الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

دعوة نبيلة.. وثمار رديئة

دعوة نبيلة.. وثمار رديئة
دعوة نبيلة.. وثمار رديئة




كتب: عاطف بشاى

فى الفيلم التليفزيونى الشهير «فوزية البرجوازية» الذى كتبت له السيناريو والحوار وعرض فى الثمانينيات، مشهد كوميدى يدور بين «عبد الواحد» اليسارى المدعى وجسد دوره الفنان «صلاح السعدنى» وزوجته «عنايات» اليسارية المتحذلقة وجسدت دورها الفنانة «إسعاد يونس».. يستولى عليهما الذعر خشية أن يتم اعتقالهما بسبب توجهاتهما المناهضة للسلطة فأخذا يراجعان قصيدة كتبتها «عنايات» لحذف الكلمات التى يشتم منها معاداة النظام والتحريض على الثورة لتغيير الحكم.. وشرعا يحذفان بعض الكلمات.. ثم بعض الشطرات.. ثم بعض الأبيات.. ومع كل حذف تزداد توجساتهما.. وتتصاعد وساوسهما القهرية.. حتى حذفا القصيدة بأكملها.
تذكرت هذا المشهد وأنا أتابع تداعيات المعركة بين «إسلام البحيرى» والأزهر الشريف.. وطريقة معالجة هيئة الاستثمار للأمر وموقف الهيئة من شكوى الأزهر ضد برنامج «إسلام».
إن شكوى الأزهر.. ومن ثم البيان الصادر عنه مفزعان فهما يتهمان الرجل بترويج الأفكار الشاذة التى تمس ثوابت الدين وتنال من تراث الأئمة المجتهدين المتفق عليهم.. وتسىء لعلماء الإسلام.. وتعكر السلم الوطني.. وتثير الفتن.. إنها اتهامات خطيرة تذكرك بموقفهم القديم من كتاب «فى الشعر الجاهلى» «لطه حسين» وكتاب «الإسلام وأصول الحكم».. بحث فى الخلافة والحكومة الإسلامية.. (الذى أحدث ضجة كبيرة وقتها وحوكم بموجبه الشيخ محاكمة تأديبية عقدتها مؤسسة الأزهر.. وتم فصله من وظيفته من زمرة العلماء لأنه رأى أنه لا وجود للخلافة فى الإسلام وأيده فى ذلك «العقاد» و«طه حسين» وهو أزهرى تمرد على الأزهر..) ثم روايات «نجيب محفوظ».
وإذا لم تكن نبرة التكفير واضحة.. فما الذى تعنيه عبارات «إثارة الفتن» والمساس بثوابت الدين وتعكير السلم الوطنى!!
لكن هيئة الاستثمار رفضت اعتماد قرار المنطقة الحرة بوقف البرنامج.
وهو موقف فى شكله الظاهرى يعنى احترامه لحرية الرأى والتعبير.. بل إنه يؤيد رغبة الرئيس «السيسى» وعزمه على المضى قدمًا فى اتجاه تصحيح الخطاب الدينى وتنقيته من شوائب تضره وتسىء إليه لكن القرار فى جوهره يتناقض تناقضًا بينًا عن شكله لأنه أوصى بتحويل الإيقاف إلى إنذار.
فماذا يقول الإنذار؟!
إنه يلزم قناة «القاهرة والناس» التى تنتج البرنامج بتلافى أسباب المخالفة فى مضمون ما يبث فى البرنامج.. وذلك فى ضوء ما ورد فى خطاب الأزهر الشريف.. وذلك فى غضون أسبوع من تاريخ الإنذار.. وفى حال عدم الالتزام سيتم عرض موقف الشركة على مجلس إدارة المنطقة الحرة الإعلامية لاتخاذ ما تراه مناسبًا فى هذا الشأن وفقًا لأحكام القانون ولائحته التنفيذية.
القرار الذى يتحدث عن المضمون يعنى جوهر أو لب القضية المثارة.. والقضية المثارة بكل تفاصيلها يرفض الأزهر أن يخوض «إسلام» فى مناقشتها.. وإذا كان منهجه إعمال العقل والمنطق وتجنب الرضوخ لقداسة لا تقبل الجدل أو الاختلاف.. فإن منهج الأزهر هو التسليم وعدم المساس أو التشكيك أو مراجعة العلماء والأئمة.
إذن فعلى «إسلام» أن يحذف كل ما يستوجب النقاش أو الحوار.. حتى يتم حذف المحتوى كله القائم عليه البرنامج.. ومن ثم لا يصبح هناك برنامج على غرار ما حدث فى الفيلم التليفزيونى.
وفى النهاية فإن هناك ما يدعو حقًا إلى الأسى.. فمن المؤلم أن تكون الدعوة التى طالب الرئيس «السيسى» بتبنيها والخاصة بتجديد الخطاب الدينى وتصحيح المفاهيم المغلوطة به وتنقيته من الشوائب الضارة.. يتمخض فى النهاية عن معركة شائكة وضارية بين الأزهر وبين دعاة التنوير.. بدلًا من أن تتضافر الجهود.. وتتوحد فى اتجاه إصلاحى ونهضوى يستلهم من ماض مستنير - أشرنا إليه.. وكان رائده «رفاعة الطهطاوى» - روحه الوثابة المشرقة إلى مستقبل ينهض على أسس علمية وعقلية تنبذ الخرافة وتدعو إلى نقد ثقافة التخلف فى دولة مدنية معاصرة.
فمن العبث واللامعقول أن نجنى ثمار دعوة نبيلة فرقة واختلافًا وتناحرًا وانقسامًا وتشرذمًا.