الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ضمير الشعب.. المصرى الجدع.. وداعًا يا خال

ضمير الشعب.. المصرى الجدع.. وداعًا يا خال
ضمير الشعب.. المصرى الجدع.. وداعًا يا خال




إعداد - أحمد عبدالعليم
بعد صراع طويل مع المرض، رحل عن عالمنا الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى، أحد أهم شعراء العامية فى الوطن العربى، والذى اجتمع على حبه المثقفون والبسطاء.
الأبنودى كان ومازال ضمير هذا الشعب بإحباطاته وانكساراته، وأفراحه أيضًا.
الشاعر الراحل وجه مجموعة من الرسائل للمصريين قبل رحيله، تمثلت فى تمنيه رؤية مصر فى حال أفضل مما هى عليه الآن، وإلا يرحل حتى يطمئن أكثر، كما طالبهم بالحفاظ على  الوطن من المؤامرات.
كانت وصية الأبنودى للرئيس عبد الفتاح السيسى، ضرورة الحفاظ على البلد ومراعاة الفقراء، وقال: «إن أهم ما فعله عبدالناصر هو أنه حافظ على قضيتين الفقراء والشباب».
عرّف «الخال» الحياة فى قاموسه كـ«بروفة للآخرة»، ولم يكن يخشى لقاء ملك الموت فيقول: لو جالى هفتحله وانط فى حضنه، وكانت آخر كلماته: أنا بخير طول ما البلد بخير.
ميلاد رغم الطبيعة
ولد عبد الرحمن الأبنودى فى 11 أبريل 1938، فى قرية أبنود بمحافظة قنا، وجاءت أجواء ميلاده فانتازيّة، فجاء فى أيام «الحسومات» التسعة الجالبة للشؤم فى معتقدات أهل الصعيد، والمنذرة بقبض أرواح الأطفال، فكانت أمه تتطهر كل ليلة وتصعد إلى سطح البيت لاستقبال الهلال إلى الفجر، متضرعة إلى الله أن يحفظ ابنها.
وفى هذه اللحظات، حاول الشيخ محمود التخفيف عن زوجته، وقال لها: دعيه يموت فى هدوء، لا تتعلقى به اعتبرى أنك لم تنجبيه شدّى حيلك وهاتى غيره.
ورأت أمه فى المنام، خلال فترة الوحم، حمارة وقد ولدت جحشًا رفيعًا عليلًا، ورأت أصحابه يربطون ركبتيه بحبال كى تتماسكا، لذلك حين أنجبت ابنها، ووجدته غير قادر على استعمال ركبتيه كأنداده جميعًا، استوحت فكرة حبال الجحش، وطبقتها على وليدها.
استجاب رب العباد لمناجاتها، فعاش الولد، وطالت أيامه، ليتم عامه الـ 78، استطاع فيها أن يحفر اسمه فى التاريخ، كواحد من أهم شعراء العامية، وقطب فى عائلة الحكائين العرب.
يتعرض عبد الرحمن الأبنودي، أو «الخال» كما يحب جمهوره أن يناديه، لمرض فى الرئة، ويقول إنه «سيقطع طريقه إلى دولة الأموات بفضل هذا المرض»، ويقول أيضًا إن «الصعيدى يموت دون أن يمرض»، والمرض فى اعتباره «عيب».
أسرته
عمل أبوه، محمود أحمد عبد الوهاب، مأذونًا شرعيًا للقرية، وكانت له معرفة زاخرة بالنحو واللغة، فنظم ألفية فى النحو، وبردة على نسق «بردة البوصيري»، وكان من الذين يقرضون شعر الفصحى، ولديه مكتبة عربية عامرة.
أما أمه، فاطمة قنديل، التى يحلو لـ«الأبنودي» أن يسميها «قنديلة»، فكانت بحسب وصفه، «مزيجًا ما بين الفرعونية القبطية والإسلامية، بالرغم من أميتها وإيمانها بالخوارق من أمور قداسة النهر والخصب وطرد الروح برذاذ الماء الذى ترشه على عتبات البيت»، وكانت فى نظره «مثالًا للمرأة المصرية عمومًا، والصعيدية بشكل خاص»، وكان مصدرًا كبيرًا لإلهام الأبنودى فى مختلف أشعاره.
طفولته
فى بلاد لا تعرف الأحذية، رعى الأبنودى الغنم طفلًا، فكان يفيق من نومه قبل إفاقتهم، حتى إذا فرغوا من نومهم أحالوا سماء القرية ترابًا وعفارًا، استعدادًا للاصطفاف فى طابور منتظم، يسوقه الطفل حافى القدمين فى لهيب الشمس إلى «غيطان» القرية.
ويقول الأبنودي، فى إطار حلقات من سيرته الذاتية: كانت السيدة تخوض فى لهاليب جهنم وحذاءها مصان فوق رأسها، وكأن الحذاء حرام أو عيب، وكأن الواحدة منهن تقول: يقولوا عليّا لابسة جزمة؟! ليه رايحة أتجوّز ولّا رايحة عُرس؟.
ويقول الأبنودي: الرعى مهنة أساسها الحرية، حرية البدن والساق بالتحديد، للكر والفر والمطاردة والمحاصرة والمسايسة، تردّ من هنا وتصدّ من هناك، تزعق وتعوى، وتضرب، وتردع حتى يسمعك جيدًا صاحب الحقل الذى اعتدت عليه بهاؤمك فيغفر لك خسارته وإلا خربت الدنيا، ومرة أخرى يشير إلى أن «الحذاء هنا شيء معطّل، شيء فى مصلحة الماعز وضد صاحب الحقل وضدك، شيء يهيئ للعنزة الطائشة أن تطيش، والنعجة الهاربة أن تتمكن من تنفيذ مخططاتها اللئيمة. لذلك كان الجميع حفاة، كلهم يرتدون قميصًا واحدًا خامًا رخيصًا يستر نصف البدن، أما فكرة الملابس الداخلية فلا تنشأ إلا قبل ليلة الزفاف بوقت قصير.
