الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

العناصر الأربعة للصراط المستقيم




 
إن صراط الله المستقيم ليس وهمًا، والهداية إليه ليست ضربة حظ، ولا هى إجابة دعوة شاردة من مسلم يحفظ سورة الفاتحة ويقرؤها فى صلاته، ولا هى دعوة أم لابنها، ذلك لأن القرآن حدد لك عناصر الوصول إلى طريق الهداية لصراط الله المستقيم، فقولتك بها تُنادى الله فى الصلاة لا تكفى لحصولك عليها، والمسلم لا يتمكن من خلال الصورة التى يتعامل بها غالبيتنا مع القرآن الكريم أن يصل إلى مراد الله فى معرفة طريق الوصول لتلك الهداية، ذلك لأن نظرته فى القرآن نظرة موضعية وأُحادية، وكان ينبغى أن تكون نظرة موضوعية ذات شمولية مع تدقيق، فالهداية إلى صراط الله المستقيم أغلى العناصر التى يستهدفها أولو الألباب، لذلك فلابد من إعمال الجهد للوصول إلى حقيقتها والإمساك بها، ثم الاحتفاظ بها أن تتفلت.
 
 
فقولك وتلاوتك بسورة الفاتحة بالصلاة: {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ }الفاتحة6؛ لا تنتهى عندها مهمة المسلم الواعى المُدرك أهمية الصراط المستقيم لنجاته وخروجه من الدنيا غانما، فالصراط المستقيم لم يتوقف عند كونك مسلما، ورثت الدين عن أبويك، لكنه أعمال ومتطلبات محددة بالقرآن تصل بك إلى الهداية إلى صراطه المستقيم، وصراط الله المستقيم ليس انعزالا عن الدنيا، ولا زهدا فيها وتأففًا من دروبها ومتطلباتها، إنما هو اندماج كامل مع الحياة والقرآن والأكوان، وهو ليس ذلك الجسر المزعوم على جهنم، فذلك هو تصور المراهقين فقهيا.
 
فأول طريق الهداية لصراط الله المستقيم هو القرآن الكريم، الذى هجر الناس تلاوته والعمل بأحكامه إلا فى جزئيات يسيرة من حياتهم، فلو علم الناس للقرآن قيمته الحقيقية ما غاب عن أحدهم حرف منه، ولظل يراودهم ويداعب مخيلتهم ليل نهار، والله تعالى يقول فى سورة المائدة:
 
{.....قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ{15} يَهْدِى بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{16}؛ فالهداية إلى صراط الله المستقيم تنبع من استقامة على طريق رضوان الله، وذلك الطريق لن تتمكن من الوصول إلى بدايته إلا من خلال القرآن الكريم، بل لابد أن تكون محترفًا لقطع ما تيسر لك من الوقت مع القرآن، مُتَحَرِّق الشَّوْقَ لآياته، مُتَحَبِبًا لسماعه، ودُودًا مع أهله والسالكين فى دربه، فهكذا الطريق، وذلكم الصراط المطلوب اغتنامه.
 
 
وثانى الطرق للهداية {بلا ترتيب فى الأسبقيات} إلى صراط الله المستقيم هو سماع الوعظ والعمل به، حيث يقول تعالى فى سورة النساء: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً{66} وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيماً{67} وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً{68}}؛ فالأجر والمثوبة والهداية للصراط المستقيم جزاء من قام بتفعيل الوعظ.
 
والوعظ قد يكون على دروب مختلفة من القول أو الفكر، وهنا تبدأ مهمة المسلم الواعى فى اختيار أفضل ما يسمعه أو يقرؤه ليكون منهاجه، حيث يقول تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ }الزمر18؛ فلابد إذن أن تكون صاحب نقل بعقل، حتى تغنم الهداية الحقيقية ، لا أن تكون صاحب نقل بلا عقل كمثل الذين حفظوا أهازيج الأقدمين ثم يعيدون ذكرها على الناس بلا تدبر ولا تنقية ولا تجلية.
 
