الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«حبوب التوهان» تهدد «فحولة» المصريين وتستنزف «جيوبهم»

«حبوب التوهان» تهدد «فحولة» المصريين وتستنزف «جيوبهم»
«حبوب التوهان» تهدد «فحولة» المصريين وتستنزف «جيوبهم»




تحقيق - كريم المصرى
من السهل على أى مواطن أن يدخل إلى إحدى الصيدليات ويحصل على ما يشاء من العقاقير الطبية طالما سيدفع الثمن.. العاملون لا يطلبون روشتات والغريب ان معظمهم لا يحمل شهادات.. ناهيك عن أن الأصدقاء والمحاسيب يحصلون على ما يشاءون دون قيود.. كل هذا يحدث فى غياب الاجهزة المعنية.. أما الشرطة فيصعب عليها الدخول إلى الصيدليات والقيام بعمليات تفتيش دون اتخاذ سلسلة طويلة من الإجراءات المعقدة، بالإضافة إلى ضرورة وجود مندوبين من الجهات المسئولة عن رقابة صرف الأدوية، ونتيجة لهذه الاوضاع انتشرت تجارة المخدرات بشكل منظم وممنهج، ما ساهم فى ظهور نوع جديد من المخدرات وهو «حبوب التوهان» أو «البرشام» والدليل على ذلك احتلال الترامادول عرش الأدوية المخدرة، والذى يتعاطاه نسبة كبيرة.. وحتى بعد إفاقة أجهزة الدولة، كانت الامور خرجت عن السيطرة، وادى انتشار تلك الظاهرة إلى فتح أبواب التهريب من الخارج وصناعة الأدوية المغشوشة فى الداخل.. مما جعل هذه التجارة المخدرة تكلف مصر خمسة مليارات جنيه على الأقل سنويا كما يقول الخبراء.

فى البداية ذهبنا إلى قسم الشرطة فى احدى المناطق الشعبية التى تنتشر بها تجارة البرشام حيث شهدنا على الطبيعة عددا من البلاغات الناتجة عن تعاطى البرشام.. دخلنا إلى رئيس المباحث (م .أ) الذى أوضح أن تعامل الشرطة مع الصيدليات يتطلب العديد من الإخطارات والإجراءات حيث لا يسمح القانون بتفتيش الصيدلية بدون اتخاذ العديد من الإجراءات القانونية وحضور مندوبين من الجهات الرقابية وهى إجراءات صعبة وتستغرق الكثير من الوقت والجهد والذى يكون فى صالح اصحاب هذه الصيدليات ..ويضيف انه حتى بعد اقتحام الصيدليات المشبوهة سرعان ما تعود إلى مزاولة نشاطها من جديد، لذلك تركز الشرطة جهودها على التجار وسريحة الشوارع وبعض المدمنين الذين يضطرون إلى ممارسة البيع للإنفاق على احتياجاتهم من البرشام .
وكما يقول (م.ف) مدير البحث الجنائى فى إحدى المحافظات الكبرى أن رجال الشرطة يبذلون جهودا مضنية لمواجهة هذا الوباء، خاصة ان بعض تجار هذه السموم يحاولون تهريب كميات ضخمة منها إلى داخل البلاد بعد استيرادها من دول أجنبية، واصطحبنا مدير المباحث بنفسه فى جولة على الطبيعة لنشاهد آخر شحنة مهربة قام رجال البحث الجنائى بضبطها والتى قدرت بـ50 مليون شريط ترامادول.
كما أوضح أنه من الضرورى أن تحدث حملة تشارك فيها أجهزة الإعلام وأئمة المساجد ووعاظ الكنائس لتوعية الشباب ضد مخاطر هذه السموم التى تدمر صحة الإنسان وطاقة المجتمع واقتصاده على المدى الطويل.
