الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

روسيا والغرب على أعتاب حرب «باردة» جديدة

روسيا والغرب على أعتاب حرب «باردة» جديدة
روسيا والغرب على أعتاب حرب «باردة» جديدة




ترجمة - وسام النحراوى

تسود حالة من الجدل حول إمكانية نشوب حرب باردة جديدة بين روسيا والغرب والولايات المتحدة الأمريكية بينما رجحت وسائل الإعلام الأمريكية تصاعد حدة التوتر بين موسكو وواشنطن لفترات طويلة مستقبلاً إلا أنه فى الوقت ذاته استبعدت نشوب تلك الحرب بين الدولتين فيما ذهبت الصحف الروسية لتؤكد حتمية اشتعال تلك الحرب بين القوتين ومعلنة فى الوقت ذاته رفض روسيا الرضوخ لسياسة «القطب الأوحد»


رغم تزايد المؤشرات على عودة الحرب الباردة بين الغرب وروسيا، إلا أن صحيفة «ناشيونال إنترست» الأمريكية تنفى قرب اندلاع هذه الحرب بسبب الأزمة الأوكرانية، على الرغم من خرق بوتين الصارخ للأمن الأوروبى وللقانون الدولى، الأمر الذى تسبب فى تسميم العلاقة بالولايات المتحدة وأوروبا، ما يستبعد الآمال فى تقارب وفى علاقات ودية بين الجانبين.
وأضافت الصحيفة أنه رغم مجاهرة بوتين نفسه باحتقار القيم الغربية، ومعارضته القيم الأمريكية خاصة، التى تمثل المحور الرئيسى فى أيديولوجيته، إلا أن أقصى ما يمكن تحقيقه فى المستقبل القريب بين الطرفين هو التوصل لاتفاقات محدودة حول قضايا مختلفة مثل الحد من التسلح، فى اعتراف ضمنى من الجانبين أنهما بدون هذا الحد الأدنى من التفاهمات فإنهما يخاطران بتدمير بعضهما البعض ومعهما العالم.
وبالتالى، ترى «ناشيونال إنترست» أن التوتر الشديد فى العلاقات بين روسيا والغرب مرشح للاستمرار لفترة طويلة، إلا أن الحديث عن «حرب باردة جديدة» يمثل خطأ فادحا عند قراءة العلاقة بين روسيا والغرب، خاصة فى الفترة التى تلت انهيار الاتحاد السوفيتى، ونهاية الحرب الباردة الأصلية.
وتشير الصحيفة إلى أنه عند النظر إلى الحربين الباردتين، تبرز اختلافات جلية بين الصراع الحالى و«الحرب الباردة» سابقا وذلك فى غياب البعد الأيديولوجى العالمى للصراع، وصعود قوى غير غربية أخرى، مثل الصين والهند والبرازيل وغيرها إلى الساحة الدولية.
فيما يتميز الصراع بين الطرفين بسمات أخرى لم تتوافر فى المرحلة السابقة، فرغم الاختلاف بين الطرفين، وانعدام الثقة بين الشرق والغرب، يتبادل الروس والأمريكيون الزيارات، ويلتقون بحرية ويبحثون سويا عن أرضية مشتركة لحل القضايا المعقدة عبر حوار قائم على الاحترام المتبادل، مشيرة إلى ما لمسه الخبراء الأمريكيون لدى نظرائهم الروس عند زيارتهم لموسكو، من انفتاح واستعداد لحوار غير مشروط لدى الجيل الجديد منهم حول علاقات روسيا مع الغرب، حسبما ذكرت الصحيفة.
وتفاءلت الصحيفة بأن التواصل بين الجانبين، عن طريق المفاوضين والخبراء من أبناء جيل الإنترنت، رغم أنه لن يؤدى لإنهاء الصراع الحالى إلا أنه على الأقل سيساعد الأصوات البارزة فى موسكو وواشنطن، على التعبير عن رأيها، بما يساهم فى تكوين رأى عام أو رسمى جديد يقرب بين الجانبين ويبعد شبح «حرب باردة جديدة».
وأضافت الصحيفة أن الحرب الباردة لا يمكن أن تعود، وعقارب الساعة لا يمكن أن ترجع للوراء، وإنما هناك تغيير فى المعطيات، والولايات المتحدة وإن تحدثت بنبرة حادة، فإنها فى الحقيقة نبرة ضعف، فقد تغير «المشهد الجيوسياسي» فى العالم  بشكل حاد فى الأعوام العشرة الأخيرة، مع ظهور قوى عظمى جديدة على الساحة الدولية، لديها قدرات اقتصادية هائلة، ولديها تصوراتها الخاصة لكيفية بناء العلاقات الدولية.