وفى تلك الحياة، كان على رعاة الغنم، مثل الأبنودي، أن يدبروا طعامهم بأنفسهم، فكان يخرج من بيته بسنارة لاصطياد السمك من النهر.
البدلة الفسفورية ومكافأة الإذاعة
علم الأبنودى أن قصيدته «دودة القطن» وقع غناؤها فى الإذاعة، فاتصل بـ«جاهين» الذى أكد له ذلك، وطلب إليه أن يذهب إلى الأستاذ الشجاعى فى الإذاعة.
فى ذلك الوقت، ترك الأبنودى وصديقه «دنقل» العمل فى محكمة قنا، وصادف غناء القصيدة مع تواجده فى القاهرة. ولما كلفه جاهين بلقاء الأستاذ، أخذ يرتب للقاء على الطريقة القاهرية بعيدًا عن الجلباب، فاستلف بدلة من صديق له، يقول إن لونها كان مميزًا للغاية، فهو أصفر أو فسفوري، يجبر الناظر على أن يغمض عينيه لفرط تأثيرها.
قصد الأبنودى الإذاعة، وقابل الأستاذ الشجاعي، ودار بينهما حديث قصير، اختتمه المضيف بأن طلب إلى ضيفه الذهاب إلى الخزانة لتلقى أجر كلمات أغنية «دودة القطن»، 5 جنيهات وربع، ودعوة لكتابة كلمات 3 أغنيات جديدة.
رحلة  الصعود
نفّذ الشاب المتحمس طلب الشجاعي، وكتب 3 أغنيات مهمة، الأولى «تحت الشجر يا وهيبة» والثانية «بالسلامة يا حبيبى بالسلامة» وأغنية ثالثة.
وذهب بها فى الموعد المحدد، فتم توزيع الأغنيات على 3 ملحنين، وكانت واحدة من نصيب نجاح سلام، وأخرى غناها محمد رشدى.
ويقول الأبنودي: كانت أغنية «تحت الشجر» فاتحة خير لى ولمحمد رشدي، وأصبحنا صديقين ولم نفترق حتى لحظات حياته الأخيرة، ثم كتبت لشادية ولفايزة أحمد وآخرين من المطربين.
وكانت القاهرة فى نهاية الخمسينيات ساحة أدبية مليئة بالصالونات والأفكار المستمدة من الحماس للثورة الوليدة، وكان من الطبيعى أن تستوعب المواهب الجديدة.
وتاه الأبنودى فى ليالى القاهرة الأدبية وأخذ يجرب فى الشعر العامى حتى أصدر ديوانه الأول «الأرض والعيال» عام 1964.
واستطاع الشاب أن يطوّع كتابته للأغانى من أجل كسب العيش، إلى جانب الحفاظ على كونه شاعرًا يكتب بالعامية معبرًا عن قضايا وطنه.
كتبه
من أشهر أعماله السيرة الهلالية التى جمعها من شعراء الصعيد ولم يؤلفها.
ومن أشهر كتبه كتاب «أيامى الحلوة»، والذى نشره فى حلقات منفصلة فى ملحق أيامنا الحلوة بجريدة الأهرام تم جمعها فى هذا الكتاب بأجزائه الثلاثة، وفيه يحكى الأبنودى قصصاً وأحداثاً مختلفة من حياته فى صعيد مصر.
صدر مؤخرًا عن دار «المصري» للنشر والتوزيع، كتاب «الخال» للكاتب الصحفى محمد توفيق، يتناول فيه سيرة الشاعر عبد الرحمن الأبنودى الذاتية.
ويرصد الكتاب قصص الأبنودى الآسرة، وتجاربه المليئة بالمفارقات والعداءات والنجاحات والمواقف.
وفى مقدمة كتابه، يقول توفيق: «هذا هو الخال كما عرفته.. مزيج بين الصراحة الشديدة والغموض الجميل، بين الفن والفلسفة، بين غاية التعقيد وقمة البساطة، بين مكر الفلاح وشهامة الصعيدي، بين ثقافة المفكرين وطيبة البسطاء.. هو السهل الممتنع، الذى ظن البعض - وبعض الظن إثم - أن تقليده سهل وتكراره ممكن».
من أشهر دواوينه الشعرية
ومن أشهر دواوينه الشعرية، الأرض والعيال (1964 - 1975 - 1985)، الزحمة (1967 - 1976 - 1985)، عماليات (1968)، جوابات حراجى القط (1969 - 1977 - 1985)، الفصول (1970 - 1985)، أحمد سماعين (1972 - 1985)، انا والناس (1973)، بعد التحية والسلام، 1975)، وجوه على الشط (1975 - 1978) قصيدة طويلة، صمت الجرس (1975 - 1985)، المشروع والممنوع (1979 - 1985)، المد والجزر (1981) قصيدة طويلة، الأحزان العادية (1981) ديوان مكتوب دراسة (محمد القدوسى)، السيرة الهلالية (1978) دراسة مترجمة، الموت على الأسفلت (1988 - 1995) قصيدة طويلة، سيرة بنى هلال الجزء الأول (1988)، سيرة بنى هلال الجزء الثانى (1988)، سيرة بنى هلال الجزء الثالث (1988)، سيرة بنى هلال الجزء الرابع (1991)، سيرة بنى هلال الجزء الخامس (1991)، الاستعمار العربى (1991 - 1992) قصيدة طويلة، المختارات الجزء الأول (1994 - 1995).
جوائز الأبنودي
حصل الأبنودى على جائزة الدولة التقديرية عام 2001، ليكون بذلك أول شاعر عامية مصرى يفوز بجائزة الدولة التقديرية، كما فاز بجائزة محمود درويش للإبداع العربى للعام 2014.