احذروا.. 75% من الترامادول «مضروب»
 فيما قال الدكتور محسن شلبى خبير صناعة الأدوية إن «الترامادول» يعمل كمسكن قوى للألم ويتم استخدامه فى كثير من الحالات المرضية خاصة التى تعقب العمليات الجراحية، إضافة إلى أنه يسهم فى حل المشاكل الاجتماعية بين الزوج والزوجة فى حالة معاناة الزوج من مشكلة القذف السريع ويساعد على اطالة مدة العملية الجنسية، مشيرًا إلى أن من ضمن آثاره الجانبية أنه يجعل متعاطيه فى حالة عدم اتزان فى تقدير المواقف.
وعن أخطر أنواع المخدرات على صحة الإنسان، أوضح أن الهيروين هو الأخطر ويأتى فى الترتيب الأول، يليه الأفيون ثم «أبو صليبة» ثم الكوكايين ثم الترامادول، ويتذيل الحشيش ترتيب المواد المخدرة الأكثر ضررًا على صحة الإنسان، موضحا ان خطورة الهيروين تتمثل فى ان الشخص يتحول لمدمن بعد ثلاث جرعات فقط من تناوله ولا يستطيع الشخص حينذاك التخلى عنه.
أما الأفيون فتأتى خطورته لاحتوائه على مادة المورفين التى لا تتوافر الا فى المستشفيات، وعلى مسئوليته فإن معظم مدمنى مادة «المورفين» هم الأطباء لما لها من تأثير فعال فى تسكين الآلام وتعطيهم القدرة على ممارسة عملهم بكفاءة على مدار 24 ساعة متواصلة، لافتًا إلى أن مشكلة الانواع السابق ذكرها تتمثل فى تناولها بشكل يومى.
وأوضح شلبى أن مشكلة الترامادول تفاقمت بعد حالة الانفلات الأمنى التى شهدتها البلاد عقب ثورة 25 يناير، الأمر الذى دفع بعض أصحاب النفوس الضعيفة إلى استيراد ماكينات من بعض الدول مثل الصين والهند باسعار زهيدة، وقاموا بعمل مصانع «تحت السلم» لصناعة «الترامادول» باستخدام النشا وبدرة التلج ومواد أخرى تضر بصحة الإنسان وتؤثر على وعيه، الأمر الذى ساهم فى ارتفاع معدلات الجريمة المقترنة بتناول تلك المخدرات «المضروبة»، لافتًا إلى أن ظاهرة غش الدواء تقدر بـنحو 15% على مستوى العالم، أما فى مصر فتقدر بـحوالى 14% طبقًا لما يقول.
وعن سهولة حصول أى شخص على الترامادول بدون روشتة من الصيدليات، أكد أن بعض الصيادلة من أصحاب النفوس الضعيفة استغل غياب الرقابة من قبل موظفى قسم التفتيش بالإدارة العامة للصيدلة وتقاعسهم عن عملهم فى تحقيق أرباح مضاعفة دون النظر للمصلحة العامة، مشيرًا إلى أنه أصبح لا يخفى على أحد أن منظومة الصحة فى مصر باتت فى حاجة إلى إعادة ترميم .
وأشار إلى ان نسبة «الترامادول» المضروب فى مصر الذى لا يتجاوز سعره الجنيهين تمثل 75% من إجمالى الكمية المتواجدة بالاسواق، مشيرًا إلى أن عدد مدمنى الأقراص المخدرة خصوصًا «الترامادول» ومشتقاته اقترب من الـ15 مليونا معظمهم من أصحاب الحرف، وهؤلاء يمثلون نحو 70% من مدمنى المخدرات فى مصر وتقل أعمارهم عن 35 عاما.
وطبقًا للدراسات والبحوث التى أجريت فى هذا الشأن فقد انضمت فئة اخرى لمدمنى هذا النوع من المخدرات هم طلاب المدارس والجامعات، الذين يلجأون إلى تلك الأقراص لزيادة قدراتهم على السهر والتركيز فى فترات معينة وسرعان ما يتحولون إلى مدمنين، ساعدهم على ذلك انتشار الأقراص المخدرة وسهولة الحصول عليها بأسعار رخيصة نسبيًا، لافتا إلى أن الدولة اتخذت موقفا متعثرا من التصدى لانتشار الترامادول فى الوقت الذى أصبح وجوده فى الاسواق مهما من الناحية الطبية لتلبية احتياجات المرضى الذين يتعذر عليهم الحصول عليه بسبب المدمنين وهذه مشكلة أخرى.
