الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

35 عاما على ثورة تغير مسارها.. الثورة الإيرانية.. (2)نظام ما بعد الثورة.. الحرس الثورى والانتكاسة الكبرى! (2)




لم تخرج أى أصوات من مصر مؤيدة أو معارضة للثورة الإيرانية فى فترة مخاضها حتى بداية عام 1979.. فكما سبق أن أوردنا.. تلك الثورة وقعت فى خطأ التسمية.. فهى لم تقم فى عام 1979.. بل قامت قبلها بعامين.. عانت مخاضا مريرا.. دفعت فيه دماء شبابها ومثقفيها من ليبراليين ويساريين.. واختزال تلك الثورة بعودة «آية الله الخومينى» من منفاه فى فرنسا.. بعد نجاح تلك الثورة، لهو ظلم كبير لكل الدماء التى سالت قبل أن يعود الرجل.. طوال العامين السابقين على عودته.. لم تخرج أى تعليقات من جماعة الإخوان فى مصر.. أو أى من التيارات التى تتبعها.. لكنها انبرت مدافعة بعلو الصوت عن تلك الثورة بنهاية العام 1979.. لأنه حتى منتصف هذا العام لم يكن قد تبين لهم الملامح التى ستكون عليها الدولة الإيرانية القادمة.. كانوا يوقنون فى داخلهم بما سوف يفعل «المرشد الإمام».. لكنهم فضلوا عدم المجازفة بالقول حتى يتبين لهم الخط الفاصل بين ما يرغبون.. وما سوف يصبح واقعا.. وبنهاية العام 1979 تم الاستفتاء على الدستور.. ووضحت الرؤية.. فخرجت مجلات: «الدعوة» و»الاعتصام» و«المختار الإسلامى».. معلنة تأييدها للثورة الإيرانية.. ودفاعها عنها فى وجه إعلام السادات كما أسمته.. وهو ما أورده الدكتور عز الدين إبراهيم، وفى كتابه «موقف علماء المسلمين من الشيعة والثورة الإسلامية».. فقد حملت مجلة «الاعتصام» فى صفحتها العاشرة موضوعا حمل عنوان «أسباب المأساة» قالت فيه: «ورأى صدام حسين أن فترة الانتقال التى يمر بها جيش إيران وتحوله من جيش إمبراطورى إلى جيش إسلامى هى فرصة ذهبية لا تتكرر للقضاء على هذا الجيش قبل أن يتحول إلى قـوة لا تقهر بفضل العقيدة الإسلامية فى نفوس ضباطه وجنوده».. والعقيدة الإسلامية، عقيدة حماية الدعوة والدعاة فى أى بقعة إسلامية.. وتلك عقيدة تختلف تماما عن عقيدة الجيوش النظامية التى تقوم على حماية الأوطان!
 

 
سلطتان متضادتان بينهما شعب!
 
فى العام الأول للثورة الإيرانية.. كان هناك مركزان للسلطة: الحكومة الرسمية، والمنظمات الثورية.. رئيس الوزراء «مهدى رازركان» كان هدفه إقامة حكومة ديمقراطية وعمل لتحقيق ذلك فى جانب.. بينما عمل المجلس الثورى بطريقة مستقلة وفى اتجاه آخر.. فقد كان المجلس مشكل من «آية الله» الخومينى وأتباعه من رجال الدين، والحرس الثورى، والمحكمة الثورية، والخلايا الثورية المحلية فى جانب آخر..
 