 
وثالث طرق الهداية الاعتصام بالله والإنابة إليه {راجع الفرق بين الاعتصام والانابة بكتابنا: كيف كان خُلُقُه القرءان} فهو من أهم ما يجب على المسلم أن يتمتع به كى يصل إلى مبتغاه فى الهداية، فمعيشتك فى الدنيا لا تمنع الاعتصام بالله عز وجل، فالاعتصام به يعنى أن تعيش الدنيا بقانون الله، لا أن تنعزل عنها، لكن لابد أن يكون مرادك فى القول والعمل وفقا لمراده سبحانه وتعالى، فذلكم الاعتصام الموصل للهداية لصراطه المستقيم، والله تعالى يقول: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِى رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً }النساء175؛ فمن كان ينادى الرحمن أن يهديه إلى الصراط المستقيم فعليه بالاعتصام والالتزام بتعاليم الله، ولن تصل إلى ذلك الالتزام إلا إن عرفت قدر الله.
 
ومعرفتك قدر الله لها علامة، وهى أن ترى نفسك عاشقا لمولاك، أسيرا لحب مرضاته، نهما فى أداء ما افترضه، سعيدا بالوقوف بين يديه، شغوفا بأداء الحسنات التى أمرك بها مولاك، فذلكم هو الاعتصام بالله، وهو أيضا التمسك برضوانه حال الفتن.
 
 
ورابع تلك العناصر حُب عمل الصالحات، ولا بد أن يكون ممزوجا بالإيمان، فلقد ذكر الله تعبير{الذين آمنوا وعملوا الصالحات} خمسين مرة بالقرآن الكريم، وكأن الإيمان وعمل الصالحات قد ولدا توءمًا من رحم واحد هو رضوان الله، وفى ذلك يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِى جَنَّاتِ النَّعِيمِ }يونس9؛ كما أن ذلك المنهج فيه مع الهداية تكفير للسيئات وإصلاح للبال، لقوله تعالى بسورة محمد: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ }محمد2.
 
 
فهى إذن أربعة عناصر لابد من نهوض العبد بمقتضياتها العملية، حتى يجد لدعوته القولية {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ }الفاتحة6؛ الثمرة التى يرجوها فى صلاته التى تُعَبِّر عن حقيقة علاقته مع مولاه عز وجل. والتى تبدأ بالتنفيذ الموضوعى للعبد بدءا من [إياك نعبد وإياك نستعين] فلا هداية للصراط المستقيم بلا إفراد العبادة والاستعانة بالله فى كل أمر.
 
 
كان ذلك السرد والبيان تفصيلاً لأولى الألباب ممن يبتغون رضوان الله بالوصول إلى منبع هدايته لهم ليكونوا على صراطه المستقيم، ونعيم رضوانه، فالأمر ليس دعوة ترفع بها عقيرتك وينتهى الأمر، لكنه جهد وجهاد، ومنظومة للاستقامة للوصول إلى تلك الهداية.
موجبات الرحمة
 
 
الكثير منا يدعو الله أن يرحمه، سواء أكان يطلب الرحمة لنفسه أو لغيره، وسواء أكان يطلبها فى الدنيا أو الآخرة، ونظرا لتعود المسلمين القعود عن العمل بطاعة الله فهم يظنون أن الرحمة مجرد تقديم طلب لله بالدعاء له أن يرحمهم، فهم بذلك لم يتدبروا القرآن، وما أسهل الدعاء، بل منهم من لا يعرف من الدعاء إلا ما يستعين به من كتيبات مدون بها بعض الأدعية، بل هم يفعلون ذلك بالحج والعمرة، وهكذا أصبحت الرحمة فى منطقهم معلقة بدعاء أو بجود من الله بلا دعاء، وهؤلاء واهمون يعيشون الوهم ويسعدون به.
 
 
لكن منهج القرآن غير ذلك، فلقد علق الله الرحمة على عناصر عديدة وردت بكتابه العزيز، سوف أذكرها ليعلم المسلم ما عليه من واجبات، وذلك فيما يلي:ـ
 
 
1ـ يقول تعالى: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }آل عمران132؛ فطاعة الله ورسوله من موجبات الرحمة وعزائم المغفرة.
 