ويشير أيضا إلى أنه آن الأوان لكى تحذو الدولة المصرية حذو الدول التى استطاعت مواجهة تلك المشكلة مثل «الهند وتركيا» عن طريق عدد من الخطوات التى يرتبها على النحو التالى:
«الأولى» أن تقوم وزارة الصحة بإدراجه فى جدول المخدرات رقم 3 تحت بند الأدوية الخطرة بدلا من بند 1.
«الخطوة الثانية» أن تسمح وزارة الصحة لعدد قليل من المصانع بتصنيعه على أن تكون المادة الخام المستوردة خاضعة للوزارة.
يقوم المصنع ببيع القرص للحكومة مثلاً بخمسة جنيهات ومن ثم تبيعه الحكومة بـ15 جنيها، الأمر الذى سيدر دخلا اقتصاديا ضخمًا فى ميزانية الدولة، بجانب ضمان جودة المنتج ووصولة بشكل آمن تحت اشراف الحكومة.
ويعترف بأنه شخصيا يقدم أحيانا على تناول «الترامادول» غير المغشوش لمواجهة أعباء عمله الإضافية وزيادة قدرته على السهر، مؤكدًا أيضًا أنه مؤيد لفكرة تقنين الحشيش على غرار هولندا وبعض الولايات فى أمريكا التى تسمح بيبع كميات قليلة من الماريجوانا والحشيش ومحددة يوميا للشخص حتى لا تجعله يفقد وعيه ومن تم تحصل الدولة على ضرائب عن طريق مثل هذا التنظيم.
تأثيره على الصحة
بينما يؤكد الدكتور أحمد حسنى عوض -أستاذ أمراض الذكورة والجلدية بقصر العينى -أن الترامادول له مضاعفات كمخدر صناعى لهذا يصرف بروشتة طبقا لحالة المريض ويأتى ضمن مضاعفاته تأثيره على الكبد والكلى ويسبب القىء والصداع والإمساك والتوتر العصبى ومصاحب للاسهال وحساسية وحكة فى الجلد كما هو مدون فى روشتته الأصلية ويزيد من معدل ضربات القلب بالإضافة إلى انه يسبب العكس فى الحالة الجنسية على مدى تعاطيه لفترة طويلة تحدث ارتخاء جنسيا.
لهذا لا يستخدم الترامادول إلا تحت إشراف طبى دقيق ولتسكين الامراض ذات الآلام الشديدة والسرطانات. لهذا تناوله للانسان العادى يدمر كل ما هو سليم فى جسمه من كبد وكلى وقلب وفى النهاية يصل تعاطيه بالمدمن إلى ضمور فى المخ وتلف فى خلاياه مصاحب للوفاة.
فاتورة خيالية
فيما أكد الدكتور على لطفى –رئيس مجلس الوزراء الأسبق – أن الاستخدام الخاطئ للعقاقير الطبية له تأثير سيئ جدا على الاقتصاد القومى خاصة اننا نستورد الأدوية والمواد الخام لتصنيعها بالدولار فى الوقت الذى تشهد فيها الدولة عجزا فى العملة الصعبة، لافتا إلى أن المبالغ التى ينفقها مدمنو تلك الأقراص على شرائها تعد كبيرة جدا ولو تم استغلالها فى التعليم والصحة والسياحة لحققت الدولة نموًا اقتصاديًا هائلاً وأصبحنا من الدول المتقدمة .
ويوضح ان ارتفاع سعر قرص «الترامادول» ووصوله إلى 20 جنيها خلال تلك الفترة يعد أمرًا طبيعيًا فى الوقت الذى سلكت فيه الحكومة متمثلة فى وزارة الداخلية طريقًا جادًا للحد من ظاهرة سهولة الحصول عليه، موضحًا أن الترامادول شأنه شأن أى سلعة عندما تشهد ندرة بالمعروض يزداد سعره والعكس صحيح.
