الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«الإنشاد» من «الدعاء» إلى «إراقة الدماء»

«الإنشاد» من «الدعاء» إلى «إراقة الدماء»
«الإنشاد» من «الدعاء» إلى «إراقة الدماء»




تحقيق - محمود ضاحى


يا من هداك أضاء كل مكان.. يا من هداه فوق كل بيان.. يا من أحاط بكل شىء علمه، يا واحدا فى الملك مالك ثانى..يا مبدعا فى كل شىء خلقه.. ومصرف الأقدار فى الأكوان.. لبيك من دمعى.. لبيك من بصرى.. لبيك من قلبى.. لبيك من روحى.. لبيك من وجدانى.. لبيك من سمعى.. لبيك من أدمعى.. يا منعما.. غافر الرجاء.. ومعطيا قبل الدعاء مواجد الإحسان.. هكذا ابتهل الشيخ نصر الدين طوبار فى زمن غاب فيه المبدعون أمثاله، ابتهالات وأناشيد قلّ تواجدها مما سمح لتنظيمات إرهابية أن تروج لأناشيد جديدة تشجع على نشر أفكارها المتطرفة.
إذ استخدم ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية  «داعش» أساليب حديثة فى بث روح الانتماء والولاء لأعضائه من خلال أناشيد دينية تبعث فيهم روح الانتقام  وتحثهم على القتال مثل صليل الصوارم وحمحمة الخيول الأمر الذى يستغلونه فى إثارة عواطف أتباعهم ما يجعلهم يعتقدون أن ما يفعلونه جهاداً فى سبيل الله. أما علماء النفس فأوضحوا أن  نسبة تأثير تلك الأناشيد على أعضاء داعش الجدد تصل إلى حد كبير، فهذه الأناشيد تعمل على رفع مستوى الأدريالين فى جسد الإنسان، وتكون حافزًا له فى الدفاع عن التنظيم وتنفيذ أهدافه وطموحاته، ولذلك يحرص مسئولو التنظيم على أن ترافق مقاتليه سيارة صوتيات تبث الأناشيد فلا يشعرون بالخوف أو القلق.
فيما حذرت دار الإفتاء من هذه الأناشيد نظرا لما تمثله من خطورة على الأطفال والمراهقين فهى تساعد على تجنيد الصغار للانضمام إليها، حيث طالب علماء الأزهر القائمين بضرورة الاهتمام بالابتهال الدينى حتى يتصدى للأناشيد الداعشية والإرهاربية خاصة بعد أن اختفى هذا الفن فى السنوات  الأخيرة.
فى البداية يقول الدكتور عطية مصطفى أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية اصول الدين إن الابتهال الدينى فن مصرى خالص ارتبط بحب الله وبالصفاء الروحى والسمو بالذات، مشيرا إلى أن المؤرخين  اختلفوا فى نشأة الابتهال كتراث شعبى لتعدد الرؤى حول جذوره، حيث أرجعه البعض للعصر الفرعونى، والبعض للعهد الفاطمى.
وأضاف أن كلمة ابتهال تعنى فى المعاجم الإخلاص فى الدعاء، وبيّن أن هناك فرقاً أيضا بين الإنشاد والابتهال، فالابتهال يكون دون آلات موسيقية ويعتمد على التنوع فى مخاطبة الناس من خلال مقطوعات قصيرة كذكر أوصاف النبى صلى الله عليه وسلم ثم الانتقال منها إلى الهجرة وهكذا، بينما يصاحب الإنشاد الآلات الموسيقية، ويكون بقصيدة شعرية كاملة، حيث إن الشعر الصوفى لا يترك فراغا بين المنشد.
بينما أضاف الدكتور حسن شحاتة الاستشارى بجامعة الأزهر: إن الابتهالات والتواشيح الدينية لها دور كبير فى مواجهة الأناشيد «الداعشية»، مشيراً إلى أن كلمة  ابتهال تعنى فى اللغة العربية، الخشوع والتضرع إلى الله لطلب العون، والتقرب إليه بالدعاء والرجاء، أما مصطلح التواشيح والموشحات، لغوياً مفردها: توشيح وهى مأخوذة من وشاح الفتاة العربية الذى كانت تلبسه للزينة وللجمال ، وربما أطلق هذا المصطلح الجمالى على هذا النوع من الشعر العربى لأنه جاء زينة لما سبقه من فنون الشعر العربى السابقة.
وأشار إلى أن الابتهالات الدينية بدأت أواخر القرن الـ19  وأوائل القرن الـ20  مع ما يسمى بـ«عصر مشايخ الإعلام»، ومن أشهرهم الشيخ محمد عبد الرحيم المسلوب، إلى جانب انتشار التواشيح الدينية التى تأخذ شكل التنوع فى المقامات مع الشعر الدينى سواء أكان دعاءً أو مديحاً، ومن أشهر المنشدين والمبتهلين  فى أواخر القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20 الشيخ على محمود، الشيخ إبراهيم الفرن، الشيخ إسماعيل سكر،  الشيخ طه الفشنى، الشيخ محمد الفيومى، الشيخ محمد النادى،الشيخ محرز سليمان.