وحذرت «ناشيونال انترست» من أن واشنطن منذ ما يزيد على العقد من الزمن لم تربح فى أى مواجهة عسكرية خاضتها ابتداء من أفغانستان، وعلى الصعيد السياسى تعرضت لإخفاقات كثيرة فى فرض رؤيتها لحل العديد من القضايا لا سيما الملف النووى الإيرانى وسوريا وأوكرانيا. وفشلت الولايات المتحدة فى منع ظهور قوى دولية جديدة مثل الصين والهند وروسيا، وقوى إقليمية مثل إيران وتركيا.
لكنه نفى أن تكون روسيا هى القطب البديل المؤهل لاستعادة إرث ونفوذ الاتحاد السوفيتى، لأنها لا تملك أرضية أيديولوجية جامعة، كالتى قدمتها الشيوعية خلال الحرب الباردة، لكنها فى الوقت نفسه مؤهلة لأن تشكل ثقلا مهما، تلتقى مصالحه مع مصالح دول أخرى لا ترغب بالخضوع للهيمنة الأمريكية.
واعتبرت الصحيفة  أن الأزمة الأوكرانية ليست القضية الخلافية الوحيدة بين روسيا والغرب، لكنها شكلت نقطة فارقة فى احتدام الصراع فى ملفات أخرى كالشرق الأوسط وإيران.
على الجانب الآخر، تتوقع صحيفة «موسكو تايمز» الروسية الصادرة بالانجليزية أن قيام «حرب باردة جديدة» بين روسيا والغرب هو أمر محتم لا مفر منه، فالعلاقات الروسية - الأوروبية عامة والامريكية بشكل خاص، لن تبقى على حالها الذى كانت عليه سابقا.
كل أشكال تفاعل روسيا مع الغرب، والتى تطورت بعد الحرب الباردة الأولى على سبيل المثال مشاركتها فى حلف «الناتو» و«الاتحاد الأوروبى»، أصبحت مبعثاً لمزيد من الاضطرابات بسبب اختلاف معتقدات ومسلمات روسيا مقابل الغرب.
وألقت الصحيفة الضوء على عامل آخر من أسباب ارتباط الغرب بموسكو وهو «الطاقة»، فحتى الآن يستمر الاتحاد الأوروبى فى شراء الغاز من روسيا، رغم أنه كان قد أحرز تقدماً كبيراً فى استراتيجيته الرامية إلى التقليل إلى الحد الأدنى من الاعتماد على موسكو فى الطاقة، معتبرة أن هذا القرار يشكل خطوة فى اتجاه «مواجهة المؤسسات» التى ينتهجها الغرب لتقييد روسيا.
وأكدت «موسكو تايمز» أن الغرب بدأ بالفعل فى استيراد إمدادات بديلة من أذربيجان وتركمانستان وإيران بهدف خفض أو إنهاء الاعتماد على الغاز الروسى بشكل كلى خلال عامين أو ثلاثة أعوام.
معلوماتيا، يتحرك الاتحاد الأوروبى نحو خوض مواجهة دعائية مع روسيا، حيث يتطلع إلى إنشاء نقطة معلوماتية مضادة لشبكة الأخبار الروسية.
وأشارت الصحيفة إلى أن المنافسة بين النظامين الاجتماعيين المتقاتلين انتهت، فقد تخلت روسيا عن المبدأ السوفيتى لبناء مجتمع أكثر عدلاً والمتمتع بالسعادة والمساواة والأخوة الشاملة، ولم يعد حلفاء روسيا فى الخارج جزءا من «الحركة الشيوعية العالمية» وإنما أصبحوا دولاً مفردة أو أحزابا سياسية، وأصبحت التحالفات فردية ومستندة على نحو ضخم إلى مشاعر معادية للعولمة ومعادية للولايات المتحدة، أو قائمة أيضا على التشككية الأوروبية.
وأكدت الصحيفة أن المواجهة الراهنة ستتركز على تطبيق الغرب الضغط الاقتصادى على روسيا، مع الأخذ فى الاعتبار أن الظروف الاقتصادية اليوم تختلف بشكل أساسى عن تلك التى كانت سائدة إبان الحرب الباردة الأولى.
ورغم أن الاتحاد السوفيتى قد وهن بشكل كبير بفعل الحرب، فإنه كان يعتمد على اقتصاد مكتف ذاتيا، والذى عول بالحد الأدنى على الأسواق الأجنبية.