وفى الوقت الذى كان فيه رئيس الحكومة «باذركان» يعمل فى صمت للمضى قدما فى الطريق الذى قامت من أجله الثورة.. طريق الديمقراطية.. كان واضحا للعيان أن سلطة اتخاذ القرار ليست فى يده.. بل تملكها الهيئات التى يضمها المجلس الثورى.. وفيما بعد الحزب الثورى الإسلامى.. كان الشعب الفقير الذى ظل يعانى لسنوات طوال.. متعجلا تحقيق مطالبه، فقد رحل الشاه وجاء رجل دين «يتقى الله» فى المواطنين.. كانت أمانى الإيرانيين فى تلك اللحظة عظيمة بتحقيق حياة كريمة.. ينعمون فيها بحريتهم.. وكانت للمرشد الإمام أهداف أخرى يعمل لتحقيقها.. كان يرغب فى إعادة تشكيل الدولة الإيرانية.. وعلى المواطنين البسطاء أن يتحلوا بالصبر، فقد صبروا طويلا.. وكان رئيس الحكومة يرغب فى تحقيق خطوة للأمام.. ولم يمض وقت طويل حتى وصلت الأمور بين السلطتين إلى طريق مسدود يغلبه التوتر..
 

 
ولاية المرشد على الدستور أيضا!
 
فى يونيو من العام 1979.. أعلنت حركة الحرية مشروع الدستور.. وكانت الإشارة الأولى التى لم ينتبه لها بشكل كاف السياسيون الذين كانوا وقود الثورة منذ عام 1977.. كانت الإشارة هى ضرورة أن تعتبر إيران جمهورية إسلامية.. يتضمن دستورها مجلس صيانة للدستور.. يتمتع بحق الاعتراض والإلغاء للتشريعات التى يراها متعارضة مع الإسلام.. دون حاجة إلى وصى فقيه حاكم.. وتم إرسال الدستور للعرض على مجلس الخبراء الذى كان قد انتخب – وقتها – حديثا.. وكان أنصار «الخومينى» يشكلون أغلبيته.. ورغم أن «آية الله» أقر أن الدستور صحيح.. إلا أنه ومعه مجلس الخبراء أعلنوا رفضه.. ثم أعيد مرة أخرى لإجراء تعديلات عليه.. وبالفعل أضيف منصب جديد هو «القائد الأعلى الإمام».. وهو الخومينى بالتأكيد.. هذا المنصب منح «آية الله» السيطرة على الجيش والأجهزة الأمنية.. كما قلص الدستور من صلاحيات رئيس الجمهورية.. وأنه على أى من المترشحين للرئاسة أن يحوزوا على موافقة مباشرة من القائد الأعلى «آية الله» الخومينى.. الذى أصبح رئيسا للدولة مدى الحياة باعتباره قائدا للثورة.. وفى ديسمبر من نفس العام جرى استفتاء الشعب على الدستور وتم إقراره.. فتغير وضع «الخومينى» وصار «المرشد الروحى الأعلى».. وتلك كانت المرة الأولى التى يستخدم فيها هذا المصطلح الذى يعد غريبا على اللغة الإيرانية.. وفى تلك اللحظة.. وبعدما أصبحت الصورة واضحة أمامه تقدم رئيس الوزراء باستقالته وغادر المشهد.
 
محاكم ثورية على الطريقة الفرنسية!
 
رفعت قيادة الثورة الإيرانية عنوانا عريضا كالذى رفعته الثورات التى سبقتها – الفرنسية والبلشفية والإسبانية – «إزالة الخطر» أو «التطهير».. فقامت بإعدام أكثر من 200 من كبار جنرالات الجيش الإيرانى.. وجرت محاكمات «مختصرة» افتقرت إلى وكلاء عن المتهمين أو هيئة قضائية أو شفافية.. ورفضت أن تمنح أى متهم فرصة للدفاع عن نفسه.. وجرى إعدام العشرات من المسئولين المدنيين السابقين فى الدولة الإيرانية وقت الشاه.. بحجة أنهم كانوا شهودا على فساد لم يسعوا لتغييره!
 