وأوضح أن فن الابتهالات والتواشيح يدخل  ضمن أنواع المدائح المختلفة ما بين الشعر الصوفى أو الدينى أو الدعاء، وتكون التواشيح الدينية بين الشيخ وبطانته، أما الابتهالات فتكون بالارتجال والألحان الفورية، والغناء الدينى يكون إما بالعربية الفصحى وإما بالعامية، وأيضا المديح الشعبى الدينى الذى ينتشر فى صعيد مصر والأقاليم.
وأوضح أن التنظيمات الإرهابية والجماعات التكفيرية، مثل: «داعش» تعتمد على أناشيد العنف التى أصبحت جزءًا أساسياً فى نشر أفكارها وجذب وتجنيد مقاتلين جدد، حيث حولوا النشيد إلى أداة فعالة فى صراعهم الممتد مؤكداً أن هذه الجماعات تفرد مساحة واسعة للنشيد كأداة مهمة للتحفيز من أجل المشاركة فى الجهاد، معللة ذلك بأن النبى - صلى الله عليه وسلم- استعان فى حياته بالشعراء الذين وظفوا أشعارهم لإلهام وتحفيز المسلمين وتثبيط الكفار.
وبيّن أن أهمية استخدام التنظيمات الإرهابية لتلك الأناشيد نظراً للقدرة الهائلة له على الانتشار والوصول إلى أكبر عدد من الجمهور بطريقة لا يمكن لمحاضرة أو كتاب فعلها ولأنها كذلك تحفز الجمهور من الشباب خاصة للانضمام لهذه التنظيمات، فالأناشيد تعد عنصرا مهما بالنسبة لهم فى خلق «ثقافة الجهاد».
أما عن سبل مواجهة هذه الأناشيد والتصدى لتأثيرها، فطالب بنزع القداسة عن تلك الأناشيد، والتأكيد أنها لا تدخل فى إطار «الدينى» أو «المقدس» أو «الجهادى»، مع ضرورة دعم أناشيد التصوف، إضافة إلى ضرورة تأكيد علماء الأمة على أن هذه الأناشيد لا تمت للقيم الدينية بأدنى صلة ولا تدافع عنه أو تمثل توجهاته، ولا توصل رسالته، بل هى على النقيض تماما تشوه الإسلام ورسالته إلى العالمين.. كما طالب بتطوير النشيد الدينى وأداوته لمجابهة أناشيد العنف، وأن تكون الجهود لمواجهة هذه الأناشيد على درجة احترافية فى استخدام واستغلال تقنيات الصوت والصورة، وعلى كفاءة كبيرة فى استغلال التقنيات الحديثة وصفحات التواصل الاجتماعى التى باتت ساحة الصراع الحقيقية مع تلك التنظيمات وما تحمله من أفكار وقيم تغذى العنف وتنشره على نطاق عابر للحدود.
وأكد أهمية إحياء الاستماع إلى الابتهالات الدينية، حيث إن هذه الابتهالات التى أبدعها المنشدون والمبتهلون لترطيب وتليين وتهذيب النفوس وشحنها بمعانى الجمال والجلال المستوحاة من آيات ومعانى القرآن الكريم، وكلها معانى حب وسماحة ورحمة ورفق ولين، لجديرة أن تحيا وأن تبعث وأن تجدد فى حياة الأمة والشباب من جديد.
وأضاف الدكتورعلوى أمين خليل استاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون: إن فلسفة وثقافة الابتهال ـ كتراث شعبى ممتدة من العصور القديمة، كما وجد ذلك فى المعابد القديمة الفرعونية  ولكن اصطبغت تلك الفلسفة بصبغة كل دين ظهر على أرض مصر، وحينما جاء الإسلام تبلورت ودخلت فى فلسفته، وعلى ذلك فإن فن المدح والابتهال كان موجودا منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تطور بعد ذلك وتعددت أشكاله مثل التى نراها اليوم.
وأشار إلى أن الأناشيد الدينية تحتاج إلى تطور لمواجهة الجماعات إلارهابية، خاصة أن المبتهلين أمثال النقشبندى وطوبار لم نعد نجد أمثالهما الآن.
وأكدت دار الافتاء برئاسة الدكتور شوقى علام أن  الجماعات الإرهابية أفردت مساحة واسعة للأناشيد كأداة مهمة للتحفيز من أجل المشاركة فى الجهاد، معللة ذلك بأن النبى - صلى الله عليه وسلم - استعان فى حياته بالشعراء الذين وظفوا أشعارهم لإلهام وتحفيز المسلمين وتثبيط الكفار على حد زعمهم، موضحاً أهمية استخدام النشيد لتلك التنظيمات الإرهابية نظراً للقدرة الهائلة له على الانتشار والوصول إلى أكبر عدد من الجمهور بطريقة لا يمكن لمحاضرة أو كتاب فعلها ولأنها كذلك تحفز الجمهور من الشباب خاصة للانضمام لهذه التنظيمات، فالأناشيد تعد عنصرا مهما بالنسبة لهم فى خلق «ثقافة الجهاد».
