقطع الوقت فى الصلاة كما يشاء.
 
إن التلمظ النفسى والفكرى عند البعض خوفا من ضياع تُراث الصحابة، يعبِّر عن غباء فكرى أودى بنا إلى تقليص معنى العمل الصَّالح داخل دائرة الشعائر وما شاكلها من النوافل، مما تخلفت به الأمة، وأصبحت فى ذيل الأمم، ولأن هؤلاء السدنة لا يجيدون إلا ذلك الفكر فقد توسعوا فى فكر التحريم، وتوسعوا فى فقه القُربات من خلال الشعائر بلا ضابط، فها هم يوقفون قص الشعر والأظافر لمن يريد أن يضحى بأضحية لله بمناسبة عيد الأضحى، وكأنهم يضيقون عليه لأنه يريد القيام بسُنَّة، ويزعمون أنه بذلك يحصل له من الثواب ما يحصل للحاج، وهم لا يستحون أن ينسبوا ذلك الهراء لرسول الله، ويقولون أنه بكتب الصحاح التى لا تتواجد بأيديهم نسخة واحدة مخطوطة منه بخط أحد أصحاب الصحاح الذين أُحرقت صحاحهم بحريق مكتبة بغداد حين هاجمها التتار، لكنهم مع ذلك يتعصبون ويقدسون ما لا يجب التعصب له ولا تقديسه، وما أراهم إلا مثل من كانوا يوزعون صكوك الغفران على النَّاس من خلال تعاليم من صنعهم.