البداية كانت بإعدام كبار الجنرالات.. لأن الهدف الواضح أمام «المرشد الإمام» كان تغيير عقيدة الجيش الإيرانى.. من جيش نظامى، إلى جيش إسلامى.. وتلك لم يكن مقدراً لها أن تتم لو بقى أولئك القادة على قيد الحياة.. ولم يقف الأمر عند اغتيال هؤلاء.. فقد جرى تسريح المئات ممن لم يبدوا مرونة فى التعامل مع هذا الأمر.. والحقيقة فإنه فى عموم الأنظمة العسكرية – إلا فيما ندر – لا يمكن أبدا تغيير عقيدة القادة أو الضباط أو صف الضباط فى الجيوش النظامية.. إلى ما يشبه الميليشيات المسلحة.. التى تكلف بمهام وقتية تنجزها ثم تعود أدراجها.. ورغم أن «آية الله» الخومينى قام بعملية التطهير تلك.. إلا أنه كان فى داخله مقتنعا بأنها ليست كافية.. وأنه يحتاج لسنوات حتى تكون تلك الأرض النظامية قد تطهرت تماما من عقيدتها.. وأن أجيالا عدة متوالية رحلت قبل أن يعمل على أجيال جديدة تلتحق وفق العقيدة الجديدة.. لذا فكان اعتماده على الحرس الثورى.. الذى استفحلت مكانته وقوته وتعداده بمرور السنوات.
 

 
الحرس الثورى.. الذراع العسكرية السرية!
 
قوات الحرس الثورى.. نموذج الذى لا مثيل له سوى فى حركة «حماس» وحزب الله.. هى قوات جرى تأسيسها بعد الثورة الإيرانية.. تحظى هذه القوات بعناية خاصة.. ولها مهام أمنية ودفاعية.. وتضم بين صفوفها فريقين: قوات «الباسيج».. وقوات «القدس».. وتتمتع بوزارة خاصة مستقلة.. ووحدات برية وجوية وبحرية.. ولديها جهاز مخابرات خاص.. وجهاز استطلاع.. وحداتها الجوية تملك صواريخ استراتيجية متوسطة وبعيدة المدى.. وطبقا للكاتب «محمد صادق اسماعيل» فى كتابه: «من الشاه إلى نجاد.. إيران إلى أين؟» الصادر عام 2009.. يذكر أن تعداد القوات البرية يبلغ 125 ألف جندى.. أما القوات الجوية بوحداتها الصاروخية فعددها سرى.. بينما يبلغ تعداد القوات البحرية – وهى لواء و3 كتائب – 20 ألفا.. أما قوات القدس البرية فيبلغ تعداد أفرادها 3 آلاف يزيد إلى 50 ألفا عند التعبئة.. بينما قوات الباسيج وغالبيتها من المتطوعين، شبابا وشابات فيبلغ عددها 90 ألف كادر دائم، و300 ألف احتياطى، يصل إلى 3 ملايين عند التعبئة!.. هذه الأرقام بتعداد عام 2005.. ويؤخذ فى الاعتبار بالطبع أنها قد تكون أقل من العدد الحقيقى.. فالدواعى الأمنية.. وطوق السرية الذى يفرض على تعداد وتسليح الحرس الثورى، أكثر كثيرا من تلك المفروضة على الجيش النظامى.. الذى تجد المعلومات عنه متاحا الحصول عليها بطرق أكثر يسرا من الحرس الثورى!
 

 
الخومينى ضد الديمقراطية.. معلنا الثورة الثقافية!
 
