الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

رشاد كامل يكتب: تجربة محمد حبيب: جهل المذيع نعمة.. وعقل الضيف نقمة!

رشاد كامل يكتب:  تجربة محمد حبيب: جهل المذيع نعمة.. وعقل الضيف نقمة!
رشاد كامل يكتب: تجربة محمد حبيب: جهل المذيع نعمة.. وعقل الضيف نقمة!




مصيبة عدد كبير ومهول من البرامج التليفزيونية فى الفضائيات التى تسد عين الشمس، أن البيه المذيع أو الهانم المذيعة تتصور عن عمد أو جهل أنه أو أنها أكبر وأهم من الضيف الذى يستضيفه البرنامج!!
فهذا المذيع أو هذه المذيعة التى تعلن الصحف أن راتبه أو راتبها يتعدى ملايين الجنيهات فى العام، يستضيف كاتبًا بارزًا أو مفكرًا لامعًا يتقاضى ملاليم نتيجة فكره وقدح زناد فكره، لا يهم إذن ضيف البرنامج فالمهم وجود المذيع أو المذيعة.
وما أكثر المرات التى شاهدت فيها اسمًا مرموقًا فى عالم الفكر والتفكير والتأمل تحترم كتاباته ومقالاته، لكنك تُصدم عندما تراه ضيفًا فى أحد البرامج، فالرجل يكاد يكون مستمعًا لا متكلمًا، ويكاد يكون ضيف شرف طوال مدة البرنامج، تسأله المذيعة سؤالاً طويلاً عريضًا ليس له بداية أو نهاية، وما أن يهم الرجل المحترم بالإجابة حتى تقاطعه المذيعة أو المذيع بسؤال لا يقل بواخة أو سخافة عن سؤالها الأول!
وينتهى البرنامج دون أن تفهم لماذا استضافت المذيعة هذا الرجل فهى لا تفهم ما يقول؟! وتسأل خارج الموضوع، وتقاطع بأكثر مما تنصت!!
أكثر الأسماء اللامعة المحترمة التى نقرأ لها تعرضت لهذا الموقف العبثى ولعل الحياء والأدب والخجل وحدهم هم الذين يمنعون الضيف من توبيخ المذيعة الثرثارة أو المذيع الثرثار بالكف عن هذا الهراء التليفزيونى.
الست المذيعة لا يهمها أفكار وآراء ضيفها بقدر ما يهمها صورتها على الشاشة: أناقتها، شياكتها، براعة مكياجها، هذا فقط ما يهمها.
وربما من أجمل ما قرأت حول هذه المسخرة هو ما كتبه «د.محمد حبيب» الكاتب المحترم فى مقال عنوانه: «اقرأ ما يعجبك واكتب ما يعجب الناس» ناقش فيه بعمق هذه الظاهرة بقوله:
«لن تكون كاتبًا جيدًا إلا إذا كنت قارئًا ومتابعًا جيدًا لمعظم ما يكتب فى الكثير من الصحف، هذا عدا قراءة التقارير والتحليلات والكتب التى تصل إليها يدك» ويضيف صادقًا: «مطلوب من الكاتب ــ أى كاتب ــ أن يحترم عقل القارئ وأن يكون صادقًا معه، وأن يقدم له زادًا فكريًا وثقافيًا مستندًا على معلومات صحيحة وكاملة وشاملة، مطلوب منه أيضًا أن يزرع الأمل فى قلب قارئه، أن يستحثه ويحفزه على التفكير والتأمل وأن يشبع عقله وقلبه ووجدانه بما يفيد».
وكل ما يتمناه ويحلم به د.محمد حبيب غائب تمامًا، سواء عند بعض من يكتبون أو يظهرون على شاشات التليفزيون من مذيعين ومذيعات.
وما أكثر المرات التى شاهدت فيها د.محمد حبيب ضيفًا على أحد البرامج وكنت أشفق عليه ــ كما أشفق على مئات الضيوف المحترمين ــ فالمذيعة أو المذيع يسأل ولا يسمع، يقاطع ولا ينصت ولا يهمه أو يهمها ماذا يقول ضيفه د.حبيب أو غيره.
وعن هذه التجربة كتب د.محمد حبيب ــ فى نفس المقال ــ يقول: جاءت ثورة الاتصالات والسماوات المفتوحة لتضع حاجزًا سميكًا بيننا وبين القراءة، فالغالب الأعم من الناس يستسهل الجلوس أمام التلفاز ساعات طويلة كى يشاهد هذا البرنامج أو ذاك، لكن أن يتناول كتابًا أو حتى مقالاً فى صحيفة، فذاك أصبح أمرًا صعبًا وثقيلًا على الرغم من ذلك فالكثير من البرامج سطحى أو هزلى ولا يرقى بفكر أو ثقافة أو وعى المشاهد إلا فيما ندر».
ويصل «د.حبيب» إلى جوهر وعمق المأساة بقوله: نحن أمام مذيعين يتحدثون فى كل شىء لكنهم فى الحقيقة لا يقولون شيئًا، المهم أن يتحدثوا أغلب الوقت، وأن يبدوا آراءهم فى قضايا ربما تكون أكبر من قدراتهم وإمكاناتهم بكثير، مع أن هذه هى مهمة الضيف، أحيانًا أشعر أن الأخير جىء به كى يجلس كتلميذ خائب عليه أن يستمع فقط، وأن يومئ برأسه للموافقة على كل ما يقال، الأمر الذى يصيبه بالضيق والضجر والإحباط وسوء الحظ العاثر الذى ساقه إلى هذا الموقف».
هذه التجربة الشخصية المؤلمة التى روى تفاصيلها المحزنة د.محمد حبيب تكاد تكرر مع كل ضيوف الفضائيات وفى معظم البرامج بدون استثناء وكأنها اتفقت على شعار واحد يقول:
ــ المذيع يسأل والضيف يصمت!! المذيع يسأل والضيف يبدى إعجابه بالسؤال، المذيع أستاذ شاطر!! والضيف تلميذ خايب!!
صحيح جهل المذيع نعمة وعقل الضيف نقمة!!