الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

السمع والطاعة لا يكونان إلا لله ولرسوله

السمع والطاعة لا يكونان إلا لله ولرسوله
السمع والطاعة لا يكونان إلا لله ولرسوله




كتب: د.عبدالله النجار

أسىء استخدام مبدأ السمع والطاعة فى حياتنا المعاصرة على نحو بات يمثل خطرًا على الدين والعقيدة، ويعد تهديدًا مباشرًا للمصالح الشرعية المعتبرة التى قررها الإسلام، كما قررتها أديان السماء، وهى حماية النفوس والدماء والأعراض والأموال، وما يتعلق بتلك المقاصد الدينية المعتبرة من أحكام ترتبط بها أو تؤدى إلى المحافظة عليها، وقد بات استغلال هذا المبدأ بهذا الأسلوب السيئ لونا من ألوان ضرب الإسلام ببعضه وإحداث نوع من التضارب بين الأحكام الإسلامية لهدم الإسلام بالإسلام كما يخطط أعداؤه، وأعداء هؤلاء السفهاء الذين ينفذون أجندات المستعمرين الجدد، حتى تتفرق الأمة وتذهب شوكتها، وبعد ذلك تحين فرصة الانقضاض عليها لتقسيم أرضها، ونهب ثرواتها، وتحويل أبناء المسلمين إلى خدام لهؤلاء المستعمرين الذين سيعتبرونهم وقتها عبيدا لهم، وليس لهم من دور فى الحياة سوى أن يستهلكوا ما ينتجونه لهم، بما يحدّوونه من الأنواع والأسعار، ولتذهب حضارة المسلمين وتاريخهم وأمتهم إلى الجحيم الذى يعده هؤلاء المجرمون، ويعمل فى خدمتهم لتحقيقه هؤلاء السفهة الاغرار الذين يظنون أنهم يرفعون راية الإسلام ويحيون شعائره، وهم فى غفوة عما يستدرجون إليه لتدمير أنفسهم وإهلاك بلادهم وتمزيق وحدة أمتهم.
ويستمد مبدأ السمع والطاعة أساسه التشريعى من قول الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم»، ومن حديث النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ «على المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية»، وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ «عليك السمع والطاعة فى عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك وأثره عليك»، وقوله عليه السلام: «من بايع إماما فأعطاه صفحة يده، وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا بعنق الآخر»، وبما روى عن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ إنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «من اطاعنى فقد اطاع الله، ومن عصانى فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد اطاعنى، ومن يعص الأمير فقد عصانى»، والأحاديث فى هذا السياق كثيرة.
وهى تدل على أمرين، أولهما: أن السمع والطاعة لا يكونان إلا لله ولرسوله فإن الطاعة لله عز وشرف، والطاعة لرسوله شرف وعزة، فإن طاعة الرسول من طاعة الله، كما قال سبحانه عن من يطع الرسول فقد اطاع الله»، وفى طاعة الله ورسوله تجسيد لمعنى الحرية الإنسانية، فإن من يطع الله يشعر بصدق عبوديته لربه، وحين تستشعر صدق هذه العبودية يحس بمعنى الحرية الحقيقية التى لا يكون فيها عبدا لأحد من خلق الله. بعد أن تأكدت عبوديته لربه، وهذه العبودية أساسها مصلحة الناس لأن الله لا يريد من عباده مقابلاً، حيث لا تنفعه طاعتهم مقابلا،  حيث لا تنفعه طاعتهم ولا تضره معصيتهم، من أحسن فلنفسه، ومن أساء فعليها، وإذا كان الله لا ينتظر مقابلا من عبده على ما يسديه له من فضل ونعمة، يكون محل السمع والطاعة لله ولرسوله مأمونا من العواقب، ومصلحة خالصة تشوبها شائبة من فساد أو ذرة من الضرر، وتكون سعادة الناس فى ذلك.
ثانيهما: أن لأولىالأمر طاعة، ولكن هذه الطاعة ليست مستقلة بذاتها فى الوجوب، فإن طاعة ولاة الأمر ليست طاعة مطلقة كطاعة الله ورسوله، وإنما هى طاعة مقيدة بطاعة أولياء الأمر لله ولرسوله، فإذا انفصلت توجيهاتهم أو اوأمرهم عن حدود ما قرره الله ورسوله، فلا يكون لهؤلاء الأولياء سمع ولا طاعة، ومن ثم لا تكون لهم طاعة ذاتية ولأن طاعة ولى الأمر مقيدة بطاعته لله ولرسوله، فإن تلك الطاعة يجب أن تكون مستندة إلى فهم صحيح لما يريده الله ورسوله من المكلفين بأحكام الدين، وتلك هى مهمة العلماء والفقهاء وأهل الذكر والتخصص فى كل مناحى العلم والمعرفة التى تشمل الفهم لأحكام الله، والعلم الصحيج بآياته فى الخلق والكون، ولهذا التلازم بين الطاعة والفهم الصحيح لأصول العلوم المقررة فى دين الله، والتى تشمل علوم الدين والدنيا، ذهب بعض العلماء إلى أن المراد بأولى الأمر فى قول الله تعالى: «وأولى الأمر منكم»، العلماء، أى الخبراء الفاقهين لدين الله، وأسراره فى خلقه وكونه، وهم الذين أوجب الشارع