الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أنا عطشان يا أمى

أنا عطشان يا أمى
أنا عطشان يا أمى




كتب: د. ناجح إبراهيم
وكأن الزمان يكرر نفسه لكن مع اختلاف الأشخاص والأماكن والتواريخ.. إنها دورة الزمان التى لا ترحم الضعفاء ولا يتعلم منها الطغاة والجبابرة.
فقد اقتحمت داعش مخيم اليرموك فى دمشق الذى يسكنه أكثر من 30 ألف من الفلسطينيين المهاجرين إلى سوريا.. وقد كان أفضل مخيم للفلسطينيين فى سوريا مقارنة بغيره لاهتمام «الأونرا الدولية» به قبل اندلاع الثورة على بشار.
وقد أصبح الاستيلاء على المخيم هدفا للقوات السورية من جهة أو الجيش السورى الحر من جهة أخرى.. لكن الطرفين لم يستطيعا ذلك حتى استولت عليه جبهة النصرة وأكناف بيت المقدس التابعة لحماس واللذين قاما على مدى عامين بتأمين احتياجات السكان من الأمن والأمان وتجنيبهم أخطار اقتحامه.
حتى حدثت الكارثة الكبرى منذ عدة أيام عندما اجتاحت داعش المخيم وسيطرت عليه بالكامل وبدأت تمارس هوايتها البغيضة فى التخلص من خصومها بأساليب الذبح القذرة.. وفى الوقت نفسه بدأت الطائرات السورية تلقى البراميل المتفجرة على أطراف المخيم.. ليقع سكانه الغلابة بين المطرقة والسندان.. فلا هؤلاء رحموهم ولا هؤلاء أعتقوهم.. فضاقت عليهم الأرض بما رحبت.. وضاقت عليهم أنفسهم.. والشعب الفلسطينى يناشد الآن العالم كله لإنقاذ المخيم وسكانه المكلومين المحاصرين حيث لا ناقة لهم ولا جمل فى الصراعات السياسية المدمرة التى تدور رحاها فى سوريا.
وقد بلغ قتلى المخيم حتى اليوم أكثر من 150 قتيلا.. فضلا عن مئات المصابين.. ولا أدرى أى سبق تحرزه داعش حينما تستولى على المخيم من تنظيم إسلامى آخر يتبع حماس هو أكناف بيت المقدس.. وأى فخر للأخير حينما استولى على المخيم من مجموعات فلسطينية سابقة.. وكأنهم يحررون القدس.
تأملت حصار اليرموك واقتحامه من داعش ودكه من الطائرات السورية.. فتذكرت على الفور مأساة مخيم تل الزعتر الذى حاصرته ميليشيات الكتائب والقوات السورية أكثر من 5 أشهر كاملة عام 1976م.. وفجروا خطوط المياه ومنعوا كل سبل الطعام عن المخيم حتى صار النداء الشائع والأثير فى المخيم لكل طفل «أنا عطشان يا أمى».
وقد حدثت فى المخيم أكبر مجاعة حدثت فى تاريخ المخيمات الفليسطينية حتى طلب الفلسطينيون فى تل الزعتر من علماء المسلمين فتوى تبيح أكل جثث الشهداء حتى لا يموتون جوعا
فكتب فى ذلك الشاعر الرائع فاروق جويدة أروع قصائده:
والآن تكفِّنُهُ عيني
فدعونى آكلُ من ابني
كى أنقذَ عمرى
ماذا آكل من ابنى؟!!
من أين سأبدأ؟!
لن أقربَ أبداً من عينيه
عيناهُ الحدُ الفاصل
بين زمانٍ يعرفني
وزمانٍ آخر ينكرني
لن أقرُبَ أبداً من قدميه
قدماهُ نهايةُ ترحالي
فى وطنٍ عشتُ أطاردُهُ
وزمانٍ عاشَ يطاردني..
ماذا آكلُ من ابنى؟!
يا زمنَ العار
تبيعُ الأرض
تبيعُ العرض
وتسجدُ جهراً للدولار
لن آكل شيئاً من ابنى يا زمنَ العار
سأظلُّ أقاومُ هذا العفن
لآخرَ نبضٍ فى عمرى
سأموتُ الآن
لينبُتَ مليون وليد
وسطَ الأكفان على قبري
وسأرسم فى كل صباح
وطناً مذبوحاً فى صدري
لقد قصفت القوات السورية وقوات الكتائب اللبنانية تل الزعتر بقرابة 55000 قذيفة.. وجاع أهل المخيم حتى أكلوا القطط والكلاب.. أما الضباط السوريين الذين امتنعوا عن القصف كان جزاؤهم الإعدام الميداني.. وبعد قرابة 55 يوما سقط المخيم ودخلته الكتائب بقيادة « بيير الجميل وكميل شمعون» والجيش السورى وارتكبت أفظع الجرائم من هتك للأعراض وبقر لبطون الحوامل وذبح للأطفال والشيوخ والنساء.
فما أكثر مآسيك يا شعب فلسطين.. حوصرت كثيرا وتعبت طويلا وقصفت بالمدفعية والطيران ليس من الإسرائيليين فحسب.. ولكن من كل هب ودب.. حتى إخوانك العرب طالما ذبحوك فى تل الزعتر واليرموك والأردن والنهر البارد.. فاللهم ارحم شعب فلسطين المسكين الذى ينتقل من مأساة إلى أخرى ومن مذبحة لأخرى.. ومن حصار لآخر.. فلا يرحمه أحد ولا يرق له أحد.