ويتفق الدكتور حمدى عبد العظيم – رئيس أكاديمية السادات الأسبق – مع الرأى السايق فى أن تناول أقراص «الترمادول» وما على شاكلته دون شك له تأثير بالغ الخطورة على الاقتصاد المصرى فى الوقت الذى يتم فيه استيراد تلك الأدوية بالعملة الأجنبية وهو ما يسهم فى ندرة المعروض منها بالأسواق، مشيرًا إلى أن الأهم من ذلك هو التأثير السلبى الناتج عن تناول تلك المواد على القوة الانتاجية للفرد خاصة وانها تجعله «مغيبًا» وهو ما يسبب خسارة قومية فى الطاقة الانتاجية لمجموع أفراد الشعب.
ويوضح أنه لا يؤيد وجهات النظر التى ترمى إلى تقنين المواد المخدرة خاصة أنها ستأتى على حساب الصحة العامة للمواطن والآداب والعادات والتقاليد حتى ولو كان سيدر عائدًا اقتصاديًا ضخمًا على الدولة، مشيرًا إلى أن شبابنا حينما يتخلص من تناول المخدرات سيصبحون أكثر قدرة على الانتاج والارتقاء بالوطن، الأمر الذى يراهن الجميع عليه الآن.
من جانبه يقول الدكتور عبدالمطلب عبد الحميد –عميد مركز البحوث الاقتصادية – أن الاستخدام الخاطئ للعقاقير الطبية يؤثر سلبيًا على معدلات الادخار فى مصر لأن إدمان تلك الأقراص المخدرة يدفع الشخص إلى مزيد من استهلاك أمواله لشرائها ويدفعه فى كثير من الأحوال إلى الاقتراض مما يزيد من مخاطر العملية الاستهلاكية فى مصر ويضعف العملية الادخارية أو يقلل نسبة المدخرات المتواجدة فى البنوك.
ويدق عبدالمطلب جرسًا للإنذار عندما يوضح أن الاقتصاد القومى ينزف 5 مليارات جنيه سنويا جراء ظاهرة الإدمان، مشيرًا إلى مخاطر اقتصادية قومية أخرى تتمثل فى زيادة نشاط الاقتصاد غير الرسمى إضافة إلى عمليات التهريب والسوق السوداء.
ويطالب الاجهزة الرقابية بمزيد من النشاط والحزم فى مواجهة هذه الانشطة التى تؤثر سلبًا على التنمية خاصة نحن فى مرحلة البناء ولابد من التخلص من تلك الظواهر .
لماذا يتعاطون الترامادول؟
مصطفى – سائق توك توك – الترامادول شهد ارتفاعًا فى اسعاره على مدار الأيام الأخيرة وقد قمت بتخفيض الكمية المشتراة، فأصبحت اشترى قرصا واحدًا بدلاً من قرصين، وعموما الترامادول أصبح غير متواجد والحصول عليه أصبح صعبا جدًا والقرص بنحو 20 جنيها بعدما كان يباع بثلاثة جنيهات.
ويقول إن تناول الترامادول يعطيه قدرة تساعده على العمل ورديتين بالتوك توك بدلاً من وردية واحدة، وفى حالة عدم استطاعته شراء الترامادول يضطر إلى تخفيض ساعات العمل.
أما محمد – عامل -هو فين الترامادول يا أستاذ، انا مستعد ادفع 200 جنيه فى «الشريط» بس قولى أجيبه منين الموجود فى الأسواق «مضروب».. بل إن بعض معدومى الضمير يتاجرون بهذه المأساة فيبيعون أقراص «الفلورست» البيضاء اللون والتى تشبه الترامادول على أنها الصنف المراد.
أما وائل –بائع متجول– فيقول ضاحكًا الترامادول ده «حبيبى» اتعودت عليه خاصة عند ممارستى الحياة الزوجية لما له من مفعول ساحر فى إطالة مدة الجماع.. ومكدبش عليك لما اقول أن معظم الناس بقت تاخده للغرض ده حتى المثقفين واللى بيقولوا عليهم من النخبة.