سؤالهم ممن يجهلون أسرار الله فى الخلق أو الكون، أو الذين لا يفقهون أمور الدين على نحو صحيح يقيهم من الانحراف ويحميهم من الشطط، فإن أخطر أنواع الانحراف هى التى تنبع من الفهم الجاهل بدين الله، أو التحريف الذى ينال النص الشرعى فيوجههه إلى عكس المراد به، ولهذا أنتم أفظع الجرائم كالقتل والحرق واستحلال الأعراض والأموال بدم بارد يظن المجرم الجانى وهو يرتكب تلك الشنائع الدينية أنه لا يرتكب جريمة، وإنما يمارس عملاً شريفًا ينتصر فيه لدين الله عز وجل، ويجاهد به فى سبيل الله، ومن خطورة الفهم الدينى المتطرف والبعيد عن الوسطية والاعتدال، أنه يتلقى الفطرة السوية فى الإنسان والتى تدفعه بالطبع الكامن فيه إلى اجتناب الجرائم، والبعد عن الرذائل فيقبل عليها بحب وشغف وبلادة، دون أن تتحرك فيه رقابة الضمير، أو نخوة الإيمان التى تمنعه من التردى فى ذلك المستنقع الإجرامى البغيض.
وقال بعض العلماء: إن أولى الأمر هم الحكام، وذلك القول لا يصح على إطلاقه إلا إذا كان هؤلاء الحكام لا يمارسون الحكم بأنفسهم، بل بواسطة مؤسسات تقوم به نيابة عنهم، وهى المؤسسات المعهودة فى النظم السياسية المعاصرة، والتى تضطلع بالتشريع  والتنفيذ والقضاء، وإذا كان هذان الأخيران: (التنفيذ والقضاء) لا يتصور وجودهما إلا فى إطار منظومة تشريعية تنظم أسلوب عملهما وطبيعة العلاقة بينهما، وبين السلطات الأخرى فى الدولة، تكون السلطة التشريعية هى مناط التكليف بالطاعة لأولى الأمر فى الفقه السياسى الإسلامى المعاصر، أو كما يقال باللغة المشهورة: احترام النظام والقانون ولا يمكن أن يكون النظام والقانون ملزما بالطاعة إلا إذا جاء منسجما فى إطاره العام ومبادئه الكلية مع مبادئ الشريعة الإسلامية، فلا يسن الحاكم قانونًا إلا بعد أن يستبين له أنه موافق لمبادئ الشريعة، وليس مصادما لها، وذلك معنى من معانى طاعة أولى الأمر الموافقة لطاعة الله ورسوله، وهو ما نعتقد أنه الذى يوافق مستجدات الفقه السياسى لكن بعض المتمسحين فى التشريع الإسلامى من أصحاب اتجاه الإسلام السياسى وفى وقتنا المعاصر الذين اكتفوا من الإسلام باللباس والمظاهر، وابتعدوا عن الجوهر والمضمون من جرأة ما أوقعهم الله فيه من الحمق والغباء، فسروا تلك الطاعة، على أنها طاعة مطلقة لشخص حتى لو كان فاشلاً أو جاهلاً أو ظالمًا، ويقولون استدلالا لما ذهبوا إليه من هذا القول السفيه: إن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد اوجب طاعة ولى الأمر مهما صدر منه من ظلم أو طمع أو أثره كما جاء فى الحديث: «عليك بالسمع والطاعة فى المنشط والمكره وأثره عليك، أى ولو استأثر الحاكم بخير الحكم لنفسه دون رعيته، وهذه قد تكون من ظلم الحاكم لرعيته، فإن الأثرة لا تمثل استقامة منه، بل انحرافا عن منهج العدل والمساواة وخلق المسلم الذى ينهى الأخ عن أن يحب لنفسه ما لا يحبه لغيره، وإذا كان من واجب الحاكم أن يكون قدوة لشعبه، كما كان النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ قدوة لأمته، فإنه إذا خرج عن حدود القدوة يكون قد فقد الصلاحية واستوجب المساءلة بدلالة مفهوم الحديث.. وكما يقولون: إن الخروج عليه لا يكون إلا بالكفر البواح الذى ليس له فى دين الله دليل أو برهان والكفر شرك بالله عز وجل، وإذا كان كذلك يكون الظلم مثله فى الخروج، لأن الشرك ظلم عظيم، حيث يعطى لغير الله ما يجب أن يقتصر على الله من الإيمان به وتوحيده وعبادته إن الطاعة المطلقة لأشخاص الحكام سفاهة مطلقة، فلا طاعة مطلقة إلا لله ورسوله، وقد أكد هذا الفهم الصحيح لمبدأ السمع والطاعة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم أبوبكر أو لخليفة للمسلمين حين قال: «أطيعونى ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لى عليكم»، والفشل فى الحكم معصية لله ورسوله، لأنه ذريعة إلى ضياع البلاد والعباد، والجهل لا يقل عنه خطرًا وضررًا، والظلم عار وشنار من الحاكم يستوجب مساءلته وتوجيه سيوف الاتهام له، ومن هذا القبيل ما نراه اليوم فى بيعة الصغار لامراء التطرف والدمار. لقد حول تلامذة الإسلام السياسى مبدأ السمع والطاعة، إلى مادة ينافقون بها الحكام ويرسخون بها مبدأ الخنوع والرضا بكل ما يكون عليه الحاكم حتى ولو كان مخالفا لمبادئ الدين أو ساعيا فى هدمه، إن الطاعة لا تكون إلا لله ورسوله ومن يسير على هدى المبادئ الشرعية التى تحفظ الحياة وتنشر السلام والمودة بين البشر، ومن يخالف ذلك لا سمع له ولا طاعة.