ومع تسريح الجيش فى الخمسينيات،  انتهى إرث الزعيم السوفيتى الراحل «نيكيتا خروتشوف» وجرت محاولة للبدء فى «ثورة علمية وتكنولوجية» فى السبعينيات، فأظهر الاتحاد السوفيتى قدرة على بناء إمكاناته الصناعية والتكنولوجية.
ومع ذلك، ومع بداية الحرب الباردة الراهنة، أنجزت روسيا العكس بشكل أساسى، فقد تدمرت قاعدتها الصناعية، والأسوأ من ذلك، خسرت إمكاناتها العلمية والتكنولوجية السابقة.
بينما استطاع الاتحاد السوفيتى المحافظة على وضعه فى «سباق الفضاء» مع الولايات المتحدة فى الستينيات، فقد استطاعت روسيا الحصول على الكثير من المعدات الصلبة الرئيسية - بما فى ذلك المكونات الحساسة لمجمعها العسكرى الصناعي- من الغرب، وهذه بالضبط هى النقطة الضعيفة التى سيضربها الغرب.
وأردفت «موسكو تايمز» أن الحرب الباردة الراهنة والحل النهائى لها سيعتمد على استجابة روسيا لهذا التحدى، فإذا عجزت روسيا عن حل مشاكلها التكنولوجية والاقتصادية، فإن من الممكن ألا تشهد انهيار بنيتها الصناعية والاجتماعية وتفككها إلى دولة فاشلة خلال 15 عاما وحسب، وإنما ستخسر أيضا إمكاناتها العسكرية فى مواجهة الغرب.
سوف يكون هذا الإطار الزمنى هو نفسه الفترة القصوى لهذه الحرب الباردة الثانية أيضا، ومن الطبيعى أن ذلك سوف يعتمد على طول الفترة التى يمكث فيها بوتين فى السلطة، وما إذا كان الغرب يشعر بأن موسكو قوية فعلا للتوصل إلى اتفاقية حازمة وفق شروط مقبولة لدى الجانبين.
أما إذا لم تكن الأمور كذلك، فإن الضغط عليها سيزداد، ما يدفع روسيا إلى حالة أن تصبح يائسة بازدياد إذا هى فشلت فى الاستجابة بشكل مناسب للتحديات الخارجية.
عند تلك النقطة، سيكون لدى موسكو خياران فقط: الاستسلام التام وفق شروط وإملاءات المنتصر، أو خوض حرب كمحاولة نهائية يائسة لتأكيد عزة وكرامة روسيا القومية.
وتقر الصحيفة بعودة أجواء الحرب الباردة، معتبرة أن سياسة الكيل بمكيالين هى السبب فى التأزم، ذلك أن الغزو الأمريكى للعراق وانتهاك أطر الشرعية الدولية أفسحا المجال لممارسات مشابهة، كتلك التى تتهم بها روسيا، مشيرة إلى أن الأسس القانونية والروابط التاريخية والجغرافية التى تربط روسيا بأوكرانيا والقرم، لا يمكن مقارنتها بروابط الولايات المتحدة والعراق واعتدائها على سيادته وسيادة غيره من الدول.
وأوضحت الصحيفة أن التناقضات بين روسيا والغرب وصلت ذورتها فى أوكرانيا، وكان هذا نتاج تراكمات منها الحرب الروسية - الجورجية، والنزاع السوري، والدرع الصاروخية وغيرها، وهذا دفع موسكو لإعادة ترتيب أوراقها، وتنفيذ برامج طموحة لتحديث الجيش وإعادة تشكيل تحالفاتها مع الصين ودول معاهدة الأمن الجماعى.
وأعربت «موسكو تايمز» عن تخوفها من العقوبات الاقتصادية لأنها سلاح ذو حدين، فعواقبها ستكون مدمرة للطرفين، خاصة أن القارة الأوروبية تمر بأزمة اقتصادية طاحنة، وتحتاج إلى العلاقات التجارية مع روسيا، ربما أكثر من احتياج الأخيرة لها.
واعتبرت الصحيفة أن الحرب الباردة لم تتوقف، وإنما مرت بمرحلة من الجمود، بسبب انهيار الاتحاد السوفيتى وهيمنة الولايات المتحدة عالميا، متابعة: إن روسيا الآن دولة قوية تمتلك ثروات هائلة وهى لاعب أساسى على الساحة الدولية، بالتالى لم تعد تقبل بسياسة القطب الواحد، واستحواذ الولايات المتحدة على القرار الدولى.