واشار إلى أن الموضوعات التى تغطيها تلك الأناشيد تتضمن الشهادة، الجهاد المسلح باعتباره الحل الوحيد أمام المسلمين، وأهمية دعم المجاهدين، ودعم قادة الجهاد الحاليين (لتوطيد العلاقة بينهم وبين الشباب)، وحال الأمة السيئ، ومسئولية الشباب، وانتصار الإسلام ووجوب الدفاع عن الدين بالجهاد فى سبيل الله عَلى حد زعمهم.
وكشف أن هذه النوعية من الأناشيد تخضع لتقنية إنتاج عالية، ويظهر ذلك من خلال تنويع المؤثرات المصاحبة للأناشيد، والفواصل التى تتكون من أصوات حمحمة الخيل وصليل السيوف، وهدير الدبابات وأصوات البنادق، كما تظهر جودة الإنتاج أيضًا من خلال التنوع فى مستوى الأداء الفنى؛ بين نماذج تركز على اللغة النارية التى تعتمد على مفردات الحرق والقتل والتدمير، إلى أخرى تعتمد على ثنائية الغرب الكافر الذى يحاول تدمير الإسلام وإبادة أهله، وبين المسلم المجاهد الذى ينتصر من بعد ظلم ويزود عن الدين والحياض على حد زعمهم.
ورصد أبرز خصائص أناشيد تنظيم داعش التى تميِّزها عن غيرها ومنها أنه يستعمل الأناشيد بشكل عام للتهجّم على خصومه، ولتعداد أولئك الخصوم وبيان «كفرهم» وعمالتهم للغرب الكافر و«الحكام المرتدّين» بحسب زعمهم، أنه يمكن ملاحظة أنّه كلّما اقترب الفصيل الخصم من أيديولوجية التنظيم العقدية والفكرية – مثل جبهة النصرة – تتضاعف قيمة العنف والحقد، وتزداد الرغبة فى إخراج الفصيل من الملّة والقضاء عليه.
أوضح أنه يمكن ملاحظة العنف الزائد عن الحد فى كلمات الأناشيد التى ينتجها التنظيم، فقد أصبحت مفردات «الذبح» والحرق وقطع الرقاب متواجدة بكثرة فى معظم أناشيد التنظيم ويصر مؤلفو القصائد من المنتمين للتنظيم على استعمال هذه المفردات لتحقيق أهداف التنظيم العامة والتى منها: إرهاب الأعداء بالذبح والنحر والسلخ والتفجير، والرغبة فى مخاطبة مناصريهم وتعبئتهم معنويّاً،لافتا إلى أنه على الرغم من أن العنف من سمات الأناشيد القتالية، فإن كمية عنف المفردات الموجود فى أناشيد داعش  يقارب العنف الفعلى الذى يمارسه التنظيم ضد مخالفيه ففى نشيد «قريباً ترون العجيب»، نراهم يقولون: «إليكم سنأتى بذبح وموت، بخوف وصمت نشق العرى»، وفى موضع آخر يقول النشيد: «إذا الكفر ماج وأرغى وهاج، ملأنا الفجاج دمًا أحمر». وفى أغنية أخرى يتوعدون أهل الجزيرة قائلين: «أهل الجزيرة إذا جينا، الذبح والسّلخ بأيدينا».
 وشدد  على إحياء الاستماع إلى الابتهالات الدينية موضحا أن هذه الابتهالات التى أبدعها المنشدون والمبتهلون لترطيب وتليين وتهذيب النفوس وشحنها بمعانى الجمال والجلال المستوحاة من آيات ومعانى القرآن الكريم ، وكلها معانى حب وسماحة ورحمة ورفق ولين، لجديرة أن تحيا وأن تبعث وأن تجدد فى حياة الأمة والشباب من جديد.
 الدكتور يسرى جعفر أستاذ العقيدة والفلسفة  بكلية أصول الدين أكد أن الابتهالات الدينية ضرورة وجدانية من الفنون التى ارتبطت بالدين قديما حيث الاناشيد والترانيم ونبينا صلى الله عليه وسلم استمع للخنساء وفرش رداءه لها تكريما وقال عنها إن اخاها كان يدعو لمكارم الاخلاق وكان مدحها ان قالت فى حق اخيها وان صخرا لتأتم الهداةُ به.
وأضاف: إن التزام المبتهل بالمقامات الموسيقية نتيجة لما خلقه الله فى الانسان من ميلهِ للاصوات الجميلة المنضبطة غير الاصوات الناشزة والنشاز خروج عن المألوف ونبينا صلى الله عليه وسلم حينما استقر على الاذان بناء على رؤية المنام لعبدالله بن زيد أو عمر على خلاف فى الروية إلا أنه أمر أحدهم فقال (القه على بلال فإنه اندى منك صوتاً).