 
2ـ ويقول تعالى: {وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }الأنعام155؛ فاتباع التنزيل وما به من فرائض وواجبات وتقوى الله عز وجل من موجبات الرحمة.
 
3ـ ويقول تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }الأعراف204؛ فالاستماع والإنصات لقراءة القرآن فرض على المكلفين، ويجب أن يقوموا به بإخلاص، وهو من موجبات الرحمة. والاستماع هو أن تعير القرآن أذنك، لكن الإنصات هو أن تتدبر ما تسمعه بتفهم، أما الإصغاء فهو أن تحب تكرار ما تسمعه.
 
 
4ـ ويقول تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }النور56؛ فتأدية الفرائض وطاعة الرسول واتباع سُنَّته، من موجبات الرحمة.
5ـ ويقول تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }النمل46؛ فكثرة الاستغفار بقلب واع، وما يستتبع ذلك من العودة إلى الحق من موجبات نزول رحمة الله على العبد.
 
 
6ـ ويقول تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }يس45؛ فالإنسان الذى يبغى رحمة مولاه عليه بالسعى فى الحياة بتقوى الله، كذلك فإن التقوى مع الإصلاح بين الناس تؤكد حصول العبد على رحمة مولاه، وذلك من قوله جل جلاله:
 
 {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }الحجرات10؛ كذلك يقول تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الحديد287ـ ويقول تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }التوبة71؛ فعلى ذلك فإن أداء الفرائض مع الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والإصلاح بين الناس من موجبات الرحمة أن تتنزل عليك.
 
فتلكم سبعة عناصر أوردها الله فى كتابه، تُبيِّن طريق الوصول إلى رحمته سبحانه، فلابد لمن يبتغى رحمته أن يسلك طريق رضوانه، ولا يكتفى بالدعاء أن يرحمه الله، ولا أن يدعو بالمأثور ويقول: اللهم إنى أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم، فذلكم جميل لكن لا بد أن يكون على منهاج رسول الله عمليا قبل أن يكون عليه قوليا، أى عمليا وقوليا، ولا أعنى بكلمة عمليا ما يتخذه البعض من سواك ولحية ولباس، لكن العمل بسُنَّة َالرسول صلى الله عليه وسلم هو ما يصلح به وجه الحياة فذلك ما أعنيه.
موجبات الجنة
 
والعمل الصالح هو الأساس الموجب لدخول الجنة لكل من آمن بالله الواحد الأحد، وذلك من قوله تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً }النساء124؛ وقوله جل فى علاه: {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئاً}مريم60؛ وقوله سبحانه: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ }غافر40.
 
 
ومن موجبات دخولها تنفيذ جميع ما ورد من عناصر الهداية لطريق الله المستقيم، وموجبات الرحمة، فذلكم العبد الرَّبانى الذى وجبت له الجنة، ولا يفوتنى أن أذكر بأن موجبات الرحمة قد تم ذكرها إجمالا، فمن البديهى أن يعلم المسلم بأن بر الوالدين والنفقة على العيال وإحسان تربيتهم وتنشئتهم والإخلاص فى العمل وأداء الشعائر فى أوقاتها وبشرائطها، واللين مع الزوجة، والصدق، والعدل، والحض على طعام المسكين كلها وغيرها تفصيلات لما أجملناه من أسس الهداية وموجبات الرحمة والحصول على الفوز بالجنة.
 
 
ويهمنى أيضا أن أذكر بأن الهداية لصراط الله المستقيم وموجبات رحمة الله لدخول الجنة ليست لها قوالب ومعلبات من الأدعية والأوراد بل هى تفاعل حى مع حركة الحياة بأخلاق وتعاليم القرآن على سنة سيدنا رسول الله الذى كان خلقه القرآن، ويتخلل ذلك شعائر لابد أن تؤدى بوقتها..