«الهلالية» ترثى «راويها»

الأقصر - حجاج سلامة
نعت قبائل بنى هلال الشاعر الراحل مؤكدين أنهم ميدنون بالكثير لعبدالرحمن الأبنودى الذى ساعد فى حفظ تراث واحدة من أكبر القبائل العربية.
وأعلنت محافظة قنا عن استعدادها لافتتاح متحف السيرة الهلالية بقرية أبنود، فى القريب العاجل واقامة مهرجان للسيرة الهلالية بحضور أفراد عائلة الشاعر الراحل الكبير عبدالرحمن الأبنودى.
كما يضم المتحف قاعة عرض لحصيلة جهود الشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودى على مدار ثلاثين عاما أنفقها من عمرة ليجمع هذه السيرة ويجعل منها الريادة للشعر العربى فتكون ملتقى فكرى للتراث الشعبى وأدبائه، كما يوجد بقاعة العرض معرض صور فوتوغرافية ترجع الى احقاب زمنية مختلفة طاف خلالها الشاعر بين رواة وشعراء السيرة الهلالية على مختلف هوياتهم.

أيقوناته الوطنية

قبل 1967
ابنك يقولك يا بطل هاتلى نهار
ابنك يقولك يا بطل هاتلى انتصار
ابنك يقول انا حواليا الميت مليون العربية
ولا فى مكان للأمريكان بين الديار
بعد النكسة
عدّى النهار والمغربية جايّة
تتخفّى ورا ضهر الشجر
وعشان نتوه فى السكة
شالِت من ليالينا القمر
حرب السويس
يا بيوت السويس... يا بيوت مدينتى
استشهد تحتك...... وتعيشى أنت
هيلا... هيلا... يالاه يا بلديا
شمر دراعتك... الدنيا اهيه
انتصار أكتوبر
يا أسمر يا أبوالقلب الحديد
ياللى واجهت الموت ... فى كل اتساع
يا أسمر يا أبوالوجه العنيد
يا مصرى ... ولحد النخاع
ثورة يناير
ايادى مصرية سمرا ليها فى التمييز
ممددة وسط الزئير بتكسر البراويز
سطوع لصوت الجموع شوف مصر تحت الشمس
آن الأوان ترحلى يا دولة العواجيز
ثورة يونيو
أول كلامى أصلّى ع النبى العربى
نبى ما كان يكره إلا ريحة الخايْنين
وَافْتَّح كِتابَ مصر واقرا القصة بالعربى
وما جرى فيها فى يونيه فى يوم تلاتين