وفى الأشهر الأولى للعام 1980.. أعلن «المرشد الروحى الأعلى» الخومينى على الملأ.. دعوته الأكثر إحباطا للثوار.. «لا تستخدموا مصطلح الديمقراطية.. فهو مفهوم غربى».. لم يكن الأمر كلاما فى خطاب.. أو تعبيرات خرقاء يجرى تصحيحها – كما يفعل بعضهم الآن فى مصر – لكنه كان عنوانا لنيته المبيتة.. فبعد أشهر قليلة تم إغلاق عشرات الصحف والمجلات المعارضة للحكومة الخومينية.. وبدأت عملية قمع واسعة للمعارضة المعتدلة.. متمثلة فى «حزب الشعب الجمهورى».. وجرى الاضطهاد والتنكيل بالعديد من الرموز.. ووضعهم فى المعتقلات.. ثم كان إعلانه الثانى فى العام ذاته.. وفى الأشهر ذاتها.. «الثورة الثقافية».. وحتى لا يأخذك الخيال لثورة فى مجال الثقافة على طريقة «الزعيم» جمال عبد الناصر.. فقد قام «المرشد» بإغلاق الجامعات الإيرانية لمدة عامين.. بدعوى تنقيتها من المعارضين.. فهى كانت معقل اليسار.. وتم فصل 20 ألف مدرس.. و8 آلاف ضابط شرطة.. باعتبارهم يميلون للغرب أكثر من اللازم!
أما «التكفير» فهى تهمة جاهزة استخدمها «المرشد الأعلى» مبكرا.. فمع مطلع العام 1981.. عندما دعا حزب «الجبهة الوطنية» للتظاهر.. هددهم «الخومينى» بالإعدام بتهمة الردة عن الإسلام.. إذا لم يتوبوا عما يفعلون!
لم تكتف قيادة الثورة الإيرانية بعملية «التطهير» أو «إزالة الخطر» المزعومة على أرض إيران.. مع الذين استطاعت القبض عليهم واعتقالهم.. بل عملت خارج حدودها مع الفارين من جحيم «التطهير» هذا.. فظلت تتعقب رموز الدولة السابقين من اليساريين والليبراليين واغتالت كثيرا منهم فى فرنسا.. وكان أشهر الذين جرى اغتيالهم فى عاصمة الضباب بعد 10 سنوات على الثورة.. «شاهبور بختيار» رئيس الوزراء الأسبق.. ليتجاوز عدد من تمت تصفيتهم فى الخارج رقم 65 شخصا.. كل جريمتهم أنهم لم ينتموا لتيار «الخومينى».. ولأنه يدرك معنى أن تتاح الفرصة للمعارضة أن تعمل فى الخارج.. فهو واحد ممن صنعت المعارضة بالخارج سيرتهم الحافلة..
 
جماعة الإخوان تؤسس فرعها فى طهران!
 
«جماعة الدعوة والإصلاح».. تمثل الإخوان المسلمين فى إيران.. تأسست عام 1979 تأسست على يد مجموعة من الدعاة المؤمنين بفكرة الصحوة الإسلامية العالمية.. وعلى رأسهم الشيخ «ناصر سبحاني».. وهى جماعة إسلامية إيرانية مستقلة ولها وجودها ورموزها فى كل المحافظات.. التى يقطنها أهل السنة فى إيران.. تمارس نشاطاتها بشكل شبه رسمى ملتزمة بمنهج الوسطية.. ولكن مع قولها بأنها مستقلة فى اتخاذ مواقفها وقراراتها.. فهى تلتزم بمبادئ حركة الإخوان المسلمين وثوابتها.. وتفتخر بانتمائها الفكرى لها.. تعمل بشكل علنى.. وأسسها الفكرية متطابقة تماما مع الأسس الفكرية لحركة الإخوان فى مصر والتنظيم العالمى أيضا.. هم من مواطنى الجمهورية الإسلامية.. ويلزمون أنفسهم بالدستور الإيرانى.. يعملون وفق قوانين البلاد.. الأهم من وجهة نظرى أن تنظيمهم ليس تنظيما رسميا.. بمعنى أن موقفهم يشبه موقف الجماعة فى مصر.. ليست هناك أوراق رسمية تسجل وجودهم ككيان.. والمدهش أن الحكومة الإيرانية تتعامل معهم كما كانت الحكومات المصرية تتعامل مع تنظيمهم الأم.. من منطلق الأمر الواقع!