الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

البرلمان.. وأحزاب «دوخينى يالمونة»!

البرلمان.. وأحزاب «دوخينى يالمونة»!
البرلمان.. وأحزاب «دوخينى يالمونة»!




كتب: وليد طوغان
قبل 3 سنوات كانت الجملة السائدة لدى ساسة شباب محسوبين على تيار يناير: الاجابة تونس. مرت سنوات، مزيد من التقلبات، تغيرت النظريات، وتغيرت الأوضاع أيضا.. فلماذا لا تكون الاجابة عندهم تونس الآن؟!
الشهر قبل الماضى أدى الباجى قائد سبسى اليمين الدستورية رئيسا لتونس. الباجى سبسى كان أحد أعمدة نظام زين العابدين بن على.. لكن فوزه فى الانتخابات لا تعنى عودة «النظام القديم» لدى التوانسة.
لا يعنى التوانسة الآن بمصطلح النظام القديم، إلا كل من تلوثت يده وسمعته خلال عهد بن على.
لا يطلقون فى تونس مصطلح النظام القديم عمّال على بطّال.. لا يتخذونه ذريعة لمصلحة.. لا يستقوى بعضهم به بعد رحيل بن على.
فى تونس الجديدة يقف التوانسة ضد الاقصاء. علموا أن فى الإقصاء ضعف فخفف الله عنهم، لكن الإقصاء حتى الآن كلمة السر لدى أغلب الساسة المصريين، وكوادر أحزاب ما بعد يناير.  
هذا هو السبب فى تشتت الواقع الحزبى المصرى. محاولة الإقصاء، والاستئثار بالواقع السياسى هى السبب فى عدم توافق الأحزاب. كلهم يختار على هواه، ويطلب على طريقته. كله يريد ان يمنع ما لا يرغب فى مشاركته، أو من يخشى من مشاركته.
لذلك تجد التيار الفلانى اتهد على رءوس الذين أسسوه قبل أسبوع، لأنهم اكتشفوا أن التيار داخله عناصر  من النظام البائد، أو لاكتشافهم مدسوسين من الدولة، لتقويض الحركة الحزبية!
كلام فارغ الأمثلة عليه كثيرة.. وعواقبه  وخيمة. مثلا، مع بداية التحالفات وجدل الانتخابات، وقبل بطلان القوانين مؤخرا، رفض الدكتور عبد الجليل مصطفى الانضمام لقائمة الجنزورى احتجاجا على تواجد شخصيات من «النظام السابق». استبعد الدكتور الجنزورى بدوره اغلب مرشحى حزب الفريق شفيق خوفا من شبهة «النظام السابق»، حدث فى الوفد مآسى خوفا من «فلول مبارك»، استقالات فى حزب المصريين الأحرار على شبهة الانتماءات.. والتوجهات السياسية. فى النهاية تم استبعاد الدكتور الجنزورى نفسه لأسباب مختلفة، منها مثلا أنه «مأجور  من الدولة» فى رأى البعض، ومنها أنه «مطلوق من الحكومة» لعرقلة جحافل التيار الحزبى الهادرة نحو البرلمان عند آخرين، لكن ذهب الدكتور الجنزورى.. ومازالت الأحزاب فى حيص بيص!  
كان تحالف الدكتور عبد الجليل مصطفى مصّر على الاقصاء، عتب  عليها «تيار الجنزورى» هذا، بينما مارس تحالف الجنزورى نفس المنطق مع حزب الفريق شفيق. بعض أحزاب يناير مارست  السلوك نفسه مع تحالف الدكتور عبد الجليل.. ومع الجنزورى ومع تحالف الوفد، قبل أن يخرج من تحالف الوفد رئيس حزب الوفد نفسه للانضمام إلى التحالف الذى كان الوفد يشكك فى «وطنيته» قبل أيام.. ودوخينى يا لمونة.
فى النهاية ما الذى حدث ؟ الذى حدث أن الأحزاب القت باللائمة على الدولة التى لم تقدم ما يجب كى تدعم الأحزاب. الدولة لم تقدم ما ينتشل الأحزاب من عثرتها. ثم انتهى الأمر بطعن السياسيين فى قانون الانتخابات!
طيب قانون الانتخابات فيه عوار. قانون الانتخابات ليس على المستوى المطلوب. قانون الانتخابات دون الحد الأدنى، لكن ماذا عن الأحزاب نفسها؟ ماذا عن  قدرتهم على المشاركة والاتصال بالشارع وتكوين قواعد حزبية اكثر عمقا من مؤتمرات الشوادر.. والكهارب فى الميادين العامة ودمتم؟
لا اجابة.. ولا شىء. كل فشل تعلقه الأحزاب على الدولة.. كل مشكلة تتجه الأحزاب للدولة، كل عثرة تثور الاحزاب مطالبة الدولة بالمساهمة فى انتشال الواقع الحزبى من الفوضى، مع أن الأصل فى العملية السياسية هى أن تعمل الأحزاب على انتشال الدولة من عدم الاستقرار!
مثل أمريكى جنوبى يقول: رقصة التانجو فى حاجة إلى اثنين. بالمصرى: اليد وحدها لا تصفق. بالبلدى: القفة التى لها ودنان يشيلوها اثنين. لكن أحزابنا تريد أن ترقص التانجو وحدها.. أغلب ساستنا يتطلعون إلى أن تتقدم الدولة كى تضعهم على حافة البرلمان، وتدخلهم، وتسكنهم.. ثم بعدها يبدأون فى حل مشكلاتهم، وتصفية خلافات مذهبية.. وجدلية، ونظرية، لا تقيم برلمانا حقيقيا.. فى دولة!
ماكس فيبر عالم الاجتماع السياسى الشهير، له نظرية تقول: إن الصراع الحزبى للنخب الجديدة التى تخرج مع الاضطرابات السياسية فى العالم الثالث، كثيرا ما تساهم هى نفسها فى عرقلة المناخ السياسى.. والتقدم نحو الاستقرار . لذلك يفقد الشارع ثقته فى تلك النخب، ويتطلع إلى قيادة كاريزمية.. يرى أنها المخلص الوحيد من عبس «مراهقى الأحزاب».
لا يعنى أن القيادة الكاريزمية هى الحل، إنما على الاقل هى «الحل الأمثل» حتى تتدرج المجتمعات إلى قدرة فعلية على الممارسة الحزبية.  
وحتى يصلوا إلى مرحلة «القدرة على الممارسة الحزبية» ستظل  رحى الاقصاء دائرة على الجميع، حتى فيما بين رموز احزاب ما بعد يناير وبعضهم.
فى تونس تيقنوا أن الاقصاء السياسى معناه اقرب الضرر.. واوسع الاثم. فى تونس افلتوا من فخ غرق فيه ساستنا حتى الثمالة، حيث الاقصاء على الهوية.. والاستبعاد على «الشبهات المصطنعة».  
فى تونس لم يؤجج فوز السبسى توقعات بعودة نظام بن على، لان بن على لن يعود فى تونس.. كما لن يعود مبارك أو مرسى فى مصر .
عقل الساسة هو الذى يحكم الآن فى تونس الجديدة.. وهو الذى يجب أن يعود فى مصر الجديدة أيضا.